** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 ما بعد البنيوية: ديريدا, التفكيكية, ومابعد الحداثة...بقلم خميسي بوغرارة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تابط شرا
فريق العمـــــل *****
تابط شرا


عدد الرسائل : 1314

الموقع : صعلوك يكره الاستبداد
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

ما بعد البنيوية: ديريدا, التفكيكية, ومابعد الحداثة...بقلم خميسي بوغرارة Empty
10102012
مُساهمةما بعد البنيوية: ديريدا, التفكيكية, ومابعد الحداثة...بقلم خميسي بوغرارة

هذا النص عبارة عن ترجمة للفصل الخامس من كتاب <<النظرية الأدبية: الأساسيات<<(2001):



Literary Theory: The
Basics>> للناقد هانس بارتنسHans Bertens, الذي يأتي في أوج الحاجة
إليه ونحن ننتقل من ثورة النظرية إلى مرحلة جديدة تتسم بالقراءة المقربة
والتحليل الثقافي للنصوص الأدبية; فهو يقود خطانا عبر الاقترابات الرئيسية
من الأدب ويضع كل حركة أو مدرسة نقدية داخل إطارها التاريخي والسياسي مدعما
إياها بأمثلة حية من أكثر النصوص تداولا وشهرة; ويبين أن النظرية ليست
مفيدة فحسب بل قد تغير طريقتنا في القراءة والتصور بصفة جذرية.




<<لا يمكن أن نتصور
مابعدالبنيوية بدون البنيوية; ولكن مابعدالبنيوية - بمساءلتها الجذرية
لإيمان البنيويين باللغة وثقتهم فيها وبإمكانية التحليل الموضوعي - تزعزع
بطريقة جدية إنجازات البنيوية. فمابعدالبنيوية, في صيغتها التفكيكية وخاصة
عند جاك ديريدا, تركز على اللغة وترى أنها, حتى وإن لم يكن هناك بديل, أصلا
وسيلة تواصل غير مستقرة ولا يمكن الاعتماد عليها; ولأننا نعتمد على اللغة
في التعبير عن إدراكنا للواقع وفي صياغة معرفتنا لذلك الواقع, فإن الإدراك
والمعرفة البشريين مشوبان بالنقص أصلا. وفي حركة مشابهة, ترى مابعدالبنيوية
أننا لا نملك معرفة حقيقية حول , وأن هويتنا أيضا فريسة لعدم استقرارية
اللغة. ويبين النقد التفكيكي الذي يعتمد على مثل هذه الأفكار أن عدم
استقرارية اللغة دائما يفكك التماسك الذي تتظاهر به النصوص.




إن الروايات مابعد الحداثية التي
تبدأ في الظهور في الستينيات وتتواصل في السبعينيات والثمانينيات قد تخلت
عن ذلك التماسك المزعوم, كما أنها أيضا, من خلال التقنيات والإستراتيجيات
التي تتبناها, تثير قضايا اللغة والهوية وغيرها. أما النقد مابعدالبنيوي
الذي يتجاوب مع هذا النمط من الكتابة فهو يقبل بهذه الأرضية ويربطها مع
النظرية ما بعد البنيوية>>.




