يلعب الاقتصاد دوراً كبيراً
جداً في العولمة، حتى أنّ بعض المحللين يعتبرون العولمةَ مرادفة للعولمة
الاقتصادية، أو يضعونها أساسا فيما يرون الأنماط الأخرى من العولمة فروعا
متشعبة من العولمة الاقتصادية تقع تحت لوائها.
ومع أنّ العولمة الاقتصادية لم تعرّف حتى الآن تعريفا شاملا دقيقا
يتقبّله المجتمع العلميّ والأكاديميّ، فإنّ التعاريف الموجودة تؤكّد غالباً
البعد التاريخيّ وأسلوب العمل، والأبعاد المختلفة للعولمة الاقتصادية
وآثارها ونتائجها.
للعولمة الاقتصادية تاريخ طويل يعود إلى الأيام الغابرة، حيث كانت
التجارة تجري بين الحضارات. وتستطيع التجارة أن تربط المنتجين والمستهلكين
ببعضهم بعضا، وتجعلهم يعتمد بعضهم على الآخر، وتجري هذه العلاقة في كافة
شؤون حياة الناس كالسياسة، والثقافة، والدين، و… ولكنها ازدادت في القرنين
أو القرون الثلاثة الأخيرة، وبالأخص في الصناعة وحاكمية النظام الرأسمالي،
وخفّت وتيرتها في النصف الثاني من القرن العشرين بعد الحربين العالميتين،
إلى حدٍّ ما. وكانت هذه العلاقة غير المتكافئة في تلك الفترة بمجملها تدار
من قبل أربع دول : بريطانيا، فرنسا، ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية،
وتشمل غالباً نقل الموادّ الخام من البلدان المتخلّفة إلى الدول الصناعية،
وبيع المنتجات الصناعية من قبل هذه الدول إلى الدول الأخرى، ويمكننا
تسميتها بالاقتصاد الاستعماريّ.
وبعد الحرب العالمية الثانية، وانهيار أو ضعف القدرات أو الإمكانيات
الاقتصادية والصناعية للدول الأخرى في الحرب، استطاعت الولايات المتحدة،
التي كانت بمنأى عن أضرار الحرب، أن تهيمن شيئاً فشيئاً على الاقتصاد
والتجارة العالميين والمؤسسات والاتفاقيات الدولية، وأن تظهر كقوة عظمى.
لقد جلبت توسعة التجارة العالمية بذاتها، ظواهر أخرى مثل: التقسيم
الدولي للعمل، الشركات متعدّدة الجنسية، الاستثمارات الدولية، الهجرة من
أجل العمل، التمويل الجاري، المبادلات المالية والائتمانية، سوق الأسهم
العالمية، السوق العالمي للبضاعة، النقود، الخدمات والمعلومات، القروض
الدولية و…
وإذا أردنا الآن أن نقدّم تعريفاً بسيطاً بالعولمة الاقتصادية، فلعلّ
تعريف أحمد مصطفى عمر سيكون مناسباً: "يشير مفهوم العولمة من المنظور
الاقتصادي إلى تحوّل العالم إلى منظومة من العلاقات الاقتصادية المتشابكة
التي تزداد تعقيداً لتحقيق سيادة نظام اقتصادي واحد، فيه يتبادل العالم
الاعتماد بعضه على بعضه الآخر في كل من الخامات والسلع والمنتجات والأسواق
ورؤوس الأموال والعمالة والخبرة، حيث لا قيمة لرؤوس الأموال من دون
استثمارات، ولا قيمة للسلع دون أسواق تستهلكها".(1)
لقد اقترنت عملية العولمة الاقتصادية في العقدين أو العقود الثلاثة
الأخيرة من القرن العشرين بالتطوّرات الهائلة في مجال تكنولوجيا المعلومات،
وأسهمت هذه التطورات في خفض تكاليف الاتصالات والنقل إلى حدّ كبير، ومهّدت
الطريق للاندماج العالمي للاقتصاديات.
منذ عام 1945 وحتى الآن هبطت تكاليف الشحن البحريّ للبضاعة بشكل متوسط
إلى خمسين بالمئة، والشحن الجوّيّ إلى ثمانين بالمئة، وانخفضت أجور خدمات
المكالمات الهاتفية الدولية إلى تسعة وتسعين بالمئة. ولذلك تمّ تمديد شبكة
اتصالات مفيدة وقليلة التكلفة على المستوى العالمي(2).
