هنا اختلف مع 'القدس العربي': عن أي ديمقراطية مغربية تتحدثون؟!
سعيد السالمي
2012-01-11
إن
آخر ما كنت أفكر فيه أن أكتب ردا أو حتى تعقيبا على مقال للاستاذ
عبدالباري عطوان، ليس لأن جريدة 'القدس العربي' فتحت لي صفحاتها للتعبير عن
رأيي في بعض مما يجري في وطننا العربي الإسلامي، بل لأنني كنت دائما أعتبر
نفسي تلميذا في مدرستكم العملاقة، ولأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله،
فقد ارتأيت أن احسن طريقة للتعبير عن امتناني لكم ألا أجادلكم، أمام العامة
على الأقل، في مواقفكم وآرائكم.
قرأت على زاوية 'رأي القدس' من العدد
7015 بتاريخ 05 يناير 2012 لجريدتنا مقالا مقتضبا بعنوان 'حكومة الإسلاميين
في المغرب' ومما جاء فيه أن الإنتخابات التشريعية المغربية الأخيرة كانت
'شفافة حرة نزيهة' ولم تختموا المقال دون أن تعلنوا أنكم لن تترددوا في
'تهنئة المغرب بديمقراطيته'.
شاءت الأقدار أن أكون يومها على غرار
زملائي في المغرب وغيرهم من الذين سهروا على تغطية أحداث مدينة تازة
الدامية، وكل ما في الأمر أن مجموعة من المعطلين من حاملي الشواهد خرجوا في
تلك المدينة المنسية وسط البلاد، للمطالبة بإنصافهم وتظاهروا بشكل سلمي
حضاري إلى أن فاجأتهم الآلة البوليسية فعنفتهم بشكل منقطع النظير،
والمفارقة أن نشر مقالكم هذا تزامن مع شريط نشره نشطاء على موقع 'اليوتوب'
يظهر سيارة من الحجم الكبير تابعة للأمن وهي تدهس بهمجية حشدا من
المتظاهرين. إنه يا أخي، يوم أسود ينضاف إلى الأيام الحالكة من تاريخ وطننا
الحبيب.
لن نجادل أستاذنا عبد الباري في مفهوم الديمقراطية بالمعنى
النظري الأكاديمي، وأنت الخبير السياسي المحنك بشهادتي وشهادة غيري، إلا أن
وصف النظام المغربي في شكله الحالي بالديمقراطي، ربما يتطلب منا أن نذكركم
ببعض الأمور التي قد تكون غابت عنكم وسط كثافة الأحداث في المنطقة
وتسارعها خلال الفترة الأخيرة..
رغم الإصلاحات المعلنة، والتي روجت لها
السلطة وزوقتها في الخارج قبل الداخل على شاكلة 'غوبلز'، فإن طاعون
الإستبداد لا يزال قائما في المغرب ذلك أن السلطات كلها لا تزال بيد الملك،
صحيح أنه تنازل لرئيس المؤسسة التنفيذية عن رئاسة مجلس الحكومة، إلا أن
هذا الأخير يخضع للوصاية المطلقة للمجلس الوزاري الذي احتفظ به الملك
لنفسه. مثلما ظلت المؤسستان التشريعية والقضائية على حالهما تحت قبضته.
لقد
أعلن الملك محمد السادس للأمة مشروع الدستور في خطاب 17 يونيو، وبعده
بأيام، أي ليلة الإستفتاء، تم تغيير الفصلين 87 و130، لتقليص صلاحيات رئيس
الحكومة، والسماح للوزراء بمزاولة أنشطة تجارية وسط أنباء عن العلاقة بين
ثروة الملك وتعيين بعض الأثرياء من الوزراء.
