أزمة المجال الديني
يظل موقع الدّين وحدود أدواره في المجال العام مثار تباين في تطبيقات مُختلف التجارب السياسية بين الدول، بل وفي الدولة نفسها باختلاف أنظمتها، وهو ما يشير إلى أزمة مزدوجة؛ منها ما يتعلق بتصورات الفاعلين الدينيين -السياسيين منهم والدعويين- لأدوارهم وأدواتهم والمُستهدف تحقيقه، ومنها ما يتعلق بطبيعة المجتمعات وحدود تطور مختلف مكوناتها السياسية وخطابها، وتأثيرات ذلك في فلسفة النظم الحاكمة تجاه طبيعة حضور الدين، وسُبل إدارة ذلك الحضور مُجتمعيّاً وسياسيّاً، مثّل بيان الثالث من تموز/يوليو 2013 والمتعلق بإنهاء التجربة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الحكم بدايةً لتأسيس جمهورية جديدة في تاريخ الدولة المصرية في ظل فلسفة مُختلفة تجاه موضع الدين وتنظيماته في الحياة السياسية. اختلف سلوك الدولة الجديدة في مُمارساتها مع الملف الديني وفاعليه -الرّسميين وغير الرسميين- مع سابق مُمارسات الأنظمة الحاكمة، بالعمل على إعادة السّيطرة للّدولة المركزية مع مُراعاة الأُطر الدستورية الحاكمة، بهدف التنظيم والرقابة وضمان التّنفيذ لسياسات الدّولة العليا دون رغبة في منح فاعلين امتيازات مسبقة، أو وجود مساحات تحمل قدراً من التّمرد على سلطة الدولة ومصالحها العُليا.
وفي ضوء ذلك، يظل من المهم البحث في مسارات الحالة الدينية لعموم المجتمع عبر تحليل ممارسات الدّين الرسمي الممثل في مشيخة الأزهر، وغير الرسمي المُمثل في التّيار السلفي، وأبعاد حضوره وانعكاس كل ذلك على بنية التّدين المُجتمعي.
تنطلق دراستنا هذه من إشكالية رئيسة تتلخص في «أن عَجز الفاعلين الدّينيين - الرّسميين وغير الرّسميين- عن الاستجابة لتحديات السّلطة في مرحلة ما بعد 2013 يأتي نتاجاً لتباين مسارات كل من هؤلاء الفاعلين والسلطة تجاه المشهد الدّيني، سواء فيما يتعلق بالرُّؤى الذّاتية للمُستهدف تَحقيقه في ضوء التّحول السياسي القائم، أو في مدى قدرة الفاعلين الدّينيين من عدمه على التّكيُّف مع تحديات النّظام الجديد من عدمه».
أولاً- السّلفيّة: أزمات الفكر والسّياسة
تمثل الحَالة السّلفيّة عامة -والمصرية بصفة خاصّة- إشكالات مركزية، منها ما يتعلق ببنيتها الفكريّة في ظل ما يَتّسم به تَسويق الفكرة السّلفيّة من بَساطة الطّرح، عبر اختزال مفهوم السّلفيّة بأنه الإسلام الصحيح- وما يتفرّع عن ذلك من أسئلة تتعلق بضوابط مَرجعياتها في تَفاعُلها الشّرعي مع المُستجدّات، وآليّات التّقعيد الشّرعي لخطابها. تأتي الإشكالية السوسيولوجية للفكرة السّلفيّة، مُثيرة أمرين؛ أولهما طبيعة التّحدّيات الدَاخلية أمام مُنظريها ومُعتنقيها، وحدود قُدرتهم على الاستمرارية اليوميّة والتّأثير في مُجتمعاتهم في ظل الضّوابط المَرجعيّة والتّحديات التي يُواجهونها، وثانيها حجم تَأثيرات تلك الفِكرة في عُموم المُجتمع.
يرتبط السّياق السّياسي الدّاخلي لمَسار السّلفية بتوازنات الصّراع السّياسي، وموقف النظام منها ما بين استخدامها أو تحجيمها. ففي عدّة مراحل كان يتم السّماح للسّلفيين بالحضور مُقابل، تحجيم أفكار الجهاديين، وإحداث ضغط على الإخوان، ودحض فكرة عداء الأنظمة الحاكمة للإسلام. والدليل هو الحضور السلفي المَقبول رسميّاً. وبتغير المشهد بعد 2011 حدثت طفرة استثنائية استطاع من خلالها التوجه السلفي الاستفادة من شبكاته الاجتماعية المتراكمة عبر عقود من العمل الدعوي والاجتماعي لصالح مشروعه السياسي في ظل خطابه الهوياتي الذي مَثل أداة حَشد، لتُعاود الحَالة السّلفية التّراجع بعد 2013 في إطار إعادة بناء المشهد السّياسي واختلاف مُدخلاته، لتتفكك شبكات التّيار في ظل اختلاف الصّورة الذّهنية للمُجتمع عنها، نتيجة أدائها السياسي والعجز عن إحداث تغيير في المشهد السياسي أو المجتمعي.
