anas مرحبا بك
عدد الرسائل : 10
تاريخ التسجيل : 14/07/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 17
| | نقد الذات وتمجيد الآخر في هواجس وتطلعات مثقف لبناني | |
إن من يتناول رحلة محمد امين دوغان أيام في ارض السلام (1) التي قام بها للاتحاد السوفييتي في الثمانينيات من القرن الماضي لا بد له ان يستحضر السياق العام الذي تمت فيه، لانه حاضر بقوة في الرحلة وموجه لها من حيث اللغة والاسلوب والقضايا التي تناولها والمشاهدات التي اهتم بها. يتشكل سياق هذه الرحلة من المكونات التالية: ـ الحرب الداخلية في لبنان. (لحظة الازمة) ـ علاقة العرب مع الاتحاد السوفييتي. ـ علاقة العرب مع امريكا واسرائيل. فلا يمكننا قراءة هذه الرحلة دون استحضار هذه الاشارات الاساسية لانها تحكمت بشكل كبير في اقوال ومواقف واحكام الرحالة تجاه كل المشاهدات في الاتحاد السوفييتي الذي نعته بأرض السلام مقابل بلده (بلد الحرب والتناحر) مع حلمه بعودة السلام اليه (لبنان). الرحلة اذن نتاج لظروف تاريخية محددة تجلت في الحرب اللبنانية التي وجهت احكام الرحالة ومشاهداته وانتقاءاته واختياراته لبعض المشاهد دون غيرها فحملها بكثير من الدلالات المعبرة عن السياق التاريخي والعرف العام للرحلة. ومن الامثلة علي ذلك حضور الحمام برمزيته القوية علي السلام الذي يشكل هما ينشده الرحالة وكل لبناني يعاني من ويلات الحرب.
1 ـ طبيعة الرحلة
يتعلق الامر برحلة قصيرة لم تتجاوز إثني عشر يوما تبدأ بالخروج من بيروت: كان انطلاقي من بيروت الساعة السادسة من صبيحة الجمعة الرابع عشر من حزيران (يونيو) الموافق خمساً وعشرين من رمضان . (ص 13) وتنتهي بمغادرة موسكو: وهكذا صحوت في السابع والعشرين من حزيران (يونيو) وكان كل شيء بانتظار الطائرة... وتوجهنا الي المطار . (ص 98). لقد تمت هذه الرحلة القصيرة سنة 1985 بعد ثلاث رحلات سابقة الي الاتحاد السوفييتي. يقول الرحالة: لانني تعرفت الي الاتحاد السوفييتي قبل ذلك ثلاث مرات وكتبت الكثير عن بلاد الاصدقاء . (ص 11) ويقول عن رحلته الاولي التي تفصلها عن هذه الرحلة ثمان وعشرون سنة: وتذكرت اليوم الذي زرت فيه الاتحاد السوفييتي عام 1957 اي منذ ثمان وعشرين سنة . (ص 97). يحدد صاحب الرحلة في المقدمة التي استهل بها رحلته الهدف منها قائلا: اعترف اولا بأن رحلتي الاخيرة الي الاتحاد السوفييتي قد كانت سياحية بناء لرغبتي حيث عقدت العزم ان تكون للاستجمام تنسيني متاعب المهنة وهموم الحياة . (ص 7) ويقول مرة اخري محددا طبيعة رحلته: ان هذه الرحلة ليست عادية فقد اردتها سياحية وانا سياسي فاصبحت كمن يقف بين بين . (ص 11) فكانت رحلته بالفعل من اجل الراحة والاستشفاء والعلاج من ازعاج الحرب اللبنانية الداخلية وويلاتها. لكن السياسي فيه لم يسترح فغلب علي السياحي. وذلك تبعا للسياق الذي تمت فيه الرحلة وكذلك الشخصية التي قامت بالرحلة (صحافي سياسي).
2 ـ الرحلة وقضايا الساعة
لا بد للرحلة من ان تحمل بصمات عصرها انطلاقا من السياق الذي تمت فيه فكانت فرصة للتطرق الي قضايا الساعة سواء تلك المتعلقة ببلد الرحالة او البلد المرتحل اليه او قضايا دولية مما يجعل الرحلة مرآة عاكسة لسياقها. ومن القضايا التي طرحتها: ـ حرب النجوم والسباق علي التسلح بين القطبين امريكا والاتحاد السوفييتي آنذاك وخطره علي الاتحاد السوفييتي. ـ الصراع العراقي الكويتي وموقفه من ذلك: اعتبر الكويت والعراق بلدا واحدا وارضا واحدة وشعبا واحدا . (ص 99). ـ الاسلام السياسي وموقفه من الحركات الاسلامية. يقول: وكيف ان الاسلام بمفهومه الايماني يختلف كثيرا عن الاسلام السياسي الذي اصبح مع الاسف في خدمة انظمة معروفة ليس في سلوكها رائحة الايمان او وجه الحق والاسلام! (79). ـ الاحتلال السوفييتي لافغانستان. تعكس هذه القضايا انشغال الرحالة بما كان يجري علي الساحتين الاقليمية والدولية من صراعات. وذلك بحكم مهنته وهو ما اثر علي نوعية الاهتمامات في الرحلة. ولهذه القضايا السياسية الكبري امتداد زمني في راهننا: اذ لا زالت تداعياتها ماثلة امام الاعيان بصورة او باخري.
