[rtl][/rtl][rtl]لا أعتقد أن هناك شخصا سوياًّ في هذا العالم يستمتع بالحديث عن مواضيع الطلاق، ففكرة الطلاق نفسها تبعث على الكآبة وتبرز فشل الإنسان في إبراز صفة ”الاجتماعية“ التي يمتاز بها، لكن لا يمكننا أن نخفي أن الطلاق كان وسيظل واقعا نحياه ونتعايش معه، فبعد كل شيء هي علاقات إنسانية وهي معقدة جدا، والناس يتغيرون مع مرور الوقت على جميع الأصعدة لأن دوام الحال من المحال.
لكن الباحثين في جامعة (أوكسفورد) لم يكتفوا بمجرد إقناع أنفسهم بهذا الكلام، بل قاموا بأبحاث معمقة في الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالطلاق في كل من إنجلترا والويلز منذ سنة 1971، ومنه توصلوا إلى استنتاج، لن أقول عنه أنه مفاجئ، وهو أن معظم الأزواج ينفصلون بصفة رسمية بسبب ”السلوكات غير العقلانية“.
لعلك تتساءل الآن عزيزي القارئ ما الذي يعنونه بـ”السلوكات غير العقلانية“ يا ترى؟ في الواقع هي سلوكات متنوعة لكنها تتضمن على سبيل المثال لا الحصر كلا من: التعسف اللفظي، ونقص الدعم المعنوي، ومعاقرة الكحول أو تعاطي المخدرات، والاستدانة السرية -خفية عن الزوج-، والعنف و/أو التعسف الجسدي، والعديد غير ذلك الذي قد يعتبره أي إنسان عاقل ويصفه في أفضل تعبير متحفظ على أنه ”سلوك غير عقلاني“.
وكان هذا البحث، الذي شكل جزءا من دراسة كبيرة شاملة عنت بقانون العائلة في إنجلترا والويلز، قد وجد أنه خلال الثلاثين سنة الماضية طلّقت نصف الزوجات أزواجهن بسبب السلوكات غير العقلانية لهؤلاء الأخيرين، وفي الجهة المقابلة تضمنت بعض المعلومات التي قدمها الأزواج لدعم قضاياهم في الحصول على الطلاق من زوجاتهم كلا من السلوكات غير العقلانية، ومدة عامين من الانفصال التي كان سبب معظمها خيانة الزوجة، لكن بصفة عامة استخدمت الزوجات دافع ”السلوكات غير العقلانية“ في طلبهن للطلاق أكثر من الأزواج.
انخفضت الاستعانة بدافع أو سبب محدد يقدمه أحد الزوجين لتبرير طلبه للطلاق من شريكه بشكل معتبر بين سنتي 1971 و1991، وعمد تقريبا معظم الأزواج المتطلقون إلى استخدام مصطلح ”لا خطأ“ أمام خانة الدافع المنطقي وراء طلب الطلاق، في تبيان أن لا طرفاً من أطراف العلاقة ينبغي عليه إثبات خطأ الطرف الآخر حتى يتم الطلاق. إلا أن استعمال دافع ”السلوكات غير العقلانية“ في حق الطرف الآخر عاود الارتفاع مجددا منذ سنة 1991، مع مستويات تطابقت اليوم تقريبا مع تلك في سنة 1973.
من الجدير التنويه بأنه مهما كان مبرر الطلاق سواء من جهة الزوج أم من جهة الزوجة فإنه لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على طريقة تقسيم الممتلكات بينهما، أي أن أي طرف في علاقة إن ثبت أنه هو المخطئ في حق الطرف الآخر فهذا لن يدفع المحكمة إلى تقسيم الممتلكات بين الزوجين بشكل غير متكافئ.
وقد توفرت هذه البيانات موضوع الدراسة الآنفة الذكر بفضل ”القانون التعديلي الخاص بالطلاق“ الذي صدر سنة 1969 في إنجلترا والويلز، والذي جعل من الانفصال غير القابل للإلغاء بين الزوجين هو الأساس القانوني والوحيد للطلاق، ومنه إن رغبت في الحصول على الطلاق كان يجب عليك أن توفر دليلا قانونيا -دافعاً مثلما ذكرنا سابقا- لتستظهر به أن الانفصال كان لابد أن يحدث وهو غير قابل للإصلاح، حتى وإن لم يكن هذا الدليل هو الذي تسبب في حدوث الانفصال في المقام الأول.
[/rtl]صورة: iStock [size][rtl]
وفي نفس الوقت، كان بالإمكان استظهار دافع ”الانفصال المتفق عليه بين طرفي العلاقة لمدة عامين“ كدليل قانوني لحل العلاقة غير القابل للإلغاء، وكذا ”الانفصال غير المتفق عليه“ الذي يدوم خمسة سنوات.
كما وجد (جون هاسكي)، باحث في الشؤون الديموغرافية لدى جامعة أوكسفورد الذي كان على رأس فريق البحث القائم بهذا الدراسة بعض الحقائق الأخرى التي لها علاقة بالموضوع، حيث اكتشف أن الطلاق الذي طالبت به الزوجات بسبب الخيانة الزوجية كان قد ارتفع في سنة 1987 بنسبة 25٪، وفي نفس السنة ارتفعت نسبة الطلاق التي تقدم بها الأزواج والتي كان السبب فيها هو الخيانة الزوجية بنسبة 45٪، وكانت هذه النسبة المتعلقة بنفس السبب قد تراوحت بين 11٪ لدى كل من المتطلقين والمتطلقات في سنة 2016.
ومنه توصل فريق البحث أنه بعزل هذه ”السلوكات غير العقلانية“ المريعة فإنه قد تكون هناك طريقة ما من أجل خفض احتمال وقوع الطلاق بين الأزواج وانحلال العلاقات الزوجية، وهو ما اقترحته جامعة (إكستر)، التي قامت بدراسة خلصت فيها إلى مجموعة من الأسئلة يتعين على كل الأزواج أن يسألوها أنفسهم ويجيبوا عنها بكل صراحة في نقاط مختلفة من حياتهم الزوجية، وذلك من أجل تقييم علاقاتهم والتأكد من أنهم جميعا على مستوى واحد من العلاقة.
[size=36]تضمنت هذه الأسئلة ما يلي:[/size]
– هل أنا وشريكي نناسب بعضنا البعض بشكل جيد؟ هل بإمكاننا العمل كفريق متعاون؟ هل نملك قيما حياتية متشابهة؟ هل نملك نفس وجهات النظر تجاه الحياة بصفة عامة؟
– هل نملك قاعدة صداقة قوية بيننا؟ هل نستمتع بأوقاتنا معا؟ هل نتشارك نفس الاهتمامات ونفس حس الفكاهة؟ هل نقدر بعضنا البعض؟
– هل نرغب في الحصول على نفس الأشياء من علاقتنا ومن الحياة بصفة عامة؟ هل نتشارك نفس الشعور بأننا بإمكاننا الاتفاق على التخطيط لحياتنا بشكل متوافق؟ هل بإمكاننا التفاوض فيما بيننا؟
– هل توقعاتنا واقعية وقابلة للتحقيق؟ هل نتقبل أن لكل علاقة سلبيات وإيجابيات؟ هل نفهم جيدا الحاجة إلى بذل المجهودات في الكثير من الأحيان؟
– هل نرى أفضل ما في بعضنا البعض بصفة عامة؟ هل بإمكاننا تقبل عيوب بعضنا؟ هل بإمكاننا احترام اختلافاتنا؟
– هل نعمل مع بعض على الإبقاء على علاقتنا مفعمة بالحيوية؟ هل نخصص بعضا من الوقت لقضائه مع بعضنا البعض ولصالح بعضنا البعض فقط؟ هل يظهر كل واحد منا للآخر بأنه يهتم لأمره؟
– هل يشعر كلانا أنه بإمكانه مناقشة الأمور والمشاكل التي تصادفه بحرية مع الطرف الآخر؟ هل نتعامل مع المشاكل بطريقة علاجية وبنّاءة؟ هل نستمتع بالحديث والكلام مع بعضنا؟
– هل نحن مستعدون للقيام بكل ما بوسعنا خلال الأوقات العصيبة؟ هل كل واحد منا يقدم للآخر ويأخذ منه؟ هل نعمل على تحسين أنفسنا؟ هل نأمل في مستقبل إيجابي مع بعضنا البعض؟
– عندما نكون في مواجهة ظروف ضاغطة، هل نساعد بعضنا البعض على الخروج منها؟ هل بإمكان كل واحد منا التكيف بشكل جيد مع التغيرات التي تطرأ علينا؟ هل سنلجأ لمساعدة أشخاص محترفين إن اقتضى الأمر ذلك؟
– هل يملك كل واحد منا أطرافا تساعده في الأوقات العصيبة؟ هل يملك كل واحد منا شبكة داعمة -من الأصدقاء مثلا- التي بإمكانه التوجه إليها في أي وقت والبحث عن المساعدة؟
لقد قام بتصميم الأسئلة الآنفة مختصون في الشؤون القانونية والاجتماعية ومستشارون عائليون وغيرهم في قسم الدراسات القانونية وقسم الطب في جامعة (إكستر)، وكانت ضمن مشروع أطلق عليه اسم «مشروع (شاكليتون) للعلاقات»، الذي سمي تيمنا بالممول الرئيس له، وقد أخذ هذا المشروع بالتحليل 43 زوجا كانوا سواء متزوجين خلال مدة عشرة سنوات، أو كانوا قد انفصلوا خلال تلك المدة الزمنية، كما درس الباحثون القائمون بالمشروع 10 أزواج من نفس الجنس وكذا أزواجا من جنس مختلط كانوا إما متزوجين أو في علاقات مدنية، أو كانوا يعيشون مع بعضهم البعض لمدة 15 سنة.
تضمن المشروع كذلك مجموعة من الحوارات التي أجريت مع هؤلاء الأزواج خلال حياتهم واستشارات جمعتهم مع ممارسين للطب النفسي، وكذا الخوض في قواعد البيانات لمعرفة ما يعتقد الشباب الأصغر سنا –من 11 – 18 سنة– أنه أهم شيء في العلاقة.
برزت بعض النتائج المفتاحية لهذه الدراسة، من ضمنها أن ما يحفز ازدهار العلاقات الإنسانية من أنواع مختلفة وفترات استمرارية مختلفة كان عبارة عن عوامل متشابهة على جميع المستويات، وتبين كذلك أنه بالإمكان تطوير هذه العوامل مع مرور الوقت، وتضمنت بعض هذه العوامل أو ”المتغيرات“: نوعية العلاقة، والتوقعات الواقعية في حدود المعقول، وتشارك طرفي العلاقة في نظرتهما إلى معنى العلاقة العميق، وكون طرفي العلاقة عبارة عن مصدر منفعة للآخر، والتواصل الجيد بين الطرفين، والتعاطف [ليس الحب الرومنسي غير المشروط]، والمعرفة المسبقة بأن التغير أمر وارد الحدوث.
اكتشف القائمون على الدراسة كذلك وجود بعض النقاط الصغيرة التي أثبتت كونها من معيقات نجاح العلاقات –بعيدا عن الأمور الفظيعة على غرار التعسف اللفظي والجسدي والمعنوي–، وكانت الأكثر شيوعا من بينها؛ والتي ذكرها الأزواج في الدراسة، هي الإنجاب واختلاف المواقف بين الشريكين تجاه المشاكل المالية. ومن بين المؤشرات التي تنذر بفساد العلاقة والتي رصدها الباحثون في هذه الدراسة كذلك كانت: عدم التوافق بين الطرفين، والتوقعات غير الواقعية، والفشل في التعامل مع المشاكل، والفشل في تغذية العلاقة بالشكل اللازم.
ومنه رأى أفراد فريق البحث أنه من الأفضل تحويل نتائج أبحاثهم إلى مجموعة من الأسئلة السابق ذكرها، والتي بإمكانك عزيزي القارئ معية شريكك محاولة الإجابة عنها في أية مرحلة من مراحل علاقتكما لمعرفة إلى أي مدى بإمكانكما الاستمرار في عيش علاقة شراكة سعيدة.[/rtl][/size]