أُتْلفَتِ الغَيْمَةُ. نَقَرَتْها طيورٌ مُهَاجرةٌ وفَرّقتْهَا. تَسَاقَطتْ نُدفا نُدفا فَوقَ القَمْح.
لَوْنُ
الخُبْز بَاهتٌ هذا العَامْ، النّسَاءُ الشّاحبَات حامِلاتٌ أزليّاتٌ
لكُبَبٍ مِن رُضّعٍ على الظّهْر. بيْنمَا تتدلّى نُهُودُهنّ مُرْتخيَة كما
ترْتخي ثمارُ التّين الخائفةُ.
البُيوتُ بأحْجارها المقطّعَةِ إلى جزئيّات وَهنَةٍ تُديرُ ظَهْرَها للرّيح وَلِي.
الشّيْخُ الّذي تَعلّم الكتابة يهذي مثل "شَامَان" الْتبستْ عليه رُوحُهُ.
تَجِفُّ الأوْرَاقُ المخبّْئةُ للعوْرَة هَذَا العَامْ. تَجِفُّ العَوْرَةُ ويَيْبسُ المَاءُ في القَامُوسِ.
أفكّر في تَكْسيرِ الأوَانِي كُلِّها.
أفكّرُ في تَجْميعِ الأعْصَابِ الدّقيقَةِ لأقُدَّ عُشّا سُرياليّا مِنْهَا.
أفكّرُ في تَقْبيل العَجَائِز مُجَفِّفات الغلالِ والزّغَارِيدِ، وَاضِعَاتُ الخُرافَاتِ الخَرْسَاء عَلَى حبْل الغَسيلْ.
الشّجَرةُ
اليَابسةُ وليٌّ صَالحٌ تَتَصَاعد أدْخنَةً من كَوانِينِهِ، دخانٌ لجذْعٍ
مَيّتٍ ودخانٌ لأوْهَامٍ وهموم ودخانٌ لفَسَاتين الرّاعِيَاتِ العَذَارَى.
أعْقَابُ الرّضَاعةِ تَزْبدُ في المَغَارة الدّافِئةِ. ويُزمْجرُ الآبَاءُ وتَشْهَقُ الأمّهَاتُ في وادٍ سُفْلِيٍّ.
تَعاليْ نرسُمْ لوْزا مُنوّرًا عَلى الحَجَر الوَاسِعِ.
تعاليْ نصْنَعْ رُمُوزًا ثُنَائيّةً تَحْتَ المِشْمشِ الصّامِتِ.
تَعاليْ ندقّ إيقاعًا عَلى شَجَرِ الخرُّوب، إيقَاعًا لرُوحيْن مُتوحّشَتيْن.
أحبّ أنْ أوقِظ الثّعَالبَ المُحنّطة في "بيت المؤونة" وأن أطلقَ نارا صَوْبَ الجَبَلِ.
أحِبُّ أنْ أكوّرَ التّربةَ البَيْضَاء كلّها، وأقدَّ مِن الرّوَابي نُهُودا تنزُّ عَسَلا في الخَلاءْ.
أحبُّ أن أرقُصَ فَوْق اللاشَيْء الكَبيرِ المُتكَوّم خَلْفَ البُيُوتِ.
أُحبُّ أنْ أشْهَدَ كيْفَ تَفقسُ الأسمَاءُ والأشيَاءُ في الفَرَاغْ.
قدْ
يَكونُ اسْمُها نائمًا في فَزَعِ الشّهْوَة أو في تفَطّنِ الصِّغَر
للكِبَرِ الّذي عَلَى العَتَبة. قَدْ تكونُ مِهنَتُهَا امرأةً أو فقّاعةً
تَنفَجِرُ تمَامَ السّطْرِ الشّعْريّ. قَدْ تَكُون مِهنَةً قَادمةً من
خارجَ فَلسَفَةِ البُيُوتِ وكتَابَةِ الشّيْخ ورَنينِ المُعْجزةِ بَيْن
شَفتيه المخدّرتين.
ليس النّبْعُ سوى خَيَالاتُك.
ولستِ أكثرَ من التي سأجْعلها تعْتلي كتفيّ لتمَسّ شيْئاً من الأعْلى.
لستِ سِوى ما يَطنّ في القَلب الجافّ وما يتبلّلُ في الأسْفل الشَهيّ.
تعاليْ إذنْ اهبِطي هبُوطَ الدّوائر المُصْفرّة.
ها هيَ الأوَاني، وها تلك العَجَائزُ يَدفِنّ القمْحَ المَيّتَ ويشْقُقْن مُتنفّسًا في الحِيطَانِ،
هاهُنّ يَشْتَمِمْن الأوْلياءَ الصّالحينَ مَالحينَ
ها هُنّ يُهيّجْن البُيُوتَ
ها هُنّ يَركُضْن كالغِزْلانِ فِي المَجَازِ وفي الاسْتِعَارَاتِ.
أحِبّ
أن أفْهَمَ "الخُمْسَةَ" المُعلّقَةَ وأنْ أجدَ اسْمًا لرَائِحَةِ
الحِنّاءِ وأنْ أمْلأ طسْتِيَ باللّبَن من نَهَدٍ يَنِزُّ في الخَلاء.
أحبُّ أنْ أزمْجر كما مَازال يُزمْجِر الآبَاءُ في الوَادي الأسْفل.
أحبّ أن أزيدَ رجْلا خَامسَةً لخُيول الخَليلْ.
أحبّ أن أكونْ… وأن تَسيلَ مِنّي حَبّةُ عَرَقٍ بَرّاقَةٌ…
الأحد سبتمبر 11, 2011 4:17 pm من طرف سميح القاسم