المحاور السبعة في «بوصلة الدم»
(دراسة معجميّة تحليليّة)
بقلم: عقل العويط
(شاعر وناقد لبناني)
«بوصلة الدم» قصيدة ضمير سياسي. إنها مأساة الحرب والموت والانكسارات
الخاصة والعامّة كما سنرى. وإذا كان الشاعر بول شاوول قد حلّق في أحلامه
العالية، في الفترة التي سبقت هذا الكتاب، وأخصّه من خلال انتمائه القيادي
إلى «حركة الوعي اللبنانية» (نشأت 1968) ذات الاتجاه الاستقلالي، فإن الحرب
جاءت لتطوي هذه الأحلام، وتُدخل الشاعر في متاهات الانكسارات الداخلية
العميقة، التي كانت قصيدة «بوصلة الدم» إحدى علاماتها الشعرية الأساسية. في
ما يلي دراسة معجمية تحليلية لهذه القصيدة، وهي جزء من أطروحة دكتوراه في
اللغة العربية وآدابها (جامعة القدّيس يوسف 1984)، تناولت ثلاثة دواوين
شعرية هي على التوالي: «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» لأنسي الحاج،
«بوصلة الدم» لبول شاوول، «سنجاب يقع من البرج» لشوقي أبي شقرا. لكن لا بدّ
في البداية من شرح المنهجية المعجمية التحليلية التي قامت عليها هذه
الدراسة.
لم تكن المنهجية واضحة في الذهن منذ بداية العمل، بل هي حصيلة
استقراء واختبار واستنتاج، انطلقت من بعض المعطيات النظرية والتطبيقية التي
جاء بها الناقدان بيار غيرو (1) Pierre Guiraud ومونيك باران (2) Monique
Parent. وتتأسس هذه المعطيات على الإحصاء الذي يفسح في المجال لتحديد دقيق
للمعجم وعناصره المتنوعة.
وقد أخضعنا الإحصاء لمجموعة من القواعد
الأساسية التي وضعها بريل وجاكوب لاندو (3) Jacob Landow، ليكون المنطلق
مستنداً إلى أسس رصينة تمكن من الوصول إلى الغايات المرجوة.
وأبرز
القواعد الاحصائية التي اعتمدناها ورأينا أنها تفيدنا في عملنا هي الآتية
(مع ادخال بعض التعديلات والإضافات التي تنسجم مع خصوصيات هذا العمل):
- تُسجّل كل كلمة (ونعني بالكلمة اللفظة المفردة، سواء أكانت فعلاً أم
اسماً أم حرفاً) بما فيها الكلمات الأعجمية وأسماء الدول، وتسجّل أيضاً
الأسماء الخاصة، كأسماء الأشخاص أو المدن أو ما شابه ذلك.
- تُسجّل الأسماء مفصولة عن الضمائر المتصلة بها، وذلك في حالة المفرد تسهيلاً للفائدة، مثاله: «يده» تصبح «يد».
- تُسجّل النعوت بالمفرد المذكّر، ففي جملة «المنحدرات الأزلية» تسجّل «الأزلي» عوض «الأزلية».
- تُسجّل جميع الأفعال على أصلها ووزنها بصيغة الضمير الغائب المفرد
المذكر الماضي. مثاله: فعل «نقلوا» يسجّل «نقل»، «ينتقلون» و «انتقلت»
و«انتقلتما» تسجّل «انتقل». وكذلك يسجّل كل فعل من دون ذكر حروف الجر
المتعلقة به، مثاله: «أعرب عن» تسجّل «أعرب».
- يُسجّل كل من اسم الفاعل واسم المفعول بشكليهما في المفرد المذكر،
إذا أتيا بمعنى الاسم. مثاله: «كاتب» (بمعنى مَن مهنته الكتابة) ومكتوب
(رسالة) تسجّلان كما هما. أما إذا جاءا بمعنى الفعل فيسجلان بضمير الغائب
المفرد المذكر الماضي. مثاله: كتب.
- أسماء الفاعل والمفعول التي ترد بمعنى النعت تسجّل في المفرد المذكر: مثاله «الرجال القادمون» تسجل «القادم».
- تُسجّل المصادر مجردّة من الضمائر المتصلة مثلاً: «احترامه» تسجّل «احترام».
- تُسجّل حروف الجر كما هي، مجرّدة من الضمائر المتصلة. مثلاً: «عليكم» تسجّل «على».
- تُسجّل أسماء الإشارة مثل «هذا» أو «ذاك»، كما هي وعلى صيغتها.
- تزاد «أل» التعريف على المصادر والنعوت وأسماء الفاعل والمفعول،
منعاً لوقوع الالتباس بينها وبين الأفعال والظروف وأسماء العلم والبلدان
والمدن. مثلاً: «ولد» تسجّل «الولد»، «أزلي» تسجّل «الأزلي»، «قاتل» تسجّل
«القاتل»، و«مقتول» تسجّل «المقتول».
