الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء التونسي لـ'القدس العربي':
لم يهنئنا بنجاح ثورتنا زعيم عربي واحد.. والسعودية ترفض تسليمنا بن علي
رفضنا دعوة من القذافي للتوسط.. والمليارات الموعودة ما زالت حبرا على ورق
2011-07-03
تونس ـ 'القدس العربي' ـ من عبد الباري عطوان: السيد
الباجي قائد السبسي الوزير الاول في تونس (رئيس الوزراء) شخص طيب ومتواضع،
وبادرني بالقول عندما التقيته في مكتبه صباح الاربعاء الماضي: 'يا سيدي
انا كنت في بيتي سعيدا بتقاعدي، مثلما كنت سعيدا بالثورة ونجاحها، فجاءوا
الي وقالوا تفضل وتسلم المسؤولية وانا المتقدم في السن (84 عاما)، فماذا
تريدني ان افعل؟ هل ارفض واتهم بالهروب من خدمة بلدي التي تحتاج الي، ام
اقبل واحاول افادة البلاد من تجربتي التي امتدت لعقود، ست سنوات منها
كوزير خارجية؟ طبعا لبيت نداء الواجب، وانا هنا لفترة مؤقتة وسأحاول بذل
كل جهد ممكن لانجاح الثورة، ودعم استقرار سفينتها'.
يؤكد السيد السبسي
ان الشعب التونسي لم يفجر ثورته من اجل تصديرها الى الجوار العربي، وانما
فجر ثورة على الطريقة التونسية، ومن اجل انقاذ تونس من الفساد والقمع
والديكتاتورية. وقال انها ثورة شباب دون اي ايديولوجية او زعامة او مساعدة
خارجية، ولهذا لجأوا الى حكمة الشيوخ مثلي، ولكن بشكل مؤقت ولعلنا نكون
عند حسن ظنهم.
ويعترف ان امتلاك الحرية سهل لكن المحافظة عليها مهمة
شاقة جدا. وصيانة الثورة من شطط انصارها اصعب كثيرا من مقاومة مؤامرات
اعدائها، وما اكثرهم في تونس، فسقف التوقعات مرتفع كثيرا جدا، واللغة
السائدة قوية، والنزق هو سيد الموقف في هذه الفترة الانتقالية. فالتركة
ثقيلة جدا، هناك 700 الف عاطل عن العمل من مجموع عمالة قدرها 3.5 مليون
عامل. هذا رقم كبير جدا.
يشتكي السيد السبسي بمرارة من انه لم يأت ولا
زعيم عربي الى تونس للتهنئة بالثورة او التضامن مع الشعب التونسي. اعداد
غفيرة من وزراء خارجية دول العالم زارونا للتعرف على هذه التجربة الرائدة،
ولم يكن من بين هؤلاء زعيم عربي واحد. يقولون لنا في ليبيا وسورية انتم
ابتليتمونا بالثورة، وربما لهذا السبب لا يريدون تهنئتنا، او حتى الاقتراب
منا خوفا من 'فيروس' الثورة واصابتهم بالعدوى.
ويقول انه كرئيس حكومة
اتصل بالمسؤولين السعوديين، وقلنا لهم نريد استلام الرئيس السابق زين
الدين بن علي للمثول امام المحكمة بالتهمة المرفوعة ضده، ولكنهم لم يردوا
علينا مطلقا. واضاف نبعث لهم بالتهاني في المناسبات، ولكل الزعماء الآخرين
ايضا، مثلما تقتضي الاصول ولكنهم لا يردون علينا مطلقا!
تسألني عن بن
علي، اقول لك انه ليست لي مشكلة شخصية معه، مشكلته مع الشعب التونسي،
وحسابه مع هذا الشعب، الشعب له حق ان يحاسبه ويعاقبه.. انا شخصيا لم اسأل
عنه، ولم احاول الاتصال به، بل لا اتحدث عنه مطلقا. هناك 93 قضية مرفوعة
ضده، بعضها بتهم القتل، واخرى نهب المال العام، وجدنا مخدرات ومجوهرات و35
مليون دولار من عملات مختلفة، واعطينا محاميه الذي اختاره للدفاع عنه
تأشيرة دخول الى تونس، ولديه خمسة محامين آخرين في تونس، وصادرنا جميع
املاكه وعقاراته في تونس.