تم خرق الدستور من قبل أعلى
سلطة في البلاد في أكثر من مرة. ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر،
تعيين الملك لمجموعة من السفراء رغم أن الفصل 49 من الدستور يقر أن
التعيينات تتم من طرف رئيس الحكومة، بعد التداول في مجلس الوزراء. وتم
إعلان الإنتخابات التشريعية السابقة لأوانها دون حل البرلمان. كما أن الملك
أقدم على تأسيس المؤسسة الوطنية للمتاحف، وعين رئيسا لها، وهذا بمقتضى
الدستور من اختصاصات رئيس الحكومة
اسمحوا لي أستاذي فربما لم تعيروا أي
اهتمام للتصنيف الذي أصدرته، قبل أيام، مجلة 'إيكونوميست انتلجنس يونيت'
الشهيرة، حيث تم تصنيف المغرب ضمن 'الأنظمة الاستبدادية'، ووفقا للمجلة فقد
احتل المرتبة 119 على سلم معايير الديمقراطية من أصل 167 دولة، وبذلك يكون
قد تراجع ثلاث درجات مقارنة مع العام 2010 عندما جاء ترتيبه في الصف 116.
ولم
تتفانى السلطة في قمع المتظاهرين السلميين طيلة الأشهر الماضية وقتلت
إخوانكم تحت وقع الهراوات والأسلحة البيضاء وكل أنواع البلطجة.
أستاذي
عبد الباري، تتفق معي دون أدنى شك أن لا وجود لديمقراطية في العالم تعتقل
الصحافيين والفنانين. فالفنان معاذ بلغوات، شاب مغربي معتقل بسبب دعمه
للحراك الشعبي. والفنان أحمد السنوسي، أحد كتاب جريدتكم، ممنوع من الظهور
على القنوات التلفزيونية الرسمية منذ عشرين سنة. وزميلكم رشيد نيني لا يزال
قابعا في السجن، والصحافي علي لمرابط ممنوع من مزاولة مهنته لمدة عشر
سنوات، وهو على حد علمي رقم قياسي عالمي قبل أن تنتزعه منا، ويا للأسف،
الجمهورية الإيرانية السنة الماضية. أما عن نزاهة الإنتخابات الأخيرة فيكفي
أن نذكر رغم أن أحد قياديي الحزب الفائز، حزب العدالة والتنمية
'الإسلامي'، وهو الناطق الرسمي باسم الحكومة الحالية، كشف بنبرة التهديد
على الهواء على القناة الثانية الرسمية يوم الإقتراع أن حزبه سجل العديد من
الخروقات، وهو ما تم طمسه فور إعلان فوز حزبه، ولا نبالغ إذا فهمنا من
هؤلاء أن شفافية الإنتخابات ونزاهتها لا تهم في شيء، بقدر ما يهمهم الفوز
والظفر بالمناصب.
وإذا سلمنا جدلا بنزاهة الإنتخابات على العموم، كما
قال المراقبون الأجانب، والمحليون من المؤسسات التي سمح لها ـ مؤسسة حقوقية
رفض طلبها دون مبرر ـ فإن ما يجب أن نعتز به حقا هو نسبة المشاركة التي
كانت هزيلة، وإذا افترضنا أن نسبة 45 ' المعلنة رسميا صادقة، فقد تم
التلاعب بالأرقام بشكل فاضح، ذلك أن النسبة الحقيقية إذا اعتمدنا عدد
المصوتين، قياسا بعدد المسجلين في قوائم الإنتخاب، لا تتعدى 24 '. ناهيك أن
الواقع قد يكون أقل من ذلك بكثير ووفقا لمصادر موثوقة فإن النسبة الحقيقية
لم تتعد 15 '.
دون أن ننسى ما نقلته معظم المواقع الإخبارية المغربية
من شهادات حية بالصوت والصورة توثق لاستعمال المال السياسي، وشراء الذمم
طيلة الفترة الإنتخابية، ومهنيي النقل الذين أجبروا على الذهاب إلى صنادق
الإقتراع، وصودرت منهم رخص السياقة وهلم جرا من الممارسات السلطوية
التقليدية.
' اعلامي وباحث مغربي مقيم في فرنسا