وقد انطلقنا من هذه القواعد، ووضعنا قائمتين لمجموع الكلمات في النص.
وتعتمد القائمة الأولى على الإحصاء الألفبائي، حيث أدرجنا جميع الكلمات ضمن
الترتيب الألفبائي للأصول العربية (4). وسجّلنا إلى جانب كل كلمة أماكن
ورودها في الصفحات والأسطر، بغية الإحاطة بتفاصيل تراكيبها وسياقاتها
المختلفة.
أما القائمة الثانية، فتعتمد على ترتيب الكلمات الموجود في
قائمة الإحصاء الألفبائي، وذلك بحسب نسب تواتر كل كلمة. فوضعنا الكلمات
التي ترد مرة واحدة في لائحة، والكلمات التي تتكرر مرّتين في لائحة ثانية،
والتي تتكرر ثلاث مرات في لائحة ثالثة، وهكذا دواليك إلى أن انتهينا منها
كلها.
وتعتمد هذه الطريقة على إحصاء كلمات النص كلها، من خلال العودة
إلى أصول كل كلمة في المعجم، إحصاء ألفبائياً شاملاً، للوصول إلى معرفة
تواتر كل كلمة فيه، وتحديد مجموعة الكلمات الأكثر تواتراً.
وتفترض هذه
المنهجية شروطاً، يدخل ضمنها تحديد العدد الشامل للكلمات ذات المعنى في
النص (5)، كما يدخل ضمنها وضع الأدوات التي لا معنى لها بذاتها (6)
(outils)، خارج تحديد العدد الشامل. كما تفترض هذه المنهجية أيضاً تحديد
عدد الكلمات المتغايرة (7) (différents)، ورصد مجموعة الكلمات الواردة مرة
واحدة (8)، للتمكن من دراسة غنى المعجم وتمركزه وتبعثره (richesse,
concentration et dispersion)، بواسطة مجموعة من القواعد والشروط
الموضوعية: فللوصول إلى غنى المعجم مثلاً، يصار إلى دراسة النسبة بين عدد
الكلمات المختلفة (différents) في النص، وبين الجذر التربيعي لمجموع
الكلمات التي يتألف منها (9). وهذه النسبة تقع في حوالى 20.5 في معجم عادي
يضم بين خمسة آلاف وعشرين ألف كلمة. ويجب الحكم على الغنى النسبي من خلال
هذا الرقم (10). لكن عدد كلمات هذا النص أقل من خمسة آلاف، فيجب والحالة
هذه الاستناد إلى نسبة ملائمة لعدد هذه الكلمات. وللوصول إلى تمركز المعجم،
يصار إلى رصد نسبة تواتر الكلمات الخمسين الأولى الأكثر استعمالاً، التي
تنطوي بالضرورة على معنى محدِّد بذاتها. إذ نحذف من هذه الكلمات، تلك التي
لا معنى لها بذاتها (outils). فتمركز المعجم هو قيمة مطلقة تدلّ على النسب
التي يردد فيها الكاتب كلماته. وتحتلّ الكلمات الخمسون الأولى، عادة، نسبة
9% من مجموع الكلام، كما تشير إلى ذلك الناقدة مونيك باران (11).
وتمكّن
هذه الطريقة الإحصائية من تحديد النسب المئوية لعناصر المعجم، من أفعال
وأوصاف وأسماء وظروف وأدوات، حيث يمكن بالتالي، الوقوف على أهميتها الذاتية
وخصائصها العامة.
ولم تكن غايتنا من هذه المنهجية الاحصائية دراسة هذه
العناصر في نسبها المئوية، واستخلاص أهميتها وخصائصها، بل انصرفنا إلى
دراسة التكرار كظاهرة مميزة تمكّن من القبض على الكلمات المفاتيح التي تضيء
النص وتسهّل الدخول إلى عوالمه الخاصة في دلالاتها المتنوعة. واعتبرنا أن
الكلمات المفاتيح هي التي يشكّل تكرارها ظاهرة مميزة، وبناء على ذلك،
اعتبرنا أن الكلمات الخمسين الأولى في النص هي الكلمات المفاتيح.
وقد
عمدت الناقدة باران في كتابها عن سان جون بيرس، إلى التفتيش عن الكلمات
الثلاثين أو الأربعين الأكثر تكراراً في النص، بينما عمدنا نحن، إلى
الانطلاق من الكلمات الخمسين الأولى (12)، ليكون تمثيلها أشمل لكل العلامات
المتكررة في النصوص. باعتبارها المادة التكرارية الأولية التي سنستطيع
بواسطتها تكوين وتحديد المواضيع أو المحاور التي يقوم عليها النص.
وفي هذا المجال يتحدث الناقد رولان بارت عن «الموضوع» فيقول إنه يتصف بـ«العودوية»، أي «أنه يتكرر على امتداد العمل الأدبي» (13).