1- تفاعلات الفكرة السّلفيّة بعد 2013
يرتبط مَسار السّلفيّة فكراً وحركة بمُؤثرات دَاخلية وخَارجية مُتعلقة بمَدى قُبول الفِكرة ومُستوى تَطبيقها، كذلك السّياسات «الدّاخليّة»- أي تلك العوامل المُرتبطة بالمجتمع المحلي وسياسات الحُكم الدّاخلية- و«الخَارجية» -مواقف الدول والتنظيمات الإقليمية والدولية- والتي يَكون لها تأثير في المَسارات الحَركية للسّلفية، وبالتالي تداعيات تنظيمية على المُتبنين للفكرة. من أبرز تلك المؤثرات الداخلية؛ الصّورة الذهنية؛ أي تصوّرات المُجتمع الغالبة عليه -أفراداً وجماعات- تجاه فِكرة /شخص/جماعة ومدى تمايزها عن غيرها في ضوء تصوراته الذاتية ومدخلاته المعرفية. والسّياسة الأمنيّةفتَمدد الفِكرة السّلفيّة ومُمارساتها السّياسيّة، تتناسب طَرديّاً مع طبيعة النّظام السّياسي وسِياساته الأمنية تجاه الحالة الإسلامية.
أما أبرز المُؤثِّرات الخَارجيّة، فيتمثل في «تحديث المجال الديني في المملكة العربية السّعودية» إقليمياً، حيث تمتد تداعياته إلى الحالة السّلفيّة العالمية في ظل مركزيه المملكة في العقل السلفي. لذا، سيُعاد النّظر في الفِكرة السّلفيّة بوصفها واحدة من أَدوات القُوى النّاعمة السّعوديّة وتَضاؤُل الاعتماد عليها عَمليّاً، لكن دون التّخلي الجذري عن الاستفادة من تلك القوة المُتراكمة في حدودها الدنيا. يأتي ذلك بهدف ضمان عدم صُنع أعداء جُدد، وتفكيك المُؤسّسة الفكرية السّلفيّة تدريجيّاً، وإعادة دَمجها في المَسارات الجديدة، يلي ذلك القُبول بالتّغييرات القَائمة كتراكم أمر واقع عبر تَطوير المُمارسات السّياسية المُستندة إلى الرّمزيّة الدّينية. وستحظى تلك التّغييرات بــــ«قبول فردي» من عموم القاعدة المُحافظة، سواء «المُتحفظين» إجمالاً على نمط التّدين الوهّابي أو «المُضارين» من التّضييقات والتّجاوزات التي سَبق وعَانوا منها. في المُقابل، ستَعمل بعض القِطاعات على «المُقاومة الدّاخليّة» في فَرض تَغيير السّلوك التّديني لأدنى حَدّ مُمكن، على أمل تَغيير الأوضاع وفق المُستطاع دُون الصّدام مع المُجتمع، لكن سُتعاني قطاعات تَدينيّة من تلك التّناقُضات وصُعوبة التّأقلم معها. ونرجح توجّهها لمسار مُتشدد، لعجزها عن التّجاوب مع التّغييرات وعن تَقبلها، لتتراكم لديها مُسببات الصّدام مع المُجتمع.
أدى إعلان تنظيم داعش عن إنشاء خلافته، وتنامي نُفوذه في العراق وسوريا ووحشية مُمارساته، إلى تغذية الحَذر الغَربي تجاه ما هُو إسلامي وسَلفي، ودفعهم لإعادة النّظر في التّمييز السّابق تجاه الإسلاميين؛ فالجميع الآن في رؤيتهم تقريباً على السّواء، يمارسون العنف أو قابلون لذلك.
2- المَسارات الحَركيّة للسّلفيّة
تأثر واقع المشهد السلفي بالسياق السّياسي لسنوات ما بعد 2013 والصراع القائم مع جماعة الإخوان المسلمين. فمع التّوجه للمَجال الدّيني كساحة صراعيّة لتحجيم نَشاط الجماعة، كان التّضييق على المساحات المُعتادة منذ سنوات أمام الحالة السّلفيّة الفكرية والحركية. وبصورة عامة، لم تَعد المَساجد مساحات للحَشد في ظل مُجمل هذه الأوضاع، كما ضعُفت الدّعوات الفرديّة التّقليدية في ظل التّخوفات الذّاتية من أيّ مُمارسات قد تكون لها تَداعيات سياسية-قانونية سلبيّة.
3- جدالات النشاط السياسي للتيارات السلفية
اختلف النّشاط السّياسي للتيّار السّلفي عَقب بَيان 3 تموز/يوليو 2013، فلم يبق سِياسيّاً وبصُورة رسميّة مُنفردة إلّا جَماعة «الدّعوة السّلفيّة السّكندرية»، مع وُجود مُحاولات لحضور غَير رسمي من قبل الجماعات السّلفية الأخُرى، لكن يتم إجهاضَه بمرور الوقت، ليَظل وُجودها إعلامياً إلى حدٍّ كبير دون وُجود حَقيقي على أرض الوَاقع.