تمتلك الشركات متعددة الجنسية القسم الأعظم من الاقتصاد العالميّ،
ويمكن أن تكون القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى تحت سيطرة
النظام الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي، ولكنّ مجالات العولمة الأخرى
كالسياسة والثقافة لقيت اهتماماً كبيراً في السنوات الأخيرة، وأدخلت مفاهيم
جديدة في بحوث علماء الاجتماع والسياسيين، وسوف نكتب عنها في مقال آخر.
يقول هيرست (Hirst) عن سمات عمل الشركات متعددة الجنسية وطريقتها التي
ابتعدت قدر المستطاع عن الحكومات، وسيطرت بشكل مستقلّ على زمام الاقتصاد
العالمي: "أشارت التقديرات منتصف التسعينات إلى وجود 45 ألف شركة متعددة
الجنسية الأمّ تدير حوالي 280 ألف مؤسسة تابعة. من بين هذا العدد للشركات
الأمّ، 37 ألف شركة (حدود 28 بالمئة) كانت تابعة لإحدى أربعة عشر دولة
متقدمة عالمياً، وكانت المكاتب المركزية لتسعين بالمئة منها موجودة في
الدول النامية. وكان حجم مبيعات الشركات المذكورة آنفاً في سنة 1996 في
حدود سبعة آلاف تريليون دولار، حيث كان أكثر من قيمة كل التجارة العالمية
(5/2 ألف بليون دولار)"(3).
ويقول أحمد مصطفى عمر في هذا الشأن: "ومن الأمثلة التي يوردها
الاختصاصيون في هذا المجال لتوضيح هذه الظاهرة، أنّ خمس دول هي الولايات
المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان وبريطانيا، تتوزّع فيها 172 شركة من أصل
200 شركة، هي أكبر الشركات العالمية التي تسيطر عملياً على الاقتصاد
العالمي . فالترويج لمنتجات وسلع وخدمات هذه الشركات يحتاج إلى فتح أسواق
جديدة ومستمرة، ولذلك فإنّ العولمة كنظام اقتصادي ثقافي إعلامي يقوم على
سياسة الأسواق المفتوحة، نشأ في ارتباط عضوي مع وسائل الاتصال الحديثة التي
تقدم خدماتها لشركات الإعلان والتسويق للتأثير في الجمهور في هذه
الأسواق"(4).
آثار ونتائج العولمة الاقتصادية : تذكر دائماً وسائل الإعلام الدولية المتعلقة بالمسيطرين على الاقتصاد
العالمي المزايا والآثار الإيجابية للعولمة الاقتصادية، حيث أنّ الإنتاج
ازداد والبضاعة رخصت وأصبحت في متناول الجميع، وأمسى للناس حرية الاختيار،
ولكن معظم المفكرين يعتقدون أنه مع الآثار الإيجابية للعولمة الاقتصادية
بشكل ظاهري ورمزي، فإنّ أرباحها المباشرة تذهب إلى عدّة دول صناعية كبرى
ولشركات متعدّدة الجنسية، وفي النهاية لا تستفيد الدول الفقيرة كثيراً،
وعلى هذا فإنّ الهوّة بين الطبقة الفقيرة والطبقة الغنيّة تزداد، وحتى بفعل
عمل هذه الشركات تذهب الثروات القليلة لبلدان العالم الثالث إلى مديري
العولمة الاقتصادية .
وبسبب هذه النقطة يقوم المفكرون والمثقفون والمصلحون والعمال في الدول
المختلفة ومن جملتها الغربية، بالمظاهرات والاحتجاج ضد هذه الظاهرة، بين
الفينة والأخرى.
يصرح منجي الزيدي بخصوص آثار العولمة الاقتصادية ونتائجها، عطفاً على
إحصائيات قسم الموارد البشرية التابعة للأمم المتحدة (5):
«ينخرط العالم أكثر فأكثر في سياق عولمة اقتصادية جارفة لطالما بشّر
أنصارها بالخير العميم، إلا أن البشرية مازالت تعيش ظروفاً صعبة ومأساوية،
ومازال أمام بني الإنسان الكثير مما يجب فعله … في هذا المشهد القائم الذي
يشمل :
850 مليون أمّي من أصل 4/6 مليار ساكن.
مليار من الناس لا يتمتعون بالماء الصالح للشرب.