ويقول جان بيار ريشار في المعنى نفسه إن «الاطرادية هي المقياس في تحديد الموضوعات» وإن «التكرار» «دليل على الهوس» (14).
ونعني
بالموضوع مجموعة المفردات التي تنتمي إلى حقل لغوي واحد. والحقل اللغوي
الواحد، يتألف من المفردات التي تجتمع على الاشتقاق والترادف والقرابة
المعنوية (15).
وعلى هذا الأساس، سعينا، انطلاقاً من الكلمات الخمسين
الأولى، إلى التفتيش في المعجم الذي تم إحصاؤه ألفبائياً وتكرارياً، عما
يشكل مع هذه الكلمات أو مع بعضها، حقولاً لغوية واحدة، أطلقنا عليها اسم
المحاور. ويشير جان بيار ريشار إلى هذه الناحية بالقول: «وعلى امتداد العمل
الأدبي المكتوب، فإنه يجب أن تتحدد العناصر التي تتكرر بشكل ذي دلالة. ثم
توضع هذه العناصر في مجموعات أو حقول شاقولية» (16).
وبالاستناد إلى هذه
الطريقة، خلصنا إلى بناء محاور أساسية، وحدّدنا من خلالها، وبشكل واضح،
أهم الموضوعات التي يتناولها النص. واعتبرنا أن المحور الرئيسي هو الذي
تتردد مفردات حقله اللغوي بشكل يفوق مفردات الحقول اللغوية الأخرى» (17).
واعتبرنا أن المحاور الأخرى هي المحاور التي تتردد مفردات حقولها اللغوية
بشكل أقل من مفردات الحقول اللغوية الأخرى.
وكان لا بدّ من الانطلاق بهذه المحاور الأساسية إلى ما يتفرّع عنها من محاور جزئية وتفصيلية، حين دعت الحاجة إلى ذلك.
وقد
وجدنا أن بعض الكلمات يدخل في أكثر من محور، «ذلك أن القدرة التي تحملها
المفردة أحياناً، على الارتباط بأكثر من جانب من جوانب التحليل، هي التي
تفرض ذلك» (18).
وإذا كان غريماس يرى أن في الكلمة «نويات ذرية» (19)
تفيدنا في التحديد المبدئي للحقل اللغوي، باعتبار أن معنى الكلمة يبقى
ثابتاً في هذا المجال، فإن هذا العالم يرى في «معنى» الكلمة «نويات نصية»
(20) حيث تأخذ الكلمة هنا معناها النصي المحدد في مواقعها المختلفة.
وقد استفدنا من المعنى الذي تأخذه الكلمة في النص وعمدنا إلى تحليله، وذلك من ضمن ورود الكلمة في سياقاتها النصية المتعددة.
إن
هذه المنهجية المتبعة التي أهملنا فيها الظروف الخارجية وانعكاساتها على
العمل الأدبي، والتي ركزنا فيها كل اهتمامنا على النص «كشيء» و«ككائن مطلق
الاستقلالية» (21)، قد مكنتنا من الوقوف على المعاني التي تنطوي عليها
الكلمات في بادىء الأمر، ثم المعاني التي تنطوي عليها المحاور المختلفة، ثم
الأفكار العامة التي يقوم عليها النص بمجمله.
وإذا كانت هذه المنهجية
المعجمية التحليلية قد أتاحت لنا البحث في المعنى وعنه، فإننا نكون بذلك قد
حققنا الغاية منها، وهي الكشف عن مجمل الخلفيات المضمونية التي يحملها هذا
النص.
وإذا كنا اكتفينا من منهج غيرو وباران بالإحصاء ونتائجه الأولية،
فلأننا كنا ندرك سلفاً، ومنذ البداية، أن اهتمامات هذا المنهج الرياضية لن
تدخل في صلب تحليلنا وعملنا.
وقد كان لهذه المنطلقات الإحصائية الدقيقة من الأهمية، ما كفل لدراستنا المتواضعة هذه، القدر الوافي من الرصانة العلمية.
المحاور الأساسية
تحمل «بوصلة الدم» سبعة محاور أساسية، هي على التوالي بحسب نسب تواترها:
محور
«الجسد» - محور «المكان» - محور «الرحلة والجمود» - محور «الزمن» - محور
«الحلم والتخريف» - محور «الألوان» - محور «الموت الدموي».
وسنفرد لكلّ محور فصلاً خاصاً به.
