** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 الانتظار ..

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
روزا
" ثـــــــــــــــــــــــــائــــــــــر "
الانتظار .. Biere2
روزا


عدد الرسائل : 267

تاريخ التسجيل : 11/04/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

الانتظار .. Empty
14092010
مُساهمةالانتظار ..



الانتظار .. 6
هدير ميازيب المزن الهاطلة، كان وابلاَ من الأمطار الغزيرة، أحال الشارع الهاجع طولاً وعرضاً إلى حلبة تصول فيها القطرات المتواثبة. ومضات الآفاق كانت تحز قلوب السحب المكفهرة الغاضبة. المنطقة بأسرها كانت تتوسد في خضم الحادثة صدور بعضها بعضاً. وقد ضيقت ضراوة الزمهرير الخناق على كل الموجودات والكائنات الحية. الأوحال، المياه الردغة المنطلقة من تحت أقدام المارة ممتزجة بكل تلك المناظر، كانت تشكل سيمفونية خالدة كئيبة تختلط بأحداث ذلك اليوم..

لقد وضعت زخات المزن المنصبة بغزارة، هامات الأشجار على أطراف الشوارع تحت طائلة القصف المستمر المتواصل لتلك الميازيب المنهمرة. التماعات البروق خلل الغيوم، الدوي الطافح بالأنين لغيمة حبلى بالمطر، والتي كانت تنسج جوف السماء، ثم خرير الموجات الصغار الرهيفة المنبعث من حافات الشارع,, كل هذه ممتزجة كانت تشكل صوتاً منفرداً واحداً يذوب في أذنه هو، مانحاً نفسه، موجة من الزغب.

تحت وطئة كل تلك اللحظات، وبخيال مشوب بقلق عميق لا يرحم، كان يحث الخطى مخاتلاً أرجاء المنطقة. بضع قطرات من المطر تحدرت من جبهته نازلةً فاستقرت في فمه. يده المقرورة من البرد امتدت لتخنق حناجر تلكم القطرات... ركز باصرتيه في المقهى الذي يستقرعلى الطرف المقابل من الشارع... همهم وهو يتحدث نفسه: "فلأسترح... لن أتأخر!!".. غير من مسار خطواته.. من خلال تحية عابرة، راح فانزوى في ركن من أركان المقهى.. كانت الصحيفة التي يحملها تحت إبطه قد تبللت تماماً من جراء تعرضها لزخات الأمطار المتتابعة.. كمثل غزال نافر كان يجيل بناظريه.. من تلقاء نفسه، كان أنين أغنية حزينة ينتزعه من الأعماق.. فتح الصفحة الأولى من الجريدة.. سطور العناوين البارزة تلقفت عينيه: "ثلاث طائرات إسرائيلية تقصف المناطق الجنوبية من لبنان... انتفاضة السجناء في شيللي.." بحركة آلية سريعة قلب الصفحة الثانية من الجريدة.. الأدب والحياة كانت تتراقص أمام عينيه كمثل قطرات ذلك الغيث المنهمر...
"ذلك الرجل الذي فرط بالحياة... معاناة الإنسان.. السعر الحديث.. غابريال غارسيا ماركيز، والمئة علم من العزلة..." ببضع رشفات سريعة متتالية عب ما في القدح من الشاي.. مسح فردتي حذائه الملطختين بالوحل الواحدة بالأخرى.. تبعثر ما كان متراكماً عليها من الطين تحت الكراسي.. دفع الطبلية من أمامه.. تلفت يميناً ويساراً.. إلى هذه اللحظة لم يكن (آزاد) يعرف شيئاً عن سبب ارتباكه، غير أنه كان يجد نفسه يتقلب في أتون عذابات ذلك الزمن.. ألقى نظرة خاطفة على ساعة يده.. بطانة الساعة من الداخل كانت تغطيها غشاوة بقعة مضببة..
- أيها الأخ كم الساعة؟
- الخامسة وعشرون دقيقة..

ألقى بنطرة على الباب الخارجي، أمعن قليلاً في داخل المقهى، مرر بيديه الواحدة على الأخرى,.. رنا إلى الضباب المتكاثف فوق الحديدة... من خلال فتحة الباب شاهد عدداً من الأيادي والأرجل المجصصة وهي تندفع إلى الداخل.. جلس أصحابها بإزائه.. كانوا يرددون مع أنفسهم ما يشبه الهذر من الكلام.. أطلق في مفاصل ركبتيه قوة الحركة، ثم ثبت قدميه الملطختين بالوحل في الأرض..
"يحسن بي أن أذهب.. الوقت متأخر...!!".

خطا خطوة عريضة.. الوقت يمضي، وآلامه المزمنة تمتزج بحرارة ذكرياته.. عيناه شاخصتان إلى الطريق، غير أنه بقلبه يعيش مع (فرهاد) .. خطاه تذرع الدروب دونما مبالاة ، في حين كانت الأمطار تنهمر دونما هوادة من جواليق السماء على الأرض.. أخذت الجداول تزداد عدداً. جبين (آزاد) كان يحمل على سيمائه إمارات الغضب.. مع خطواته المتلاحقة السريعة كانت الذرات الطينية تنطلق من تحت حذائيه، فترسم على حواشي بنطلونه لوحة مطرزة بالبقع.. على الطرفين المتقابلين، كان الزحام على أشده، يضفي عتمة على جانبي السوق. سرعان ما سحب هاجس خوف مفاجئ من يد الطفل الصغير، فأنقذه من أمام الجمع المتجمهر..
أخذ يحث خطاه بأسرع من سابقاتها.. جسده الخائر كان يقف مثل هيكل حزين بوجه ضراوة الوبلة الماطرة.. شعرات لحيته الخفيفة قد أختلطت بشاربه الكث الناعم.. هدير السيارات عند مرورها من بين الجداول المشكلة الراكدة كان يمحو من أمام ناظريه جميع تذكاراته.. أعماقه كانت تغتلي وتجيش بفعل تلك الذكريات التي كانت تجوس في نفسه وشراينه.
"واهٍِ.. يا عزيزي (فرهاد)، ليتني كنت أستطيع إغاثتك..."

