طارق الحميد / ما لم يفهمه النظام الأسدي في زحمة الانشغال بمقتل معمر القذافي أعلن النظام الأسدي
على استحياء أنه قد يقبل بمبادرة الجامعة العربية، لكنه يرفض ترؤس قطر لها.
خبر مهم، لكن ليس لأن نظام الأسد وافق، بل لأنها موافقة تظهر أن النظام
بات أكثر خوفا، وأقل استيعابا للمتغيرات حوله.
فقبول المبادرة العربية الآن، وبشروط، خصوصا بعد إعلان النظام الأسدي
أنه يرفضها، أي المبادرة، جملة وتفصيلا، لم يعد أمرا مؤثرا وذا قيمة؛ فمقتل
القذافي على يد الثوار الليبيين، وبعد قرابة تسعة أشهر، أقل أو أكثر، من
عمر الثورة الليبية، قد قلب المعادلة بالمنطقة، وقد يغير نظرة المجتمع
الدولي حتى أمام الحلول المقترحة تجاه سوريا.
نهاية القذافي التي تشبه نهج حياته تقول لنا إن التحالف الدولي قادر على
القضاء على أي طاغية بحال كان ذلك من خلال غطاء شعبي، وهو ما حدث بليبيا،
وبمشاركة من الناتو تحت قيادة فرنسية بريطانية، ودعم أميركي. والأمر ليس
عصيا على التطبيق بالحالة السورية. فكل المطلوب هو توفير منطقة محظورة داخل
سوريا يتسنى من خلالها للمنشقين من الجيش السوري الاحتماء بها وتنظيم
صفوفهم، ومن ثم توافر غطاء جوي من الناتو، على غرار ما حدث بليبيا، وحينها
سنجد أن القيادة الأسدية قد التحقت بركب الأشرطة الصوتية، وبالطبع وقتها لن
يستفيد النظام الأسدي لا من حزب الله ولا العراق ولا نوري المالكي الذي
هنأ الشعب الليبي بـ«سقوط الطاغية»، بحسب ما نسب للمالكي، ويا لها من سخرية
طبعا، فانظروا من يتحدث!
حينها، وعند تحرك التحالف الدولي، سينظر الجميع لمصالحه الاستراتيجية،
وليس العاطفية أو الطائفية، فحينها سيكون تفكير حكومة لبنان منصبا على
كيفية تماسكها، وسيفكر حزب الله بكيفية حماية ظهره، وبالطبع فإن حكومة
المالكي بالعراق ستكون مشغولة بكيفية المحافظة على تماسكها أيضا لكي لا
تنهار، خصوصا أن المظاهرات ضدها، وإن غيبها الإعلام، حقيقية. والأمر نفسه
ينطبق على إيران المرعوبة من تداعيات ملف محاولة اغتيال السفير السعودي
بواشنطن، فكيف بمواجهة عسكرية مع المجتمع الدولي؟
المراد قوله إن المنطقة تغيرت، والتعاطي الدولي معها تغير أيضا، وكذلك
الرأي العام العربي الذي بات لا يرى غضاضة بإسقاط الطغاة ولو على يد الغرب،
وهو أمر مختلف عن طريقة إسقاط صدام حسين، ولذا فإن ما بعد القذافي ليس مثل
مرحلة ما قبل قتله، وهذا ما تظهره ردود فعل القادة الغربيين بعد قتل
القذافي، وهذا ما لم يفهمه النظام الأسدي، والدليل أنه يريد اللعب مجددا مع
المبادرة العربية التي كان قد رفضها بالأساس.
ما يجب أن يفهمه النظام الأسدي أنه تأخر كثيرا، وفوت الفرصة تلو الأخرى،
حيث استنفد كل أساليب الحيل، ولم يعد أمامه اليوم إلا تقديم تنازلات
حقيقية وقاسية لا مناص منها، وإلا كانت النهاية مأساوية، خصوصا أننا أمام 4
حالات لرؤساء عرب كل واحدة منها أسوأ من الأخرى، فهناك من انتهى بحفرة،
وآخر داخل مجرى مياه، والثالث بالمنفى، والرابع بمشفى!