15
| 14
| 11
| 10
| 9
| 8
| 7
| 6
| 5
|
الدم
| الوجه
| الحلم
| المدينة
| الرمل
| النهر
| الخيال
| الحدود
| الحجارة
|
|
|
| اللحظة
| الرحالة
| الجدار
| انتظر
| البوصلة
| الفصل
|
|
|
| الشمس
| المحاصر
| الواحد
| الأزلية
| الجموع
| الوطن
|
|
|
| العين
|
| الهواء
| الأشرعة
| اليد
| الهاوية
|
|
|
|
|
| النسيان
| مات
| الدمع
| القامة
|
|
|
|
|
| القبيلة
| الكلمة
| البحر
| الأصداف
|
|
|
|
|
| الريح
| الجذر
| العضو
| الزمن
|
|
|
|
|
| الحضور
| الجسد
| المعدن
| الذكرى
|
|
|
|
|
|
| الساكن
| الصبح
|
|
|
|
|
|
|
|
| الأسود
|
|
|
|
|
|
|
|
| الموت
|
|
|
|
|
|
|
|
| الغياب
|
|
|
|
|
|
|
|
| الشعب
|
|
|
|
|
|
|
|
| السماء
|
|
|
|
|
|
|
|
| الأرض
|
|
الفصل الأول
محور «الجسد»
أ- محور «الجسد»: الجسد 7 - الجسم 2.يشغل الجسد
حيّزاً كبيراً من اهتمامات «البوصلة»، نظراً إلى مجموعة الكلمات الدالة
عليه، أو على أعضاء منه، أو على عناصر تتصل به، والتي يصل مجموع تكرارها
إلى 80 تواتراً، ترسّخ الدور الذي يقوم به «الجسد» في سياق حركة الديوان
الأساسية. وسيتمحور تحليلنا حول الكلمات ذات التواتر البارز، ثم نربطها بما
يناسبها ويأتلف معها في المحور نفسه، منطلقين من محور «الجسد»، ومنتقلين
من ثم، إلى المحاور التفصيلية والعناصر، ضمن سياق تواتري متسلسل.
فـ«الجسد»
هو الشكل الذي يُعطى الإنسان، ويتميّز بأنه الوسيلة الأساسية والسريعة
التي يتمّ التعبير بواسطتها عمّا في الداخل. وإذا كانت «البوصلة» هي «بوصلة
الدم»، كما نتبيّن ذلك من العنوان، فإن «الجسد» لا بدّ أن يكون شاهداً
أساسياً على تحرّكها، ويظهر دور «الجسد» - الشاهد في شكلين: حسّي مادي،
وروحي معنوي.
ويتمثّل الشكل الحسي لهذا الدور، في ما يتعرّض له «الجسد»
من عنف وتشنيع ووجع، بينما يتمثل الدور المعنوي، في ما يتلقاه ويشعر به من
آلام وأحزان، ليس لها شكل حسيّ معيّن.
ولا نستطيع أن نفهم حضور «الجسد»
ومعناه في «البوصلة»، إلا من خلال ما يمكن استخلاصه من سياقاته، ومن
المحاور التفصيلية المرتبطة به والدالة عليه.
إلا أن كلمة «الجسد» (22)
التي تتكرر سبع مرّات، وتضاف إليها كلمة «الجسم» (23) التي تتكرر مرتين،
تكتسب بعداً مفجعاً حين يحيطها النص، خمس مرات بكلمة «العاري». و«الجسد
العاري» (24) هو الجسد الضعيف والمعرّض للمفاجآت الصعبة. إنه «الجسد» الذي
لا حماية له، أي «الجسد» الذي تصيبه «الطعنة المظلمة»، فتغرز فيه وتؤذيه
وتؤلمه، كما تقضي عليه كنتيجة حتمية لفعل الطعن نفسه، وذلك في الجملة
الآتية: «كيف يقابل الجسد العاري بين البحيرات واللغات البيضاء الطعنة
المظلمة» (25).
وتلتفّ «الأصابع المقطوعة» حول هذا «الجسد العاري»،
فنكتشف أن الحماية التي تتوافر له، عبر طبيعة «الالتفاف» ونوعيتها، هي
حماية مأسوية تؤكد صورة هذه «الأصابع المقطوعة»، وذلك في جملة تكمل السياق
السابق:
«وليلتفّ الجسد العاري بأصابع مقطوعة» (26).
وتقترن عبارة «الجسد العاري» بعبارة «سماء مفجوعة» (27)، مما يكشف خصوصية الإطار المحيط بهذا «الجسد»، وهي خصوصية مفجعة ومؤلمة.
ويُعاد
ربط «الجسد العاري» بكلمة «الطعنات» (28) التي تتكرر مرتين، فتترسّخ صورة
العنف المتكررة، التي تؤكد سقوط «الجسد» تحت وطأة عريه والطعنات التي
تخترقه وتقضي عليه. ويسترعي الانتباه أن هذا «الجسد العاري» يحضر في
تكراراته الأربعة المشار إليها، ضمن سياق من الصفحات شبه متتالٍ (29)، مما
يُبرز ظاهرة التمركز، ويُبرز في آن واحد، ارتباط هذا «الجسد» بـ«كيف»
الاستفهامية التي تُظهر المرارة العميقة المرافقة لهذا الواقع المؤلم.