راهن تنظيم الدعوة منذ اللحظة الأولى، على استقرار النّظام الجديد في ضُوء قراءته لواقع مصادر القوة الفعلية ودعم المؤسسة العسكرية للمسار المُتشكل، حيث يُسيطر عاملان رئيسان على العَقل السّياسي للتنظيم ومَساره العَملي؛ وهما رفض العَودة لواقعهم قبل 2011 كجماعة شبه مُطاردة ومُحجمه، ورغبة في أن يصبح التنظيم الطرف الديني في المعادلة السياسية المصرية[1]. إلّا أنّ مَسار الحزب السّياسي شهد أزمات مُختلفة عبر تجاربه البرلمانية نتيجة التّفاوت الكَبير في الكُتلة التّصويتيّة التي حصل عليها الحزب في مختلف مُشاركاته النيابية. ففي أولى مشاركاته البرلمانية -2012- حَصد الحزب لقب الحَصان الأسود لتَمدده في ربع مَقاعد مجلس الشعب، ليحصل على أقل من 2% في برلمان 2015، ويَفشل في تحقيق أي مِقعد في مَجلس الشيوخ 2020، مع تحقيق 7 مقاعد بمجلس النواب في جولة الإعادة.
4- تجربة الإعلام السلفي
عبر عَقدين من الزّمن، ظلت أزمات القَنوات التليفزيونية السّلفيّة كما هي دون تَغيير، سواء على مُستوياتها الدّاخلية-الإدارية والفنيّة والشّرعية- شكلاً ومضموناً، إضافة إلى مَضمون تأثيراتها على الجُمهور المُستهدف. غَابت الرّؤية عند التّخطيط المُسبق لشكل القَناة المُستهدفة وهَويتها، والذي يُبنى عليه البرَامج ومُختلف أدوات اتصالها مع المُجتمعين المحلي والخارجي، فضلا عن الشّخصانية في الإدارة والتّوجيه، وغياب المُؤسساتية في تسيير الأعمال.
أما فيما يتعلق بمَضمون المُحتوى المُقدم وتأثيراته على تَغيير طَبيعة التّدين، فنُشير إلى أن الانتقادات المُقدمة تُركز على طَبيعة الخِطاب المُقدم، والذي حَمل جانباً من التّشدد ذي النزعة الوهابية، فهو في جوهره خطاب غريب عن طبيعة المجتمع المصري وتراثه التّديني، ما أنتج نوعيّة من الخِطابات تَحُض على الكَراهية والتّشرذم.
ثانياً- الشّباب السّلفي: إشكالات العام وأزمات الذّات
بعد التّغييرات السّياسية الجذريّة في سنوات ما بعد 3 تموز/يوليو 2013، اختلفت المُعادلة السّياسة بتغير أركان الحكم وقواه الداعمة، ما دفع إلى اختفاء حراك الشباب الإسلامي عامة، والسلفي ضمناً بصورة تدريجيّة مع اختفاء أي نشاط له صبغة المقاومة للحدث المركزي الذي تم بعزل مرسي من الحكم. أصبحت الائتلافات الشبابية القائمة بلا معنى، وتجاوزتها اللحظة، وجد كل من شباب الأحزاب السلفية وعموم أنصار حازم أبو إسماعيل أنفسهم في مواجهة توازنات وخيارات الصراع السياسي لتختلف مساراتهم. وبطول الصراع على مدار السنوات التالية، وانعدام الرُؤية بطبيعة المُستهدف تَحقيقه في المشهد القائم أو بصفة عامة عبر العمل العَام.
1- المَسارات الحركيّة
في ضوء تلك الأوضاع، بدأت الحالة الشّبابية السّلفية- في التّفرق لمَسارات مُتعددة -لأسباب سيّاسية وأمنيّة في المقام الأول. كان المسار الأول باتجاه العُزلة السياسية، والتي كانت على صورتين؛ «اختيارية»: نتاج رغبة ذاتية بالابتعاد عن أيّ مُمارسة سياسيّة لتَباين الأوضاع بين ما سبق ومارسوه، وبين ما أصبح مُتاحاً، أو «إجبارية»: وتكون بقرار تنظيمي أو خوف من مُساءلة أمنية نتيجة مواقف مُحددة للحيلولة دون وجود أي فرصة لتكرارها، أو نتيجة التحفظ على الأداء العام لهم وما يُسببه من خصم للواقع التّنظيمي المُتحقق. انخرط هؤلاء في تَسيير شُؤونهم اليوميّة كلّ في مجاله، إما البَقاء في الدّاخل، مع بقاء فُرص تَعرضهم للمتابعات الأمنية الدورية للمتابعة، أو السّفر للعمل بالخارج لمن استطاع ذلك تَجنبا لأي مُتابعات أمنية مُحتملة.