3 ـ نقد الذات
اثرت كل من الحرب وغياب الامن علي موقف الرحالة من الاتحاد السوفييتي اذ عمل علي تزيين صورته مقابل تقبيح صورة الانا. يقول: في بلاد الناس اصبحت المعجزات الخارقة عملا روتينيا وفي بلادنا اصبحت المصائب الماحقة الساحقة شيئا تقليديا . (ص 93) ويقول كذلك: تذكرت وانا اجمع حقيبتي انني احببت ان اغادر موسكو وانا اضحك فقد اشتقنا للضحك حتي ان المصائب تشرشحت فلم تعد مضحكة ! وشر المصائب ما يضحك ! فكيف اذا كانت هذه المصائب روتينية تقليدية! (ص 92). وهو بهذا القلب المقصود لصورتي الانا والاخر يناقض تماما رحالة القرن التاسع عشر الذين كانوا يزينون صورة الانا مقابل تقبيح صورة الآخر علي الرغم من الانبهار بمنجزاته. وقد كان اهتداؤه الي هذا القلب انطلاقا من مجموعة من المؤشرات كان اهمها النقد الذاتي والوعي بأخطاء الماضي والحاضر مع ضرورة استشراف النموذج السوفييتي واستلهامه بحثا عن غد افضل يسوده السلام. ـ الوعي بالخطأ: ينبع نقد الذات العربية واللبنانية من انجلاء الاوهام التي كان ينشدها العرب بعد حرب 67 ودخول اسرائيل لبنان. كل هذه الرجات لا بد ان تحمل المثقف العربي علي التخلي عن كل قناعاته ويقينياته الثابتة، لتصل الذات الي مستوي من الوعي تتأكد فيه ان الخلل والخطأ نابعان من داخلها. من ذلك غياب النظام. يقول: كعادة اللبنانيين الذين يحترمون النظام . (ص 95). والجهل والاقتتال بدون هدف. يقول: وفكرت في وطني حيث يقتتل اللبنانيون بسلاح الجهل والعمالة بسلاح الحقد والنذالة وقلت في نفسي عن اللبناني العاجز عن حماية نفسه بنفسه لن يجد الحماية من احد! فما لا تستطيعه انت لنفسك لا يستطيع احد ان يقدمه لك احد هدية . (97) ـ مشكلة القيادة التي لا تحسن تدبير امور البلد السياسية بالاضافة الي استشراء الفساد في صفوفها. يقول امين دوغان: انا واثق جدا من ان المسلحين الذين يداهمون البيوت ويسرقون الناس ويعتدون علي الكرامات ما كانوا ليجرؤون علي ذلك لو لم تكن في قيادتهم العليا منافذ وعيوب! (ص 44 ـ 45). ـ انتقاد بعض السياح العرب وتصرفاتهم التي تنحرف عن الطابع السياحي الموسوم عادة بروح الاستكشاف: فهم مدعوون في رحلة سياحية ليروا البلاد لا ليروا الفنادق والمطاعم وغرف النوم! (ص 68). وعلي الرغم من كل هذا الانتقاص من صورة الذات فان الرحالة لا تفوته الاشادة بالمقاومة في جنوب لبنان والتي تعد نقطة الضوء الوحيدة في سواد لبنانه. يقول: ولو اردنا ان نختار التراب البطولي لانتقلنا الي لبنان الجنوبي حيث يؤخذ تراب العمل الفدائي الرائع الذي واجه العدو بالجسد العاري وسحق الحديد والنار والبارود! (ص 69).
4 ـ منطق الثنائيات
يقوم الرحالة بربط كل مشاهداته بوطنه لبنان مؤشرا علي خاصية المقايسة التي توظف في الرحلة اذ يحمل الرحالة معه وطنه في الحل والترحال ويقيس عليه كل ما يصادفه في مجال المغايرة والاختلاف الثقافي فيضمن الرحلة مجموعة من الثنائيات تتأطر داخل ثنائية كبري هي الأنا والآخر. ـ الداخل والخارج وتنبني علي مفارقات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وامنية بين بلده لبنان والبلد المرتحل اليه الذي تحضر فيه قيم تنعدم في بلده. يقول معبرا عن شعوره بالامن والارتياح في الاتحاد السوفييتي: في بلاد الناس تشعر انك انسان في لبنان تشعر انك مهان! . (ص 44) وقد تقوي هذا الشعور عند انتباهه الي العناية التي يحظي بها المتفوقون في الاتحاد السوفييتي (ص 62) ويستيقظ الصحافي فيه فيقدم احصائيات تبرز تقدم الاتحاد السوفييتي مقابل انحدار بلده وانغماسه في الحروب. يقول: في لبنان فقد بنينا وطنا من زجاج علي قاعدة من هباء . (ص 98). تترتب عن ذلك ثنائية اخري وهي ثنائية الواقع المرفوض والحلم المأمول الممكن المتمثل في الامن والسلام والتعايش بين الطوائف. ـ الأمن /اللاأمن: يحمل الرحالة معه هاجس الحرب وويلاتها وافتقاد الامن ببلده الذي كان فرصة لتجلي هذه الثنائية بشكل كبير في الرحلة. يقول: نعم الاحساس بالامن هو اعظم ما يشعر به اللبناني حين يخرج من لبنان (ص 44) ويقول مرة اخري: في بلاد الناس تشعر انك انسان في لبنان تشعر انك مهان . (ص 44) ـ الحرب /السلم: لقد جعل الرحالة من الاتحاد السوفييتي ارضا للسلام انطلاقا من عتبة العنوان ايام في ارض السلام وكذلك الغلاف الخارجي الذي يتضمن حمامة ترمز عادة الي السلام: اي انه رحل من ارض الحرب الي ارض السلام، اذ تكررت كلمة السلام كثيرا دالة علي رغبته الجانحة الي السلم. يقول معبرا عن اعجابه بالجـــو العام الذي كانت تنعم به مدن الاتحاد السوفييتي من سلام: الطيور تملأ الساحة مع السابحين ما اروع التعايش السلمي بين الانسان والطير . (ص 42) مقابل ذلك يتحسر علي جو الحرب الذي افسد علي اللبناني التمتع بكل المناظر الطبيعية الجميلة ببلده: ففي لبنان حرام علي اللبناني ان يعيش شمس بلاده وماء بحره وهواء جباله! حرام علي اللبناني ان يعيش! . (ص 45). ـ التفاهم/ الخلاف: يستمر الرحالة في الاعلاء من قيمة منجزات الآخر مقابل الحط من افعال الانا مبرزا قيمة اخري هي التفاهم الذي يسود بين مواطني الاتحاد السوفييتي والذي عده الرحالة حافزا لهم علي التقدم والتفوق. يقول: كل مواطن سوفييتي مسؤول عن بناء وطنه لا فرق بين ذكر وانثي ولا بين طائفة وطائفة ولا بين قومية وقومية ولا بين مذهب ومذهب فالكل يعمل ويبني يصنع ويشيد! . (ص . هكذا يمكن ان نرصد في الرحلة معجما للمتضادات والمتقابلات السلام /الحرب الامن/ الخوف التفاهم/ الخلاف الوحدة/ التشرذم والطائفية النظام/ الفوضي... تتأطر ضمن ثنائية الهنا والهناك والاختلاف بين سلبيات الانا وايجابيات الآخر.
5 ـ البديل
كان الرحالة يبحث دائما عن اسباب وخلفيات المنجز السوفييتي بالتأشير علي المواصفات المميزة التي كان يقدمها له والتي يرجعها الي الوحدة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وغيرها من القيم والامتيازات التي افرزتها الثورة. لذلك تراوحت مواقف الرحالة من الحلول المقترحة لتجاوز الأزمة بين: ـ تمجيد الوحدة من خلال نتائجها وآثارها الايجابية علي بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي. يقول عن تطور الزراعة في استونيا: لقد كان في استونيا 140الف مزرعة صغيرة قبل انضمامها للاتحاد السوفييتي فاصبحت تضم 300الف مزرعة كبيرة! هذه هي قوة الوحدة في وحدة القوة الانتاجية . (ص 31). ـ الايمان بالثورة: يقول ممجدا الثورة السوفييتية: هذه الثورات هي التي تحيي الارض بعد موتها . (65) ـ الايمان بان الحل قد يأتي علي رجل واحد كعبد الناصر: وكنت اجيب: عندما يصبح في بيتنا رجل! (ص 38).
تركـيـب
تقدم لنا هذه الرحلة صورة عن هواجس وتطلعات مثقف لبناني عايش الحرب اللبنانية وعاني من ويلاتها، فينتقد الذات بخيباتها وسلبياتها بالمقارنة مع الآخر بمنجزاته وايجابياته. ويضعنا امام ثنائيات ولدها التعارض بين ما وجده بالاتحاد السوفييتي وما كان يعدمه ببلده. كما تقدم لنا صورة عن سياقها التاريخي ومشاكله وقضاياه السياسية. | |
|
الأربعاء يوليو 14, 2010 12:59 pm من طرف روزا