وإذا
كان «الجسد» «ينفي عريه بالكلمات، ينحت حركاته بالدمع» (30)، فإن هذا
النفي لا يجدي، لأن الكلمات لا تستطيع أن «تنفي» «العري» أو تمنعه، ولأن
«الدمع» هو الشكل الذي تأخذه حركات هذا «الجسد».
في سياق آخر، يرتبط
«الجسد» بـ«البوصلة» التي تُستعمل لمعرفة الجهات، لكنها هنا، تقترن
بـ«الرصاص» الذي يتوجّه نحو «الأجساد» ليلغيها من خلال اختراقه لها، وذلك
في الجملة الآتية:
«للأجساد بوصلة الرصاص» (31).
وحين يأخذ «الجسد»
شكل «الأجسام المنهدمة تحت الشمس» (32)، يتأكّد لنا سقوطه في دوامة الموت
التي تلغي إمكانية التوجه الجسدي نحو أي هدف متصل بالأمل والفرح، ما يساهم
في الكشف عمّا ينطوي عليه هذا المحور من عناصر سلبية تتوحّد عبر حالة
الموت.
هكذا يكتسب «الجسد» معناه الحقيقي من خلال «عريه». ولهذا فإن
«البوصلة» التي تتحرّك باتجاهه هي «بوصلة الرصاص» القاتلة. ولا شكّ في أن
هذه الجملة توضح المصير الثابت والأكيد الذي ينتظر الجسد المعدّ للقتل
والموت.
ب - محور «الأعضاء»: العضو 6 - اليد 6 - الرأس 4 - الإصبع 4 - الرِّجل 2.تبرز
في سياق التحليل كلمة «العضو» (33) التي تتكرّر ست مرّات، وتؤلف، إلى جانب
مجموعة من أجزاء «الجسد»، محوراً كاملاً، يلقي بعض الأضواء على خصوصيات
المحور العام ودلالاته الخلفية. وإذا كانت كلمة «العضو» لا تؤدي معنى
مميزاً في ذاتها، فإنها تحمل دلالات تشير إلى تعرّض «الجسد» للتشنيع والقطع
والبتر. ويظهر هذا، حين ترتبط «الأعضاء» بـ«الهواء»، في الجملة الآتية:
«هواء مقسّم يهبّ
لكلّ عضو هواء» (34).
حيث «الهواء المقسّم» «يهبّ»، ويتفرع ليصيب كلّ «عضو» على حدة. و«العضو
المقطوع» إشارة إلى العنف الذي يتعرّض له الجسد، عبر أعمال التجزئة والقطع
والبتر. فلو توغّلنا في «الأعماق»، فإن في كلّ «عضو مقطوع» سينبت «عضو
مقطوع» (35) آخر، ما يشير إلى سيطرة واقع القطع والبتر على الجسم الذي
تنتمي إليه الأعضاء المقطوعة.
و«أعضاء» الجسد «مفصولة» (36) أيضاً. وهي
أشبه «بجريان اللحظة في أسلاك الخشب» (37). فالخشب لا يمكن الاتصال به
حرارياً. إنه جسم جامد. وهكذا هي الأعضاء المفصولة عن بعضها البعض. فالعضو
المفصول لا حرارة فيه ولا حياة، شأن الخشب تماماً.
و«الأعضاء المفصولة» هي أعضاء ميتة تشبه «الجثة» (38)، لكنها «جثة الوطن» (39)، ما يعمّق الصلة بين بعدَي «الجسد»، الإنساني والوطني.
يرسّخ
هذا المنحى ارتباط كلمة «العضو» بكلمة «اليد» (40) التي تتكرر ستّ مرّات،
والتي تعمّق فكرة التفكك والانحلال والموت. فجملة «يحلّ براغي يديه» (41)،
تشير إلى التركيب الآلي القائم في الجسد، مما يبيّن الحضور السلبي لليدين
في هذا السياق. ويبدو الأمر كذلك في الجملة الآتية:
«القامات الوافدة تحلّ براغي مفاصلها
تسحب أيديها وأرجلها» (42).
حيث يحضر الجسد بشكل آلي يشبه اللعبة، فتؤدي «الأيدي» دوراً سلبياً
جامداً وغير فاعل في إطار الجسد العام. وعندما تقوم «اليد» بسجن «الأصابع»
(43)، فإنها تقيّد الحرية وتلغي الحركة وتنفيها. لكن حين «تتلألأ في أيدينا
بوصلة الدم» (44)، يتأكد العمل الهمجي الذي تقوم به «الأيدي». فـ«بوصلة
الدم» هي البوصلة التي تتوجه نحو الأماكن التي تكثر فيها الدماء، أي دماء
الموت والقتل والفجيعة. وبالتالي فإن «الأيدي» التي تحمل هذه «البوصلة» هي
أيدٍ قاتلة، يحيطها النص بنوع من التهكّم والسخرية والمرارة.
أما
«الرأس» (45) فيتكرّر أربع مرّات، ويؤدي دوراً مساعداً يساهم في توضيح
التوجّه العام الذي يحيط بمحور «الأعضاء». فـ«السكون الشمعي» (46) المخيّم
على «الرؤوس» دليل على انعدام الحركة والتفكير والوعي. و«الهشيم» الذي
«يسري إلى الرؤوس الموتورة» (47) يؤكّد انتشار الحريق والنار والدمار في
«الرؤوس» التي تتصف بعدم الرزانة. وعندما يأتي النص بجملة «يفك رأسه» (48)،
تتبلور في أذهاننا فكرة الآلية والتركيب، المتحكّمة بأعضاء الجسد
المختلفة.
ترد كلمة «الأصابع» (49) أربع مرات و«الأرجل» (50) مرتين، وهي تؤكد ما أكّدته الأعضاء السابقة من تفكك وبتر وتقطيع.
هكذا
تجتمع كلمات «العضو» و«اليد» و«الرأس» و«الأصابع» و«الأرجل» للدلالة على
فكرة واحدة جامعة، هي فكرة الأعضاء المفككة التي تتعرّض للتشنيع والبتر.
فتارة هي تعبّر عن التقسيم، وطوراً عن البتر والقطع.
وفي الحالتين معاً،
يكتمل المعنى ويتوحّد. فالتقسيم والبتر يكونان ماديين، كما يكونان
معنويين. وهما يرمزان إلى الجسد، كما يرمزان إلى الوطن والأرض والإنسان.
وتبدو النتيجة، في كلّ هذه الاحتمالات، مفجعة ومدمّرة وقاتلة.
ج- محور «العين»: العين 10 - الدمع 6 - الجفن 2 - الرمش 1.كان
من الممكن أن نجعل «العين» في عداد الكلمات الدالة على الأعضاء، كما كان
من الممكن ربطها بمحور «الوجه»، لكن «العين» (51) تشكّل لوحدها، إضافة إلى
الكلمات التي تدور في فلكها، محوراً قائماً بذاته، يتكامل في ما بينه، خارج
كونه عنصراً من عناصر المحاور الأخرى، فهي تتكرر عشر مرات. لكن أهميتها
ليست في تكرارها فحسب، إنما في قيمتها «الجسدية» وفي المعاني والدلالات
المرتبطة بها أيضاً. فـ«العين» جزء من الوجه، لكنها تشكل نقطة التأثير
الأساسية فيه. فهي تمكّن الإنسان من رؤية العالم الخارجي في خصوصياته
السلبية والإيجابية. وتحمل «العين» أيضاً، دلالات مهمة. فهي تعكس الحالات
النفسية المختلفة، فتدخل بالتالي، في إطار ثنائية الفرح والحزن، التفاؤل
والتشاؤم، الحياة والموت.
ويرتبط تحليل «العين» ببعد سلبي، لأن «العين»
ترى، ورؤيتها تقع على مشاهدات العالم الخارجي الذي هو عالم الحرب والقتل
والدمار فمن المعاني التي ترافق هذه الكلمة، أن:
«الصحراء المطلية بالفضة تنفتح عليها عيون مقروحة
ترنّ على حجارتها أوراق المعدن» (52).
فـ«العيون» تكون «مقروحة»، أي مجرّحة ومتورّمة ومعذّبة، وهي تنفتح على «الصحراء» ما يدل على اليأس والجفاف والعذاب.
و«العيون»
تصبح «زجاجية» (53) فتخرج عن أداء دورها الفاعل، وتخلو من الحياة ومن
القدرة على التحسس والرؤية. إنها عيون لا تحسّ ولا ترى ولا تنفعل ولا تفرح
ولا تتألم. وأكثر من ذلك، هي «عين مطفأة» (54)، ما يثبت انقطاع الأمل
والرؤية نهائياً، وحلول الظلام الدامس.
يرتبط استعمال «العين» بالتقسيم،
حين يدور الكلام على «الرحّالة» الذين «فقدوا نصف عيونهم» (55)، وكأن هذا
التقسيم يعكس حالة الوطن، لا حالة الأعضاء الجسدية فحسب. غير أن «العين»
تحمل معنى إيجابياً مليئاً بالحياة، خصوصاً عندما تقترن بعبارة «اللحظة
الباهرة»، حيث يتحول كلّ شيء إلى أمل وتفاؤل، وذلك في الجملة الآتية:
«آه لو كانت اللحظة الباهرة تطفر من
عيون الأحصنة المذبوحة...» (56).
لكن كلمة «العين» تكتسب معنى محزناً، حين نرى تكرار كلمة «الدمعة» (57)
ستّ مرّات، وهي كلمة تدلّ على الحالات النفسية المؤلمة والحزينة. فـ«الصيف»
يتحوّل إلى صيف «للدموع» (58) التي تذرف تعبيراً عن الحزن والألم. ولعلّ
وصف هذا «الصيف» بكلمة «الثقيل» يؤكد المرور البطيء والمفجع للزمن، حيث
يتحول الأمر إلى مأساة وفجيعة. وأبلغ ما في هذا الإطار، أننا نرى «الجسد»
وقد راح ينحت حركاته بـ«الدمع» (59)، مما يوضح الصورة التي استطعنا الوصول
إليها من خلال محور «الجسد» نفسه.