مقدمـــة



لقد سبق أن اقترحت أن الستينيات
وأوائل السبعينيات تمثل منعرجا حاسما أو حدا فاصلا في النقد الأنجلوأمريكي,
كما أشرت أيضا إلى أن النقد السياسي - الذي تعرضت له في الفصل السابق
(القراءات السياسية: السبعينيات والثمانينيات) - يبدو تقليديا مقارنة
بالتطورات اللاحقة - ليس فقط في مجال الدراسات الأدبية المتأثرة بالسياسة,
بل في الدراسات الأدبية بصفة عامة. ولكن كيف يمكن أن يكون النقد الماركسي
والنقد النسائي والنقد المهتم بقضايا العرق تقليديين بينما كانوا في نظر
الكثير من النقاد الأكاديميين على قدر هام من الخطورة والتطرف? ما من شك أن
هذه المناهج كانت راديكالية في ظروف السبعينيات, لكنها, كل بطريقته
الخاصة, متممة لبعض الاتجاهات والميول. فالنقد النسائي غيرالماركسي والنقد
الزنجي يعملان داخل تصور ليبيرالي إنساني للفرد: الذات في نهاية الأمر حرة,
تحدد نفسها ولا يحددها غيرها (الخلفية الاجتماعية, الطبقة الاجتماعية,
الوضع الاقتصادي, الخ...). كما أن هذا النوع الليبيرالي الإنساني من النقد
النسائي والنقد الزنجي بطبيعة الحال متفتح جدا على الأساليب المستعملة للحد
من حظوظ وخيارات (وهذا أقل ما يمكن أن يقال) النساء والسود - نساء ورجالا -
في المجتمع بسبب قوى التفرقة الاجتماعية, ولكنه يؤمن في نهاية المطاف بأن
الذات فاعل أخلاقي حر, كما يعتقد أيضا أن <<أحسن<< ما قيل وما
كتب من طرف تلك الذوات له دلالة أبدية. أما النقد الماركسي والطراز
الماركسي من النسائية والنقد الزنجي فهم ينفون وجود مثل هذه الذات الحرة
المستقلة, فلقد رأينا في شرح ألتوسير لميكانيزمات الإيديولوجيا أن . فكما
في الأنثروبولوجيا البنيوية, يعتقد الفرد الفاعل عند ألتوسير أنه يقوم بفعل
ما بمحض إرادته بينما الأمر في الحقيقة غير ذلك حيث أن بنية سابقة تقوم
بذلك الفعل من خلاله أو عبره. وللنقد الماركسي أيضا فرضياته الأساسية, فهو
يفترض مثلا أن التحليل الماركسي للتاريخ كصراع طبقي من أجل الهيمنة
والمفاهيم الماركسية كالاستلاب والإيديولوجيا تعكس الواقع كما هو وكما كان
دوما. وعلى اختلاف فرضياتهما أصلا فإن الإنسانية الليبيرالية والماركسية
تعتقدان اعتقادا راسخا بمتانة أسسهما الفكرية, فكلاهما لا يرى أن تصوره
للواقع صحيح فحسب بل, وهذا هو الأهم, أنه بإمكان الإنسان أن يحصل على تصور
حقيقي دقيق للواقع.




قد يبدو هذا غريبا بعض الشيء لكن
فكرة إمكانية تصور حقيقي للعالم أصبحت الآن في الدراسات الأدبية, ولو أن
هذه الفكرة ليست مخطئة بالضرورة إلا أنها بالنسبة للعديد من المنظرين في
مجال النقد اليوم فكرة غير ممكن العمل أو الاعتقاد بها, ففكرة أنه بإمكاننا
معرفة الواقع في نظرهم غير مؤسسة نظريا. هذه الفكرة التي تسمى
ب-essentialis لأنها ترى أنه بإمكاننا معرفة الأشياء هي بالضبط ما يهدف
إلى تقويضه المفكرون مابعد البنيويين الذين سأتعرض لهم في هذا الفصل والفصل
الذي يليه. فكما أشرت سابقا يرى العديد من النقاد أن حجج مابعد البنيويين
ضد الجوهرية تبدو مقنعة, ولو أن العديد أيضا غير مقتنع, ولذا ما زلنا نسجل
في الساحة النقدية المعاصرة حضور النقد الليبيرالي الإنساني (في عدد من
الأشكال منها النقد الجديد والنقد الليفيسي - نسبة إلى الناقد الإنجليزي ف.
ر. ليفيس - والنقد النسائي والنقد الإفريقي-الأمريكي) بالإضافة إلى بعض
الأشكال من النقد الماركسي. كما أن هناك عددا من النقاد يواصلون العمل
بافتراضات تقليدية رغم اقتناعهم بأن معرفة العالم على حقيقته غير ممكنة,
فنجدهم يسلمون بأن تلك الافتراضات لم تعد تتمتع بنفس مكانتها السابقة
ولكنهم يواصلون تقديمها كبرنامج أو نقطة انطلاق أو منظور يتيح لهم قول
أشياء مفيدة ومنيرة حول النصوص الأدبية, وهم في كل ذلك على وعي دائم بأن
ذلك البرنامج أو المنطلق أو المنظور ليس نهائيا بل محل نقاش واختلاف. يقترح
الناقد الماركسي الأمريكي فريدريك جايمسن, مثلا - في مقال نشره سنة 1989
تحت عنوان - ألا نعتبر مفهومي و نموذجا - أي تمثيلا حقيقيا للعالم - بل
فرضية : أي (1) لقد أصبح مجال الدراسات الأدبية متنوعا متشعبا منذ وصول
مابعد البنيوية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات, وغدا عالم النقد
الأدبي المعاصر مزيجا مثيرا وجذابا من القديم والجديد والقديم بأثواب جديدة
(وهذا ليس حكما سلبيا), ولكن دعنا الآن ننظر في مابعد البنيوية التي كان
لها أثر عميق على ممارستنا لدراسة الأدب.




ما بعد البنيوية: المفارقة الكريتية والحل الألباني



إن مابعد البنيوية تمثل في آن واحد
استمرارية للبنيوية ورفض لها - وهذا لا يخص فقط البنيوية الأدبية بل أكثر
منها بنيوية ليفي-ستروس الأنثروولوجية. وفي الواقع نجد أن مابعد البنيوية
في مسقط رأسها, أي في فرنسا, تدخل تحت كنف البنيوية. وبما أن مابعدالبنيوية
تأخذ ببعض أهم أهداف البنيوية وبما أن ظهورها يعود إلى النصف الثاني من
الستينيات عندما كانت البنيوية الأدبية تتطور وتتأكد, فإنه من المعقول أن
نعتبرهما فرعين من نفس الشجرة الضدإنسانوية anti-humanist المتأثرة
باللسانيات, ولكن تقيدا بهدف هذا الكتاب سأعمل بالمصطلحات العادية. سأتعرض
أولا لمابعد بنيوية الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا (1930) أو ما يعرف أكثر بـ
لأنها كانت أول ضرب من مابعد البنيوية يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية
لينتشر منها في العالم الأنجلوساكسوني ويكون له أثر كبير على الدراسات
الأدبية الإنجليزية والأمريكية بصفة عامة; ثم أتطرق بعد ذلك إلى تشعبات
مابعد البنيوية المختلفة التي مهدت لها التفكيكية في العالم الناطق
بالإنجليزية, ولو أنها لا تنحدر في كل الحالات من كتابات ديريدا; ففي أواخر
السبعينيات استحوذ مفكرون آخرون, وخاصة منهم المؤرخ الفرنسي ميشال فوكو
(1926-1984), على اهتمام نقاد الأدب. وفي الفصول الموالية لمناقشة مابعد
البنيوية سأتعرض إلى الاقترابات الرئيسية من الأدب التي أتاحتها مابعد
البنيوية والتي مازالت تهيمن على الدراسات الأدبية.




لا يمكن أن نفكر في مابعد البنيوية
بدون البنيوية, فهي كما سبق أن أشرت استمرار لمنظور البنيوية الضدإنسانوي,
الواضح, كما أنها تسلم باعتقاد البنيوية الراسخ أن اللغة هي مفتاح فهمنا
لأنفسنا وللعالم من حولنا. ولكن رغم تقاسمهما للموقف الضدإنسانوي والتركيز
على اللغة فإن مابعد البنيوية تقوض البنيوية بمساءلتها المتمعنة - أو -ها -
لبعض افتراضاتها الأساسية والمناهج المنبثقة عن تلك الافتراضات.




تواصل مابعد البنيوية اهتمام
البنيوية باللغة, لكن نظرتها للغة تختلف تماما عن نظرة البنيوية إذ أن
اللغة في الحقيقة تمثل جوهر الاختلاف بينهما. فكما رأينا طبقت البنيوية
تبصرات أو خلاصات تخص اللغة أصلا على الثقافة بصفة عامة بينما طبقت
البنيوية الأدبية نفس التبصرات على النصوص الأدبية, إذ يبدو أنه من الممكن
أن ننقل فكرة وجود بنية كامنة ومبدأ الاختلافية من مجال الدراسات اللغوية
إلى دراسة مجموعة كبيرة من الأنشطة البشرية - وربما كل الأنشطة البشرية -
على الأقل من حيث الأشكال المعينة التي تبدو عليها. من الواضح أننا لا
نحتاج إلى البنيوية لنشرح حاجتنا إلى الأكل ولكنها قد تكون جد مفيدة فيما
يخص الأشكال المختلفة التي يظهر عليها الأكل وكل ما يتعلق به في الثقافات
الكثيرة التي تطورت عبر التاريخ. وإذا أمعنا النظر فإننا غالبا ما نتأكد
أكثر من صحة المبدأ القائل بأن المعنى (وبالتالي القيمة) مشروط بالاختلاف.




فالبنيوية إذ ا تعطي مكانة مرموقة
للغة ولكنها لا تمعن النظر فيها ولا تسائلها بالقدر الكافي; فهي تعرف أن
ليس هناك أي علاقة طبيعية بين الكلمة وما تدل عليه, أي مرجعها - بمعنى آخر,
أن العلاقة بين الواقع واللغة التي تصور ذلك الواقع اعتباطية; لكنها لا
تتفحص النتائج التي يمكن أن تترتب عن تلك المسافة التي تفصل اللغة عن
العالم. غير أن هذا, على الأقل من جهة, ليس بالأمر الغريب, فكلنا نعرف, وإن
كلفني ذلك تكرار ما قلته في الفصل المتعلق بالبنيوية, أن لغات أخرى تستعمل
كلمات أخرى لتدل مثلا على بيت أو شجرة أو كلب, ولكن ذلك لا يؤثر على ثقتنا
في لغتنا, ولا نتساءل أبدا عما إذا كانت كلمة chien أو Hund, وهما مقابل
كلمة بالفرنسية والألمانية, أنسب للدلالة عن مرجعها من كلمة . قد نتساءل
عما إذا كان النبيذ الفرنسي أو الجعة الألمانية أحسن مما ينتج في بلاد
الإنجليز, أو عما إذا كانت سياراتهم أرشق وأمتن ولكننا لا نتساءل عما إذا
كانت اللغة الفرنسية أو الألمانية أنسب للتعبير عن الواقع وتصوره. إن لغتنا
تبدو لنا طبيعية جدا حتى أننا نكاد لا نتصور أن ثقتنا في لغتنا قد تكون في
غير محلها.




ومن جهة أخرى نحن نعلم منذ زمن
بعيد أن اللغة قد تكون أحيانا لزجة متملصة جدا. لنأخذ مثلا مفارقة كلاسيكية
مشهورة مثل مفارقة الكريتي (من جزيرة كريت) الذي يقول إن كل الكريتيين
كذابون: إذا كان كل الكريتيين كذابين فمعنى ذلك أن حكم الكريتي صحيح -
ولكنه هو نفسه في نفس الوقت يثبت أنه غير صحيح لأنه, رغم كونه كريتي, لم
يكذب على الأقل هذه المرة. بطبيعة الحال بإمكاننا أن نجد حلا لمثل هذه
المفارقات, فالمشكلة هنا تكمن في أن المتكلم كريتيا . فلو كان المتكلم من
ألبني (مدينة في ولاية نيويورك) لكان الحكم بكل بساطة صحيح أو غير صحيح.
هناك مشكلة لأن المتكلم عضو في المجموعة المقصودة بالحكم, بحيث أن كل ما
يقوله عن الكريتيين يعنيه هو أيضا. غير أن اللغة يمكن أن تودي بنا في مآزق
غريبة, لأن المفارقات من صنف المفارقة الكريتية تبين أننا, على الأقل فيما
يخص بعض أنواع الأحكام, نحتاج إلى أرضية خارجية أو منظور خارجي, نقطة
مرجعية خارجية: شخص من ألبني, نيويورك, مثلا. لذا, فلكي نقول شيئا ما عن
اللغة يجدر بنا لو أمكننا ذلك أن نكون خارج اللغة, أو يكون لدينا منظور
خارجي, ولكن ليس هناك منظور خارج عن اللغة, لا يمكننا أن نتكلم عن اللغة
إلا بواسطة اللغة, ومهما نقول فإننا دائما داخل اللغة.




إن هذا لا ينطبق فقط على اللغة بل
أيضا على البنيات الثقافية الكبرى التي كان البنيويون يسعون إلى فهمها
وتحليلها. فإذا افترضنا أن بنيات اللغة والثقافة تتكلم عبرنا أو من خلالنا
وليس العكس, فإننا دائما نوجد داخل تلك البنيات, وعند ذلك نلقى مشكلة قد
تكون صعبة للغاية, فلو أردنا مثل البنيويين أن نقول شيئا ما عن تلك
البنيات, فإننا نجد أنفسنا في وضع يشبه وضع الكريتي الذي يطلق حكما على كل
الكريتيين بما فيهم هو نفسه: أي أننا داخل البنيات التي هي موضوع أحكامنا.
إن البنيويين لم ينظروا في هذا المشكل بل كانوا يعملون وكأنهم خارج البنيات
- أي وكأنهم من ألبني, نيويورك, وليس من كريت.




وه م الحضور



إن استحالة الكلام عن اللغة من
موقع خارجها يعتبر مشكلة, على الأقل على المستوى النظري, ولكن هناك مشكلة
قد تكون أهم منها بكثير; فكما أشرت سابقا, مهما كانت اللغة التي تعلمناها
ونحن صغار فهي دائما تبدو لنا طبيعية تماما ومناسبة للعالم الذي نعيش فيه,
ولكن ما هذه ? أو بالأحرى كيف يمكن أن أو شيئا على أنه طبيعي ونحن نعرف
تمام المعرفة أنه اعتباطي: العلاقة بين اللغة والواقع? ولماذا لا تقلق تلك
الاعتباطية راحتنا باستمرار? والجواب بسيط جدا: الاعتباطية لا تقلق راحتنا
لأننا نعتبر اللغة وسيلة فقط, كشيء يمك ننا من القيام بشيء أو التعبير عن
أنفسنا. فكما لا يهمنا أن نكتب بقلم رصاص أو بقلم فاتر أو بشوكة تقليدية
وكما لا يهمنا لون الحبر الذي نستعمله لأننا فقط نستعمل كل ذلك للتعبير عن
شيء ما للغة: شيء ما موجود في ذهننا قبل أن نلجأ إلى اللغة لنعطي له شكلا
بواسطة الكلمات. فنحن نعرف مسبقا ما نريد قوله ثم نختار الكلمات المناسبة,
وهذا هو أساس الثقة التي نحس بها في اللغة: تأك دنا من أننا نعرف ما نعرف,
تأك دنا من أننا على اتصال مباشر وفوري مع أنفسنا, وتأك دنا من قدرتنا
على التعبير بواسطة الكلمات عما نعرف وعما نحس به. نعرف ما هو حاضر أمامنا
وبالتالي ما هو حقيقي.




لماذا هذا التأكيد على كوننا على
اتصال مباشر وفوري مع أنفسنا? تصور أنك تقف عند ملتقى طرق تنتظر تغير
الضوء, ثم يأتي أحد من الخلف فيضربك ويغمى عليك, ثم تعود إلى وعيك في غرفة
مظلمة معزولة الصوت وليس لديك أي فكرة عما حدث ولا عن مكان وجودك. لا يمكن
أن تتأكد من أي شيء. وقد تكون الغرفة غير مظلمة لأنك تعتقد أنك فقدت بصرك.
في هذه الحالة ماذا تعرف? كل ما باستطاعتك معرفته هو أنك خائف جدا ومنفعل.
أنت متأكد من أنك تعرف أنك خائف ومنفعل لأن ذلك أمامك أو في ذهنك. فالحضور
إذا هو أساس المعرفة الحقيقية التي تملكها واللغة تسمح لك بالتعبير عن تلك
المعرفة للعالم الخارجي. إن هذه الثقة في الحضور واللغة (وهي ثقة مخطئة في
نظره) هي ما يسميه الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا بـ أو .




إن ثقتنا في اللغة مبنية على ما
يحدث - أو على ما نظن أنه يحدث - عندما نستعملها نحن أنفسنا, وليس على سماع
الآخرين يتكلمون, فنحن نعرف بالتجربة أن سماع الآخرين لا يضعنا بالضرورة
في تواصل مع وضعيتهم الحقيقية, فقد يكونون كاذبين, أو غير قادرين على
التعبير عما في أنفسهم. كذلك لا تعتمد ثقتنا على الكتابة: لأن الكتابة,
كالكلام, غير موثوق بها تماما كما يمكن أن تكون غير مفهومة, ثم إنها لا
تعطي حتى فرصة مساءلة الكاتب (لأنه غائب) إذا ما لم نفلح في فهمها; أي
عندما يكلمنا شخص ما بإمكاننا مقاطعته ومساءلته إذا لم نفهم ما يقول, كما
يمكننا أن نلاحظ سلوكه وملامحه إذا ساورنا شك في صدقه, ورغم أنه لا يمكننا
أن نتأكد من صحة ما يقول - أي الحقيقة المعبر عنها بالكلمات - بصفة قطعية
إلا أن حظنا في الوصول إلى الحقيقة يبقى أوفر مع الكلام منه مع الكتابة.




