تونس في طريقها نحو الديموقراطية..ماذا عن المغرب؟
عبد العلي حامي الدين
2011-10-26 13:27
تونس تسير بخطى حثيثة نحو الانتقال من الحالة الثورية إلى الحالة
الديموقراطية المؤسساتية..دستور جديد سيضعه مجلس تأسيسي منتخب بطريقة
ديموقراطية من طرف أكثر من 80 في المائة من الشعب التونسي..
نسبة المشاركة كانت ملفتة لجميع المراقبين وتعكس قيمة الاهتمام بالصوت
الانتخابي من طرف المواطنين، فلأول مرة يقف الملايين من التونسيين مبتسمين
في الطوابير ينتظرون دورهم من أجل الإدلاء بصوتهم الانتخابي اقتناعا منهم
بأهمية اللحظة التاريخية التي يعيشونها وهم يؤسسون لمرحلة ديموقراطية عميقة
تخلصهم من تركة ثقيلة من السلطوية..
أهمية اللحظة التأسيسية في تونس اكتسبت قيمتها من إنجاز شعبي عظيم دشن
ربيع الديموقراطية العربي، لكنها اكتسبت قيمتها أيضا من قيمة القوانين
الانتخابية المؤسسة والتي جاءت منسجمة مع المعايير الكونية لتنظيم انتخابات
حرة ونزيهة..
في المغرب لا يبدو أن هناك حماس للمواطنين للمشاركة المكثفة في
الانتخابات القادمة، ولم تعرف البلاد تلك الرجة السياسية المطلوبة لإذكاء
الحماس اللازم في مرحلة تاريخية حاسمة.
في الآونة الأخيرة ارتفعت حدة الاتهامات الموجهة لكل من انتقد القوانين
الانتخابية الحالية والتي لا زالت تؤسس لمنطق التحكم والضبط القبلي، متهمة
إياه ب"التشكيك" في نزاهة الانتخابات المقبلة...
الحقيقة التي لا جدال فيها أن نزاهة الانتخابات ليست محصورة في يوم
الاقتراع ولكن الأعمال التمهيدية للانتخابات والقوانين المؤسسة للحظة
الانتخابية لها دور حاسم في الحكم على نزاهة الانتخابات ومصداقيتها..
ويمكن أن نقول اليوم بكل اطمئنان أن القوانين الحالية لا تخدم أغراض
النزاهة والشفافية، وبالفعل راكمت الدولة تجربة لا يستهان بها في رسم
استراتيجية التحكم القبلي في نتائج الانتخابات، ولذلك فوضت لمهندسي العملية
الانتخابية وضع قواعد راسخة تضمن عملية الضبط القبلي لجانب كبير من
العملية الانتخابية، والباقي يتكفل به المال السياسي والبلطجة الانتخابية.
الانتخابات القادمة ستجري في ظل لوائح انتخابية قديمة يجري "تجديدها"
وفق آليات عقيمة لا تسمح بالتسجيل الأوتوماتيكي للمواطنين البالغين سن
الرشد، بل إن العملية الجارية حاليا ـ حسب المعطيات الراشحة ـ تسمح بتشطيب
العديد من المسجلين، وهو ما يعني إقصاء أكثر من خمسة ملايين مواطن
ومواطنة.
لا يخفى على المختصين خلفية هذا الإقصاء، وهو تفادي احتمال المفاجأة
بالنسبة لشريحة واسعة لم تعبر عن نواياها التصويتية بعد، ولذلك تصر الدولة
على اعتماد آلية المراجعة الشكلية التي أثبتت فشلها في جميع الاستحقاقات
السابقة..السؤال الذي يفرض نفسه ويدعو للتشكيك في نوايا من أعدوا مشروع
قانون"تجديد اللوائح الانتخابية" هو: لماذا هذا الإصرار على رفض المراجعة
الشاملة للوائح الانتخابية على أساس قاعدة الحاصلين على بطاقة التعريف
الوطنية؟
الفرضية التي تفرض نفسها بإلحاح هي أن التغيير الجذري للوائح
الانتخابية بالموازاة مع مراجعة التقطيع الانتخابي سيربك حسابات مهندسي
الانتخابات وحلفاؤهم من سماسرة الانتخابات الذين أصبحت لهم دراية هائلة
بالسوق الانتخابي المستقر على قاعدة اللوائح القديمة ، أما التجديد الشكلي
فإنه عمليا لا يربك عملية الضبط القبلي لل"المجال البشري الانتخابي" بل
وتزيد في تسهيل عملية التحكم فيه، وهو ما يدركه رؤساء اللجان الإدارية
الذين كانوا يشرفون على هذه العملية بشكل جيد مادامت السلطات المحلية هي
التي تملك زمام المبادرة في هذه العملية...ولذلك فإن الدولة هي التي يقع
على عاتقها اليوم تكذيب هذه الفرضية وليس المواطن أو الأحزاب!!
الآلية الثانية التي تندرج في إطار استراتيجية التحكم القبلي والتي
أثارت نقاشات حادة هي آلية التقطيع الانتخابي، فرغم التنصيص الدستوري على
ضرورة تحديد معايير التقطيع الانتخابي في القانون التنظيمي فإن التقطيع
الحالي أبقى على معايير فضفاضة في هذا الباب، وأبقى على تقنية المرسوم في
إعداد التقطيع الانتخابي..
هنا نشير بوضوح إلى أن مبادئ التقطيع الانتخابي معروفة إذا كانت نية
الدولة تتجه نحو إجراء انتخابات نزيهة، وأول هذه المبادئ يرتبط بمدى حياد
السلطة المختصة بالتقطيع.
إن اللوائح الانتخابية والتقطيع الانتخابي
يشكلان عصب العملية الانتخابية، وقد أبقت القوانين الحالية على موقع
الامتياز للإدارة واقعيا وقانونيا في بلورتهما باعتبارهما من أهم الأدوات
للتحكم في الخريطة السياسية للبلاد تجنبا لكل مفاجأة محتملة.
وفي الوقت الذي يشتكي فيه الجميع من كثرة الأحزاب التي لا تعكس في
جوهرها تعددية حقيقية، حرصت الداخلية على رفض كل المقترحات الرامية إلى
اعتماد عتبة تمثيل محترمة تسمح بفرز قوى سياسية كبرى وتشجع الأحزاب الصغيرة
على التكتل في أقطاب سياسية واضحة على غرار الأنظمة الانتخابية
الديموقراطية ، واكتفت بعتبة (6% في الدوائر المحلية و3% على مستوى اللائحة
الوطنية)، وهي عتبة ليست كافية لتجميع أصوات الناخبين في مشاريع سياسية
قوية، خصوصا إذا علمنا أن العديد من الأحزاب السياسية أضحت مرتهنة لنظام
الأعيان المحليين الذين يفتقرون إلى امتداد سياسي وطني، ولا يعبرون عن
مشروع سياسي حقيقي بقدر ما يعبرون عن مصالح فردية أو فئوية ضيقة سرعان ما
تتحول إلى مقاعد برلمانية مشتتة تعكس خريطة سياسية مبلقنة...
عندما تستجيب الدولة لهذه المطالب يمكن أن نتحدث عن انتخابات حرة
ونزيهة ، أما في ظل المقدمات الحالية فلا نملك إلا نهنئ الشعب التونسي على
بدايته الديموقراطية الصحيحة أما ديموقراطيتنا العرجاء فلازال يحتاج إلى
نضال طويل لن ينتهي يوم 25 نونبر القادم..