ويتضح لنا من هذا الكشف، أن حاسّة
البصر، التي تُضاف إليها كلمة «الجفن» (60) المتكرّرة مرّتين، وكلمة
«الرمش» (61) الواردة مرّة واحدة، تقدّم دليلاً فعلياً على معنى «الجسد»
ودوره المأسوي.
د- محور «الوجه»: الوجه 14 - القسمات 3.«الوجه» في
«البوصلة» هو صورة مصغّرة عن الإنسان، جسداً وروحاً. صورة تكشف عن الظاهر
والباطن، الإيجابي والسلبي. ويختصر هذا «الوجه»، الواقع بجميع عناصره
الظاهرة والباطنة، الإيجابية والسلبية. ويرسم صورة الحزن، كما يرسم صورة
الفرح. وهو الإطار الخارجي الذي ينقل حركة النفس في انفعالاتها المتناقضة.
فـ«الوجه» الجسدي هو مرآة «الوجه» النفسي. وهذا المنحى في التحليل، يرفعه
إلى ما هو أعلى من مستوى الواقع ومستوى الظواهر المحسوسة، ليشكّل رمزاً
دلالياً مشتركاً، للظواهر المحسوسة ولتلك غير المحسوسة.
يتكرر «الوجه»
(62) أربع عشرة مرة، وتضاف إليه كلمة «القسمات» (63) التي تتكرر ثلاث
مرّات، مما يبيّن دوره الأساسي في التسلسل التكراري. فهو يحتل المرتبة
الثانية في «البوصلة»، ويعكس في تسلسله المتقدّم هذا، رغبة في الجمع بين
صورة «الوجه» وصورة «الدم». وكأن الواحدة منهما مرتبطة بالأخرى، أقلّه من
ناحية التكرار. فتظهر هذه الصورة وهي تعكس حالة الحزن والفجيعة.
ويأخذ
الوجه معانيه من خلال سياقاته المتعددة، حيث يبرز في صورة «الندامة الأولى»
(64)، كما يبرز في صورة «الوجوه الساكنة خلف الأقنعة» (65)، فنستدلّ على
حالتَي الموت والجمود اللتين في تلك الوجوه المختبئة.
ويرتبط «الوجه» ارتباطاً وثيقاً بموضوع التدمير والقتل والإحراق، وذلك في الجملة الآتية:
«نحن القبائل الأزليّة أشعلنا المدن
أحرقنا الوجوه المفتوحة على المياه» (66).
فالإحراق عمل تخريبي وتدميري يؤدي إلى القضاء على علامة إيجابية تتمثّل
بـ«الوجوه المفتوحة على المياه». فالقضاء على هذه الوجوه، هو قضاء على
الحياة والأمل والتفاؤل. ويحمل هذا القضاء بعداً أبدياً، أي هو قضاء لا
حياة بعده ولا أمل. فتأتي «النار» لـ«تبذر» نفسها في «الوجوه» إلى الأبد،
ما يرسّخ الظاهرة الإلغائية ذات الفعل الثابت والأكيد. ويظهر هذا المعنى في
سياق الجملة السابقة وما يليها:
«ها نحن تبذر في وجوهنا أبدية النار» (67).
هكذا، فإن «الوجوه» التي حملت صفة إيجابية، سرعان ما تعود لتحمل صفتها
السلبية الشاملة، فتصبح «وجوهاً ألفية» (68)، قديمة ومتجذّرة، تتكدّس في
«الذكرى» (69)، أي في الماضي القديم وخلفياته البدائية المتعددة.
ومهما يكن من أمر، فإن «الوجوه» تكون «مفجوعة» بسبب «الترحّل» الذي يقضي على كلّ شيء، وذلك في الجملة الآتية:
«ولكم كان الترحّل سيّد اللحظات نثارَ الوصل
يترك الوجوه مفجوعة تحت برق الحوافر والرماد» (70).
فالوجوه المتشبثة بالحبّ والأمل، تعيش الفجيعة تحت برق الحوافر والرماح،
ما يشير إلى سيطرة القتال والحرب، وسيطرة النتائج الوخيمة المترتّبة
عليهما.
وحين يطغى عامل الانكسار واليأس، لا نجد غير السؤال:
«وأنت ولو صاغراً تحت مطر الطقوس
هل يبقى في وجهك ما ينبئ بالطيور» (71).
السؤال يخفي الرغبة في التفتيش عن أمل وحرية، في غمرة وقوع الوجه «تحت مطر الطقوس».