لا اعرف لماذا لم يأخذوا هذه الملايين
والمجوهرات معهم، لعلهم كانوا في عجلة من امرهم، ويريدون السلامة، اعدنا
الطائرة الخاصة به والتي اشتراها من مال الدولة، تصور، يقول لي، بورقيبة
لم يملك طائرة، وكان يسافر مثل اي راكب عادي، ولم يشتر دراجة في حياته.
يشير
السيد السبسي الى عقبتين رئيسيتين تواجهان تونس حاليا، الاولى اقتصادية،
والثانية من دول الجوار. ويقول وعدتنا دول قمة الثمانية بأربعين مليار
دولار مناصفة مع مصر، عشرون مليار دولار من المؤسسات المالية مثل البنك
الدولي وصندوق النقد، وعشرة مليارات دولار هدية لنا ولمصر بمجرد اعلان
النوايا، وعشرة مليارات من دول الخليج، جميع هذه الارقام ما زالت على
الورق ولم نتسلم منها اي شيء حتى الآن.
ويؤكد السيد السبسي ان الصداع
الليبي هو الاكثر إقلاقاً لتونس هذه الايام، فالجار الليبي حقل الغام،
ومصدر تهديد لتونس بشقيه الامني والعسكري. فأكثر من 600 الف اجنبي دخلوا
تونس في ظرف حرج معظمهم عادوا وبقى 100 الف حتى الآن، وهناك 60 الف ليبي
يقيمون حاليا في تونس نتقاسم معهم لقمة الخبز.. المؤسسات الدولية لا تساعد
كثيرا لحل هذه المشكلة.
يؤيد الوزير التونسي الاول تدخل حلف الناتو
عسكريا في ليبيا، ويقول لم يكن هناك اي حل آخر لحماية الليبيين، فالرجل
(القذافي) كان يقتل شعبه.. نحن في تونس مع الشعب الليبي.. نحن لدينا ثورة،
والشعب التونسي صاحب هذه الثورة، من الطبيعي ان يقف مع ثورة شقيقه الليبي.
ويقر
السيد السبسي بان الزعيم الليبي معمر القذافي طلب من تونس التوسط، قلنا
لهم اتفقوا فيما بينكم، اما نحن فلدينا من المشاكل الكثير، ونريد ان نحل
مشاكلنا اولا.
ويبتسم قائلا: المشكلة ان كل طرف في الحرب الليبية يعتقد
انه سيربح في نهاية المطاف، ولهذا فإن اي وساطة في ظل هذا الوضع محكوم
عليها بالفشل.. نسأله ومتى التوقيت المناسب للوساطة في رأيك، فيقول عندما
ييأس الطرفان، ويتعبوا من الحرب وينهكوا يمكن ان يستمعوا الى الوسطاء،
وهذا لم يحدث حتى الآن.
ويستغرب السيد السبسي ان حلف الناتو لم يتشاور
مطلقا مع تونس حول عملياته او خططه، وكذلك الادارة الامريكية، رغم ان تونس
المتضرر الاكبر والبوابة الرئيسية الى ليبيا. ويقول ان الناتو لن يتوقف في
منتصف الطريق، ولا خيار لهم غير الاستمرار ولهذا لا بد من ايجاد مخرج، وقد
يكون المخرج خروج الزعيم الليبي معمر القذافي، لان المشكلة قد تنتهي
بخروجه.
عندما سألت السيد السبسي عن عدم اعتراف تونس بالمجلس الانتقالي
الليبي قال انهم جاءوا الى تونس، وشرحنا لهم موقفنا، وقلنا لهم اذا اردتم
الاعتراف نعترف، ولكنهم تفهموا موقفنا.
ويذكر ان السيد السبسي سيظل في
منصبه حتى 23 تشرين الاول (اكتوبر) المقبل موعد انتخابات المجلس التأسيسي
الذي سيضع الدستور التونسي الجديد، ويختار رئيس وزراء مؤقتا لفترة
انتقالية تستمر ستة اشهر، يذهب التونسيون بعدها الى صناديق الاقتراع
لاختيار برلمان لمدة اربع سنوات يعين رئيس وزراء وحكومة جديدة.