2/4 مليار من بني البشر لا يتمتعون بالخدمات الصحية الأساسية.
325 مليون فتى وفتاة لا يذهبون إلى المدارس.
11 مليون طفل فوق الخمس سنوات يموتون ضحية أمراض بالإمكان إنقاذهم منها،
وهذا يعني 30 ألف وفاة يومياً.
1/2 مليار لا يتجاوز دخلهم اليومي دولاراً واحداً.
8/2 مليار يكسبون أقل من دولارين في اليوم.
3/6 مليون مريض يحملون فيروس الإيدز، 95 بالمئة منهم في البلدان المختلفة.
تدهور متواصل للأمن وتفشي الجريمة، فلقد أصبحت العولمة مجالاً للأنشطة غير
المشروعة العابرة للحدود، وتنامي نفوذ العصابات المنظمة وشبكات المافيا
المتعددة الجنسيات، فارتفع رقم معاملات التجار في المخدرات سنة 1995 إلى
400 مليار دولار، وبلغ عدد النساء والفتيات ضحايا شبكات الدعارة 1/8 مليون ،
وكنتيجة للحروب والنزعات أصبح في العالم اليوم 12 مليون لاجئ و5 ملايين
مهجّر»(6).
ولأن الظواهر الاجتماعية تؤثر على بعضها البعض، شئنا ذلك أم أبينا، فإن
العولمة الاقتصادية إضافة إلى آثارها السلبية، تسبّب مشكلات وأزمات
اجتماعية، ثقافية، وحتى في النهاية تشمل الحروب الأهلية. "ويصف إدوارد
لتواك (Edward Luttwak) الكاتب السياسي الأمريكي، العصر الجديد، بأنه عملية
انصهار الاقتصاديات القروية والإقليمية في اقتصاد عالمي شمولي واحد لا
مكان فيه للخاملين، بل يقوده أولئك الذين يقدرون على موجهة عواصف المنافسة
الهوجاء، وأن ما يجري في السوق الرأسمالي هو الرأسمالية النفاثة، لأن
السرعة المروعة التي تتم فيها عملية التحولات قد أصبحت صدمة لشطر عظيم من
السكان.
ويوعز لتواك إلى أنّ سبب التفكّك الأسريّ الحاصل في الولايات المتحدة
هو العولمة الاقتصادية. وحتى الاضطرابات التي كانت سائدة في المكسيك والدول
المشابهة لها، ما هي إلا نتاج هذه القوة التدميرية التي تسمى بالعولمة
الاقتصادية».(7)
أحد الآثار السلبية لسيطرة الشركات المتعددة الجنسية في البلدان التي
تقوم بالاستثمار فيها، هو إضعاف سيادة هذه الدول وتهديدها. يبيّن كاظم
الوالي هذه المسألة على النحو التالي: "تلعب الشركات المالية التي أفرزتها
العولمة دور الشرطي في البلدان المضيفة لاستثمارات هذه الشركات، وعلى هذه
الدول المضيفة الالتزام بادعاءات معينة في السياسات الاقتصادية، وإلا فقد
يتم سحب تلك الاستثمارات والتوظيفات، ويؤثر ذلك في انخفاض عملات تلك الدول،
وانخفاض العملات الأجنبية، وحدوث إفلاسات مالية، مما يضطرها إلى الرضوخ
تحت أي شروط أو قيود ويعدّ ذلك تنازلاً عن جزء كبير من سيادتها".(8)
لقد تصوّر البعض بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أنّ الطريق والنظام
والنهج الاقتصادي والسياسي الوحيد، هو النظام الرأسمالي الليبرالي، وحتى
فوكوياما اعتبر هذه المسألة باعتبارها الانتصار الأخير للنظام الرأسمالي
وآخر طريقة لإدارة العالم، وسمّاها "نهاية التاريخ"، ولكن بعد مرور عقدين
عن هذا الحدث المهمّ، واجه العالم أزمات اقتصادية وعالمية كثيرة، ظهرت
نتائجها ليس فقط على الدول الفقيرة والعالم الثالث، بل على الدول الكبرى
الرأسمالية نفسها بشكل تدريجيّ. ومع أنه من السابق لأوانه أن نحكم على
هزيمة النظام الرأسمالي وما يسمّى اليوم بالعولمة الاقتصادية، ولكن الشكوك
حول انتصار هذه الظاهرة ونجاحها ظهرت، وربما ستظهر في المستقبل القريب
تطورات أكبر وأخطر تجعل الحكم فيها أكثر جدية.
وإذا أردنا أن نبحث آثار العولمة الاقتصادية وتبعاتها من وجهة نظر علم
الاجتماع، فلعلّ أهمّ التبعات لفرض نظام الاقتصاد الليبرالي على الدول
الأخرى وتوسيعه بحيث يهدّد سيادتها القومية ومصالحها، هو -إضافة إلى الآثار
الاقتصادية- اتساع الهوّة الطبقيّة داخل الدول، وبين الدول الفقيرة والدول
الغنية، وهي بدورها تسبّب ظهور أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية.
هنا الخطر مهمّ، إذ أنّ البعض يعتبرونه عاملاً من عوامل نشوب الحروب.
تشير كلوديا هايت، إحدى المحقّقات في هذا المجال: "في السنوات الأخيرة أصبح
وضع الدول الفقيرة في العالم مزرياً بشكلٍ جليّ، في حين أنّ الاستثمار في
البلدان النامية في الـ25 سنة الأخيرة أصبح راكداً، وحركة الأموال من الدول
الفقيرة إلى الشمال الغنيّ تضاعفت 12 مرّة، في هذه الفترة ذاتها.
ولا يستفيد من العولمة الاقتصادية والتجارة الحرّة من يحتاجها فعلاً…
وبفعل هذه التطوّرات الاقتصادية تظهر خارطة عالمية جديدة … وهذه الخارطة
الجديدة تخفي قنبلة سياسية موقوتة خطيرة في ثناياها. ولقد زال أمل الوصول
إلى الرفاهية عن طريق الرأسمال المنتصر، بالنسبة لكثير من مناطق العالم.
يتوقّع البنك الدولي نتيجة لتحقيقاته، أنّ 52 دولة من الدول النامية
الصاعدة، مع سكانها البالغ عددهم 1/1 مليار نسمة، ستكتوي بنار الحروب
الأهلية عشرة أضعاف أكثر من الدول المتقدمة والتي تتمتع بالوضع الاقتصادي
الأنسب. إن اختلاف هذه الدول نظراً لحجم خطر الحروب الأهلية، مرتبط بعوامل
مختلفة كعدد السكان أو الاعتماد على تصدير المواد الخام، غير أن الدخل
الضئيل للناس هو أهم سبب لنشوب الحروب واشتعالها".(9)
كما تشير في جزء آخر من تحليلها، معتمدة بعض إحصائيات الفاو (FAO) ،
إلى الآثار السلبية للعولمة الاقتصادية على الدول الفقيرة، وأيضاً على
الناس العاديين في البلدان القوية اقتصادياً، "ولكن حتى سكان الدول
"الناجحة" المتقدمة يتلقون وعوداً جوفاء أيضاً حول تحسين وضعهم المعيشي.
أيضاً في هذه الدول تستفيد طبقة ضئيلة من المجتمع، من تقدم السوق الليبرالي
(الحرة).
لقد سبّب الاختلاف الهائل لمستوى الدخل (على المستوى العالمي وأيضاً في
بلد ما) وجود فقر واقعي متزايد، يعيش أكثر من مليار إنسان بدخل أقل من
دولار واحد في اليوم، يعني أقل بكثير من الحدّ الأدنى للمستوى المعيشي،
ويعاني 800 مليون شخص من الجوع، وحسب إحصائيات منظمة التغذية والزراعة
العالمية، يموت تقريباً 2500 شخص بسبب تبعات قلّة التغذية(10)… اليوم أصبح
وضع 50 دولة مقارنة بفترة التسعينات أسوأ، ويعاني في 21 بلد نسبة مئوية من
الناس من الجوع، ولكنّ تدهور الوضع المعيشي لا يقتصر فقط على الدول الأفقر،
بل يعيش ثلث الأمريكيين وعشرون بالمئة من دول الاتحاد الأوربي بدخل أقل
مما كان يعيشون به قبل 10 سنوات".(11)
ونوجز فيما يلي آثار للعولمة الاقتصادية.
1) التغيير الرئيس لدور الدول، والتركيز على الاقتصاد بدل السياسة بجعله النقطة المركزية للمنافسات السياسية للدول.
2) الاعتماد المتبادل المتنامي للدول، وضرورة الاستعانة بالتعاون الدولي للإدارة السياسية وللشؤون الداخلية والدولية .
3) إضعاف الاقتصاد والأسواق الداخلية والمحلية، وزوال حوافز الإنتاج الداخلي أمام القوى الإنتاجية العالمية الكبرى.
4) اختلال التوازن الاقتصادي بين الدول، وتوسّع الهوّة بين الدول الفقيرة والدول الغنية، وازدياد الهوة بين الطبقات داخل الدول.
تحليل: إنّ ظاهرة العولمة هي معقّدة جداً وذات أبعاد مختلفة، بحيث
تختلف آراء العلماء حولها كثيراً وتكون في بعض الأوقات متناقضة. وحول
العولمة الاقتصادية أيضاً توجد آراء مختلفة في السياق نفسه، حيث يعتبر
البعض هذه الظاهرة أمراً واقعياً ومحققاً إلى حدٍّ ما، ولديها آثار واضحة
على اقتصاديات الدول وبالتالي على أسلوب حياة الناس. وفي الجهة الأخرى من
هذه المجموعة، ثمّة مجموعة أخرى تشكّك بالعولمة الاقتصادية، وتعتقد أن هذه
الظاهرة ليست بموضوع جديد، بل كانت موجودة منذ القدم، ولا تزال الاقتصاديات
القومية موجودة، وتعتمد الشركات المتعددة الجنسية على بعض الدول ولا يمكن
أن نسمّيها عالمية، وحركة الاستثمار العالميّ مجرّد ادّعاء بلا أساس،
وتوظيف رؤوس الأموال المباشرة الأجنبية محدودٌ بعدّة دول متقدّمة صناعياً.
ولهذا السبب لا يزال العالم الثالث مهمّشاً، ويجذب شيئاً لا يذكر من
الاستثمار الأجنبيّ. لذلك يجب أن نقول إنّ الاقتصاد العالمي في الواقع ليس
"عالمياً"، بل هو اقتصاد مبنيّ على محور أميركا الشمالية، وأوربا واليابان.
وإذا انسجمت هذه الأقطاب الثلاثة واتّحدت، ستقع ضغوط كثيرة على باقي دول
العالم(12).
ونحن نقول : صحيح أن حركة الاقتصاد الدولي والتجارة العالمية كانت
موجودة في الماضي، وبالأخصّ في القرن 19 وأوائل القرن 20 وازداد حجم
المبادلات التجارية والمالية ازدياداً مطّرداً، ولكنّ التطوّرات التي وقعت
في العقدين أو الثلاثة عقود الأخيرة، وبعد انتفاع الاقتصاد العالمي من
تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، أخذت هذه الظاهرة صفة عالمية وبالأخص بعد
نهاية الحرب الباردة، استخدمت قوة عظمى من هذه الوسيلة في مستوى واسع من
أجل بسط سيطرتها وهيمنتها على العالم. وإذا نظرنا بعين الاعتبار إلى
التعاريف الكلاسيكية للعولمة سنرى أموراً كثيرة حدثت منها:
1) انكماش الزمان والمكان، يعني الهبوط الشديد لتكلفة الاتصالات والتنقل، وتقارب المجتمعات(القرية الكونية).
2) الاندماج في مجتمع عالمي يعني النفوذ المتزايد للاقتصاد إلى داخل الموانع والحدود الجغرافية - السياسية المتبقية.
3) المعرفة النسبية عن مرحلة انكماش والاندماج العالميين.
لذلك إن كانت التطورات والسمات في العقدين الأخيرين لا تعتبر مرحلة
جديدة فعلى الأقل هي شكل جديد وسريع للمرحلة السابقة. على كلٍّ، يمكن أن
نعتبر هذا الأمر العولمة الاقتصادية وأحد مجالات العولمة.
رغم أنّ هذه الظاهرة أوجدت فوائد سطحية لبعض الدول، فإنّه -عطفاً على
الإحصائيات المطروحة من قبل المؤسسات المحايدة- يبدو أن آثارها غير
المشجّعة كثيرة جداً. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية لنهاية
عام 2008 وبداية عام 2009 والتي تركت آثاراً مدمّرة على المستوى العالمي،
فإنّ مستقبل العالم وبالأخص بلدان العالم الثالث، ومن جملتها الدول العربية
في منطقة الخطر.