أما المسار الثاني: الاستمرار في المشهد السياسي: وهؤلاء تعارضت أسبابهم من المستهدف من ذلك البقاء على دافعين؛ أولهما: إيماناً بالمرحلة السّياسية الجديدة: يبدو ذلك في نموذج «حزب النور»، ثانيهما: الرّغبة في تَصحيح المَسار -وفق تصورهم- وظهر في تجربة من تبقى من «السلفيين الثوريين»، والذين أنشأوا حركة «أحرار»، وتفاوتت مصائر أصحاب هذا التّوجه ما بين الاعتقال والهروب من البلاد أو اعتزال العمل العام تماماً.
المسار الثالث: رفض القُبول بالأمر الواقع، والعمل على إنهاء المسار السياسي القائم لإعادة سابق التجربة، وهؤلاء على صورتين؛ الأولى: دعم التّعبئة السياسية التي تحشدها جماعة الإخوان ضد النظام الجديد، ويعكس ذلك تحالف دعم الشرعية، وأبرز كُتله السّلفية «الجبهة السلفية». وتباين مَصير أصحاب هذا التوجه بين الاعتقال على ذمة قضايا في داخل البلاد، أو الخروج من البلاد على مدار السنوات الماضية نتيجة ما حَظوا به من دعم لُوجستي من قِبل الجَماعة وحُلفائها الدّوليين بتوفير حماية للكثير منهم، ثانيها: المقاومة بالعنف، حيث ساهمت السياقات الفكرية والسياسية في الدفع ببعض القِطاعات السّلفية-على تَنوعها- نحو العُنف ووُجود مُمارسات عُنف لبعض مُكوناتها الصّلبة، مع رَغبة بعض من تعرّضوا لتجربة الاعتقال وتحديداً في أعقاب عزل مرسي في الانتقام لما لَحق بهم. وتفاوتت مَصائر هؤلاء ما بين القتل في المُواجهات أو السجن نتيجة التورط في العديد من القضايا، أو الهروب لمناطق نفوذ جماعات العنف المحلية أو الدولية، والانخراط فيها على اختلاف مُسمياتها.
2- المَسارات التّدينيّة
شَهدت حَالة التّدين العديد من التّغييرات، سواء على مُستوى مَصادرها المُنتجة، أو طبيعة علاقة الأجيال المُعاصرة بحالة المّعرفة الدّينية، إضافة إلى المَضمون الدّعوي المُقدم. وفقا للتحليل «العرضي» للواقع التّديني في مرحلة ما بعد 2013، اختفت مَصادر بناء التّدين التقليدية المُختلفة في ظل تنظيم المجال الدّيني، ومُكافحة المَصادر المُحتملة للإرهاب، تبقى الأداة الوحيدة -إلى حدّ كبير- مُمثلة في ظاهرة المُؤثرين عبر الفَاعلين الإسلاميين منهم، والذي يَتمثل مُنتجهم في الدّعوة الإسلامية عبر وَسائل التّواصل الاجتماعي، وهي الظّاهرة التي امتد تَأثيرها إلى مُختلف المُجتمعات طُوليّاً في جميع الطّبقات، وعَرضيّاً في جميع المجالات. وعَمّقت من مَسار التّدين الفَردي كنَمط غَالب، مع محدودية دُور الأسرة، والذي يَتفاوت من فرد لآخر. لذا، كان هؤلاء المُؤثرون البَديل الدّعوي المُتاح أمام الأجيال الناشئة بِخطابات وأدوات مُتناغمة مع حَياتهم اليوميّة.
شهدت النّظرة في التّعامل مع الاحتياجات الدّينية وتلبية استفساراتها -في إطار تفكيكنا لعلاقة الأجيال النّاشئة بحالة المعرفة الدينية- عدة مسارات؛ المَسار الأوّلي عند رَغبتهم في البحث عن إجابة/فتوى لأمر دِيني هو الاعتماد على الإنترنت، ثم دوائر الأصدقاء الأسرة/المعارف، ليتم فرز الأجوبة المَرصُودة وِفق ما يُريح الفَرد نَفسيّاً ويَلقى داخله قُبولاً. ساهم في ذلك التطور التكنولوجي، كما أنّه خِيار أَسرع وأكثر دقة- في ظِل الرّواسب التي تكوّنت من قِبل بَعض القِطاعات العُمرية تِجاه نَموذج الشّيخ/الدّاعية، وعَامل الثّقة الذّاتي غير المتوافر فيهم. وفي حال الاعتماد على «الشيخ» كمصدر للتّلقي الدّيني، فهنا يكون الشيخ بصورته «التقليدية»، سواء إمام المسجد في المنطقة أو غيره من أبناء المؤسسة الدّينية الرسمية، أو بصورته «غير التقليدية»، والتي تشمل شباب الدّعاة الحداثيين، والمُؤثرين الدينيين في وسائل التواصل الاجتماعي. فيما يخص الشيوخ بصورتهم التّقليديّة، تُؤثر عدّة مُحددات على التّوجه إليهم منها؛ القبول الشخصي للشّيخ بالمُشاهدات المُباشرة لسلوكياته الشّخصية أو العامة، والمَوقف السّياسي/ الأيديولوجي المُتبنَى من قِبله. ولا يَخرج مَضمون تلك الخِطابات الدّعوية المُقدمة عن خِطاب الرّقائق التّقليدي، والذي يَستهدف السّلوكيات الفرديّة والإغراق في تَفاصيلها، دون السّعي نحو بِناء وَعي تِجاه الواقع اليومي وكيفية تطويره، أو تَحسينه.
أما عند التّحليل «الطّولي» لتاريخ الظّاهرة التّدينيّة الشبابية قبل 2011، فتنوعت ملامحها وتطورت من جيل لآخر، سواء من حيث المصادر أو الفئات المستهدفة. تمثلت المصادر التقليدية في الدروس بالمساجد، الكتب، إلى جانب وسائل غير تقليدية -مرتبطة بالتطور التكنولوجي وانفتاح المجتمعات- تعتمد على تَنويع وسائط نقل الوعظ الدّيني، ومُلاءمة المَضمون المُقدم للفئات المُستهدفة. والتَباين في النّظرة إلى الطّبقات الاجتماعية المُستهدف تَديينها. ولاحقا يُصبح الدّاعية افتراضيّا لحد كبير ومُتاحاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون احتكاك جماعي مباشر، سواء بالمساجد أو النوادي أو بيوت أحدهم في المُجمل، باستثناء الكورسات والدورات بمُقابل فهي بمحتوى أقرب للتنمية البشرية، عَكس سابق تَجربة رموز السّلفية والدعاة الجدد.
وفي مرحلة ما بين 2011-2013، لم تتغير مَصادر التّدين النّظري باستثناء تزايد ظاهرة المُؤثرين -الإنفلونسرز Influencers- لتغلغل حُضور وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف أوجه الحياة. وعمليّاً، خَفُتت أوزان الأدوات التّقليدية لصالح النّشاط العَملي عبر تكثيف الجُهود في النّشاط السّياسي، سواء الائتلافات أو الأحزاب. كانت الخِطابات الدّينية المُنتجة بكثافة في تلك السنوات سواء في؛ المساجد، اللقاءات الجماهيرية، الفضائيات الدينية، تخدم المسار السّياسي السّلفي، وتحشد حول دَعمه تديّناً وتقرّباً إلى الله. ومع التّوسع الذي بَدا في الدُروس الدّينية ونشر العلم الدّيني عبر إنشاء فروع مختلفة للمعاهد الشرعية، إلّا أن ذلك لم يُنتج تَحوّلاً كيفيّاً في بنية الخِطاب، ومن ثم السّلوك التّديني. تركز الاهتمام كميّاً على توسيع نِقاط التّواجد في مُختلف أنحاء البلاد ومحاولة مَأسسة الوُجود، واستخدام السّلفيين من أصحاب المنهج لسد عجز وقتي في مُؤسسات السّلفيين، يتبعه إما إنتاج كوادر تنظيمية يمكن إحلالها مكانهم، أو إدماج البعض منهم تنظيميّا وفق ضوابطهم.
ثالثاً- الصّراع على المُؤسّسة الدّينيّة الرّسميّة
نتيجة التّخوفات السُّلطوية من حُدود تغلغل المجال الديني في المجتمع ومَضمونه ومسارات تأثيره المُحتملة، ظلّت العلاقة بين السّلطة والمشيخة مثار جدل قديم لم يتم تجاوزه. يأتي ذلك في ظل تداخل المُؤثرات ما بين رغبة الحاكم في السّيطرة على المشيخة عبر رجاله لتحاشي أيّ صِدام علني مُحتمل حَال اختلاف المصالح، ليُثير عمليّاً غَضباً شعبيّاً على الحاكم بصفته مُناهضاً للدين ورجاله، وما بين تَفعيل عملي لأُطروحات الإصلاح الديني عبر المُؤسسة الرّسمية، والتي تُطرح من وقت لآخر، سواء داخليّاً من أبناء المشيخة، أو خارجيَّا عبر النّخب الثّقافية المعنيّة بهذا الأمر، في ضوء حاجة المُجتمع المُعاصر إلى تجديد مُخرجات المُؤسسة بما يُناسب احتياجاته وتحدياته اليومية.
يتحكم في تَفعيل كل ذلك عَمليّاً وبدرجات مُتفاوتة كل من؛ رُؤية الحاكم لدور المشيخة وتداعيات تطورّها المُحتمل على سُلطاته وسياسَاته، وكذلك مَوقف عُموم المَشيخة- قيادة وقواعد- ومدى قُبولهم للتّغيير المُتوقع من عدمه، ليظلّ الإطار العَام، والذي تتم عبره إِعادة هَندسة العلاقة بين الحَاكم والإمام الأكبر عبر مُختلف العُصور مُمثلاً في شِعاريْ «التّطوير» و«الإصلاح» لتنظيم وتطوير الأزهر الشّريف بهدف إحكام السّيطرة على المجال الديني، ومنع تَفلته كفَاعل مُقاوم لقبضة السّلطة.
