الأمل يتضاءل - د. كامل النجار الأمل يتضاءل مع انتشار فضائيات السحر
منذ القرن الثاني عشر والعالم العربي يرزح تحت نير الجهل ويتغذي بالنقل بعد أن ضمر وأضمحل العقل بعد قفل باب الاجتهاد. وكلما ظهرت بارقة أمل في إنعاش العقل الإسلامي بحقن المحاليل الحديثة في شرايينه كما حاول أن يفعل جمال الدين الأفغاني أو كمال أتاتورك، يتكاتف الجهل مع الفقر مع الدين وتثور الشعوب وترفض المحاليل الحديثة. ونظل نجتر ماضينا ونتغذى عليه، ويزداد الأشعريون عدداً وقوةً. والعرب لديهم ملكة غريبة في النجاح في إساءة استعمال الاختراعات التكنولوجية الحديثة. فهم قد نجحوا في استغلال الأقمار الصناعية لنشر الجهل والدجل من فضائيات جديدة تخصصت في السحر وعلاج الناس عن طريق سحرة يوهمونهم أنهم مرضى ويشرحون لهم كيفية التخلص من السحر الذي يجعلهم يعزفون عن زوجاتهم، أو يمنع الرجل من الزواج على زواجته الأولى. وقد انتشرت هذه القنوات في البلاد العربية انتشار النار في الهشيم، مما يدل على قابلية العقل العربي لتلقي وهضم كل أنواع الجهل والدجل.
السحر كان معروفاً للإنسان البدائي منذ آلاف السنين لأنه كان يجهل فهم القوى الطبيعية التي تسيّر العالم، فلجأ إلى الاعتماد على القوى الميتافيزيقية لتفسر له الأمراض والعلل التي كان يعاني منها، فاخترع الشيطان وجعله القوى المسيطرة التي تأتي بأخبار المستقبل من السماء وتصيبهم بالأمراض. وأصبح الكاهن الذي يسيطر على ذلك الجان طبيباً يداوي الناس وعرّافاً يخبرهم بالغيب. وعندما جاءت الديانة اليهودية حارب أنبياؤها السحر حرباً شعواء ولكنهم لم يستطيعوا القضاء عليه كلياً نسبة لتفشي الجهل في الناس.
ولكن كان الأمر مختلفاً تماماً مع الإسلام. فبدل أن يحارب الجن والسحر، وطّن الإسلام هذا المفهوم في أتباعه. فنجد عدة سور في القرآن، وأغلبها مكية، تتحدث عن الجن وقوتهم الخارقة وأنهم كانوا يسترقون السمع من السماء عندما يتحدث الله مع ملائكته. بل يحتوى القرآن على سورة مكية كاملة اسمها سورة الجن. تؤكد هذه السورة أن الجن كان يساعد الإنسان، فتقول (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) (وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً) وبمثل هذه الآيات جعل القرآن من ظاهرة سقوط واحتراق الأجسام الفضائية Meteorites ظاهرة غيبية تتعلق بمطاردة الجن من أبواب السماء حتى لا يسترقوا السمع. ثم بعد أن أكد وجود الجن ومقدرتهم الفائقة في الصعود إلى السماء واستراق السمع، جعل منهم مسلمين وكفاراً فقال ( وإنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رَشدا). وغريب أن يكون محمدٌ رسولاً للإنس والجن ويؤمن به الجن، بينما نفس القرآن يخبرنا (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) وكذلك (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) فالرسول دائماً يكون من نفس القوم وبلغتهم، وكان لكل أمةٍ رسولها، فكيف يكون محمد رسولاً للجن، وهو ليس منهم؟ وكيف يؤمن الجن، وهو شيطان، بالإسلام، وقد كان الجن، أو الشيطان أو إبليس قد عصى الله منذ بدء الخلق؟ وبمثل هذه الآيات جعل القرآن وجود الجن أمراً عقائدياً لا يقبل الجدل.
وبما أن الجن والشياطين يعّلمون الناس السحر، كما يقول القرآن (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر. فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) (البقرة 102). هذه الآية تؤكد عدة أشياء مهمة في عالم السحر:
1- أن السحر شيء مؤكد ويصيب الناس رجالاً ونساء
2- يستطيع الساحر أن يُفرّق بين المرء وزوجه
3- إن الله يمكّن الساحر من ضرر الناس بإذنه
4- إن الله أنزل السحر على الملكين هاروت وماروت وجعلهم يعلمون الناس السحر. ومعني ذلك أن الله أراد للناس أن يتعلموا السحر. يقول ابن عباس إن هاروت وماروت كانا ساحرين يعلمان الناس السحر.
وليؤكد القرآن دور السحر في حياة الناس، يذكر لنا في سورة يونس (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عظيم فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون. فلما ألقوا قال موسى ما جيئتم به السحر إنّ الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ) (يونس 79-81). ثم يؤكد لنا القرآن في سورة طه أنّ موسى نفسه قد صدق بالسحر، فيقول (قالوا ياموسى إما أن تلقي وإنا أن نكون أول من ألقى. قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يُخيّل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفةً موسى. قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى. والق مافي يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) (طه 65-69). فالنبي موسى نفسه خاف من السحرة وثعابينهم حتى طمأنه الله وجعل عصاته ثعبانا يلقف الثعابين الأخرى. فإذاً الله نفسه يتعامل بالسحر وإلا كان بإمكانه أن يجعل ثعابينهم تتجمد أو تختفي بدل أن يجعل عصاة موسى ثعباناً يجاري به السحرة. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتعامل الله فيها مع موسى بالسحر. فيخبرنا القرآن في سورة النمل أن الله عندما خاطب موسى في الوادي المقدس طلب من موسى أن يُلقي عصاه (فلما راءها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يُعقّب ياموسى لا تخف إنه لا يخاف لدى المرسلون). فما هي الحكمة في أن يجعل الله عصاة موسى تهتز كالجان حتى يهرب منها موسى؟ أليس هذا هو السحر بعينه؟
وفي نفس السورة يؤكد فرعون أن موسى كبير السحرة فيقول (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه كبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) (طه 72). فإذا كانت عصاة موسى قد انقلبت ثعباناً كما انقلبت حبال وعصي السحرة ثعابيناً، ألا يكون موسى ساحراً مثلهم؟
ولزيادة التوكيد بأن السحر شيء واقع، يكرر لنا القرآن في سورة الأعراف (قال الملأ من قوم فرعون إنْ هذا لساحرٌ عليم) ثم يضيف (يأتوك بكل ساحر عليم). ويزيد على ذلك (فوقع الحقُ وبطل ما كانوا يعملون). وفي سورة الشعراء حوالي ست آيات تتحدث عن السحر.
ولزيادة التوكيد أضاف المفسرون الإسلاميون في تفسير الآية 102 من سورة البقرة (إنّ سليمان جمع كتب السحر من الناس ودفنها تحت كرسيه، ولما مات استخرجها الناس وتناقلوها) (تفسير الجلالين). إذاً القرآن والمفسرون لا يتركون عندنا أي شك أنّ السحرً شيء حقيقي ومعلوم.
ثم يأتي دور السنة في توكيد وجود الشياطين والسحر، وقد أكد لنا أهل الحديث والسيرة أنّ أبا هريرة عندما أوكل له محمد حراسة بيت المال، أصبح الطعام يختفي منه. ولما سأل محمد أبا هريرة عن السبب قال له أبو هريرة: يارسول الله جاء الشيطان البارحة وسرق الطعام وأمسكت به وحلف لي أنّ الطعام لأطفاله الجوعى، فتركته يذهب. وبدل أن يواجه محمد أبا هريرة بسرقة الطعام، علّمه آيات من القرآن تمنع الشيطان من سرقة الطعام. وتخبرنا كتب السيرة أن لبيد بن الأعصم اليهودي عقد لمحمد سحراً في عدة عُقد ولفها حول مشط وألقاها في بئر بني زريق. وأصاب السحر محمد حتى أنه كان يُخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، كما روت عائشة. والقرآن كان قد أخبرنا أن الساحر لا يضر الإنسان إلا بإذن الله. فإذاً قد سمح الله للبيد بن الأعصم اليهودي أن يسحر النبي ويضر به، ليثبت لنا أن السحر لا خلاف عليه، وأنّ السحرة يمكنهم أن يضروا حتى الأنبياء بإذن الله.
ثم جاء دور عائشة زوجة النبي لتثبت لنا دور السحر ( أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الرّجال، محمد بن عبد الرحمن، عن أمِّه عَمْرَة بنت عبد الرحمن: أن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم كانت أعتقت جارية لها عن دُبُرٍ منها، ثم إن عائشة رضي اللّه عنها بعد ذلك اشتكت ما شاء اللّه أن تشتكي، ثم إنه دخل عليها رجلٌ سِنْدِي ، فقال لها أنتِ مَطبُوبَةٌ، فقالت له عائشة: ويلَك، من طَبَّني؟ قال: امرأة مِنْ نَعْتِها كذا وكذا، فَوَصَفها، وقال: إنَّ في حَجْرها الآن صبيّاً قد بال، فقالت عائشة: ادعوا لي فلانةً جاريةً كانت تخدُمها، فوجدوها في بيت جيران لهم في حَجْرها صبيٌّ، قالت: أمهلوني حتى أغسل بول هذا الصبيّ، فغسلته ثم جاءت، فقالت لها عائشة: أسحرتني؟ قالت: نعم، قالت: لِمَ؟ قالت: أحببت العتقَ، قالت: فواللّه لا تَعْتَقِيْنَ) (تتمة موطأ مالك، كتاب الصرف، باب بيع المدبر، حديث 841). فلا يكفي أن الجارية سحرت عائشة وأذتها، فكان لا بد أن نعرف أن الرجل السندي الذي زار عائشة كان يعلم الغيب وعرف أن الجارية التي كانت في بيت الجيران كان في حجرها صبي بال عليها. ولا يمكن له أن يعرف هذه التفاصيل إلا عن طريق الشياطين
وتروي لنا عائشة قصة امرأة كان زوجها لا يأتيها لأنه كان مسحوراً، فذهبت إلى عجوز ساحرة لتساعدها، فأركبتها العجوز على كلب أسود لم يقف بها إلا في بابل، حيث كان هاروت وماروت، فعلموها السحر ولكنها فقدت إيمانها، فجاءت إلى النبي ليرده إليها لكنه كان قد مات، فقالوا (أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: قدمت امرأة من أهل دومة الجندل عليّ، جاءت تبتغي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد موته حداثة ذلك، تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحرة، لم تعلم به. قالت عائشة لعروة: يا ابن أختي رأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيشفيها، حتى إني لأرحمها. وهي تقول: إني لأخاف أن أكون قد هلكت، كان لي زوج، فغاب عني، فدخلت علي عجوز، فشكوت إليها. فقالت: إن فعلتِ ما آمرك فلعله يأتيك. فلما أن كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبتُ أحدهما، وركبتْ الآخر، فلم يكن مكثي حتى وقفنا ببابل) (المستدرك على الصحيحين للنيسابوري، ج4، كتاب البر والصلة، حديث رقم 7262/23).
ثم تثبت لنا السنة دور العين التي هي نوع من السحر، فيقول الرواة (أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف وهو يغتسل فعجب منه فقال تالله إن رأيت كاليوم مخبأة في خدرها قال فكسح به (أصابه الشلل) حتى ما يرفع رأسه قال فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تتهمون أحدا فقالوا لا يا رسول الله إلا أن عامر بن ربيعة قال له كذا وكذا قال فدعاه ودعا عامرا فقال سبحان الله على ما يقتل أحدكم أخاه إذا رأى منه شيئا يعجبه فليدع له بالبركة) (الجامع للإمام معمر بن راشد الأزدي رواية الإمام عبد الرزاق الصنعاني، باب النُشر)
وهناك أحاديث تُثبت الضرر من العين، فقد (أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن بن طاووس عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: العين حق ولو كان شيء يسبق القدر سبقته العين، وإذا استغسل أحدكم فليغتسل) (كتاب الجامع للإمام الأزدي، باب النشرة، حديث 19770)
فيعد كل هذا الإثبات من القرآن والسنة لا بد أن نؤمن بالسحر والعين، ولكن كيف الخلاص منهما؟ السنة لم تتركنا بلا إجابة. فالنبي عندما سحرة لبيد، أخبره الله بمكان السحر في البئر فأرسل من يأتيه به، ثم قرأ المعوذتين: قل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق. ومجموع آياتهما أحد عشرة آية، وكانت العُقد في سحر لبيد أحد عشرة عقدة. ومع كل آية انحلت عقدة، إلى أن شُفي رسول الله. فصارت آيات القرآن علاجاً معروفاً للسحر وكان العرب قبل الإسلام يذهبون إلى اليهود ليرقوهم بآيات من التوراة. ويقال أنّ أبا بكر دخل يوماً على عائشة فوجد عندها يهوديةً تُرقيها، فقال لليهودية: ارقيها بكتاب الله. فلا بد أن تكون الرقية إسلامية حتى تفيد في علاج السحر.
ولما كان العرب قبل الإسلام يؤمنون بالعين ويتعالجون منها بالنُشرة، فقد أكد المسلمون هذا العلاج. يقول الإمام معمر بن راشد الأزدي: (قال عبد الرزاق وقال الشعبي لا بأس بالنشرة العربية التي لا تضر إذا وطئت والنشرة العربية أن يخرج الإنسان في موضع عضاه فيأخذ عن يمينه وشماله من كل ثمر يدقه ويقرأ فيه ثم يغتسل به. وفي كتب وهب أن تؤخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه في الماء ويقرأ فيه آية الكرسي وذوات قل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله، وهو جيد للرجل إذا حُبس من أهله. قال عبد الرزاق وحُبس رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة خاصة حتى أنكر بصره) (الجامع، حديث رقم 19763).
وأما السيدة عائشة عندما سحرتها الجارية، كان علاجها مختلفاً عن العلاجات المعروفة. فقد (دخل على عائشة إسماعيلُ بنُ أبي بكر وعبد الرحمن بن سعد بن زُرَارة، فذكرت أُمُّ عائشة الذي رأت ، فانطلقا إلى قَنَاة ، فوجدَا آباراً ثلاثة يُمدُّ بعضُها بعضاً، فاستَقَوْا من كل بئر منها ثلاث شُجُبٍ حتى مَلؤوا الشُّجُب من جميعها، ثم أتَوْا بذلك الماء إلى عائشة، فاغتسلت فيه فشُفِيَتْ) (تتمة موطأ مالك، حديث 841).
ولما رأى عامر بن ربيعة، وكان يسحر الناس بعينه، سهل بن حنيف يغتسل، وكان جميلاً جداً، أعجبه جماله، أصابه بالعين وأصبح سهل مشلولاً ولم يقدر أن يمشي أو يحرك رأسه، ولما أتوا به النبي قال: (أمره أن يغسل له فغسل وجهه وظاهر كفيه ومرفقيه وغسل صدره وداخل إزاره وركبتيه وأطراف قدميه ظاهرهما في إلاناء، ثم أمر بالماء فصب على رأسه وكفأ الإناء من خلفه. حسبته قال وأمره فحسى منه حسوات فقام فراح مع الركب، فقال له جعفر بن برقان ما كنا نعد هذا إلا جفاء. فقال الزهري بل هي السنة) (الجامع، حديث رقم 19766).
فالسنة إذاً تخبرنا بكل أنواع العلاجات التي تفيد من السحر والعين. ولأن الأمراض التي تصيب الإنسان المسلم، بإذن الله، كثيرة، فلا بد أن تكون طرق العلاج منها كثيرة ومختلفة. وهذا ما ترك الباب مفتوحاً لسحرة ومشايخ القنوات الفضائية لجذب أعدادٍ غفيرة من المشاهدين الذين سحقتهم الأوضاع الاجتماعية والنفسية وتزامن معها الجهل والفقر، فزاد إيمانهم بالخرافات والدجل الذي شربوه مع حليب أمهاتهم.
ومن لم يستطع أن يخابر القنوات الفضائية لعلاج السحر يمكنه أن يزور قبور الأولياء المنتشرة في جميع البلاد العربية، باستثناء دول الخليج. وقد كان هناك من الشيوخ من يبرر للناس زيارة قبور الأولياء والتبرك بها مثل الشيخ الشعراوي (ويقولون لنا: لعن الله اليهود والنصارى، جعلوا قبور أنبيائهم مساجداً). أما الحصفاء من الناس فيُلبسون أطفالهم ونساءهم الجميلات الخرز الأزرق ليصد عنهم العين قبل أن تصيبهم. والوقاية خير من العلاج.
وكما هو معهود في جميع فروع السنة وفي القرآن، لا بد من أحاديث وآيات تعارض ما ذكرناه. (أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن بن سيرين قال نهى رسول الله (ص) عن الرقى إلا أنه أرخص في ثلاث: في رقية النملة والحمة يعني العقرب - والنفس - يعني العين) (الجامع للإمام الأزدي، حديث رقم 19773).
وفي حديث آخر يقول الراوي (أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يرقون برقى يخالطها الشرك فنهى عن الرقي قال فلدغ رجل من أصحابه، لدغته الحية فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل من راق يرقيه فقال رجل إني كنت أرقي رقية فلما نهيت عن الرقي تركتها. قال فاعرضها عليّ. فعرضتها عليه فلم ير بها بأسا فأمره فرقاه (الجامع، حديث 19767)
فهل نستطيع أن نلوم هؤلاء الجهلاء البائسين الذين يبحثون عن علاج لمشاكلهم الاجتماعية عن طريق السحر وزيارة قبور الأولياء، و الترقي بالقرآن والسنة، بينما يؤكد لنا الله والرسول دور السحر في إصابة الناس بالأمراض، والسنة تشرح لنا طرق العلاج؟
هل من أمل في القرن الحادي والعشرين أن يحاول العالم العربي اللحاق بقطار الحضارة والعلم الذي فاتهم منذ القرن الثاني عشر؟ إني أشك كثيراً في ذلك ولدينا الجامع الأزهر والمرجعيات الشيعية والمزارات التي يتبرك الناس بتقبيل جدرانها وأبوابها، بالإضافة إلى القنوات الفضائية السحرية. اللهم لا شماتة.