ـ
لا تختلف عناصر المشهد السياسى التونسى كثيرا عن "شقيقه" المصرى أو أغلب
منطقتنا العربية عموماً ، للدرجة التى لا يمكن معها للمتابع ، غير المتخصص
، تقرير ما اذا كانت تونس نقلت نظامها وأدواته ، بل حتى مضمون تصريحاته ،
عن مصر ، أم أن العكس هو الصحيح !
ـ فالشبه المحير ، أو نقل
المسطرة بين آليات النظامين المصرى والتونسى كمثال ، يتضح بجلاء فى الكثير
من النقاط ، منها على سبيل المثال التعديل الدستورى الذى أجراه نظام
الرئيس "زين الدين بن على" ليسمح بتولى رئاسة الدولة دون حد أقصى على خلاف
ما تعهد به فى بيانه الأول صباح 7 نوفمبر 1987 الذى تولى فيه الحكم بعد
ازاحته "الحبيب بورقيبة" أول رئيس لتونس بعد استقلالها عن فرنسا مارس
1956، والذى تعهد فيه "بن على" بين ما تعهد ، بتحقيق أحلام التونسيين فى
حريتهم ووطنهم وكيف ينبغى له أن يكون !
ـ أيضاً الشبه فيما يسمى
مجازاً بـ "الانتخابات" التعددية ! التى يقتصر معنى تعدديتها على مشاركة
الأحزاب الكرتونية ، الدائرة فى فلك النظام ، للحزب الدستورى "الجاثم"
هناك أيضاً ، فى العملية الانتخابية مقابل بضعة مقاعد لا تسمن ولا تغنى من
جوع !
ـ إلا أن هذه النقطة ، موضوع البضعة مقاعد ، كان رأى
النظام التونسى فيها أكثر ذكاء وحنكة عن رأى شقيقه المصرى ، حيث رأى الأول
أن تكون فى حدود نسبة الـ 20% من مقاعد البرلمان ، وهى نسبة كبيرة وإن
كانت غير فاعلة ، إلا أنها على الأقل تمنح نوعاً من "الديكور الديمقراطى"
يمكنه تحسين رتوش الصورة واستجلاب بعض التقارير المُشِيدَة وصكوك الغفران
الغربية ! وهى نسبة تعتبر فى حد ذاتها فرقاً جوهرياً أصيلاً يفتقده الحزب
"الجاثم" على مصر المحروسة ، خاصة "دلوعته" ولاعبه "الصولو" الأوحد ، الذى
أدار ، "بذكائه الحوافريتى" الفريد ، ما يسمى بـ "العملية الانتخابية
لبرلمان 2010" على طريقة الصبى "حُكشَة" .. الفتوة المنفوخ الذى أغرى بعض
الطفيليين من صبيان "الحارة" الغلابة الجوعى الطامحين فى الفتات ،
ليتباروا معه فى لعبة "رمى البلى مسافات طويلة" رغم علمهم اليقينى المسبق
بطريقته واسلوبه "الراقص" الحلزونى ، فقط حتى يصنع "الحوافريت" لنفسه
فوزاً وهمياً ظن "بذكائه" الألمعى أنه سيقنع به الآخرين ! رغم أنه لا يعبر
عن حجمه الحقيقى داخل الحارة مهما زعم خلاف ذلك ، فكانت النتيجة استحواذه
وحده بطشاً وطغياناً على غالبية "البلى" ومنعه عن بقية "صبيانه"
المتنافسين بل وبدعمهم ورضاهم ! الأمر الذى سيتضح أثره السىء ، بعيداً عن
المثل السابق ، فى الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة ، هذا اذا لم
يُحَلّْ المجلس الموقر قبلها ، وذلك حين يتنافس مرشح الحزب الحاكم ، أياً
كان اسمه ورسمه ، بتاريخه وبمرجعية فخامة حزبه وهيلمانه وسطوته وملياراته
وملايين أعضائه التى صدعنا بالحديث عنها ليل نهار رغم أن سوادهم الأعظم من
موظفى الدولة ! ، مع مرشحى "الشكل القانونى" للديكور الديمقراطى ! أو
فلنقل مرشحى الفتات من أحزاب "ميكى ماوس" الكرتونية الذين قنع الواحد منهم
"ببلية أو بليتين" فى لعبة الحارة الأولى صنعت منه أداة تكميلية ومنحته ما
لم يكن يدور فى مخيلته وأحلامه هو وأهله أجمعين !
