بن عبد الله مراقب
التوقيع :
عدد الرسائل : 1537
الموقع : في قلب الامة تعاليق : الحكمة ضالة الشيخ ، بعد عمر طويل ماذا يتبقى سوى الاعداد للخروج حيث الباب مشرعا تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8
| | الجدران اللامرئية: العنصرية ضد السود (20) - لنواصل الحوار ونخطط للفعل حتى نزيل كل الجدران اللامرئية | |
يعتبر الملف الذي فتحه " الأوان" حول الجدران اللامرئية من أهمّ الملفّات، لأنه أكّد من ناحية حرصا متواصلا على بذل كلّ الجهد لتحريك الراكد من آليات تفكيرنا، وخلخلة "السائد" من تصوّراتنا. ولكنّ التطرّق إلى الجدران اللامرئية يمثّل عملا جديرا بالإشادة في حدّ ذاته؛ لأنّه بقدر ما لامس مسائل وقضايا يسعى النظام القيمي "السائد" ـ الذي يختفي وراء ترسانة مؤسساته السياسية والإيديولوجية ويحاول دائما إبعادها عن دائرة الجدل العموميّ ـ فإنّه قدّم جهدا حريا بالنقاش والمتابعة، ما دام يثير تساؤلات مؤرقة ومؤلمة، لأنها تضعنا أمام أنفسنا، وتفرض علينا أن نعيد النظر في الصورة التي تعكسها مرآتنا الرافضة للإقرار بأنّ مجتمعاتنا لا تختلف ـ في خضوعها لقوانين الاجتماع الإنساني ـ عن بقية المجتمعات. وهذا ما يعني أنّ توقنا الذي تغذّيه الطوبى الدينية بأن نكون " خير أمة أخرجت للناس" لا يعني أنّ حاضرنا يخلو من العنصرية، أو أنّ مجتمع السلف ـ الذي يعتبره البعض مرجعية التأسيس لطوبى المستقبل ـ قد أقام مجتمع المساواة القانونية والاعتبارية بين الناس، بقطع النظر عن دينهم ومعتقدهم وجنسهم ولونهم، واستحضار هذا التقابل بين الموجود و"المنشود" هو الذي يدفع للاهتمام بهذه الجدران اللامرئية التي تمثل سلوكا حياتيا ويوميا يكاد يرتقي إلى مستوى البديهيات مع ما يعنيه ذلك من صعوبة مزدوجة؛ لأن المتصدي للحديث عن هذه الجدران والباحث عن إزاحتها حتى لا يصطدم بها وحتى تحصل لحظة الانعتاق من أسرها يجد نفسه مدعوا لمساءلة ذاته وإعادة النظر في تربيته في ذات الوقت الذي يكون فيه مطالبا بالتفكير في الضغط الذي تمارسه هذه الجدران اللامرئية على الآخرين، الذين لا يرونها، لأن مجتمعاتنا تشكو من سوء تحليل متعمّد ومقصود هدفه إبقاء الخلط قائما بين ما هو طبيعي وما هو " ثقافي"، ليواصل النظام الاجتماعي الذي وصفه هشام شرابي بالبطركي في إشارة ثاقبة إلى هجانة تزاوج بين سلبيات النظام التقليدي ومثالب النظام الحديث، وتبقى المجتمعات العربية المعاصرة خارج دائرة الفعل الإنساني الخلاق وهو ما تؤكده بيسر مؤشرات التنمية الإنسانية وغيرها من المعطيات الإحصائية.وما دام التخلف هو في أحد أبعاده تخلفا في التحليل، فإن " الأوان" قد ساهم عبر هذا الملف في توفير معطيات وبلورة تحاليل يتعين التفاعل معها تفاعلا ينخرط في سياق السعي للانفلات من مأزق البطركية التي جعلتنا نراوح مكاننا حتى نلج الحداثة التي نتمناها ونرغب فيها لكننا نرفض اشتراطاتها ونتحاشى بذل ما تستدعيه من جهد وما تخلقه من وضعيات لا يتوقعها العقل التقليدي المفتون بالسكون ولا شك أن انتخاب إنسان خلاسي البشرة على رأس الولايات المتحدة الأمريكية يمثل دليلا متجددا على ما يمكن للحداثة أن تفعله وعلى ما يمكن توقعه من تداعيات لهذا الحدث الذي فرض على الجميع الابتعاد عن حالة اللامبالاة وإبداء الرأي ويبدو أن ملف " الأوان" حول الجدران اللامرئية يندرج في هذا السياق، سياق التفاعل مع حدث لافت ومحفز على الحوار وأساسا على المقارنة لأن كل المعطيات تؤكد أنه من الصعب أن يرتقي عربي غير أبيض البشرة إلى أعلى مستويات المسؤولية السياسية في المدى القريب والمتوسط ويكفي أن نشير بعجالة إلى أن الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز قد كان انحدار أمه من أصول إفريقية سوداء سببا لاستثنائه من إمكانية تولي العرش السعودي وإلى أن المؤسسات التشريعية والسلطة التنفيذية وقيادات الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية في تونس لم تمنح ولو موقعا يتيما لتونسي أسود البشرة رغم أن البلاد قد ألغت الرق منذ ما يقارب القرنين من الزمن، وهذا يعني أن الاختلاف الواضح في التعاطي مع التطور والتحديث بين تونس والمملكة السعودية لم يمنعهما من الوفاء لتراث إسلامي متأصل في محاولة الحفاظ على "نقاوة عرقية" للمؤسسة السياسية إذ لم يتبوأ رجل أسود البشرة منصب الخليفة إلى اليوم ولم يرسل الله أنبياء سود البشرة لأن اللون الأسود مرتبط بالنار وبالعقاب واللعنة حسب هذا التراث ويكفي أن نستحضر أسطورة انقلاب لون حام الذي ضحك لما رأى عورة والده نوح الذي لعنه فتغير لونه وأبعدته اللعنة عن أخويه سام ويافت وحكمت عليه بالتهميش الاجتماعي والسياسي الذي نجد له حضورا في المجتمعات التقليدية ويكفي التذكير هنا بحكم أفلاطون بحرمان العبيد من الحق في المواطنة، وإلى جانب ما يشير إليه ملف الجدران اللامرئية حول الطريق التي يتعين على الإنسانية قاطبة أن تقطعها حتى تبلغ المرحلة التي تعامل فيها الإنسان على أساس الكفاءة دون سواها من الاعتبارات القبلية فإنه فرض طرح أسئلة تشكك في بعض " البديهيات" التي تقوم عليها الإيديولوجيا العربية السائدة والتي يعتبر الإيهام بأنّ العنصرية هي حكر على الغرب وأن العرب والمسلمين بعيدون عنهما كل البعد ولا يعرفونها في حين يبرز التاريخ أن المسلمين قد مارسوا النخاسة على نطاق واسع وأن بعض حواضرهم كالقاهرة مثلا قد أسست بعض ثروتها وأحرزت شيئا من موقعها من هذه التجارة اللاأخلاقية علاوة على أن بعض المجتمعات العربية كالسعودية والمغرب ومصر خصوصا موريتانيا تمارس إلى يومنا بعض أشكال العبودية ويعاني ما لا يقل عن ثلاثة ملايين إنسان يعيشون في أرض الإسلام وأغلبهم من الملونين من نير العبودية، ولا ينبغي بحال أن ننسى في هذا السياق الوضع الكارثي في دارفور الذين تشير لا مبالاتنا تجاه مأساتهم إلى أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تبقى بعيدة عن التعاطف مع أصحاب المعاناة بقطع النظر عن الاختلاف معهم في الدين أو الجنس.ويبدو ضروريا في ما يتعلق بالتفاعل مع ما ذهب إليه الباحث مالك شبل من ضرورة العمل على اجتثاث ثقافة الرق من المجتمعات العربية والإسلامية تنزيل هذا التفاعل في سياق أوسع وهو التخلص من وضعية البطركية من أجل ولوج الحداثة وهو ما يعني حسب تصورنا التصدي لمهام أساسية يمكن تحديدها في النقاط التالية:-إخضاع الثقافة العربية لمساءلة نقدية صارمة تطال الأسس التي تقوم عليها هذه الثقافة وتعيد بواسطتها إعادة إنتاج ذاتها وهناك أساسان مركزيان وهما الدين واللغة اللذان يتبادلان التأثير والتأثر.وقد أشار مالك شبل إلى أن الإشكالية التي تواجه موقف الإسلام من الرق تتمثل في أن أسس الدين الإسلامي تتناقض مع العبودية، لكن هذا لا يمنع من أن الإسلام يحترم الإنسان لاعتناقه الإسلام أكثر مما يحترم آدميته. ولا بد من الانطلاق من ضرورة مواجهة التفكير السلفي الذي يعتبر أن نظام الرق وملك اليمين ثابت في الكتاب والسنة والإجماع، وأنه لم ينسخ في الإسلام وأن موافقة الحاكم تمثل أفضل ضمانة لممارسة الرق، وهذا التطور السلفي الذي يتعين مواجهته باعتماد ما تؤكده فلسفة الحداثة، التي تقوم من ناحية البناء القيمي والتنظيم السياسي والقانوني على مفاهيم حقوق الإنسان والمواطنة. وهنا يتعين أن ندرك أن هذه المفاهيم لم تكن سائدة ومحورية في الثقافة التقليدية، وأن نعامل تراثنا على هذه الخلفية حتى نخلصه من نظرة سلبية يحملها عن الآخر، وهي نظرة ترتبط إلى حد كبير بارتباط النظام الاجتماعي التقليدي للامتثالية الاجتماعية.وتبدو "عنصرية " اللغة العربية واضحة في ما يتعلق بتعاملها مع ذوي البشرة السوداء لأن كل ما هو سلبي ومربك يوصف بالسواد. ولكن هذا الموقف الذي تتخذه اللغة التي تمثل عماد النظام البطركي، ما دامت تلعب دورا هاما في إعادة إنتاج قيمه ودعم مؤسساته، يشمل أيضا النساء والأطفال وكل الفئات التي يفرد لها النظام الاجتماعي التقليدي موقعا اجتماعيا " دونيا " ويكفي أن نشير إلى أن اللغة العربية التي تقلل من شأن المرأة تعتبرها طعاما مستساغا لأن الطعام المريء هو الطعام اللذيذ.وهذه الإشارة تعني أن هدم " الجدران اللامرئية يستدعي وعيا مزدوجا بأمرين: وهما اتساع نطاق هذه الجدران التي يريد من خلالها الوعي التقليدي تطويق فئات اجتماعية واسعة، ويسعى من خلال إحكام إغلاقها لمنع انبثاق مفهوم الإنسان بوصفه البوتقة التي تنصهر داخلها نزعة التحرر من كل الاعتبارات القبلية والمسبقة، وأيضا أن حركة هدم هذه الجدران يجب أن تدمج ضمن إستراتيجياتها هذا البعد التفكيكي الضروري لبنى الوعي وتعقل الوجود، مع التركيز على اللغة التي نتفق مع هايدغر في اعتبارها " مسكن الوجود".وفي تصورنا فإن هدم " الجدران للامرئية" يحتاج إلى فعل اجتماعي وثقافي عميق يستند إلى خلفية فلسفة حقوق الإنسان، ويأخذ بعين الاعتبار طبيعة العوائق الثقافية والاجتماعية ويهتم بالتقاط بعض الإشارات من أجل تحليلها حتى نتجاوز وضعية تشمل كل المجتمعات البشرية تقريبا وتتمثل في أن العنصرية هي الأصل في حين أن التسامح هو الهامش. ولعل " التقاط هذه الإشارات يستدعي الانطلاق من الاقتناع بأن الهويات غير ثابتة بل هي عملية بناء متغير لموقعة الذات في السياق المجتمعي. ويبدو مفيدا في هذا المستوى التأكيد على أن المجتمع التقليدي لم يحارب الزواج بين الأعراق فقط بل كان يحارب الزواج بين الجهات أو بين الفئات الاجتماعية التي تحتل مواقع متباينة في سلم الارتقاء الاجتماعي، وحارب عاطفة الحب أي أنه حارب كل ما يربك هرمية البناء الاجتماعي وكل ما يحرك البنى الاجتماعية ويضعها على أفق التطور.وهناك تساؤلات نعتقد أن تعميق التفكير فيها من شأنه أن يزيد في وقع معاول النقد على الجدران اللامرئية " ويمكن في هذا المستوى الاكتفاء بأهمها:-لماذا لم يبرز وعي بالهوية السوداء كهوية إيجابية؟-ما هي طبيعة وآليات فعل " الجدران الوهمية" في الديمقراطيات الحديثة؟ وهل أن انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية يكفي للقول أن الثقافة الأمريكية قد أخذت تتخلص من عنصريتها؟-ما هو الدور الذي تلعبه بعض الأنشطة الجديدة وأساسا الرياضة في هدم هذه الجدران اللامرئية أو في تكريس وطأتها؟ ونستحضر هنا مثالين متناقضين ففي حين شهد المجتمع التونسي في فترة قريبة بحثا عن تزويج التونسيات من كبار اللاعبين السود" ومحاولات لمنحهم الجنسية التونسية تشهد الملاعب الأوروبية حاليا تنامي النزعات العنصرية والعداء للأجانب.-هل يمكن عزل " الجدران اللامرئية" التي تطوق سود البشرة في مجتمعاتنا العربية عن القيود الأخرى التي يفرضها هذا المجتمع ويكفي أن نشير هنا إلى وضعية المرأة في بعض الأقطار وإلى بقاء شرائح واسعة دون جنسية وما يفرض على العمالة الوافدة من كفالة.-وهل يمكن لحركة هدم " الجدران اللامرئية " أن تغفل ظواهر أشمل كعودة الاتّجار بالبشر في إطار شبكات البغاء وبيع الأعضاء والهجرة السرية وغيرها من الظواهر التي تعمق من ضرورة التفكير في تعميق النضال الفكري والسياسي ضد كل "الجدران اللامرئية". | |
|