- اقتباس :
تعد نظرية فيكوتسكي (1896-1934) البنائية، من أكثر الطفرات العلمية خصوبة وتألقا في تاريخ علم النفس الحديث، وهي تترجم عبقرية فيكوتسكي البنيوية التي أدهشت معاصريه في نهاية القرن التاسع عشر، بما قدمته من عطاءات مذهلة بكل المقاييس العلمية في مجال علم النفس والتطور النفسي والعقلي عند الأطفال([1]).
ولد ليف سومينوفيتش فيكوتسكي Lev Vygotsky عام 1896، و ترعرع إبان الثورة الروسية بأحداثها الدموية المريعة؛ انتسب إلى كلية الحقوق وتخرج من الجامعة سنة 1917، أي في العام الذي انتصرت فيه الثورة البلشفية وتولت مقاليد السلطة في روسيا. وعلى أثر تخرجه من الجامعة تركز اهتمامه العلمي في مجال علم النفس بصورة عامة وعلم نفس الطفولة بصورة خاصة، وقد وشكل موضوع نمو الأطفال و تطورهم النفسي شغله الشاغل وموضعه الرئيس، حيث وجد نفسه في مهنة التعليم والطب النفسي بعيدا عن ميدان التخصص الجامعي الحقوقي الذي انخرط فيه بداية في الجامعة([2]). ومن ثم بدأت عبقرية فيكوتسكي تظهر بوضوح في مجال البحث العلمي عندما بدأ بنشر مجموعة من المقالات الرائعة في مجال علم النفس، وهي الأعمال التي وجدت طريقها إلى المؤتمر الثاني للأمراض العصبية و النفسية بلننجراد عام 1924.
كان فيكوتسكي مؤمنا بمبادئ الثورة البلشفية، متحمسا لتعاليم ماركس؛ وكان يعتقد بأن النظام الاشتراكي هو النظام الأمثل لمجتمع إنساني تسوده قيم العدالة والحق والمساواة. وتحت تأثير هذه النزعة الماركسية كتب مقالا بعنوان "التغيير الاجتماعي للإنسان" في عام 1930 يبين فيه أن التحول الثوري للمجتمع كان ضروريا لتغيير الحياة المادية والظروف المجتمعية.
وتحت تأثير هذه الرؤية الأيديولوجية الماركسية، بدأ فيكوتسكي يؤسس لعلم النفس الماركسي منطلقا من مفاهيم ومبادئ الماركسية وتصوراتها، مضفيا عليه ملامح نزعة اجتماعية مفرطة تنطلق من أهمية التغيير الاجتماعي في إحداث منظومة من التحولات البنيوية في مجال سيكولوجيا الجماهير والحياة اليومية، وفي دائرة هذا التوجه السيكولوجي بدأ يدرس الظواهر النفسية في ظل الت