[rtl]قبل فجر الطب النفسي الحديث، حاول العديد من الفلاسفة والأطباء بناء نظريات لتفسير طبيعة حالات يعتبرونها سلوكاً جنسياً غير عاديٍ، وعند ظهور الطب النفسي الحديث، أعيدت دراسة وتفسير الاهتمام القديم في الانحراف والتنوع الجنسي.[/rtl][rtl]لقد أدت الثورة الصناعية في الغرب إلى تحقيق مكاسب كبيرة في التكنولوجيا والعلوم، ولربما أدت لزيادة إيمان الناس بأن العلم قادر على تفسير عالمنا هذا، إذ بدأت النخب باستخدام المؤلفات في القرن التاسع عشر والقرن العشرين لتفسير العديد من الأمور، بطريقة صحيحة أو غير صحيحة، وقلّ الاعتماد على النصوص الدينية كتشريع مقدس.[/rtl][rtl]كان اللجوء للعلم لا يخلو من شوائب، إذ استُخدم كتاب (تشارلز داروين) حول أصل الأنواع لتبرير عدم تساوي الأعراق البشرية، ونقل بعض المؤلفين أنفسهم آراءهم الشخصية في كتبهم كحقائق علمية، كما فعل (تشيزاري لومبروزو) الذي استنتج أن المجرم إنسان بدائي يتميز بملامح خاصة عددها بـ(21) صفة، كالآذان الطويلة الناتئة والحواجب الكثيفة وخط الفك الحاد.[/rtl][rtl]
(تشيزاري لومبروزو) Cesare Lombroso الذي استنتج أن المجرم إنسان بدائي يتميز بملامح خاصة – صورة: Wellcome Collection[/rtl] [rtl]كذلك استخدم (ريتشارد فرايهر فون كرافت-إيبينغ) مجال الطب النفسي –الذي كانت تتصاعد شهرته آنذاك– لإنشاء قائمة أو ”كاتالوغ“ للإنحرافات الجنسية. عندما نشر كتابه «سايكوباثيا سيكشوالس – الإعتلال النفسي الجنسي» في ألمانيا عام 1886، وكان هذا الكتاب ناجحاً جداً في وقته كمرجع لأطباء النفس وتمت ترجمته لسبع لغات، وتم تعديله وإعادة نشره إثني عشر مرة أثناء حياة المؤلف.[/rtl][rtl]عندما نشر (ريتشارد) الطبعة الأولى من المجلد، كان يتكون أساساً من 45 حالة لأشخاص مختلفين مع تاريخ كل حالة –مثل مجامعة الأموات، والأشخاص الذين يرتدون ملابس الجنس الآخر، والفيتيشية الجنسية (التوثين الجنسي)– و عندما نشر (ريتشارد) الطبعة الثانية عشر من النص –مباشرة قبل وفاته في عام 1902– قام بتوثيق 238 حالة في كتاب ذي 617 صفحة.[/rtl][rtl]
(ريتشارد فرايهر فون كرافت-إيبينغ) Richard von Krafft-Ebing – صورة: Wellcome Collection[/rtl] [rtl]طرحت الطبعة الأولى للكتاب الفئات الرئيسية الأربعة لما سماه ريتشارد ”الإضطراب العصبي الدماغي“:[/rtl]
- التناقض: الرغبة الجنسية في الوقت غير المناسب من الحياة.
- التخدير: عدم الرغبة الجنسية الكافية.
- فرط الحساسية: الرغبة الجنسية المفرطة.
- الخدران: الرغبة الجنسية الخاطئة (على سبيل المثال، المثلية الجنسية، والشهوة الجنسية، والسادية، والماسوشية، والولع الجنسي بالأطفال).
[rtl]غالبًا ما يُعتقد أن «سيكوباثيا سيكشواليس» كان يعتبر الكتاب المقدس لعلم الجنس في القرن التاسع عشر، فقد غير (ريتشارد) المفاهيم السائدة في وقته حول الانحراف الجنسي، ولكن هذا لا يعني أنه فعل ذلك بطريقة صحيحة: إذ رأى (ريتشارد) في تنوع الميول الجنسية كانعكاس ”لانحراف الغريزة“ الجنسية كما سماها Guslechtsrieb، والتي قدمها كقوة تظهر خلال فترة البلوغ وتتراجع ببطء بعد سن الأربعين، ويمكن تحديدها عضوياً في القشرة الدماغية، معتقدا أنها قريبة من مكان وجود حاسة الشم.[/rtl][rtl]وكان يعتقد أيضا أن أمراض الغريزة الجنسية ناجمة عن الانحطاط الأخلاقي، إذ يقول (ريتشارد) في الصفحات الأولى من كتابه: ”الحياة هي مبارزة لا تتوقف أبداً بين غريزة الحيوان والأخلاق“، تختصر هذه المقولة الأسلوب الذي اتبعه المؤلف في كتابه، فهو وإن اتبع ما يبدو وكأنه منهج علمي إلا أن استنتاجاته كانت غير موضوعية وغير مبنية على أدلة، فقد كانت تعتمد على تعريف ”الأخلاق“ في عصره، وتعريف الأخلاق في حد ذاته يعتمد على المعايير الإجتماعية التي اختلفت كثيرا بعد مرور أكثر من قرن على نشر الكتاب.[/rtl][rtl]
رجل يرتدي ثوباً نسائياً ويحمل سوطا ومروحة في يده – صورة: Wellcome Collection[/rtl] [rtl]لم يكرر (ريتشارد) آراء سابقيه فحسب، فعلى سبيل المثال: اختلف مع سابقيه حول الأسباب التي تؤدي لانحراف الغريزة الجنسية، ورجح أن يكون السبب هو ”تلوث وراثي“ يؤدي لاختلال التوازن بين الغريزة الجنسية الحيوانية المتأصلة في البشر والقوى الأخلاقية البشرية المانعة، فعندما كان يشرح وضع حالة في كتابه كان دائما يصف تاريخ العائلة (أم سكيرة، ابنة عم مكتئبة، أخ انتحاري… إلخ)، واعتقد أن هناك عوامل أخرى تسبب اختلال هذا التوازن، مثل الإستمناء، إذ يقول في كتابه: ”مما لا شك فيه أن الاستمناء المفرط يسبب ضرراً عصبياً ويؤدي للمثلية الجنسية نتيجة الرغبة الجنسية المفرطة“.[/rtl][rtl]على الرغم من كل الاعتقادادت الخاطئة في هذا الكتاب، إلا أنه كتاب ثوري لأنه الأول من نوعه، ولأنه فتح الباب على مصراعيه لدراسة التنوع في الميول الجنسي، وأدى لاستنتاج مفهوم عظيم جديد وهو أن الميول الجنسية يجب أن تُدرس على مستوى نفسي باعتبارها جزءاً من شخصية الفرد.[/rtl][rtl]أدى كتابه إلى التوقف عن النظر إلى الميول الجنسية كضعف شخصية أو كعيب في التشريح الجسماني، ففي الوقت الذي كانت هذه الاختلافات في الميول تصنّف باعتبارها انحرافاً وشراً، نجح (ريتشارد) في تغيير هذه الفكرة إلى كونها طرقاً مختلفة للوجود البشري.[/rtl][rtl]يتعين على المؤرخين الحاليين التعامل مع نظريات القرن التاسع عشر والقرن العشرين حول مسببات وتشخيص وتصنيف وعلاج الانحرافات الجنسية، وهذا يتم من خلال دراسة الكتب القديمة التي تبين كيف ولماذا حدد الأطباء النفسيون وعلماء الجنس وغيرهم من أخصائيي الصحة العقلية السلوك الطبيعي، وكيف فرقوه عن السلوك المنحرف أو الإجرامي، وهذا للتعقيد الذي تتصف به العلاقة بين كل من الشخصية، والهوية، والانحراف الجنسي.[/rtl][rtl]يتفق مؤرخو الجنسانية بشكل ساحق على تغير أسلوب طرح النظريات أثناء البحث الجنسي، فمن (ريتشارد كرافت-ايبنغ) الذي كان يضع كل أسلوب يجده غير أخلاقي في بوتقة واحدة مستخدما نظرية واحدة ثابتة، والذي تبعه (فرويد) بنفس الأسلوب، نجد اليوم طرق الاستنتاج والبحث النظري أكثر تجزؤًا، مبنية على بيانات وإحصائيات وأرقام للوصول لفهم التنوع الجنسي والانحراف الجنسي.[/rtl][rtl]في الحقيقة، إن مشكلة التمييز بين الانحراف الجنسي والأمراض العقلية النفسية تبقى مهيمنة وواضحة في كل النصوص التي تحاول أن تعالج هذه المواضيع. هي مشكلة فلسفية يصعب حلها لأنها تحاول تعريف ”المرض“ العقلي و”الصحة“ العقلية، وهناك ثلاثة آراء أساسية عند التطرق لهذه المواضيع:[/rtl][list="margin-right: 5px; margin-bottom: 20px; margin-left: 0px; outline: 0px; list-style-position: initial; list-style-image: initial; border: 0px; box-sizing: border-box; font-size: 21px; padding-right: 0px; padding-left: 0px; vertical-align: baseline; direction: rtl; unicode-bidi: embed; color: rgb(10, 10, 10); font-family: alyssa, \"open sans"; background-color: rgb(255, 255, 255);"]
[*]
موقف طبيعي وجودي، يهدف إلى تقديم تعاريف خالية من المواقف الشخصية، وهذا ما تسعى إليه كتب علم النفس الحديثة.[*]
موقف معياري يراعي المعايير الاجتماعية التي تدعي أن جميع الأحكام الطبية هي أحكام تثمينية تقديرية.[*]
الموقف المختلط الذي يسعى إلى حل المشكلة عن طريق الجمع بين الجوانب الطبيعية والمعيارية.[/list]
[rtl]كل من هذه المواقف لها مشاكلها، وليس هناك موقف تقليدي في فلسفة الطب أو فلسفة الطب النفسي.[/rtl][rtl]يمكن النظر إلى كتاب «سايكوباثيا سيكشوالس» اليوم كمرجع تاريخي فقط، ولا يمكن أخذ تفسيراته على أنها حقائق بعد الآن، وهو كذلك مرجع ”بورنوغرافي“ مثير للاهتمام من القرن التاسع عشر.[/rtl][rtl]في الصور أدناه ستجد مواضيعا ألهمت (ريتشارد فرايهر فون كرافت-ايبنج) في مؤلفاته:[/rtl][rtl]
رجل مقنع يجلس مرتديا تنورة وردية اللون مع حذاء – صورة: Wellcome Collection[/rtl] [rtl]
شخص جالس فوق ما يبدو وكأنه كفن أو هيكل أو مذبح كنيسة من نوع ما – صورة: Wellcome Collection[/rtl] [rtl]
امرأة تمتطي رجلا يرتدي سترة حمراء – صورة: Wellcome Collection[/rtl] [rtl]
رجل جالس مرتدياً ملابس نسائية وأحذية ويحمل مروحة بيده – صورة: Wellcome Collection[/rtl]