بعد توصيات مجلسها الأخلاقي .. هل تسمح ألمانيا بـ"زنا المحارم"؟
إسماعيل عزام من ألمانيا
الجمعة 03 أكتوبر 2014 - 11:05
نقاش حامي الوطيس ذلك الذي يدور بألمانيا هذه الأيام حول توصيات خرج بها مجلس الأخلاقيات المحلي خلال الأسبوع الماضي، تدعو إلى عدم تجريم "زنا المحارم"، وإلغاء القانون الذي يعاقب على مثل هذه العلاقات، وهو ما أثار حفيظة الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه أنجيلا ميركل، واعتبر أنه من غير المعقول تحقيق هذه التوصيات.
ففي منشور من 90 صفحة، أشار مجلس الأخلاقيات الألماني في التوصيات التي خرج بها، إلى ضرورة رفع الحظر عن العلاقات الجنسية التي تنشأ بين الأخوة، معتبراً أن الأمر يدخل في إطار الحرية الفردية التي تتيح لفردين ألمانيين ممارسة نشاط طبيعي كالجنس بالطريقة التي يختاران، شرط ألّا يكون في العلاقة استغلال لقاصر.
وأكد المجلس الذي يُعيّن أعضاؤه من طرف البرلمان الألماني ويعمل كجهة استشارية، أنه لا يمكن للقانون الجنائي أن يحكم في أمور ذات بُعد أخلاقي، وليس باستطاعته إيجاد حل لطابوهات اجتماعية كهذه العلاقات التي تصل نسبتها في المجتمع الألماني إلى 5 في المئة حسب إحصائية لجمعية ماكس بلانك المحلية.
منشور المجلس الألماني يأتي بعد قضية استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام الألمانية في السنوات الأخيرة، وتتعلق بمتابعة شاب ألماني بعقوبة سجينة، ووضع شريكته في مستشفى للأمراض العقلية، بسبب إقامتهما علاقة جنسية بينهما رغم علاقة الأخوة التي تجمعها.
وتعود هذه القصة إلى لقاء باتريك ستوبينغ بشقيقته سوزان (الصورة) سنة 2000 لأول مرة بعد أن افترقا عن بعضهما سابقاً بسبب ظروف عائلية، حيث كانت أسرة أخرى قد تبنت بتريك في عمر الثالثة، غير أنه لمّا تخطّى سن العشرين، بدأ بالبحث عن أسرته الحقيقة.
وقد تحوّلت العلاقة من فرح شقيق بشقيقته، إلى علاقة عاطفية وجنسية، نتج عنها إنجاب أربعة أطفال، اثنان منهما من ذوي الاحتياجات الخاصة. غير أن علم الدولة الألمانية بحقيقة العلاقة التي تجمع بين الاثنين، جعل القضاء يعاقب الأب بالسجن النافذ، بينما تّم الحكم بوضع الأم في مستشفى للأمراض العقلية بسبب ما قيل عن مرضها. وقد استند القضاء في حكمه على قانون ألماني يعاقب بالسجن عامين فضلاً عن غرامة مالية على ما كل من يتورط في زنا المحارم.
ورغم أن باتريك طعن في الحكم، ولجأ إلى المحكمة الدستورية الألمانية سنة 2008، ثم إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سنة 2012، إلّا أن طلبه بالعيش مع شريكته قُوبل بالرفض التام. وقد برّر القضاء حكمه بكون مثل هذه العلاقات تضرّ كثيراً بالأطفال، وينتج عنها خطر الإعاقة الذي يهدد السلالة.
وقد أشار مجلس الأخلاقيات في منشوره أن مثل هذا النوع من العلاقات يبقى نادراً بشكل كبير في المجتمعات الغربية، غير أنّ تجريمه يؤدي إلى اضطهاد كل طرفين اختاراه، ويُوجب عليهما عيش حياتهما بعيداً عن أنظار المجتمع، كما أنه يتعارض مع مبادئ الدولة الألمانية التي تمنح الحق لفردين في اختيار الطريقة الأنسب لممارسة حريتهما الجنسية، بمن في ذلك المثليين الذين تتسامح معهم ألمانيا.
كما تحدث المجلس عن أن خطر إصابة الأطفال بإعاقة لا يجب أن يكون سبباً لتجريم مثل هذه العلاقات، مستدلاً على ذلك بأن القانون الألماني لا يمنع الأفراد الذين يعانون من عيوب وراثية من المعاشرة الجنسية فيما بينهم، رغم ما قد ينتج عن ذلك من إنجاب لأطفال يعانون من مشاكل صحية وذهنية خطيرة، وهو ما يجب تطبيقه كذلك على الأشقاء الذين يعاشرون بعضهم.
غير أن الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أكدّ أن البرلمان لن يصادق على توصيات مجلس الأخلاقيات. واعتبرت متحدثة باسمه، أن حذف العقوبات الجنائية عن المتورطين في زنا المحارم، يؤدي إلى مخاطر حقيقية بالنسبة للأجيال القادمة، ولا يوفر الحماية للأطفال الألمان كما تلتزم بذلك الدولة.
وتمنع غالبية الدول الأوروبية ما يُعرف بزنا المحارم، ومنها بريطانيا وسويسرا والنمسا، غير أن دولاً أخرى تمارس نوعاً من المرونة في تجريمه، ففرنسا مثلاً لا تمنعه بشكل صريح، لكنها تطرح عقوبات قاسية على كل من يستغل جنسياً قاصراً في أسرته، وتمنع كذلك الزواج بين الأخ وأخته.