دفاعا عن الغياب



لقد كانت التقاليد الفلسفية
الغربية والفكر الغربي الشائع على العموم دائما أكثر إيمانا وثقة بالكلمة
المنطوقة منه بالكلمة المكتوبة, ولكن هل يمكن أن نثق في الكلام? أو, لنلج
إلى لب الموضوع: هل يمكن أن نثق بالكلمات التي ننطق بها نحن أنفسنا? ,
يقول ديريدا الذي أخذت من كتاباته الجملة التي افتتحت بها , فدعني ألخص
أفكاره الرئيسية. أولا, يقول ديريدا إن اللغة أصلا لا يمكن أن نثق فيها,
ولقد رأينا أن اللغة تعمل على مبدأ التفريق أو الاختلاف, وأن ما يسمح
للكلمة بأن تدل على شيء معين هو اختلاف تلك الكلمة عن غيرها من الكلمات
وليس علاقة مباشرة مع ذلك الشيء أو المرجع. لكن تلك الكلمات تعمل داخل نظام
لغوي (لغة) ليس له علاقة مباشرة مع العالم الواقعي, ولا توجد كلمة واحدة
هي على شكل معين لأنها لا يمكن أن تكون على غير ذلك الشكل, أو لأن شكلها
يتحدد بفعل ما تدل عليه, أي مرجعها (وينطبق هذا حتى على الكلمات الفطرية
مثل تلك التي نعبر بها عن الألم, فهي أيضا تختلف من لغة إلى أخرى). فلو
وجدت مثل تلك الكلمة لكان خاضعا تماما للواقع ولشك ل عنصرا ثابتا داخل
النظام اللغوي, ولأمكننا أن نبني كلمات أخرى حولها وبذلك نتمكن من ترسيخ
اللغة بعمق في الواقع, وعند ذلك سيحدد الواقع شكل لغتنا. ولكن والحال غير
ذلك, علينا أن نتعامل مع دلالة ينتجها مبدأ الاختلاف وليست مشتقة مباشرة من
الواقع الذي تدل عليه. وكما يقول سوسير, في اللغة نجد فقط الاختلاف, بدون
أحكام إيجابية, وبناء على ذلك يقول ديريدا أن الكلمات ليست أبدا مستقرة أو
ثابتة في الزمن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

ما بعد البنيوية: ديريدا, التفكيكية, ومابعد الحداثة...بقلم خميسي بوغرارة :: تعاليق

له علاقة بما سبقه
مقال اخر لكن المسالة لازالت غير واضحة
ما العمل
 

ما بعد البنيوية: ديريدا, التفكيكية, ومابعد الحداثة...بقلم خميسي بوغرارة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  المنهج التفكيكي المنهج التفكيكي التفكيكية من حيث النشأة جاءت على انقاض البنيوية في اوائل التسعينات من القرن الماضي فهي بهدا المعنى امتداد للبنيوية و هدم لها في الوقت ذاته و تمثل التفكيكية جانبا مخيفا من جوانب فوضى النقد المعاصر , حيث شبهها بعض ا
» المعطيات النقدية لجاك دريدا يمكن القول في بداية هدا التحليل ان الممارسات النقدية لما بعد البنيوية هي نفسها الممارسات النقدية للتفكيكية , و هدا يعني ان مصطلح ما بعد البنيوية مساو لمصطلح التفكيكية , وان جاك دريدا بمدونته المفاهيمية المؤسس الشرعي للتفكيكي
» بعد ما بعد الحداثة : أزمنة الحداثة الفائقة ..بقلم أماني أبو رحمة
»  الحرب على التفكيكية، بقلم يوسف ضمرة
»  سردية الحداثة وأزمة التقبل: عودا على كتاب فتنة الحداثة 04 أكتوبر 2013 بقلم محمد طيفوري قسم: الدراسات الدينية حجم الخط -18+ للنشر: استرعى انتباهي كتاب للباحث قاسم شعيب بعنوان "فتنة الحداثة" من منشورات "مؤسسة مؤمنون بلا حدود"[1]، وإذ أشكر للكاتب رغبته الن

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: