الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلط جميع الاوراق عندما اعلن في الاسبوع الماضي عدم نيته على الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة احتجاجا على محاباة الادارة الامريكية لمواقف الحكومة الاسرائيلية الرافضة لتجميد الاستيطان في الاراضي الفلسطينية كشرط للعودة الى طاولة المفاوضات. ولكنه لم يقل انه سيستقيل من مهامه الاخرى كرئيس للجنة المركزية لحركة 'فتح' واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئاسة دولة فلسطين، الامر الذي طرح العديد من علامات الاستفهام حول جدية هذا القرار.
لا شك ان 'محاباة' ادارة الرئيس باراك اوباما للطرف الاسرائيلي تعتبر بمثابة الطعنة للرئيس الفلسطيني، لانه، اي الرئيس عباس، تصلب في موقفه بعدم الذهاب الى طاولة المفاوضات الا بعد تجميد الاستيطان بالكامل في مختلف انحاء الضفة الغربية والقدس متشجعا ومطمئنا الى جدية الموقف الامريكي وصلابته في هذا الخصوص.
خطوة الرئيس عباس بعدم الترشيح في انتخابات الرئاسة المقبلة بدأت تفقد اهميتها تدريجيا، وبسرعة، نتيجة امرين اساسيين، الاول المظاهرات الصاخبة التي انطلقت، وبترتيب مسبق، في كل من مدينتي الخليل ورام الله، وربما تتكرر في مدن اخرى في الايام القليلة المقبلة، تطالب بعدوله عن موقفه هذا، وتطالبه بالبقاء رئيسا للسلطة، اما الامر الثاني فيتلخص فيما ينسب الى بعض مساعديه، ومسؤولين في مؤسسات سياسية فلسطينية، مثل منظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني ترفض قرار الانسحاب هذا وتعتبره غير مقبول، بل وغير شرعي ايضا.
مستشارو الرئيس الفلسطيني الذين اوصوا بتنظيم هذه المظاهرات، او بعدم معارضتها، الحقوا به ضررا كبيرا، وجعلوا قراره بالانسحاب من الترشيح في انتخابات الرئاسة كما لو انه 'مناورة' الهدف منها حشد التأييد الشعبي حوله، ودفعه الى التراجع بطريقة تنقذ ماء الوجه.
طريقة الاخراج، اي ايجاد سلم له للنزول من فوق الشجرة التي صعد اليها نتيجة حالة نزق او غضب، جاءت 'متكلفة' و'مكشوفة' ومن الصعب ان تقنع الكثيرين سواء داخل الاراضي المحتلة او خارجها، حتى من اراد الاقتناع نتيجة جهل، او حفاظا على مصلحة، فان اقتناعه هذا لن يدوم طويلا.
الرئيس عباس اقدم على خطوة جيدة ربما سيحقق من ورائها الكثير من الخدمة للقضية الفلسطينية لو انه تمسك بها حتى نهاية الشوط، ولكن يبدو انه رضخ لبعض وعاظ السلاطين المحيطين بمقر رئاسته الذين دفعوه للتراجع عنها بسرعة حفاظا على مصالحهم الشخصية، لان هؤلاء سيخسرون كل شيء اذا قرر فعلا الانسحاب من رئاسة السلطة والمناصب الاخرى.
من الواضح، ومن خلال الوقائع على الارض التي نراها حاليا في الخليل ورام الله، مثل اللافتات والشعارات والهتافات التي تطالبه بالبقاء رئيسا مدى الحياة على رأس سلطة وهمية فاقدة السيادة، ان الرجل يريد ان يكون نسخة اخرى عن رئيس مجلس وزرائه السيد سلام فياض، اي رئيس تصريف الاعمال. فالرئيس عباس لم يقل صراحة اي انتخابات التي لن يترشح فيها ومتى ستجرى، فهل هي تلك التي ستجرى في كانون الثاني (يناير) المقبل مثلما حدد في مرسومه الرئاسي، ام تلك التي ستجرى في حزيران (يونيو) المقبل وفق ورقة المصالحة المصرية، ام انها ستؤجل الى اجل غير مسمى، بحيث يظل الرئيس رئيسا الى الابد استجابة لمظاهرات التأييد في الخليل ورام الله وغيرهما.
لا مانع ان يبقى عباس رئيسا اذا قرر العودة الى المقاومة، والكفاح المسلح، او تفجير انتفاضة ضد الاحتلال، اما ان يعود الى رهانه الخاسر والفاشل على مفاوضات عبثية، ويعود الى طاولة المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان فهذا امر مرفوض جملة وتفصيلا، لانه سيناقض نفسه، ويثبت عدم جديته، وان حركته الاخيرة كانت 'مناورة' مكشوفة تتعامل مع الشعب الفلسطيني كما لو انه شعب غبي جاهل، وهو قطعا ليس كذلك.
الأربعاء ديسمبر 02, 2009 3:17 pm من طرف حياة