ملكية دستورية مغربية.. مصدر قلق خليجي
رأي القدس
2011-07-01
توجه ملايين المغاربة يوم امس الى صناديق الاقتراع
للاستفتاء على دستور جديد يتضمن تعديلات جديدة يتقدمهم العاهل المغربي
محمد السادس الذي تنازل بمقتضاها عن بعض صلاحياته، من اجل ترسيخ اسس ملكية
دستورية ديمقراطية برلمانية على حد وصفه.
العاهل المغربي تعهد بالدستور
الجديد في استجابة مباشرة وسريعة من قبله لمطالب الشباب المغربي الذي نزل
الى الشارع في مظاهرات احتجاجية شارك فيها عشرات الآلاف، واراد بهذه
الخطوة امتصاص النقمة الشعبية، والحفاظ على العرش، خاصة ان انتفاضات
مماثلة اطاحت برئيسين عربيين هما التونسي زين العابدين بن علي والمصري
حسني مبارك بينما تستمر انتفاضات مماثلة في كل من اليمن وسورية وليبيا.
الصلاحيات
التي تنازل عنها الملك بمقتضى الدستور الجديد تشمل منح رئيس الوزراء
صلاحيات كبيرة من بينها حل البرلمان، والاعتراف بالهوية الامازيغية ولغتها
كلغة رسمية اسوة باللغة العربية، ولكن العاهل المغربي احتفظ بسلطاته
العسكرية والدينية.
بعض المغاربة، وخاصة حركة شباب عشرين فبراير اعتبرت
هذه التنازلات غير كافية، وقالت ان الدستور الجديد المعدل يعزز الحكم
المطلق، ولا يقطع جذور الفساد، ولذلك حثت انصارها على مقاطعة الاستفتاء.
هناك
مدرستان في المغرب تتبنيان مواقف متعارضة تجاه الدستور الجديد الاولى، وهي
الغالبة، ترى ان الدستور الجديد خطوة جيدة، ومتقدمة، نحو ملكية دستورية،
تعطي رئيس الوزراء الذي هو احد افرازات التعددية الحزبية، صلاحيات يمكن ان
تعزز المشاركة الشعبية في دائرة صنع القرار بفاعلية، بعيدا عن املاءات
القصر (المخزن حسب التعبير المغربي) ورجالاته وتدخلاته. اما المدرسة
الثانية فترى ان هذه التعديلات التي ميزت الدستور الجديد عن نظيره القديم
هي تعديلات شكلية وان الملك ما زال يتمتع بصلاحيات واسعة، ولذلك نادى
اصحابها بمقاطعة الاستفتاء.
من المؤكد ان اصحاب المدرستين يملكون وجهة
نظر تستحق التأمل والمناقشة في ظل الطموحات المغربية نحو ديمقراطية
حقيقية، وتعددية سياسية تعكس الوان الطيف المغربي بكل توجهاته، واذا كانت
ايجابية المدرسة الاولى تحظى بترحيب خاص من العاهل المغربي وقطاع عريض من
الشعب، فان موقف المدرسة الثانية التي يرى البعض انه 'سلبي' يعتبر ضرورياً
لاستمرار الضغوط على العاهل المغربي لانتزاع المزيد من التنازلات لمصلحة
تعزيز الملكية الدستورية وتعزيز مكاسب الشعب، وهي بهذا المعنى ايجابية في
جميع الاحوال.
يسجل للعاهل المغربي مبادرته السريعة في التجاوب مع
مطالب المحتجين، ولو جزئياً، لتجنيب المغرب وعرشه مصير بعض الجمهوريات
الاخرى التي استهان رؤساؤها بثورة الشارع، وعاندوا كثيراً اعتقاداً منهم
بان الحلول الامنية يمكن ان تقضي على هذه الاحتجاجات فدفعوا ثمناً باهظاً
يستحقونه حتماً.
المشكلة الكبرى التي سيواجهها العاهل المغربي لن
تكون محصورة في بعض الذين قاطعوا الاستفتاء ، وانما في الملوك العرب
الآخرين، وخاصة في منطقة الخليج الى جانب الاردن، حيث ترفض الملكيات فيها
مبدأ الملكية الدستورية، وتصر على تكريس كل الصلاحيات المطلقة في يد الملك
او الامير.
ما نتوقعه، وبعد الدستور المغربي الجديد، ان تتراجع فرص
انضمام المغرب الى مجلس التعاون الخليجي، بعد اقتراح العاهل السعودي الملك
عبد الله بن عبد العزيز تغيير اسمه، وتحويله الى ناد للملكيات، لان دول
الخليج، او معظمها، قد تتردد كثيراً في فتح قلبها، وابوابها امام 'فيروس'
الملكية الدستورية الذي يروج له العاهل المغربي، بل ويتبناه.
الشعب
المغربي سيصوت 'بنعم' في الاستفتاء وهذا امر تؤكده استطلاعات الرأي حتى
كتابة هذه السطور، ولا بد ان شعوباً خليجية تراقب هذا الاستفتاء وتتمنى ان
يأتي اليوم الذي تحظى بمثله.