هذا الكتاب فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1296
الموقع : لب الكلمة تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | قوانين المالية في المغرب | |
مقدمــــــــــة: ظلت قوانين المالية في المغرب منذ الثمانينيات خاضعة لسياسة التقويم الهيكلي ولإملاءات صندوق النقد الدولي، وهو ما جعلها عبارة عن نسخ مكررة ترتهن للتوازنات الماكرو- اقتصادية ذات العلاقة بمعدلي العجز والتضخم، فضلا عن نسبة نمو الناتج الداخلي الإجمالي(PIB ). فلاقتصاد المغربي الذي لا يتجاوز العجز الموازناتي رسميا 3% ولا يتجاوز التضخم رسميا 1,5%، يعرف في الحقيقة نسبة 20% من البطالة، بل إن الميزانية تعكس في الحقيقة ادخارا سلبيا تخفيه واردات الخوصصة. إن التحكم في نسبة التضخم التي تتحدث عنها قوانين المالية تعود بالأساس إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين وإحجامهم عن الاستهلاك. أما نسبة عجز الميزانية الحقيقي فتصل إلى 6% في حالة عدم احتساب مداخيل الخوصصة التي تتسم بالظرفية، في حين يبقى معدل النمو رهينا بحصيلة الموسم الفلاحي التي تؤثر بشكل جلي في تطور الناتج الداخلي الإجمالي. تعاني قوانين المالية في المغرب من نفس الاختلالات، حيث تتميز بتضخم كبير في ميزانية التسيير على حساب الاستثمار والاعتماد المستمر على المداخيل الاستثنائية لتغطية نفقات هيكلية رغم أنها أصبحت تسجل تراجعا. وهو ما يجعلنا نتساءل حول مدى نجاعة الاستمرار في مد الميزانية العامة باعتمادات تعتمد على مداخيل الخوصصة، في حالة استنفاذ المؤسسات المعتزم تفويتها مستقبلا؟ كما أن قوانين المالية تعاني من وطأة نفس العبء الذي تمثله خدمة الدين العمومي، مع استمرار ارتفاع المديونية الداخلية، وهو ما انعكس على وتيرة الاستثمار الداخلي، بالإضافة إلى تراجع العائدات الجمركية المرتبطة أساسا بالاستعدادات الخاصة بتطبيق اتفاق التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي أو مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو مع بعض الدول العربية في إطار ما يسمى باتفاق أكادير. إن سياسة ضبط التوازنات الكبرى الانكماشية التي اعتمدتها قوانين المالية بالمغرب قد أدت إلى التضحية بالتنمية، وإلى خلق حالة من الادخار الإجباري تهدف فقط إلى دفع أعباء الديون الخارجية، بينما يفترض في المقابل مزاولة سياسة مالية تنموية عبر الزيادة في حجم الاستثمار وخلق فرص العمل للرفع من القدرة الشرائية للمواطن عن طريق الزيادة في الأجور لتحسين مستوى المعيشة. I- قانون المالية في السياسة الاقتصادية: لم تعرف السياسة الاقتصادية في المغرب أية مبادرة لخلق نمو قار ومرتفع، واكتفت بالتدبير المحاسباتي الضيق الميزانية. فمنذ بداية الثمانينيات، وبعد تطبيق برنامج التقويم الهيكلي لم تعرف السياسة اقتصادية المغربية إلا تدبير الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى بالتشدد في على العجز في الميزانية في حدود 3%، ومحاولة التحكم في التضخم، وذلك على حساب الاستثمار العمومي، حيث ظلت الحكومات المتعاقبة عاجزة عن التأثير في اتجاه تخفيض ميزانية التسيير أو مستوى كتلة الأجور التي تراوح نسبتها 13% من الناتج الداخلي الإجمالي، أو التقليص من حجم المديونية. إن السياسة الاقتصادية التي نهجها المغرب قد هدفت إلى توجيه قوانين المالية بشكل يجعل نفقات الدين تحتل قسطا وافرا من الميزانية وإلى خلق قوانين مالية توظف الموارد الهائلة للبلاد لصالح الخارج، وبعبارة أخرى: توجيه حصيلة النمو الاقتصادي المحلي لتستفيد منها المؤسسات المقرضة للمغرب. كما أن السياسة الاقتصادية لم تستطع أن تؤثر على بنية النظام الجبائي الذي يجعل موارد الدولة تعتمد بالأساس على الضرائب غير المباشرة، وبالخصوص تلك الموجهة للاستهلاك (TVA )، وعلى الضرائب المفروضة على المأجورين (IGR )، وعلى الرأسمال المنتج(IS ). ويمكن تشخيص غياب سياسة اقتصادية فعلية وتهافت الاختيارات الاقتصادية الرسمية من خلال دراسة تحليلية لبنية الميزانية العامة باعتبارها أهم ركن فعلي في قانون المالية والتي تتدخل بواسطتها الدولة في النشاط الاقتصادي. وتتكون الميزانية العامة من موارد ونفقات، وأما الموارد فهي: الضرائب المباشرة، وحقوق الجمارك، والضرائب غير المباشرة، وحقوق التسجيل والتنبر، والأملاك المخزنية،والاحتكارات والاستغلالات، ومداخيل الاقتراض، وأموال المساعدة، ومداخيل التسوية. أما النفقات فتتكون من نفقات التسيير، ونفقات الاستثمار، ونفقات الدين العمومي. 1. موارد الميزانية العامة: أ- الموارد الجبائية: للتعرف على مدى عدالة نظام ضريبي معين في بلد معين، يجب المقارنة بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة. ففي البلدان التي تعرف فوارق طبقية صارخة تكون نسبة الضرائب غير المباشرة أكبر من نسبة الضرائب المباشرة، ويعتبر المغرب من بين هذه البلدان. فحينما نقوم بتحليل الضرائب الثلاث التي تشكل المكون الرئيسي للنظام الجبائي، أي الضرائب المباشرة وحقوق الجمارك والضرائب غير المباشرة، نستنتج أن الضرائب المباشرة لا تشكل سوى نسبة 20 إلى 25% من الموارد العامة للدولة، منها 13% استقطاعات على الأجور، في حين لا تمثل الضرائب على الأرباح سوى نسبة 9% فقط، لتضل الضرائب غير المباشرة تمثل الحيز الأكبر في موارد الدولة بنسبة تتراوح ما بين 50 و55%. أما نسبة حقوق الجمارك فتمثل حوالي 17 إلى 20%، وهي في تراجع سنة بعد أخرى بسبب توقيع المغرب لعدة اتفاقيات للتبادل الحر مع العديد من الدول. تشكل الموارد الجبائية في قوانين المالية في المغرب حوالي 65% من مجوع الموارد، وهذه النسبة في تزايد نظرا لتراجع موارد الميزانية من احتكارات الدولة ومساهماتها، وموارد الخوصصة بعد استنفاذ شبه كلي للمؤسسات المفترض خوصصتها. وبالنظر إلى ضيق الوعاء الضريبي نتيجة العديد من العوامل، في مقدمتها التملص الضريبي، واتساع دائرة القطاع غير المهيكل، لم يبق للدولة سوى الرفع من معدل الضريبة على القيمة المضافة. إن ضيق الوعاء الضريبي مرتبط أساسا بالإمكانيات التي تتوفر عليها الشركات للتملص من الضريبة المباشرة سواء IS أوIGR ، ومعلوم أن أكبر حصة من IGR يؤديها بالأساس المأجورون، حيث تقتطع عند المنبع من طرف المقاولة لتؤديها للدولة، عكس الشركات وأرباب العمل. كما أن أهمية القطاع غير المهيكل تتجلى في كون 21% من السكان يرتبط دخلهم بهذا النشاط الذي يتكون من أزيد من مليون و200 ألف وحدة إنتاجية غير مهيكلة، وقد قدر رقم معاملات هذه الوحدات سنة 2000 بـ 116 مليار درهم. إن قوانين المالية في المغرب مطالبة بالقيام بإصلاح جبائي يهدف إلى تخفيض معدل الضريبة على القيمة المضافة (TVA ) التي تساهم بنسبة كبيرة في ارتفاع الأسعار باعتبار أن المستهلك النهائي هو الذي يتحمل هذه الضريبة، والرفع من الضرائب المباشرة خصوصا على الدخل المرتفع من جهة ثانية، لإحداث توزيع عادل للدخل المغربي. ب- الموارد غير الجبائية: تشكل الموارد غير الجبائية حوالي 35% من مجموع موارد الميزانية العامة، وهذه النسبة في تراجع لأن الدولة باعت العديد من ممتلكات الشعب التي كانت تذر على الميزانية مداخيل هامة. في المقابل ارتفعت موارد الخوصصة التي أصبحت تحتل مكانة أساسية ضمن موارد ميزانية الدولة، فقد أصبحت توجد في قلب توازت مالية الدولة، فلا توازن دونها. وأصبح المغرب يعيش حالة شبيهة بذلك الذي يبيع أثاث بيته لتلبية حاجاته(إدريس بن على) وأصبح المغرب يباع بالصولد(المهدي المنجرة). في عقد الثمانينيات كان يقال بأن المؤسسات التي تعرف مشاكل وعجزا في ميزانيها هي التي ستباع للخواص الذين يحسنون التدبير، لكن المؤسسات المربحة في الواقع هي التي تباع في إطار الخوصصة مثل "اتصالات المغرب" و"وكالة التبغ" و"لاسامير"... في الوقت الذي تتحمل فيه الدولة عجز عدد من المؤسسات المفلسة مثل "القرض العقاري والسياحي"... إن عجز الميزانية والتي تهدف قوانين المالية إلى حصره في حدود 3% سيتفاقم إذا أخذنا بعين الاعتبار الموارد الهامة للخوصصة. فلسد الخصاص الذي تعاني منه ميزانية الدولة يتم اللجوء إلى موارد الخوصصة التي تعتبر موارد استثنائية. والخطير في الأمر أن جزءً من هذه الموارد الظرفية تصرف في ميزانية التسيير. إنه أمام نفقات تتسم بالطابع الهيكلي والدائم نجد موارد تتسم بالهشاشة والظرفية، وقد يكون المغرب غير قادر في الغد القريب على أداء ما بذمته من ديون خارجية، ولا على الوفاء بالتزاماته علة المستوى الداخلي. عن غياب الموارد الاستثنائية سيجعل المغرب عاجزا حتى عن تمويل نفقاته العادية. 2. نفقات الميزانية العامة: أ- نفقات التسيير: بالرغم من أن المغرب يتوفر على عدد أقل من الموظفين نسبة إلى العدد الإجمالي للسكان، فإن كتلة الأجور ظلت مرتفعة مقارنة مع دول عربية مشابهة للوضعية المالية والاقتصادية المغربية، حيث تمتص 13% من الناتج الداخلي الإجمالي(PIB ) و40% من مجموع النفقات العمومية. وقد سبق للحكومة المغربية أن تعهدت لبنك الدولي بحصر هذه النسبة في حدود 10% من الناتج الداخلي الإجمالي(PIB )، مع العلم أن المعدل العالمي لكتلة الأجور لا يتعدى 7% من الناتج الداخلي الإجمالي(PIB ). ومع قرب التوقيع على بروتوكول اتفاق مع البنك الدولي والمفوضية الأوربية حول الإصلاح الإداري، طالب البنك الدولي بضرورة تخفيض كتلة الأجور إلى نسبة 10% من الناتج الداخلي الإجمالي(PIB ) عوض 13%، وسيفضي هذا الاتفاق في حال الالتزام الحرفي به إلى إقرار برامج موسعة للتقاعد المبكر والتسريح المبرمج لقطاع عريض من الموظفين، بما يهدد بأزمة اجتماعية تذكر بمخلفات تطبيق برنامج التقويم الهيكلي (PAS ) في الثمانينيات. غير أن التهويل من ضخامة كتلة الأجور تبقى نسبية بالنظر إلى ضعف الناتج الداخلي الإجمالي المغربي. كما أن 700ألف موظف مغربي ليس بالحجم الضخم إذا قورن بحوالي 4ملايين موظف في مصر، مثلا. فإذا كانت كتلة الأجور في مصر لا تتجاوز 6% من الناتج الداخلي الإجمالي(PIB )، فإن نسبة الموظفين تصل إلى 5,7% من مجموع السكان، أما في المغرب فإن نسبة الموظفين لا تتجاوز 2%، الشيء الذي يوضح أهمية الناتج الداخلي الإجمالي(PIB ) المصري. ب- نفقات التجهيز: تكمن عناصر الأزمة الاقتصادية في المغرب كما يرى "نجيب أقصبي" في كون الميزانية العامة تعاني منذ أكثر من عقدين من الزمن من مشكل بنيوي يتجلى في كون ميزانية تلتهم أكثر من 50% من إنفاق الدولة، والدين يستنزف الثلث، فماذا تبقى للاستثمار؟ ففي الوقت الذي ترتفع فيه نفقات التسيير، تسجل نفقات الاستثمار تراجعا سنة بعد أخرى، ولا تمثل حاليا سوى 13% فقط من مجموع النفقات العمومية. إن الدولة عندما اختارت منطق التوازنات المالية وحبست نفسها في هاجس حصر عجز الخزينة في 3%، ضيقت فرصة تصور شامل للنمو تتصدره العملية الاستثمارية. فميزانية التسيير تلتهم 60% من النفقات العمومية هي على حساب الاستثمار، مما يجعل الميزانية عاجزة عن خلق دينامية على مستوى النمو الاقتصادي الذي يشترط استثمارات ضخمة تصل إلى حوالي 30% من الناتج الداخلي الإجمالي(PIB ). فالاقتصاد المغربي بحاجة إلى معدل نمو يفوق 6% من الناتج الداخلي الإجمالي(PIB ) لامتصاص حجم البطالة المتزايدة سنويا بشكل سريع، وخفض معدلاتها إلى حوالي 10% بحلول سنة 2007. إن النقص من نفقات الاستثمار العمومي من شأنه أن ينمي الطبيعة التضاربية للقطاع الخاص الذي وجه بشكل أساسي إلى القطاعات ذات الربح السريع دون إعطاء أية أهمية للقطاعات المنتجة. كما أن تصرف الخواص من شأنه أن يزيد من اختلال التوازنات الاقتصادية (تسريح العمال، ضعف المردودية، عدم تحقيق تنمية أفقية على كافة المستويات الاقتصادية...) وهو ما سيدعو في آخر المطاف إلى ضرورة تدخل الدولة من جديد لإقامة التوازن. ج- نفقات الدين العمومي: مع بداية الثمانينيات، بلغت المديونية المغربية حدا لا يطاق، حوالي 12,5مليار دولار، وهو ما يمثل 85% من الناتج الداخلي الإجمالي، وتفاقمت المشاكل الداخلية، فخضع المغرب لتوصيات صندوق النقد الدولي القاضية بتطبيق برنامج التقويم الهيكلي (PAS ). وكان من نتائج المراهنة على تحسين صورة المغرب لدى المؤسسات المالية الدولية، مواصلة الوفاء بالتزاماته المالية الخارجية من خلال نهج مقاربة جديدة في تدبير المديونية الخارجية سواء من خلال تقنية التدبير السياسي المتمثلة في تحويل الدين الخارجي إلى استثمارات خاصة، أو من خلال تقنية التدبير التقني عبر شراء الديون المرتفعة الكلفة بأخرى تتسم بانخفاض معدلات فائدتها، مما أفضى على تخفيض المديونية الخارجية إلى 23% من الناتج الداخلي الإجمالي(PIB ). وبالرغم من هذا المجهود، فإن مشكل الدين العمومي لا يزال عائقا أمام تحرك ميزانية الدولة بالنظر إلى المستويات التي بلغتها المديونية الداخلية (حوالي 47% من PIB ) باعتبارها تجسد الأولوية التي تبنتها الدولة في اتجاه الحد من تكاليف الدين الخارجي. إن ارتفاع الدين الداخلي أخذ ينعكس على بنية الميزانية العامة للدولة حيث أن خدمة الدين الداخلي تستهلك حوالي 75% من الميزانية المخصصة لخدمة الدين العمومي. لا معنى إذن للحديث عن التدبير النشط للمديونية بفعل التحكم في شقها الخارجي،ـ في الوقت الذي تشهد فيه المديونية الداخلية ارتفاعا مطردا. كما أن التقليص من حجم المديونية الخارجية كان بسبب تحويل الديون إلى استثمارات، وليس بإنجاز مهم في أدائها، أو التقليص من اللجوء إلى الاستدانة، أضف إلى ذلك أنه إذا كانت المديونية الخارجية تسجل انخفاضا منظورا إليها بالدرهم، فإنها تبقى مرتفعة جدا منظورا إليها بالدولار. ثم ما معنى أن نتحدث عن التحكم في المديونية الخارجية في ظل نسب ضعيفة للنمو الاقتصادي؟ فإذا كانت الدولة قد لجأت إلى الدين الخارجي لسد عجز الميزانية، فإنها توجهت إلى المديونية الداخلية التي أصبحت تتزايد باستمرار، على اعتبار أن شروط الاستدانة الداخلية أفضل من الخارجية من حيث نسب الفائدة، وهو ما ترتب عنه حرمان الاقتصاد المغربي من الحصول على موارد مالية ونقدية مهمة بكلفة معقولة لتمويل الاستثمار. إن نسبة العجز التي تحددها قوانين المالية في حدود 3% من الناتج الداخلي الإجمالي باحتساب مداخيل الخوصصة، و6% في حالة غيابها، ستجعل الدولة تلجأ إلى المزيد من الاستدانة على المستوى الداخلي لسد هذا العجز. II- قانون المالية في السياسة الاجتماعية: إن الأزمة البنيوية الشاملة التي يعرفها الاقتصاد المغربي تكتسي في الجانب الاجتماعي كل أبعادها المأساوية، وتكشف بشكل جلي عن فشل السياسات الاقتصادية المتوالية منذ بداية الثمانينيات إلى الآن، والتي اقتصرت على التوازنات المالية، والمعتمدة على المؤشرات الماكرو-اقتصادية في غياب أي إستراتيجية تنموية اجتماعية فعالة. لقد كان للسياسة الاقتصادية عواقب وخيمة على كل القطاعات الاجتماعية: * التشغيل: تظهر الإحصائيات أن سوق الشغل في المغرب يواجه معضلة تنامي اليد العاملة ونذرة فرص الشغل، وهو ما نتج عنه تفاقم البطالة. إن عدد السكان النشطين في المغرب (15سنة فما فوق) يقدر بـ 10.900.000 نسمة، أي ما يعادل نسبة 52%، بينما يقدر عدد العاطلين بـ: 1.300.000 نسمة، مما يعطي نسبة للبطالة تقدر بـ: 12%. إلا أن هذه النسبة لا تعكس البعد الحقيقي لتفشي البطالة في المغرب حيث أنه في العالم القروي نجد أن نسبة البطالة منخفضة مقارنة مع مثيلتها في المدن، ولا تتجاوز نسبة 5% كمعدل سنوي، وذلك راجع إلى مفهوم "العاطل" المستعمل في الإحصائيات الرسمية، حيث يعتبر أن أي شخص نشيط حتى وإن لم يتقاضى أجرا فهو يعتبر غير عاطل، وبالتالي وبالنظر إلى نظام الشغل السائد في العالم القروي والمعتمد على الاستغلال العائلي، فإن عددا كبيرا من الأفراد لا يدخلون في عداد العاطلين. وتمس البطالة الشباب بالأساس حيث تصل نسبة العاطلين الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة 84%. وفي المدن 50% من العاطلين يتراوح عمرهم بين 25 و 34 سنة. ويتميز سوق الشغل في المغرب بارتفاع نسبة البطالة عند الحاصلين على الشواهد العليا. أما تحليل البطالة حسب المدة فإنه يبين أن العاطلين لمدة طويلة (أكثر من سنة) يمثلون حوالي 4/3 العاطلين في المدن. وبالرغم من التدابير الجبائية التي تخصصها قوانين المالية للمقاولات فإنها لم تفض إلى حل ولو جزئي لمشكل البطالة، حيث تم تخفيض الضرائب على الأرباح وألغيت الضريبة الداخلية على الاستهلاك (TIC ) وتم تحفيز الشركات لولوج البورصة بمنحهم إعفاءات ضريبية. غير أن الواقع أثبت أن القطاع العام لا يشغل، والقطاع الخاص رغم التشجيعات والحوافز لا يشغل أيضا، مما يعني أن البطالة ستتفاقم. * الفقر: بلغ معدل الفقر في المغرب خلال التسعينيات حوالي 20% من الساكنة. وتقدر عتبة الفقر في المغرب حسب المقاربة النقدية لسنة 1998/1999 بـ 3922 درهم للسنة وللفرد في الوسط الحضري، بمعنى آخر فإن أي أسرة مغربية متوسطة تتكون من 5 إلى 6 أفراد تصرف أقل من 1828 درهم للشهر في العالم الحضري تعد أسرة فقيرة، وعليه بلغ عدد الساكنة الفقيرة في المغرب سنة 1999 إلى 5,3مليون نسمة يوجد أغلبها في العالم القروي (3,5مليون). * الصحة: عرفت ميزانية الصحة تراجعا بعد تطبيق المغرب لبرنامج التقويم الهيكلي، حيث جمدت طيلة الثمانينيات في حدود 3% من نفقات الميزانية العامة. أما حصتها من الناتج الداخلي الإجمالي فهي لا تتجاوز حاليا 1% فقط. * التعليم: عرفت النفقات الاجتماعية الموجهة لميدان التعليم انخفاضا منذ تبني المغرب لمقترحات صندوق النقد الدولي الرامية إلى تقليص عبء التعليم على ميزانية الدولة، وتفويتها لأغلب مسؤولياتها لصالح القطاع الخاص، واعتبار هذا التعليم خدمة مؤدى عنها وليس مكسبا اجتماعيا. وكنتيجة لذلك بقيت المردودية التعليمية بالمؤسسات العمومية هزيلة غير مقنعة أمام الضغط المستمر الذي تخضع له النفقات الموجهة نحو قطاع التعليم. * التضخم: أمام تزايد العجز في الميزان التجاري لجأت السلطات المالية إلى تبني سياسة النقص من قيمة الدرهم المقترحة من طرف صندوق النقد الدولي لتشجيع الصادرات. غير أن هذه السياسة خلفت نتائج سلبية على المستوى الاجتماعي. فتخفيض قيمة الدرهم أدى إلى ارتفاع الأسعار، في حين أن الزيادة في حجم الصادرات كان على حساب الاحتياجات المحلية مما يترتب عنه قلة الموارد الاستهلاكية الغذائية بالسوق المغربية، وبالتالي ارتفاع أثمانها وفقا لقانون العرض والطلب. كما أن تقليص النفقات المخصصة لدعم أسعار المواد الأساسية عبر صندوق الموازنة الذي تم إلغاؤه، خلق اضطرابات على مستوى أسعار هذه المواد. إن قوانين المالية التي هدفت إلى تحقيق التوازنات الاقتصادية الكبرى، قد أدت إلى إنتاج وإعادة إنتاج اقتصاد مغربي معاق تمكن تلخيص خصائصه وميزاته كالتالي: v التخلف: الاقتصاد المغربي هو اقتصاد متخلف عاجز عن تحقيق تنمية مستديمة، يعمق الفقر، ويشكو من الخصاص والضعف والهشاشة على صعيد البنيات التحتية وبؤس المرافق والخدمات الاجتماعية. v التفكك: جميع القطاعات الاقتصادية لا ترتبط ببعضها ولا تتكامل. بل إن هذا التفكك يسود حتى داخل القطاع الواحد. v التبعية: سواء على المستوى التجاري أو التكنولوجي، وضعف القدرة التفاوضية، كما برز ذلك بشكل جلي في اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وبشكل أفضع في التفاوض حول اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية. v الهشاشة: إن كل الخصائص التي تمت الإشارة إليها تفسر وتؤكد الطابع الهش للاقتصاد المغربي ولنسيجه الإنتاجي، حيث يبقى معدل النمو، كما كان عليه الشأن في بداية الاستقلال، خاضعا لمستوى التساقطات المطرية، وتبقى حاجيات المغرب من بعض المواد الأساسية خاضعة كلية لتقلبات السوق العالمية. خاتمة: إن قوانين المالية في المغرب هي بمثابة نسخ مكررة لمضامين القوانين المالية منذ بداية الثمانينيات خاضعة لسياسة التقويم الهيكلي ولإملاءات صندوق النقد الدولي، وهي السياسات التي لا تنسجم مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي المغربي. فقوانين المالية في المغرب تتيمز بتضخم كبير في ميزانية التسيير والدين العمومي على حساب الاستثمار، والاعتماد المستمر على المداخيل الاستثنائية. كما تلتقي حول الحرص على التحكم الصارم في التوازنات الماكرو-اقتصادية. فإذا كانت قوانين المالية تتمسك بمطلب الحفاظ على التوازنات الكبرى وتعلن استجابتها لمعايير "ماستريخت" بتحديد العجز الموازني في 3% وحصر التضخم في حدود 2%، وإن اقتضى ذلك تأجيل النمو الاقتصادي المستديم والتشغيل إلى حين، فإنها تحد بذلك من هامش تحرك الميزانية العامة وعدم إيلاء الاهتمام الواجب لنفقات الاستثمار في ظل سياق يتسم بتفاقم البطالة واتساع دائرة الفقر وسيادة التهميش الاجتماعي. إن المغرب عندما يصرح بأنه يستجيب لمعايير "ماستريخت" لا يأخذ بعين الاعتبار أن تلك المعايير يعاد فيها النظر من قبل أجهزة الاتحاد الأوروبي. بل إن الوزير الأول الفرنسي صرح بأن تباطؤ النشاط الاقتصادي الفرنسي يفرض تجاوز سقف 3% الذي لا تبرره الشروط الماكرو-اقتصادية. | |
|