هذا الكتاب فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1296
الموقع : لب الكلمة تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | عولمة الثراء وفقر العولمة احمد سعد | |
عولمة الثراء وفقر العولمة احمد سعد في مطلع التسعينات حاول منظرو وخدام الرأسمالية الامبريالية تسويق مقولة ديماغوغية مفادها ان الرأسمالية التي دخلت مرحلة العولمة، هي الخيار الوحيد للبشرية وتطورها الحضاري وحاملة مشعل الامن والاستقرار والازدهار الاقتصادي- الاجتماعي كونياً في ظل انتهاء مرحلة الصراع الايديولوجي عالمياً، خاصة وان الفكر الماركسي الطبقي والصراع الطبقي وبناء الاشتراكية- حسب زعمهم- قد انهوا رسالتهم التاريخية بالفشل الذريع ولا مكان لهم بعد!! وقد بنى منظرو الفكر البرجوازي الامبريالي امثال فوكومايا وبيرجنسكي وغيرهما اباطيلهم النظرية بابعادها السياسية في خدمة النظام الرأسمالي العالمي بناء على عاملين اساسيين كانا بمثابة الخلفية الرئيسية لبلورة الطابع والمفهوم العصريين للعولمة بمكوناتها ومدلولاتها الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية والثقافية. العامل الاول: دخول العالم في بلدانه الصناعية الرأسمالية المتطورة الموجة الثالثة من الثورة العلمية التقنية منذ مطلع التسعينات- الثورة الالكترونية، ثورة المعلومات والاتصالات. فالرأسمالية بفضل هذا التطور العلمي التقني ولا سيما في مجالي الاعلام والمعلومات، قد انتقلت الى مرحلة نوعية جديدة في تعاملها مع العالم بوصفه بنية موحدة، وهي اليوم بنية الاسواق المالية المتشابكة ورؤوس الاموال المعولمة والاستثمارات الكبيرة المدولة و اوسترادات الاعلام. العامل الثاني، بانهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي والانظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية في مطلع التسعينات اجتاز النظام الرأسمالي العالمي مرحلة تمركز الانتاج والاستقطاب من اجل التوسيع في اطار الثنائية القطبية، وانتقل الى مرحلة سيادة العولمة وتعمقها لتصبح السمة المركزية للمنظومة الرأسمالية العالمية التي تقودها وتحدد مسارها الولايات المتحدة الامريكية. وانطلاقاً من هذين العاملين ولطمس الجوهر التمييزي الاستغلالي لطابع العولمة الراهنة ومدلولاتها السياسية والاقتصادية والثقافية المدمرة بالنسبة لحياة ومسار تطور غالبية بلدان وشعوب المعمورة، خاصة في البلدان النامية، يلجأ منظرو وساسة واقتصاديو الرأسمالية الامبريالية الحديثة الى تسويق المنظور الشامل للعولمة الذي يعني تذويب الحدود بين الدول وسهولة حركةالناس والمعلومات والسلع ورؤوس الاموال والاستثمارات المباشرة والتكنولوجيا والخبرات والمعلومات بين الدول لتحسين الاداء الاقتصادي العالمي من حيث التكامل الاقتصادي!! فلوكان هذا المفهوم هو حقيقة ما يتجسد على ارض واقع التطور في عالمنا وعلى ساحة العلاقات الدولية كلنا بصمنا بالعشرة، ولكن الواقع غير ذلك، فالعولمة بطابعها وجوهرها ومدلولها غير قائمة على قواعد ومباديء العدل والمساواة في التقسيم العالمي للعمل. ففي ظل الثورة العلمية التقنية الحديثة والدور الكبير للثورة المعلوماتية والاعلامية- الكمبيوتر الانترنت.. تستطيع البشرية اكثر من اي وقت مضى التحكم بالزمان والمكان، واكثر من اي وقت مضى الظروف مواتية موضوعية لوحدة الكون،ولكن جوهر وسياسة الرأسمالية واهدافها الطبقية والقائمة على الاستغلال والتمييز وبهدف تغذية مصالحها الانانية بجرف الارباح تجعل من العولمة عملية تجري في اطار التناقض الصارخ في المصالح بين محاور الامبريالية التي تشمل البلدان الرأسمالية الصناعية مالكة الثورة العلمية التقنية الحديثة وإنجازاتها المستثمرة وبين اطراف الرأسمالية من البلدان النامية الفقيرة المحرومة من انجازات الثورة العلمية التقنية ومن امكانيات استثمارها في تطوير اقتصادها الوطني واخراجها من هاوية الفقر والتخلف. فمن المفارقات البارزة على ساحة العولمة انها جاءت تتويجاً لادخال التكنولوجيا الالكترونية ميدان الانتاج وتحقيق الوفرة المادية، ولكن الجانب الاخر لهذا "النجاح" هو افقار العالم الثالث وتوريطه في المجازر والمجاعات والمديونية التي تستنزف حيوية بلدانه ونهب خيراته من قبل الاحتكارات متعددة الجنسية وعابرة القارات. ففي ظل العولمة اتسعت الهوة في مستوى التطور بين البلدان الغنية (بلدان الشمال) والبلدان الفقيرة (بلدان الجنوب) قد تعمقت بشكل لم يسبق له مثيل، حتى وصل الوضع الى درجة وكأن قارات باسرها، خاصة القارة الافريقية، لم تعد قادرة على اللحاق بل ولا حتى على البقاء. فالتفاوت الصارخ في مستوى التطور يعكس نفسه في التهميش المتزايد لعدد كبير من بلدان العالم في نظام التجارة العالمية، التي صارت تتمركز اكثر فأكثر حول الاقطاب الرأسمالية الثلاثة- الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي واليابان- كما يعكس نفسه في اشكال السيطرة التكنولوجية بعد ان تحكم واحتكر عدداً قليلاً من البلدان الرأسمالية المتطورة بالتكنولوجيا البصرية وصار يحرم القسم الاكبر من الشعوب والامم من الاستفادة من نتائج البحث العلمي وتوظيفها في تطوير الانتاج ووسائله. ان افتقار الدول النامية لعناصر القوة، لوسائل النهضة الاقتصادية من تكنولوجيا وخبرات جعلها تقع فريسة عولمة الفقر وفقر العولمة. والاخطر هنا ان البلدان النامية ليست لديها وسائل التأثير الناجع على مجرى العولمة. والمعطيات التالية التي جمعناها من مصادر الامم المتحدة ومن مؤتمرات دولية تعكس الطابع الوحشي للعولمة ومأسيها. فمن الناحية الاجتماعية- الاقتصادية اتسعت الهوة بين الاغنياءوالفقراء بصورة مفزعة. ففي سبعينات القرن العشرين كانت هذه الهوة بين اغنى 20% من سكان المعمورة (من الدول الغنية) وافقر 20% منهم تقدر ب (30) ضعفاً ولكنها صارت 74 ضعفاً في العام 2001. وزادت الفجوة في مجال الدخل الفردي ففي الدول الصناعية السبع الكبار بلغ دخل الفرد حوالي (20) ضعف الفرد في الدول الاكثر فقراً عام 1965 و 40 ضعفاً في عام 1995. حسب معطيات الامم المتحدة يبلغ عدد سكان البلدان النامية في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية (4,6) مليار نسمة، من بينهم (826) مليون نسمة لا يجدون الطعام الكافي و (850) مليون انسان امي ومليار انسان لا يجدون مياه الشرب النقية و (2,4) مليار نسمة محرومون من الضمانات والصرف الصحي و (325) مليون طفل محروم من التعليم واكثر من (1,2) مليار لا يجد الفرد منهم دولاراً للصرف على حياته اليومية. في القارة الافريقية لوحدها اكثر من (16) مليون انسان يعاني من الجوع. مقابل هذه الصورة المأساوية فان الوحوش الكاسرة من الشركات متعددة الجنسية تفترس البلدان النامية وخيرات العالم، فحسب معطيات العام (2002) فان 40% من المبادلات التجارية عالمياً تقوم بها الشركات متعددة الجنسية وهي تمتلك 44% من قيمة الانتاج العالمي فيما تبلغ حصة افريقيا والشرق الاوسط وامريكا اللاتينية 4,6% من مجمل الانتاج العالمي!! وحسب معطيات البنك الدولي فان حجم الواردات والصادرات للبدان النامية في انخفاض مستمر، حيث انخفض من 6,7% عام 1991- 1993 الى 1,9 كما هو متوقع في العام 2004. ومثال اخر: يستحوذ حوالي (360) مليارديراً عالمياً على ثروة بما يملكه (3) مليارات نسمة، اي حوالي ما يملكه نصف سكان العالم واكثر هؤلاء الاثرياء يعيشون في الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية. لقد ركزنا على احد جوانب ومظاهر ومدلولات العولمة على عولمة الثراء مقابل عولمة الفقر، فقر العولمة عملياً، وذلك للكشف عن الخلفية الطبقية- الاجتماعية والاقتصادية لاشكال الصراع الطبقي المختلفة على النطاق المحلي والكوني وتبلور العديد من الظواهر الجديدة على حلبة الصراع هذه في عالم لا يعرف الاستقرار وتمزقه الانقسامات والصراعات في ظل العولمة. ففي جوف هذه الخلفية يجب التفتيش عن المصادر الاساسية والعوامل الاساسية لانتعاش الحركات الاصولية وما يرافقها من تصاعد عمليات الارهاب عالمياً. ففي جوف هذه الخلفية تكمن عوامل ومصادر عولمة الارهاب والجريمة التي تنتهجها الامبريالية الامريكية وادارة بوش- تشيني- رامسفيلد للهيمنة عالمياً ولخدمه مصالح احتكاراتها عابرة القارات. في جوف هذه الخلفية تكمن دوافع الصراع وتناقضات المصالح بين محاور الامبريالية. في جوف هذه الخلفية تكمن ظاهرة مناهضي العولمة كظاهرة كونية اممية جديدة للصراع الطبقي. المعطيات التي ذكرت تؤكد حقيقة ساطعة ان الرأسمالية في عهد العولمة وطابعها الممارس لم تجلب للانسانية لا الامن ولا الاستقرار ولا العدالة والمساواة، بل نار جهنم الاستغلال والتدمير والتمييز التي تدعو اوسع الاوساط عالمياً لمواجهتها وتغيير طابعها باتجاه اقامة نظام دولي متوازن على قواعد العدل والمساواة وبرمجة عالمية لمساعدة الدول النامية النهوض من مقبرة التخلف والفقر والمجاعة. | |
|