1- موقع الدين في المجال العام
في إطار سعي النظام السياسي بعد 2013 لتجاوز تجربة الإسلاميين السياسية وتمددهم في المجال الديني الرسمي وغير الرسمي، عمد إلى سِلسلة مُستمرة من الإجراءات التي تَستهدف في مَضمونها السّيطرة على المَجال الدّيني وإخضاعه لسُلطة الحُكم، لتكون أداة من أَدوات السّلطة -كغيرها من المُؤسسات[2]- حيث تخضع لرُؤى النّظام دون النّظر إلى أيّ اعتبارات أخرى. عَبر سّنوات، بَدت -إلى حدٍّ بعيد- مَعالم فَلسفة الحُكم في النّظر إلى الدّين ومُؤسساته وأدوارهما، وعكست الخطابات المُختلفة للرئيس عبد الفتاح السّيسي ملامح تَصوره للدين وفق ما يراه مَطلباً تجديدياً ومَركزياً -من أجل تَجاوز تَجارب الإسلاميين- على المُؤسسات والجهات المعنيّة تنفيذه؛ وذلك في إطار رُؤية سياسيّة مُختلفة تجاه موضع الدين وتنظيماته في الحياة السّياسيّة وفق نموذج مُناهض لسابق مُمارسات الأنظمة الحاكمة مع الملف الدّيني وفاعليه الرّسميين وغير الرّسميين. سابقاً، كان يتم ترك مِساحات مُتنوعة للحُضور الديني عبر الفَاعلين الدّينيين الرّسميين وغير الرسميين، في ضوء إستراتيجية سياسيّة تَحرص على إقرار الشّرعيّة الدّينيّة للأنظمة الحاكمة عبر استخدام أَنماط التّدين المُختلفة والمُتغلغلة في مُختلف الطّبقات، بما يَكفُل دَعم وبَقاء النّظام، ويَمنحه شَرعيّة ضِمنيّة تجاه أَفكار التّكفير والخُروج عن الحَاكم.
تَمثّل حِرص الجمهورية الجديدة على ترسيخ نهج مُخالف، في عَدم استخدام سِياسَة التّوازن تلك، فالدّين عَاملاً دَاعماً وتابعاً للسلوك السّياسي للنّظام، والذي يرسم مَساراته التّطبيقية في الحياة اليوميّة وفق تلك الرؤية بقوة الدّولة وشرعية النّظام القائمة، كما يَجب على الدّولة أن تُخضِع الجميع أفراداً ومُؤسسات وأفكاراً، ولا تَخضَع لأي مُكون داخلي أو تُهادنه بصُورة وقتيّة، إن تطلّب الأمر ذلك، للحيلولة دُون وُجود فُرص للتّطرف الدّيني -وِفق مَنظور الحَاكم- عبر سِياسات وتَنظيمات لديها القابليّة للتّطرف أو دَعم التّطرف في ظِل وجود امتيازات استثنائية لها. فالحُصول على شَرعية دِينية أمر ليس لها ثقل حَقيقي في ظِل الدّولة المَدنية، الدّين والتّدين حِينئذ أمر شَخصي في المَقام الأول، والدّولة تُنظم تَطبيقاته ومَساراته ضِمن بَاقي شُؤون الحُكم.
بتحليل الخَطوات العَمليّة للنّظام في إدارته للمَشهد الدّيني، نجده اعتمد على إستراتيجيتين؛ الأولى: شَعبوية، تعتمد على الأداء الدّيني الشّعبي للرئيس السّيسي، سَواء باستلهاماته الدّينيّة المُستمرة في خِطاباته، وتأكيداته على مَسؤوليته عن الدين. فلم يَكتف الرئيس بالدّعوة لتجديد الخِطاب الدّيني، بل دَعا باستمرار إلى ضَرورة وُجود ثَورة دِينية، وتَجديد للفِكر الدّيني. أما الاستراتيجية الثّانية: إجرائية، تَستهدف التوجه بأدوات تنفيذية نحو «المجال الدّيني العَام» -الرّسمي وغير الرّسمي- لتَحجيم الظّاهرة الإسلاميّة والحَيلولة دون إعادة تَمددها السّياسي والاجتماعي، أو بروزها مُنازعاً مُحتملاً لسُلطة الدّولة في مَجالها الدّيني.
2- تفاعلات السّياسي في الشأن الديني
نتج عن التّداخل بين السّلطوي والدّيني تداعيات تَطبيقيّة عَميقة على المجال الديني اتساقاً مع فلسفة النّظام السّياسي تجاه مؤسساته، وكيفية تَسييرها ونظرته للفاعلين الدّينيين وحُدود دورهم وموقعهم المُتوجّب أن يكونوا فيه. وهذا أدى عَمليّاً إلى انقسام طَرفي المُؤسسة الدّينيّة في ظل الصّراع بين مَشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف، ليُنتج سِلسلة مُستمرة من الصّراعات التي بَدت في عِدّة قَضايا أبرزها: تَجديد الخَطاب الدّيني، خطبة الجمعة الموحدة والمكتوبة، ومُكافحة التّطرف، كما كان لتزايد أفكار التّكفير عَاملاً مُغذّيّاً لتنافس أركان المُؤسسة الدّينية على أيّهم الأجدر بمواجهة التّطرف.
يتمحور جوهر ذلك الصراع حول سَعي الأوقاف لمُنازعة المَشيخة دورها كهيئة عِلمية دينية بهدف السّيطرة على المَجال الدّيني الرسمي؛ وذلك في ظل حرص الوزير على التناغم مع عَقل النّظام السّياسي عبر العَمل المُستمر على تطبيق التوجيهات الرئاسية.
ومع سعي الفاعلين الدّينيين الرّسميين إلى الاشتباك مع مُختلف تلك القضايا، يبدو أن أداء وزارة الأوقاف في تلك القضايا لا تخرج عن كونها «إعلامية» أكثر منها «عملية»؛ فالأوقاف عمليّاً لا يُمكنها السّيطرة على الخِطابات الدّينية في المساجد لمشاكل إدارية ومالية تخص الإِشراف الإداري، إضافة إلى ضعف مُستوى الكثير من الأئمة، وقلة عددهم مقارنة بالمساجد الموجودة.
3- جدالات إخضاع المجال الديني الرسمي
ترتبط فُرص إخضاع المَجال الدّيني لسُلطة أيّ نِظام سِياسي من عَدمه بثلاثة مُؤثرات رئيسة هي التي تتحكم في فرص تحقق أيهما، وهي «المُؤثر الشّخصي»، والمتعلق «بطبيعة الشّخصية المُتصدّرة لقيادة المُؤسسة» وكيفية تصوره لنفسه؛ أي طبيعة التّكوين الشّخصي للإمام الأكبر، وحدود انعكاس التّكوين العائلي والمسار المهني وسماته الشخصية على سلوكه في المجال العام ونزعاته نحو الاستقلال أو التّعبيّة، ثم «المُؤثر الدّاخلي» المُمثل في الإطار القانوني الحاكم للمؤسسة، والذي يُحدد موقعها في النظام السياسي وحدود تأثيرها. وهنا نجد الأزهر دستورياً وقانونياً مؤسسة تَحظى باستقلالية، والتي لا تعني انفصالاً عن الدولة، كما أنها لا تعني تَبعية لأجندة الحكومة اليومية. ويتمثل «المؤثر الخارجي» في مدى تأثيرات الدّور الدّولي للمؤسسة الدّينية في حال وجود نَشاط خارجي لها على ثقلها الدّاخلي، وهو المؤثر الذي يبدو واضحاً في حالة مَشيخة الأزهر في ظل رمزيتها كمؤسسة دينية عالمية تَحظى بالقُبول، بصفتها مُمثلاً للمسلمين عامة ومَرجعية للإسلام السّني.
رابعاً- الصّوفيّة السياسية الواقع والمستهدف
مع التّغييرات السّياسيّة في عدة بلدان عربية بعد 2011، حَظيت في المُقابل الحَالة الصوفية بزخم بدا لافتاً في دّفع السياق بها نحو الظُهور السّياسي بهدف إحداث توازن وتحجيم حضور الجماعات الإسلامية -السَلمية منها والجهادية. تَضافرت عِدّة عوامل سَاهمت في تَكثيف هذا الزّخم الصوفي، سواء «محلّياً» اتساقا مع تنازع الشّرعيات بين الإسلاميين والأنظمة الحاكمة، حيث بدت للأنظمة أهمية إبراز الحُضور الصّوفي لتفكيك حالة العُنف المضادة وتجاوز فرضية قطاعات إسلامية بعداء الأنظمة للدين «والحرب على الإسلام». أما «إقليمياً»، فيمثّل التّغيير في أوزان وأدوار القُوى السياسية الإقليمية عاملاً مُغذيّاً للحُضور الصّوفي، والذي يعكسه الدّعم الإماراتي للتّصوف[3] في إطار نشاطها في مكافحة الارهاب والتطرف. وعلى المُستوى الدولي يُمثل المَوقف الغربي -خاصة الولايات المُتحدة- الإطار العام الذي يَدفع نحو التّأثير في الكَثير من التّغييرات المَحلية، كسَعي مَراكز البَحث بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 إلى تَهيئة آليات تَفكيك نَشاط الرّاديكالية الإسلاميّة عبر استخدامات مَرحلية للمُكونات الإسلامية كما سبق وطرحه تقرير راند 2007 -والذي رأى في التّصوف «التفسير الفِكري المُنفتح للإسلام الذي ينبغي دعمه..»[4]. 1- معالم الواقع الصوفي
عند التّطرق إلى الوَاقع الصّوفي، يتوجب علينا النظر إلى مكوناته الهيكلية، وقرأئتها على مستويين؛ الأول: الصوفية الطّرقية؛ أي تلك الصّوفية المنتظمة في هياكل إداريّة داخليّة وفقا لتراتبية قيادية، ولديها منهج مُعلن «أوراد» ونظام عضوية وفروع في أماكن جغرافية مختلفة، سواء في الداخل والخارج.. إلخ، وهي على صورتين: «مُقيدة رسمياً» في المجلس الأعلى للطرق الصوفية، بوصفه المُشرف الرّسمي، ويصل عددها إلى 77 طريقة. منبثقة عن 6 طرق رئيسة[5] هي: البَدويّة، الرّفاعية، القادرية (الجِيلانية)، الشاذلية، الدّسوقيّة (البرهامية)، الخلوتية، العَزمية. وصوفية «غير مُقيدة»[6]- وتختلف في مناطق انتشارها أعداد مُريديها[7]. أما الثاني: فـــ الصوفية غير الطُرقية/العلمية: أي ذلك التّيار الذي تغلب عليه الفردية المُرتبطة بالشيخ، والذي يتبنى الصّوفية كمنهج علمي/ دعوي/ شرعي، قد يتحول بمرور الوقت إلى «طريقة» أو يظل حالة علميّة دعوية.
وفيما يخص القواعد الصوفية، فهي على قسمين؛ «كتلة صلبة» أي المُسجلين رسميّاً في الطرق المُشهرة كإجراء روتيني وفقاً لقانون نظام الطرق الصوفية (مادة 36) وهؤلاء يبلغ عددهم 5 مليون مواطن[8]. و«كتلة سائلة»؛ ويقصد بها المُحبون للصّوفية غَير المُنتظمين في الطُرق وهؤلاء كُتلة غير مُحددة. وهنا نشير إلى أمرين يتعلقان بطبيعة التيار الصوفي عامة؛ أولهما: تماهي الصوفية مع جميع طبقات/أفكار/مؤسسات المجتمع، فهم ليسوا «طائفة» لها سمات/أشكال متميزة، أو أماكن تواجدٍ معروفة- وإن كان لها ثقل في مناطق دون الأخرى.
وثانيهما «غياب البُعد المذهبي عن الصّوفية» عكس الحال مع الجماعات الإسلامية؛ فالتصوف إن جاز التعبير مَذهب سلوكي يرتبط بالجانب الأخلاقي أكثر منه مذهبي/فكري. لذا غابت المنظومة الفكرية لها عن المتابعين، واقتصر إنتاجها على الأذكار، وتهذيب النفس والسمو بالروح أكثر منه أطروحات تشتبك مع الإشكالات السياسية/الفكرية.
2- تَفاعُلات الصّوفية
يخَضع المجلس الأعلى بتشكيله المُقرر قانوناً للدولة، سواء إدارياً أو ماليا أو رمزياً. وإن كان ظَاهر القَانون التّنظيم والرقابة، إلّا أنه فعلياً يَنزع أي أوجُه للاستقلالية/حُرية الحركة عن الطرق الصّوفية، والتي أصبحت جُزءاً من مُكونات الدولة- كأيّ مُكون إداري- تُشرف على تكوينها، وتُقر مِيزانيتها، ومن ثم تُحدد مَواقفها. لينعكس هذا الارتباط على الأداء العام للطُرق، لتصبح أداة ترويجيّة لسِياسَات الحُكم -كباقي مُكونات الدّولة-، في ظل السُلطات المُطلقة التي منحها القَانون للمجلس -كالمُوافقة على تَعيين وتَأديب وعَزل مَشايخ الطّرق الصّوفية ووكلائِهم، وهو ما يتسبب في توتر العلاقات «داخليّاً»- في البيت الصّوفي أو «خارجيّاً» في علاقتها بالمجتمع. ليؤدي ذلك إلى انغلاق الطُرق على نفسها، في ظل التنافسات الشخصية وفقدانها آليات التواصل مع واقع مجتمعها ليُختزل دَورها في الوعي الشعبي في جانب الأذكار والموالد. وبالتالي لم تنجح الصّوفية السّياسيّة في بلورة خطاب يجمع أطيافاً من المُجتمع حولهم بهدف إعادة توجيههم نحو مشروع ما، سواء سِياسيّاً أو مجتمعيّاً -كما هو حال القُوى الإسلامية- في ظل غِياب القُدرة الحَركية والقيادة الرّمزية للصّوفيين على واقع ممارستهم السياسية.
3- التّجربة الصّوفيّة الحزبيّة
دفعت أزمات الحَالة الصّوفية السّابقة نحو توجه بَعض «الطُرق» إلى المَسار الحزبي بتأسيس أحزاب ذات مَرجعية صُوفية، أدى تَماهي التيار الصوفي مع المجتمع توزع الكت
اليوم في 12:30 pm من طرف سميح القاسم