ـ نفس الشبه يظهر
جلياً فى سيطرة رأس المال على الحكم وقصر الانتفاع بمقدرات الوطن وثرواته
على مجموعة ضئيلة من حواريى النظام هنا وهناك وفى أغلب منطقتنا العربية
بما يصحبه ذلك لزاماً من فساد ومحسوبية ، الا أن ذلك يختلف بين النظامين
المصرى والتونسى فى نقطة أن المنتفعين فى تونس ثلاث عائلات متصاهرة تحكم
قبضتها على مقدرات الدولة اضافة الى عائلة الرئيس وأصهاره حسب ما تورده
التقارير ، بينما فى مصر لا يشترط للمنتفع أن يكون ذا علاقة ما مع أحد كان
، إذ بامكانه أن يتحول فى لحظات ، وبجرة قلم على قرار تخصيص أو احتكار ،
من العدم المطلق الى ديناصور نافث للنيران حسب ارادة بعضهم أو لحسابه !!
كما لم يتحدث أحدهم هنا ، على حد علمى ، عن شخص ما أثرى أو نال ميزة مادية
مقابل انتمائه لعائلة الرئيس ، ورغم ذلك ، فقد حصلت تونس على الترتيب الـ
59 فى تقرير منظمة الشفافية الدولية لمراقبة انتشار الفساد حول العالم 26
اكتوبر 2010 ، لتتفوق عليها مصر فساداً وتفوز بالترتيب الـ 98 فى نفس
التقرير !!! رغم أن مصر تتمتع بمساحة كبيرة فى مجال حرية الرأى والتعبير
تزيد كثيراً عن المسموح به فى تونس ، مساحة لا سقف عليها ولا قيد فى كشف
قضايا الفساد ، ولكنها مساحة لم تنتزع ! منحها النظام ووضعها داخل الأطر
المنظمة لقواعد اللعبة حسب ما يراها ! أى وفق سياسة "من حقك الصراخ ومن
حقى ألا أستمع لصراخك" ، أو حسب مفهوم الديمقراطية ، عند العرب عموماً ،
من أنها تعبير عن "الرأى الآخر" دون أن يكون ذلك ملزماً "للرأى الأول"
باتباعه أو مجرد الانصات اليه !!
ـ ورغم ما سبق ، فلم يكن
موضوعنا بأى حال عقد مقارنة بين النظم العربية ، ولكنه ناقوس انذار وتحذير
، وأسىً لما وصلت اليه الحال فى "تونس الخضراء" الغالية وشعبها الجميل
المسالم بطبيعته المبدعة المحبة للحياة ! واستشعاراً للخطر الذى انتقل
بالفعل منها الى الجزائر ، وهو وحده سبحانه يعلم الى أين سينتقل بعد ذلك ،
فالشعوب موصل جيد للثورات خاصة اذا تشابهت ظروفها ، وكلنا فى الهم عَرَبُ
، الخطر الذى سيظل باقياً طالما اقتصرت الحلول والتخطيط المستقبلى للحلول
على المواجهة الأمنية وحدها !!! وطالما بقى الحديث الأكلشيه الخالد عن
"القلة المأجورة والعصابات الملثمة وربما تنظيم القاعدة أيضاً ، وعن البعض
الذى يغيظه النجاح ويسوءه التقدم والنماء !! وعن ظروفنا التى هى نفس ظروف
كل دول العالم !! وعن الأحداث التى لن تفل من عزمنا ولن تنال من مكاسبنا "
!!! .. فلنفس الأسباب ولنفس المبررات تنتفض الآن تونس .. "وَمَا هِيَ مِنَ
الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