لكن
هذا السؤال سرعان ما يختفي، لتظهر مكانه الحقيقة المفجعة بأمّ العين،
فترتسم صورة «الوجه المفلوع» في «ظلمتين» (72)، حيث «الوجه يسقط الوجه»
(73)، وحيث يصبح «الدم» (74) عنواناً رئيسياً يلصق كخريطة على هذا الوجه
المتألم.
نخلص إلى القول إن «الوجه» يدخل عالم الثنائية في وجهيها
الإيجابي والسلبي، لكن هذه الثنائية لا تلبث أن تختفي، لتظهر في وجه واحد،
هو وجه الموت والمأساة.
هـ- محور «الصوت»: الصوت 6 - الصرخة 2 - الصريخ 1 - الصراخ 1 - البحة 1 - الحنجرة 1 - الفم 1.ينطوي
«الصوت» (75) الذي يخرج من الفم، على أهمية معينة. فهو يتكرّر ستّ مرّات،
معبّراً بطبيعته، عن حالات نفسيّة محدّدة. فهو أساساً، فعل جسدي معبّر،
لكنه يخضع، في تعبيره، لفعل ثنائي. في معنى أنه يعبّر عن الألم، كما يعبّر
عن الفرح، ويعبّر عن القوّة، كما يعبّر عن الضعف.
يؤدّي «الصوت» غايته
في محور «الجسد»، لكنه يكشف عن خلفية لا بدّ من التوقف عندها. أما الغاية
التي يؤديها «الصوت»، فتكمن في إيصال الفكرة والشعور. ولعل ما يعبّر عن هذا
الأمر، ما نراه في «الصوت» «المطلول بالدم» (76). فهو صوت ممتلئ برائحة
القتل والعذاب، «يطيش بين الحجارة والخشب» (77)، ما يدلّ على ضياعه وعدم
وصوله إلى غايته المنشودة. وهو «صوت» «يئزّ في خزائن الحديد» (78)، حيث لا
حياة ولا اختراق. إنه «الصوت» غير المسموع، أي الصوت الضائع في مجاهل
الجماد والموت. ولأنه كذلك، يصبح «متلجلجاً» (79)، و«ترتفع» به «مملكة
التخريف» (80)، أي مملكة الناس التي لا أساس لها ولا أرضية ثابتة. فهي
مبنية على الضعف والوهم والخرافة والجنون.
الغاية التي أوضحناها لا تجد
ما يوضحها أكثر فأكثر، سوى «الصرخات» (81) التي تتكرر مرّتين، وهي «صرخات
الأجسام المنهدمة» (82) و«صرخات الأرض الجديدة» (83)، و«الصريخ» (84)
و«الصراخات» (85) اللتين تردان مرة واحدة، إلى جانب «البحة» (86) و«الفم»
(87) و«الحنجرة» (88) الواردة هي الأخرى، مرّة واحدة أيضاً. فهذه الكلمات
تكشف عن وقوع «الصوت» في حالة سلبية حزينة ومتألمة، تعكس الخلفية النفسية
الكامنة وراءها. وهذه الحالات المرافقة لـ«الصوت» تدل على ارتفاعه وحدّته،
ما يشير إلى حدّة الألم والحزن، بحيث لا يعود النص قادراً على كبت ألم
الشاعر، فيعبّر عنه بالأشكال المشار إليها.
خلاصة:يتشكّل هذا المحور من خمسة محاور تفصيلية،
تتناول أعضاء محدّدة في «الجسد»، وعناصر مرتبطة به. وتجتمع هذه المحاور
التفصيلية، لتؤكد على منحى مشترك، يصبّ تعبيره في نهاية الموت. فمن «الجسد
العادي» إلى «الجسد - الجثة»، نلمح صورة الإنسان وصورة الوطن المعذّبين
والمقطّعين. ومن صورة «اليد» إلى «الرأس» و«الأصابع» و«الأرجل»، نجد معنى
واحداً مشتركاً، يدلّ على البتر والتقسيم اللذين يتناولان الجسد، كما
يتناولان الوطن.
وفي محور «العين»، تراوح الصورة بين بعديها الإيجابي
والسلبي، لكنّ البعد السلبي يطغى، فتطغى معه صورة «الدمع» و«القروح»، ما
يرسّخ النهاية المحزنة التي تقع فيها «العين».
وفي محور «الوجه» نقع على
صورة الموت التي تقضي على «الوجوه المفتوحة على المياه»، فلا يبقى غير
الوجوه «الألفية» و«الساكنة» و«المفلوعة».
وفي محور «الصوت» لا تظهر إلا
علامات الضعف والتلجلج. وما الصراخ الذي يطلع هنا وهناك، إلا التعبير عن
الصيحة الأخيرة التي يطلقها الإنسان، وهي الصيحة التي يطلقها قبل أن
يستسلم.
هذه المحاور تُكسب «الجسد» حقيقةً تندرج في إطار التأكيد على
أولية الموت والفجيعة، كإطار عام لتحرك «بوصلة الدم» في أكثر المحاور
تكراراً وحضوراً.