كل من تابع أفول نظام معمر القذافي الديكتاتوري يوم الثلاثاء
23 غشت بدخول الثوار اللبيبين إلى مجمع العزيزية بعد أن عبدت قوات الحلف
الأطلسي الطريق لهم، يخرج بخلاصة واحدة، وهو أن ليبيا أصبحت بيد إسلاميين.
كل التصريحات التي صدرت من قيادة الثوار تحدثت عن "زحف الثوار المبارك
العظيم" وعن "الشهداء"، كانوا يتحدثون بين كل جملة وجملة "الله أكبر". كلهم
أو غالبيتهم ملتحون، يحيون "شيوخهم"، هم أشبه، شكلا، برجالات طالبان
أفغانستان وباكستان.
هؤلاء الإسلاميون لن
يدخلوا ليبيا مرحلة الديموقراطية والمساواة، لأنهم لا يؤمنون لا
بالديموقراطية ولا بالمساواة، مثلهم مثل جميع الإسلاميين غير المتنورين
الذين لا يعتبرون الديمقراطية سوى شركا وكفرا والقوانين الوضعية طاغوطا.
"الزحف العظيم" سيتحول إلى وبال على ليبيا في جانبها الحداثي
الديموقراطي، فلا صوت يعلو على صوت الإسلاميين الذين عجزوا عن دحض قوات
القذافي لولا طائرات الحلف الأطلسي ومساعدات الجيش الفرنسي في المعارك
الأرضية.
وقد علمتنا التجارب السابقة كما
حدث في إيران أن لا ثقة في الإسلاميين ولا ثقة في بناء ديموقراطية معهم
خاصة في ظل دولة مثل ليبيا تفتقد إلى بنية الدولة الحديثة. القذافي جعل
ليبيا تعاني من غياب الحريات وانتظر الليبيون أزيد من 40 سنة ولا أمل في
بزوغ ربيع الديموقراطية في الغذ القريب مع هؤلاء المهللون.
خطر سيطرة المتطرفين على ليبيا غدا وشيكا والصراع محتدم داخل لمجلس
الوطني الإنتقالي الذي تتصارع فيه قوى متنافرة من ليبراليين ومحافظين, هذه
الفئة الأخيرة تقوت كثيرا في عهد القدافي بعد مبادرة ابنه سيف الإسلام
بالتصالح مع الجماعة الليبية المقاتلة أحد أخطر فروع تنظيم القاعدة
العالمي.
فقد ضمن سيف الإسلام ولاء أولئك
تلك الجماعة الإرهابية وكان المقابل المعلن اخراج أفرادا من السجون تحت
ذريعة المراجعات الفكرية وابعاد أنشطتها الإرهابية من مزرعة آل قداف ليبيا
ونقل أنشطتها إلى خارج حدودها ولو بدعم وتمويل أنشطة القاعدة في المغرب
الإسلامي.
ذلك ما يجعل الآن مصير ليبيا في كف عفريت, بل
ومصير المنطقة كلها, فلو تمكن الأصوليون من التحكم في البلاد لأقاموا دولة
ليبيستان على غرار أفغانستان بالمنطقة, وقد تكون تلك آخر الأوراق للعقيد
الليبي وأبناؤه والتي بدأت منذ اليوم الأول لقصف الناتو لقواعد ليبيا
العسكري, فالعقيد سمح بتصدير أسلحة متطورة لتنظيم القاعدة في الصحراء لضرب
المصالح الفرنسية هناك والبريطانية انتقاما منها وإن كان ذلك سيعقد الوضع
الأمني لجيرانه.
وسيجد المتطرفون مبررا
للقتال إلى جانب القذافي حتى ولو انتهى نظامه, والمبرر قتال النصارى ومن
والاهم تماما كما حدث في أفغانستان والعراق وقد تتحول ليبيا إلى ساحة حرب
جديدة يحج إليها متطوعون من فلول القاعدة في المنطقة بعد أن حصلوا على
أموال خزينة القذافي وسلاحه.
صحيح أن الصراع لم يحسم بعد
لصالح تيار دون الآخر في المجلس الإنتقالي, لكن الحذر واجب حتى لا يتم
استبدال استبداد سياسي بآخر ديني في تلك الدولة الغنية بالنفط والغاز وهي
التي حرم شعبها من الإستفادة من خيرات أرضه ومن استنشاق نسيم الحرية والعيش
في دولة الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية.
قد يكون الغرب متلهفا للحصول على صفقات إعادة البناء وصفقات التسلح
والتنقيب واستغلال النفط بليبيا على العراق, وستتم انهاء عهد الديكتاتور
القدافي وأبنائه, لكن الليبيين يحق لهم ينعموا بثمار الثورة دون أن يعيشوا
في ظل استبداد دولة دينية يتحكم فيها الكهنوت باسم السلف الصالح, ذلك ما
يجب أن يراعيه الغرب ومعه دول المنطقة حتى لا يمنحوا ليبيا لطالبان جدد وفي
طبق من ذهب.