1 لا معقولية الوجود الإلهي- كامل النجار كل الأساطير التي بين أيدينا من الشعوب القديمة، خاصةً شعوب ما بين الرافدين وقدماء المصريين واليونان وتراث الهنود الحمر في أمريكيا الجنوبية وتراث شرق آسيا وبلاد إسكندنافيا وغيرها، تشير إلى أنّ الإنسان اخترع آلهته وأديانه التي تحاول تفسير البيئة التي عاش بها. وليس هناك أكثر أو أجمل من التراث الميثولوجي الإغريقي بآلهته المتعددة وقصص حروبهم العديدة. وقبل بداية التاريخ الميلادي كانت الديانات عبارة عن تراث يخص المنطقة التي نشأ بها. وحتى ظهور ميثولوجيا موسى وبني إسرائيل لم يغيّر في الوضع شيئاً إذ ظلت الديانة اليهودية محصورة في منطقة فلسطين، باستثناء الفترة الوجيزة التي حدث بها السبي البابلي، ثم تحطيم الهيكل اليهودي عام 70 ميلادية مما اضطر اليهود إلى الهجرة حاملين معهم دينهم. وبظهور المسيحية واعتناق الإمبراطورية الرومانية لها أصبح الدين أممياً. وجاء الإسلام بسيوفه وخيوله ليجعل من الدين سبباً لفتح واستيطان مناطق شاسعة من العالم ونشر الإسلام بها. واقتسم الإسلام والمسيحية معظم العالم، جغرافياً، وظلت الديانتان- البوذية والهندوسية - الديانة الغالبة عددياً.
وكان قدماء اليونان قبل الميلاد من أوائل الناس الذين حاولوا تفسير وجودهم ووجود العالم تفسيراً علمياً لا يعتمد على الغيبيات الميثولوجية. وقد أدى ظهور علم الرياضيات عندهم إلى اكتشاف بعض القوانين الحسابية والفلكية التي أثبتت لهم أن العالم تحكمه قوانين طبيعية ثابتة لا تتغير مع تغير الآلهة ولا تتأثر بحروبهم ضد بعضهم البعض. ولكن نسبةً لتفشي الأمية في العالم في ذلك الوقت لم تنتشر أفكار الفلاسفة وعلماء الرياضيات والفلك خارج نطاق ضيق جداً. و قد أدي اكتشاف القوانين التي تحكم العالم إلى محاولة الفلاسفة القدماء، وخاصةً أرسطوطاليس، إثبات أن لهذا العالم المحكم خالقاً ذا علم ومقدرة غير محدودين ويصعب فهم كنهه على العامة. ولكن أرسطوطاليس نفسه لم يكن يعرف كنه هذا الخالق فسماه "المحرك الرئيسي" Prime mover. وكان هذا المحرك الرئيسي بالنسبة لأرسطوطاليس هو المفكر والفكر نفسه في آن واحد. وهو أبدي وغير متحرك وروحاني. وكل ما يشغله هو التأمل المستمر في ذاته. ويقول أرسطوطاليس: بما أن المادة ينقصها الكمال فلا يمكن أن يكون الخالق مكوناً من مادة، فلابد أنْ يكون هذا الخالق قوى غير محدود بجسم. وبما أن المادة التي يتكون منها العالم لا تتحرك من تلقاء نفسها ولا بد لها من قوة خارجية تدفعها لتبدأ الحركة، فإن المحرك الرئيسي هو الذي يدفع العالم للحركة) (Karen Armstrong, A History of God, p48). وبالعكس من ارسطوطاليسن، يقول جيفرسون، الرئيس الأسبق للولايات الأمريكية المتحدة وأحد الآباء المؤسسين لأمريكا (أن تتحدث عن وجود غير مادي، فإنك تتحدث عن لا شيء. أن تقول إن الملائكة والروح والإله كائنات غير مادية، معناها أنهم لا شيء، أي أنهم غير موجودين. ولا يمكنني أن أقتنع بغير ذلك) (Richard Dawkins, The God Delusion, p42).
وجاء فلاسفة التنوير الأوروبيون وحاول بعضهم، مثل بيل Pierre Bayle، و ليبنز Leibniz و بوب Pope، إثبات وجود خالق للعالم، وجادل أكثرهم ضد وجود خالق للعالم ونفوا أهمية الدين، منهم فولتير وهيجل وكارل ماركس وبروش سبنوزا وجان جاك روسو وديفيد هيوم وعمانيويل كانط و بيرتراند راسل الذي سألوه لماذا لا يؤمن بالخالق فقال لهم (لم يقدم لي برهاناً كافياً بوجوده). أما عالم الرياضيات الفرنسي باسكال فقال: (الأفضل أن تؤمن بالإله كنوع من التأمين. فإن اتضح وجوده فيما بعد فسوف تكسب، وإن لم يكن موجوداً فإنك لا تخسر شيئاً) وهذا هو المنطق الذي يتبعه أغلب المؤمنين بوجود الإله.
وعندما جاء شارلس دارون بنظرية التطور عن طريق الاختيار الطبيعي، Evolution through natural selection أي البقاء للأصلح في عام 1859م، ضرب العلم أول مسمار في نعش الإله إذ أثبت دارون بنظريته هذه أن الطبيعة تختار الأفضل للبقاء والتكاثر بينما ينقرض الأضعف الذي لا يتكيّف مع محيطه. وقد أثبت علماء الأنثربولجي عن طريق الحفريات وبقايا الهياكل العظمية في الكهوف القديمة، أن الإنسان فعلاً قد بدأ حياته حيواناً من ضمن بقية الحيوانات الثديية وبالتدريج ازداد حجم دماغه وفقد الأجزاء التي لا يحتاجها من جسمه، مثل الذنب والشعر الكثيف، ومشى على رجلين بدل أربعة. وبدأ هذا التاريخ الطويل قبل حوالي 150 ألف سنة تقريباً. وهذا يتعارض تعارضاً تاماً مع الأديان السماوية الثلاثة التي تقول بنظرية بداية الخلق المتكامل Creation ex nihilo هذا الطرح الديني الذي بدأ بتوراة موسى يقول إن الله خلق آدم كاملاً وعلمه الكلام وخلق من ضلعه حواء. وتتعارض هذه الفكرة تعارضاً كاملاً مع الأدلة العلمية التي نستطيع أن نراها بأعيننا وتبين لنا أحجام وأشكال هياكل الإنسان على مر العصور حتى وصل إلى ما نحن عليه الآن.
ولما اعترف كاتب الإسلاميين المشهور الدكتور الفرنسي موريس بوكاي بهذه الحقيقة، حاول الإسلاميون الالتفاف حول هذا التناقض بأن قالوا إن الإنسان قد بدأ كالحيوان ولكنه كان إنساناً بدائياً غير مؤهل لتلقي الرسالة السماوية، ولذلك خلق الله آدم كبداية للإنسان العاقل ليتقبل الرسالة. ولكنهم لم يخبرونا ماذا حدث للإنسان الذي تطور من القرد، وأين هو الآن.
وقد أنكر جميع الفلاسفة مسألة الخلق المتكامل الذي بدأ بآدم قبل حوالي سبع آلاف سنة من الآن كما تقول التوراة وكتب التفاسير الإسلامية. وحتى قبل هذه الاكتشافات التي لا يستطيع رجال الدين إنكارها، وجدت عقول الفلاسفة المتنورين صعوبة بالغة في تزاوج الأفكار الدينية عن العالم مع ما توصل إليه تفكيرهم الفلسفي. فنجد مثلاً الفيلسوف والطبيب المسلم
أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (توفي 930م) يقول إن المادة لا يمكن أن تتولد من الروحانيات أو حتى من إله روحاني يصعب تحديد هويته. ورفض فكرة المحرك الرئيسي التي قال بها أرسطوطاليس، وأنكر فكرة الأنبياء والرسل وقال إن العقل هو الوحيد الذي يستطيع أن ينقذنا. وأخيراً قال إن فكرة وجود الله لا تتماشي مع العقل والمنطق. وقال الفيلسوف الفرنسي
كارل ساجان (إذا كنت تعني بالإله مجموعة القوانين التي تحكم العالم، فإن الإله موجود. ولكن هذا الإله لا يُشبع العواطف والأحاسيس إذ ليس من المنطق أن تصلي للجاذبية) (Richard Dawkins, The God Delusion, p19)
وعندما جاء علماء الفيزياء بفكرة وجود العالم نتيجةً للانفجار الكبير Big Bang الذي حدث وتكونت منه النجوم والكواكب ، اقتنع جزء كبير جداً من متعلمي ومثقفي العالم بصواب هذه النظرية التي يمكن على ضوئها تفسير تكوين الشمس والأرض ونمو النباتات ثم الحيوانات ثم تصديقاً لنظرية دارون، ارتقاء الإنسان من الشمبانزي الذي تتطابق 98 بالمائة من جيناتنا مع جيناته، فضرب العلم ثاني مسمار في نعش الإله.
وبالطبع لم يقف رجال الدين وفلاسفته مكتوفي الأيدي، فقد أتى منظروه بفكرة أن هذا العالم الذي يسير على نواميس وقوانين طبيعية في غاية الدقة والثبوت لا يمكن أن يكون قد حدث عن طريق الصدفة. فلا بد له من مصصم ذكي Intelligent Design. وشاعت هذه الفكرة في أمريكا بفضل الأموال الطائلة التي جمعها رجال الدين Evangelists من وعظهم المستمر على قنوات التلفزيون وإقناع العامة بالتبرع لله وكنيسته، لكي ينتصر الله على أعدائه ويهب الخلاص للمتبرعين بأموالهم. وحاول جماعة نظرية التصميم الذكي منع تدريس نظرية دارون في المدارس لأنها تعارض نظريتهم التي لا يستطيعون إثباتها كما أثبت العلماء نظرية دارون، فلم يبق أمامهم إلا أن يحاولوا منعها كما يحاول الشيوخ في مصر منع كل ما لا يستطيعون رده بالحجة.
ونظرية التصميم الذكي التي يعتمد عليها رجال الدين ليبرهنوا بها على وجود الله تعتمد على أن الكواكب والنجوم تدور في مدارات منتظمة لا تخرج عنها وقوانين الحساب والفلك ثابته ولا تتغير، وهذا يعني لهم وجود الله.
وطبعاً كل هذا يمكن تفسيره بنظرية الانفجار الكبير الذي جعل الكواكب والنجوم تدور حول نفسها بقوة الانفجار. وكل جسم كروي يدور حول نفسه بسرعة كبيرة يخلق جاذبية تجذب إليه بقية الأجسام القريبة منه. ونفس هذه الجاذبية تجعل الكواكب تدور حول النجوم الأكبر منها لأن جاذبية النجوم أقوى من جاذبية الكواكب. وهذه الحركة تصبح Perpetual أي دائمة بفعل الجاذبية. وما دامت الحركة دائمة وغير متغيرة فلا بد أن تتكون لها قوانين ثابتة قد اكتشفها علماء الفيزياء والفلك. فهذه القوانين لا تُثبت وجود إله خالق. القوانين تكونت بفعل دوران الأجسام حول نفسها ولم يخلق الإله القوانين أولاً ثم خلق الأجرام لتطيع تلك القوانين.
ويقول رجال الدين إن المادة الأولية التي أحدثت الانفجار لا يمكن أن تكون قد أتت من لا شيء فلا بد لها من خالق. ولكن نفس الحجة يمكن أن نقدمها لتبرير أن الإله لا يمكن أن يكون قد أتى من العدم أو خلق نفسه. فلا بد له من خالق. ويقول رجال الدين رداً على ذلك إن الله أزلي ولا يمكن لعقولنا القاصرة إدراك كنهه. ولكن ما معنى أزلي؟ الأزل يعني اللا محدود Infinity، ولكن مهما رجعنا إلى الوراء مليارات السنين، لا بد وأن نصل إلى نقطة ما لم يكن بها شي إطلاقاً، حتى إن كانت هذه النقطة قبل تريليون من السنين. ثم ظهرت المادة. فإذا كان للمادة خالق فالخالق نفسه قد كان لا شيئاً عند تلك النقطة التي ظهرت فيها المادة. فلا بد أنه خلق نفسه من العدم أو خلقته قوى أخرى. وكلا الافتراضين لا يتناسبان وذات الإله العالم الخالق. وعندما واجه مفكرو الهنود القدماء هذه المشكلة قالوا في الإجابة عليها: إنّ الآلهة نفسها لا تعرف كيف تكونت من الماء الأزلي. إذاً فحتى عقول الآلهة لا تعرف كيف بدأت حياتها.
ثم أن العالم ليس مصمماً تصميماً ذكياً. فالعالم مليء بالأخطاء الجغرافية والمناخية ومليء بالجور والظلم والفقر والمرض. ومليء بالأخطاء الجيولوجية التي تسبب البراكين والتسونامي اللتين يفتكان بالآلاف كل عام. فأين هو الذكاء في خلق أكثر من ربع اليابسة صحراء لا تصلح لعيش الإنسان أو الحيوان بينما يزدحم الناس في جنوب شرق آسيا لدرجة أنهم أصبحوا يعيشون في المراكب؟ وما هو الذكاء في خلق أرض يغطي سبعين بالمائة منها بحار مالحة لا تصلح للشرب أو الزراعة وهناك أناس يموتون من العطش والجوع لأن أرضهم لا تنتج ما يكفيهم؟ وما هو الذكاء في خلق مناطق كبيرة يغطيها الجليد طوال العام ولا يسكنها الناس ومناطق كل فصولها صيف حارق عند خط الاستواء؟ وما هو الذكاء في خلق جوف الأرض ساخناً لدرجة إثارة البراكين أو الزلازل وهدم المدارس على رؤوس الأطفال الأبرياء الذين لم يروا من حياتهم شيئاً؟ هذه التناقضات في العالم حملت الملك ألفونسو العاشر، ملك كاستيل Castile بإسبانيا في عام1252م إلى القول (لو كنت مستشاراً لله يوم خلق العالم لكان قد خلقه أحسن من هذا بكثير) Evil in Modern Thought, Susan Neiman, p15).
فلو سلمنا جدلاً أن هناك إلهاً خلق هذا العالم، ونحن نعرف الآن أن الأرض عمرها حوالي ثلاث عشرة مليارات من السنين، فإن هذا الإله لا بد أنه وُجد قبل خلق الأرض وجلس في سمائه كل هذه المليارات من السنين بلا شيء أو مخلوقات غير أرض ونجوم، ثم قرر قبل حوالي مليون سنة فقط أن يخلق الحيوانات ثم قبل حوالي 150 ألف سنة فقط قرر أن يخلق الإنسان وجعله يتطور من الشمبانزي ويمشي على أربعة ثم على رجلين ويكون قصيراً مثل البشمان أي الرجل القزم في إفريقيا، ويطول تدريجياً ويكبر رأسه ودماغه إلى أن صار الإنسان المعروف لدينا الآن. ووصل الإنسان إلى هذه المرحلة قبل حوالي 15 ألف عام فقط. فهل كان الإله يجري تجارب على الإنسان حتى وصل إلى الشكل النهائي له قبل حوالي 15 ألف سنة فقط. وماذا تساوي 15 ألف سنة من ثلاث عشرة مليارات من السنين التي وُجدت فيها الأرض؟ فإذا اعتبرنا أن الفترة منذ وجود الأرض حتى اليوم تساوي أسبوعاً واحداً، فإن وجود الإنسان القائم Homo sabiens عليها لا يساوي أكثر من دقيقة واحدة من كل الأسبوع، وهنا نسأل: لماذا ظل الإله الخالق جالساً بلا مخلوقات كل الأسبوع وفي آخر دقيقة من ذلك الأسبوع خلق الإنسان؟ ولو كان الإله قد خلق الإنسان فلا بد أنه خلقه لواحد من الأسباب التالية:
1- خلق الإنسان ليعبده. فإذاً هذا الإله المغرور بقدرته خلق الإنسان فقط ليعبده ويسبح بحمده، وهو قد عاش مليارات السنين بدون تمجيد وعبادة. وعندما خلق الإنسان ليعبده، فشل في خلقه إذ أن غالبية الخلق منذ وجود الإنسان على الأرض لم تعبد الخالق. وحتى يومنا هذه فإن عدد الذين يعبدونه يقل عن عدد الذين يعبدون الأبقار أو الأجداد أو لا يعبدون إطلاقاً. ولو فرضنا جدلاً أنه خلق الإنسان ليعبده، وهو المصمم الذكي، كما يقول أصحاب نظرية الخلق الذكي، أما كان في إمكانه أن يخلقهم موحدين عابدين بدل أن يضيع وقته في إرسال كل هؤلاء الرسل الذين يقول فقهاء المذهب الشيعي أنهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبيٍ، ومع ذلك يقر الله في القرآن أن أكثر الناس لا يعبدون بعد أن رسل لهم كل هؤلاء الأنبياء والرسل؟ هل هناك فشلٌ أكثر من هذا؟ وإن كان قد خلق الإنسان ليعبده، وهو الخالق العالم ببواطن الأمور ويعلم الغيب قبل أن يحدث، هل يحتاج إلى أن يختبر خلقه ليعرف أيهم سوف يعبده عبادة خالصة وأيهم لا يعبده عبادة خالصة، كما يخبرنا في القرآن أنه فعل الأشياء (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)؟ ثم أليس من العبث أن يخلق الإله الإنسان ثم يبعث له عدة رسل، كلٌ برسالة تختلف عن الآخرى، ثم يقول للذين آمنوا برسول معين، أقتلوا من لا يتبع رسولكم، كما قال لبني إسرائيل وكما قال لمحمد؟ فما الحكمة في أن يخلق الناس ثم يقول لهم اقتلوا بعضكم بعضاً؟
2- خلق الإنسان ليتسلى به ويراقب أعماله لأنه قد ضجر وملّ من الجلوس لوحده مليارات السنين. وفي هذه الحالة ليس من العدل أن يتسلى الخالق بمراقبة مخلوقاته ثم يحاسبهم على التسلية التي منحوه إياها لإزالة ضجره. وليس من العدل أن يخلق الناس ليتسلى بهم ثم يخلق لهم ما يجعل حياتهم نكداً من أمراض وزلازل وفيضانات
3- خلق الإنسان بدون أي هدف، فقط ليثبت لنفسه أنه قادر على خلق الإنسان. وحتى في هذا الافتراض فقد فشل الإله الخالق لأنه لم يخلق الإنسان سوياً وفي أحسن تقويم كما يقول القرآن، لأن الإنسان مر بأطوار عديدة قبل أن يصل إلى ما وصل إليه الآن. فحتى الخلق بدون هدف قد فشل فيه الإله الخالق
ولو فرضنا جدلاً أن هناك إلهاً خلق هذا الكون، هل يجوز عقلاً أن يظل هذا الإله جالساً في عليائه منذ أن أتى موسى حوالي عام 1300 قبل الميلاد وحتى الآن، يتفرج على اليهود والمسيحيين والمسلمين يقتلون بعضهم بعضاً باسمه ودفاعاً عنه، ولا يتدخل، وكان قبلاً يتدخل ويدك القرى لأن أهلها لم يتبعوا رسوله أو لأن جزءاً منهم كانوا مثليين؟ إنّ العقل ليعجز عن فهم مثل هذا الإله الذي يرى أطفاله أو عبيده، حسب الاعتقاد الديني، يذبحون الناس باسمه وهو عازف عن التدخل.
وطبعاً لو كان هناك إله خالق فلن يكذب على مخلوقاته. فكيف إذاً أجاز هذا الإله الخالق أن يُخبر رسله: موسى وعيسى ومحمد، أنه خلق آدم من تراب وكان هو أول الخلق وخلق من ضلعه حواء. فإذاً حواء عبارة عن استنساخ من آدم، وعليه كل جيناتها لا بد أن تطابق جينات آدم. وبالتالي كل أطفالهم سوف تكون لهم نفس الجينات، أي أنهم استنساخ من أبيهم. والحقائق العلمية الآن تخبرنا غير ذلك. فهل كذّب الأنبياء أم كذّب الإله الخالق؟ وحتماً قد كذّب الأنبياء إذ ليس هناك إله خالق.
وهل يعتمد الإله الخالق على جهل الناس ليثبت وجوده؟ فكل الأنبياء والرسل أتوا في فترة زمنية ضيقة ومنطقة جغرافية أضيق، وتوقف إرسال الرسل مع انتشار العلم. وكلما ازداد ذكاء الناس وعلمهم كلما قل إيمانهم بخالق لهم. فمثلاً في دراسة نُشرت في مجلة الطبيعة Nature عام 1998 واستطلعت آراء العلماء الأمريكان البازين لدرجة أنهم أُنتخبوا أعضاءً في الجمعية الأمريكية القومية للعلوم National Academy of Sciences ، وجد الباحثون أنّ سبعة بالمائة فقط قالوا إنهم يؤمنون بوجود إله. وعندما أُجريت نفس الدراسة على العلماء الإنكليز الأعضاء في الجمعية الملكية The Royal Society واستطلعت الدراسة آراء 1047 عضوا عن طريق الإيميل، رد منهم 23 بالمائة وكانت نسبة العلماء الذين قالوا إنهم يؤمنون بوجود أله، ثلاثة بالمائة فقط. ومن بين كل العلماء المسيحيين الحائزين على جائزة نوبل للاكتشافات العلمية، اثنين فقط قالوا إنهم يؤمنون بالإله (The God Delusion, p100). إذا أجريت نفس الدراسة على مواطني بنغلايش ستجد أن مائة بالمائة يومنون بوجود إله خالق. فالدين لا ينمو إلا في تربة الجهل
فما هو الدليل أو البراهين التي يقدمها لنا رجال الدين لإثبات وجود الإله؟ القرآن يتحدث عن الظواهر الطبيعية مثل المطر والسحاب وخلق السموات والأرض ومعرفة جنس الجنين في الرحم، ويزعم أنّ هذه براهين تُثبت وجود الله. فإذا استثنينا خلق السموات والأرض، وليس هناك سموات على كل حال، فإن الإنسان الآن أصبح قادراً أن يكّون السحاب ويُنزل المطر ويعرف جنس الجنين في الرحم. فهل أصبح الإنسان إلهاً؟ والتوراة والإنجيل يذكران المعجزات التي لم يرها أي إنسان يؤمن بهذه الكتب. ومهما رجعنا إلى الوراء فلن نجد شخصاً بعينه قد رأى أي من تلك المعجزات. الكلام عام عن أن عيسى أحيا الموتي وشفى الأبرص ولكن ليس لدينا أي أسماء لأشخاص معينين حدث لهم ذلك. وفي إمكان أي شخص أن يكتب كتاباً ويزعم أن فلانا من الناس حرّك الجبال قبل ألف عام أو يزيد. ما هو البرهان؟ إنه الكتاب المقدس الذي لا يكذب. إنه منطق الغيبيات.
ولأن رجال الأديان على مر العصور عجزوا أن يجاروا منطق الفلاسفة والعلماء الذي يقول بعدم وجود الإله، لجأ رجال الدين إلى قتل وحرق العلماء وحرق كتبهم ومصادرتها ومنع تداولها أو تدريسها. وهذا ما حدا بالفيلسوف هيجل أن يقول (إنّ الله قد مات) وبذا دق هيجل المسمار الثالث في نعش الإله. وسوف يزداد عدد مسامير النعش في المستقبل القريب حتى نُحكم قفل النعش وندفن فكرة الإله الخالق نهائياً.