تسميم عرفات والنفاق العربي
رأي القدس
2012-07-16
من
المقرر ان يجتمع وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية في القاهرة
اليوم، تلبية لطلب الحكومة التونسية لبحث قضية اغتيال الرئيس الفلسطيني
الراحل ياسر عرفات بسم بولونيوم، مثلما ورد في تقرير لمعمل تحاليل طبية
سويسري بثته قناة الجزيرة الفضائية.
لا نفهم لماذا تأخرت الجامعة اكثر
من ثماني سنوات للاجتماع لبحث هذه القضية الخطيرة، والذهاب الى الامم
المتحدة للمطالبة بتشكيل لجنة دولية ومحكمة خاصة على غرار ما حدث بعد
اغتيال الراحل رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الاسبق.
والاهم من كل ذلك
هو عدم تقدم السلطة الفلسطينية بطلب في هذا الخصوص الى الجامعة، فهل
تجاهلت هذه الجريمة خوفا من الاسرائيليين والامريكيين او نتيجة عدم وجود
اي دعم عربي لمثل هذه الخطوة!
الرئيس عرفات الذي كان وما زال رمزا
للشعب الفلسطيني وثورته، واحد ابرز الشخصيات السياسية والعالمية في المئة
عام الماضية على الاقل لا يستحق مثل هذا الاهمال من سلطته والقيادة
الفلسطينية التي تديرها اولا ومن الامة العربية وجامعتها ثانيا.
الرجل
في ايامه الاخيرة عاش العقوق والنكران العربيين في ابشع صورهما، فقد كان
محاصرا في المقاطعة مقره الرسمي في رام الله لعدة سنوات، وكان الزعماء
العرب يرفضون الرد على مكالماته، ومن بينهم الرئيس المصري المخلوع حسني
مبارك.
المقاطعة العربية التي عانى منها مر المعاناة، جاءت تلبية لضغوط
امريكية، وعقابا له على رفضه الاستسلام والتنازل عن السيادة العربية
والاسلامية عن القدس المحتلة وحق العودة للاجئين الفلسطينيين ولجوئه الى
الانتفاضة المسلحة كأحد فصول مقاومة الاحتلال الاسرائيلي.
مشكلة الرئيس
عرفات مع الجميع انه اراد ان يموت شهيدا على ان يتنازل عن اي من الثوابت
الفلسطينية، ولو كان اراد غير ذلك لظل حيا يرزق ربما حتى هذه اللحظة.
الاسرائيليون
كانوا يعلمون جيدا انه قرر العودة الى المقاومة المسلحة بعد ان ادرك انهم
لا يريدون سلاما واعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، مثلما كانوا
يعلمون انه ارسل ثقاته الى عواصم عربية وعالمية بحثا عن السلاح، ولهذا
قرروا التخلص منه بعد ان هيأوا البدائل على امل ان يحصلوا على تنازلات
مفتوحة.
وربما يجادل البعض، وهذا من حقهم، ان الرئيس عرفات هو الذي
يتحمل مسؤولية الخديعة الكبرى التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وتمثلت في
اتفاقات اوسلو التي وقع عليها في حديقة البيت الابيض وسط احتفالات
تلفزيونية زائفة ومضللة، وهذا الجدل في محله، فالرئيس عرفات كان محاصرا من
قبل دول الخليج ومصر وسورية، اي دول اعلان دمشق، لانه اتهم بالوقوف الى
جانب الرئيس العراقي صدام حسين اثناء غزو الكويت.
واعتقد مخطئا انه من
خلال الانخراط في مفاوضات مع اسرائيل بموازاة مفاوضات مؤتمر مدريد للسلام
يمكن ان يكسر هذا الحصار العربي ويكسب بعض الوقت، ولكن رهانه كان خاطئا.
وزراء
الخارجية العرب يجب ان يكفروا عن ذنبهم تجاه هذا الرجل وقضيته باتخاذ
قرارات جادة بالذهاب الى الامم المتحدة لطلب تشكيل لجنة تحقيق دولية للكشف
عن الجهة التي اقدمت على عملية الاغتيال قانونيا.
اسرة الرئيس الراحل
اتهمت اسرائيل صراحة بتسميمه، وهو اتهام يتفق عليه الكثيرون، فمن له مصلحة
في اختفائه غير الاسرائيليين وبعض عملائهم وادواتهم في الصف الفلسطيني؟
المهم
الآن ان يتم اثبات هذا الاتهام قانونيا لكشف النفاق الدولي وانحياز الغرب
وامريكا، اللذين يدعيان العدالة ودعم الحريات وحقوق الانسان، الى اسرائيل
والتستر على جرائمها ضد الامتين العربية والاسلامية.
T