لم يجد ما يُعلق به وزير الخارجية والتعاون "الطيب الفاسي الفهري" على الرتبة 130 المُخجلة حقا، التي تبوأها المغرب، في سلم التنمية الدولي، سوى أن ينتقد رسميا إدارة برنامج الأمم المتحدة للتنمية "بنود" الذي منح بلادنا الرتبة التي تستحقها.. وأشار عليها بضرورة اعتماد معايير جديدة، لتصنيف المغرب. في الحقيقة يجب أن يكون المرء "مسنطحا" إلى أبعد حد، ليقترف مثل هكذا تعليق، وإلا فما معنى أن يتوجه إلى برنامج دولي متخصص، لديه مكتب فرعي معتمد في المغرب، باقتراح سخيف، إن لم نقل بليد؟ إن المؤسسة الأممية المذكورة، تتوفر على جيش من الخبراء المتخصصين، يشتغلون بدأب، يفرضه مستوى تقارير، تنتظرها حكومات العالم بأسره، بترقب شديد، لاعتمادها مؤشرات لمعرفة مستويات التقدم، أو التقهقر، في بلدانها.
لم يتساءل مثلا "الفاسي الفهري" عن الأسباب الذاتية والموضوعية، لتقهقر رتبة المغرب أربع درجات عن العام الماضي، ضمن تقرير نفس المؤسسة الدولية، كأن يدعو حكومة قريبه "عباس الفاسي" إلى عقد اجتماعات ماراطونية، لبحث الموضوع، من مُختلف جوانبه المُعقدة، حرصا على سلامة واستقرار المغرب، وسمعته عبر العالم، بل اختار أسهل الطرق، حيث أخرج عينين لا ترفان، واقترف بلا أدنى حياء "مشورته" الضحكة المُبكية.
وكأن "الباهية" لم تكتمل، لذا انبرى وزير الاتصال خالد الناصري، للطعن بدوره في ترتيب منظمة "مراسلون بلا حدود" الذي وضعنا في الرتبة 127 ضمن 157 بلدا، متقهقرين عن ترتيب العام الماضي خمس درجات، ونفى بشدة أن تكون في المغرب حملة على الصحافة المستقلة، كما جاء في تقرير المنظمة المذكورة.
الواقع أن شيوعي الكافيار "خالد الناصري" يعيش في جزيرة اسمها: "جزيرة عباس الفاسي" فكما صرح هذا الأخير، من قبل، بأنه لا علم له بقضية منع جريدة "أخبار اليوم" فإن الناصري لا علم له أيضا ب "الحيحة" التي يشنها القصر ورجاله على الصحافة والصحافيين، وبالتالي فإن دور "عباس الفاسي" و "خالد الناصري" وباقي وزراء الجزيرة الحكومية، يقتصر على "تنكَيف" قرارات القصر.
لا عتب ولا لوم على "عباس الفاسي" وقريبه "الفاسي الفهري" و "خالد الناصري" ما دُمنا في بلد المُضحكات المُبكيات.. بلد حيث اعْتُمدت منذ سنة 2005 "خطة" أُطلق عليها "مبادرة التنمية البشرية" ضُخَّ لها في البداية مبلغ مليار درهم، وحين مرَّ عليها حين من الدهر غير يسير، اكتُشِف أن النتيجة صفر كبير، فاجتهد المجتهدون بطريقة "عبقرية لكوانب" وقالوا: "الفلوس ما كافياش".. ليتقرر إضافة ملياري درهم، فكانت الحصيلة مرة ثانية، صفر آخر أكبر، ونتيجة ترتيبنا المُخزية في سلم التنمية العالمي أمامنا لتقول: "راكوم غي تا تخوروا". وبطبيعة الحال، لن يتساءل "عباقرة" التنفيذ في "دار المخزن" والحكومة، عن السر الكامن وراء كل الأصفار التي حصدناها. ذلك لأن "عبقريتهم" تُصور لهم، على غرار ما عبّر عنه "الفاسي الفهري" و "خالد الناصري" أن العتب، كل العتب، يقع على المعايير "غير الدقيقة" التي يعتمدها برنامج الأمم المتحدة للتنمية، والنوايا "السيئة" الحاقدة، لباقي المنظمات الدولية، وبالتالي، فستظل الأمور على حالها، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ولأن حكومة "عباس" ليست سليلة أغلبية برلمانية حقيقية، ولا تقف وراءها إرادة شعبية فعلية، بل هي مُنصبة إلى حين معلوم، فلن نقف أبدا على "السر" الثاوي في طيات كل هذا التخلف والتقهقر.
حكومة "عباس" تعتبر نفسها، خارج كل مُحاسبة على النتائج، ألم يقل الرجل - أي عباس - حين تنصيبه وزيرا أول، غداة انتخابات شتنبر 2007، أنه سيطبق برنامج الملك؟ ألم يكن يعني بذلك ضمنيا: ما أنا إلا موظف عند الملك، وإذا فشل البرنامج الحكومي، فلستُ مسؤولا عن ذلك؟
إننا في بلد حيث تتشتت دماء المسؤوليات، على أكثر من جهة، وأصبح في حُكم "المنطقي" أن يلتفت الناس في كل الجهات، فلا يرون سوى الضباب.. إنه مغرب الأغلبية "الراكَدة" التي لا تُريد أن تنظر حيث يجب النظر، وتقول كلمة مسموعة، تهتز لها جهات الأرض الأربع. في انتظار "المعجزة" لا حرج على "عباس الفاسي" وقريبه "الفاسي الفهري" في الضحك على ذقوننا، غير أنه لا يُمكنهما أن يضحكا على العالم، ومنه برنامج الأمم المتحدة للتنمية ومنظمة "مراسلين بلا حدود
الجمعة أكتوبر 30, 2009 6:40 am من طرف هشام مزيان