كان (أزاد) ينتظر منذ زمن، وبفارغ الصبر حلول هذا اليوم/ عظام جسده، وحتى النخاع منه، كانت تخرُ مثل الطاحونة.. أخذت السحب تتداخل فيما بينها، بكثافة، وقد أضفت على ملامح السماء صورة مشوهة قبيحة. أما الزمهرير القارس فقد كان هو الآخر كمثل كابوس يجثم على صدر المنطقة ويأخذ بتلابيبها وكأن جواليق السماء قد تمزقت ثم رتقت ثانيةً هكذا كانت المياه تسح وتنهمر.. جسده كان يتقطر ماءً، حتى أن مياه المطر قد غسلت وجهه عدة مرات. وكان باستمرار ينشف فمه المبلل وعينيه، لئلا يصدم بكتفه أحد المارة فتتلقى أذناه كلمات جارحة. نظر إلى ساعته.. انزاحت المياة من أمامه.
"سوف أصل.. لم يبق أمامي سوى بضع كيلومترات..!!"
أسرع في مشيته وصل رصيف الشارع المقابل.. جمع غفير من الناس الذين كانوا تحت الأشجار التي تقابل الجسر قد تبللت أجسامهم تماماً بالمياه. (عائشة) المجنونة، هي وأطفالها الأربعة كانوا يحملقون في وسط الشارع من تحت الشجرة بعيون مفتوحة.. أوشك المطر أن يبطئ، والأشجار كانت بليلة بمياه المطر. حاشية سرواله ملطخة بالمياه الموحلة بشكل فضيع.. رفع رأسه، فألقى بنظرة على صفحة السماء.. تذكر أقوال والدته.. "يا بني ـ إن المطر خير وبركة، إنه نعمة من الله.. إياك أن تتفوه بالكلمة: لماذا لا ينقطع هذا المطر أبداً" انفرجت شفتاه عن ابتسامة، بعدها طار تفكيره مباشرة كعصفور جافل، ومن ثمَ حَط على غصن رهيف من أغصان كلمات (فرهاد).. "إن الأمطار تروي حقولنا.. تملأ ينابيعنا الظامئة بالماء... تنبت الآمال في عيون مزارعينا المتبعين..."
- يا فرهاد ترى هل يأتي يوم لا ننتظر فيه سقوط المطر؟!
- أجل.. فيما إذا تمكننا من السيطرة على الطبيعة.
- يا فرهاد إنك تنظر بعين الخيال إلى الأمور,
- ولكن هذه هي الحقيقة.
شاشة ذاكرته كانت تعيد شريط تلك الحوادث والذكريات ثانيةً، وثالثةً.. وعاشرة.

اقترب من المكان المقصود، انغرز في موضعه.. تفحص كمثل الرادار أرجاء المنطقة على جهاتها الأربع.. في بعض الأحيان كان يجفل من أولئك الأشخاص الذين يمرون بالقرب منه.. ألقى نظرة على ساعته.. في الوقت الذي كان يتقلب في دوامة من الهموم..
(تك، تاك، تك.. تاك... الساعة كانت تشير إلى الرابعة والنصف). صوت المذياع أعاده إلى وعيه.. دنا من ذلك الرجل الذي كان واقفاً بطوله بالقرب منه.. أمعن فيه.. وضع يده على كتفه:
- نعم
- معذرة
- خيراً... هل ثمة من أمر هام!؟
- لا .. تخيلتك صديقي.
- صديقك!!.. أوَلا تبصر!؟
- لقد سهوت
- مهلاً ، لسنا نحن بأضحوكةٍ لأمثالك.
- ولكن
- لكن ماذا؟! اخجل قليلاً...

توارى عنه دونما اكتراث، وابتعد إلى جهة أخرى.. وضع يده فوق صدره، وراحت عيناه المنطفئتان تمعنان في هذه المناظر الغريبة العجيبة. أخذ الانتظار المشوب بالهموم يتململ من الضجر في دخيلته.. غاب عن وعيه، هدير السيارات كان يعيده إلى وعيه، فيوقظه من أحلام يقظته..
"ما أطيب أن لا يكون المرء منتظراً!! [أكره] الانتظار الطويل.. إنه قاتل، ومميت.. يثقب عظام الإنسان المرهف الحس":
- انتظرتك طويلاً
- آسف ، لن يتكرر
- هل نذهب
- لا
- قل لي، ماذا جرى لـ (فرهاد)
- فرهاد.....!!...
- فرهاد.....!!... ماذا
- إن سكوتك، يملأ قلبي
- إن فرهاد طار في هذه الليلة، اختفى في حنجرة السحب.. وقبل أن يطير، ندبته الشوارع.. انتحبت حتى غدت ينابيع .. والينابيع بدورها تحولت إلى أنهار.. والسحب أطلقت دويها، ثم ملأت الفضاء بالأنين. لكن قطرة واحدة من المطر لم تسقط..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الانتظار .. :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الانتظار ..

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: