حياة فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1546
الموقع : صهوة الشعر تعاليق : اللغة العربية اكثر الاختراعات عبقرية انها اجمل لغة على الارض تاريخ التسجيل : 23/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | هل تجاوزَ الفقهُ سقفَ القبيلة؟ 2 - 3 | |
حسين السكافي (فقه المرأة نموذجا) (إن تصغير النص الى مجرد وحدة معنى عن طريق قراءة أحادية يعني القيام برسم إشارة الخصي - أي إخصاء النص وحرمانه من قدرته على توليد المعاني - هذا ما أشار اليه رولان بارت ). نلتقي مرة أخرى بعد الإنتهاء من القسم الأول من موضوع ( فقه المرأة )، وكان الكلام انذاك جُله عن أحكام الزواج، ولاحظنا ما فيها من قراءات أحادية متزمتة لا يربطها بالواقع رابط وأحيانا لا تمت الى جوهر الدين ورح الشريعة بصلة إلّا اللهم العناوين وبعض التضمينات الدينية كالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة والتي احياناً إما ان تكون منسوبة للرسول( ص) او مؤولة لصالح الرجل على حساب المرأة. الطلاقُ والفسخُ واحكامهما:
سيكون الحديث في هذا القسم من الموضوع، عن الطلاق والفسخ وبعض الأحكام المتعلقة بهما لنتبين الى أي مدى تكون هذه الأحكام منحازة لجانب الرجل وكم تكون محملة برؤى إجتماعية ذكورية او متأثرة بسياقات معرفية غير محايدة، وقد سبق ان رأينا محاولات الفكر الذكوري المتواصلة لإعطاء الجبرية (البايولجية) بعداً ثقافيا لتدعيم فكرة ضعف المرأة وتداعي عقليتها وبالتالي التشكيك بأهليتها. هذا التوجه عينه سنراه حاضراً في الكثير من حالات التعامل مع أحكام الطلاق والفسخ. والضحية هي المرأة واحيانا بشكل مأساوي أمام بطولات من اللؤم والتعنت من قبل الرجل الذي بيده القرار كما سنرى: ( لو قيل له: ألك إمرأة؟ فقال: لا وأراد به الكذب، لم يلزمه شيء ولو قال: قد طلقتها وأراد به الكذب لزمه الطلاق \ المغني - كتاب الطلاق \ موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي، ت-620 هـ ). ( وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه، نواه أو لم ينوه). المصدر السابق. ( رجل له امرأتان فقال: فلانة أنت طالق فالتفتت فإذا هي غير التي حلف عليها، قال: قال إبراهيم: يطلقان( اي الإثنين)، وقال الشافعي: تطلق المجيبة وحدها لأنها مخاطبة بالطلاق فطلقت كما لو لم ينو غيرها، ولا تطلق المنوية لأنه لم يخاطبها بالطلاق) المصدر السابق. انه مشهد مأساوي مروع فاق في شدته كلَ تصوراتنا عن الآم ضحاياه. مجرد التفاتة بعفوية أدت الى طلاق بل مصرع إنسانة لا لذنب سوى الذنب الذي صار قدرها، هو كونها (امرأة). ( وإذا قالت له امرأة من نسائه: طلقني فقال: نسائي طوالق ولا نيّة له طلقن كلهن بغير خلاف لأن لفظه عام.) المصدر السابق. المعروف أن الطلاق كالزواج تصرّف يحتاج الى (إرادة) و(عقل) الذي هومناط التكليف، و (نية)، إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، والسنّة، النية بالقلب لأن الله تعالى يعلم السر واخفى، ( قل اتعلّمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شئ عليم) الحجرات \ 16. ولكن الأمر مع المرأة يختلف حيث تتوقف السُنن وتختفي الآيات البينات ويطفح الموقف السلبي المسبّق ليكون هو النص وهو السنّة وهو المنطق، وإلّا كيف نفسر وقوع الطلاق خلاف الإرادة ولمجرد القول وان كان سبق لسان ولم يكن مقصوداً ولم يرده المتكلم. هذا يكشف لنا مدى هشاشة العلاقة الزوجية التي تنفصم بالخطأ من القول وعدم القصد، وبنفس الوقت تشير هذه الأحكام الى ارتكاز مفهوم (الإسبتدال الميسر) في ثقافة الذكر حيث السهولة في الحصول على زوجة بديلة بل ربما هي حاضرة والأمثلة الفقهية المتداولة تنضح بالتخمة النسوية ( وكذا لو قال نسائي الأربع... طلق نساءه الأربع... وضرب نساءه الأربع... الخ). والمعروف أن الطلاق في (بلداننا الشرقية والإسلامية) يعني تدمير المرأة على كل الأصعدة واشدها وقعاً الصعيد الإجتماعي حيث تبقى يشار اليها أنها (مطلقة)، ولم يعلموا ربما هي ضحية ( زلة لسان غير مقصودة او ضربة حظ سئ بالقرعة او حالة غضب او عنجهية او هذيان مخمور كما سنرى لاحقا. ( قال في رواية الميموني فيمن له أربع نسوة طلق واحدة منهن ولم يدر { اي نسيها }: يقرع بينهن. وقالت المالكية: إذا طلق واحدة منهن غير معلومة عنده بأن قال: أنت طالق ولا يدري من هي طلق الجميع وإن طلق واحدة معلومة ثم ( أنسيها) وقف عنهن حتى يتذكر فإن طال ذلك ضرب له مدة المولى فإن تذكر فيها وإلا طلق عليه الجميع ولو قال: إحداكن طالق ولم يعينها بالنية طلق الجميع. \ اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان - الباب الثالث عشر \ 3 - ابن قيم الجوزية ) لنلتفت للمفارقة المذهلة، الزوج ينوي ان يطلق احدى زوجاته ولكنه ينسى فان تذكر طلقت المعنية، وان لم يتذكر وقعت الكارثة (ذات الدمار الشامل) حيث تطلق جميع نسائه. أهذا هو ( ابغض الحلال عند الله)؟ هكذا نفعله بالجملة، وبدم بارد ولم يطرف لنا جفن !! وعلام يطرف لنا جفن؟ !! بما أنه عمل مغطى بفتوى فقهية نافذة المفعول من تأريخ الصدور الى تشريد وموت ( هذه الثلة من النساء والاطفال). في الوقت الذي يعلم ذلك الفقيه انه قد جاء عن الرسول (ص) : ( ما بني بناء في الإسلام احب الى الله عز وجل من التزويج ) ولكنه يرى أمام عينه كيف يُهدم ذلك البناء المحبب الى الله بطريقة لا تليق حتى بهدم زريبة أنعام، فقد يُنسف هذا البناء لتعسف في استخدام الحق اولأسباب تافهة، مثل (نسيان الزوج أيهن يطلق) واحيانا (عبثية الزوج ونزواته) حيث هناك من يريد ان يتزوج الخامسة وبما انه غير ممكن لعدم وجود شاغر في( الملاك الدائم) فيطلق واحدة من نسائه بالقرعة لتحل الخامسة محلها. لك ان تتصور أن نساء تربطهن بزوجهن رابطة الزواج والذرية والعشرة حد التماهي ( هن لباس لكم وانتم لباس لهن) البقرة\ 187.صدر بحقهن طلاق جماعي وينتظرن ( القرعة) التي تحسم الأمر المرعب لتُطرد واحدة منهن جهاراً نهاراً. قلوب بلغت الحناجر، كل خلية فيهن مُلئت رعبا، في انتظار (طلقة الإعدام) التي هي بالنسبة للزوج اينما وقعت فتح. هكذا طلاق يجري بالقرعة يعني في أبسط مايعنيه هو عدم توفر الأسباب المنطقية والموضوعية التي بموجبها يتم طلاق المرأة وعدم خضوع هذا القرار الخطير لأية دراسة ومناقشة ولو توفر ذلك وعرفت الأسباب لتعينت من يقع عليها الطلاق ولما لجأ الرجل الى القرعة كحل (و هذه مقامرة وليست قرعة) لأن القاعدة الفقهية تقول : (الطلاق حلُ قيدِ النكاح والقرعة لا تدخل في النكاح.) والطلاق يحتاج الى عزم لقوله تعالى: ( وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) \ البقرة 227. أين العزم فيمن لا يعرف اي زوجة سيطلق او ينسى من أراد تطليقها فيطلق غيرها؟. او كان سكرانا !! لا تعجب: ( يقع طلاق السكران طوعا ولو خلط في كلامه او سقط تمييزه بين الأعيان. \ الروض المربع بشرح زاد المستقنع \ الشيخ منصور ابن يونس - ص 325 ت 1051هـ) فالذي اختلت ملكته العقلية بالسكر يقع طلاقه، فالرجل وان ذهب عقله ( الذي هو من اهم شروط ايقاع العقود و فسخها)، لكنه يبقى ذكرا، وهذا يكفي فالذكورة يبدو أنها تسدّ مسدّ العقل عند بعض الفقهاء، وإلّا بأي مسوغ أُجيز طلاق السكران الذي لايميز ويخلط في كلامه؟. لم يبق الا مسوغاً واحداً، كونه (رجلاً) والمطلقة (امرأة). أرجو ان لا يفهم القارئ أني أحفر في طبقات التأريخ الفقهي لأستل مثالاً من كتاب مضى عليه اكثر من (950) سنة، وانه غير حاضر في حياتنا اليوم، كلا إنه حاضر، أنظر صحيفة (الشرق الاوسط بعددها 8708 \ في 1- اكتوبر 2002 نشرت في صفحة المدخل وبالخط العريض مايلي: ( حكمٌ قضائي ببطلان طلاق السكران يثير خلافاً فقهياً في مصر). الى الآن هذا السكران يعربد ويثير خلافا ويمارس حقه في طلاق النساء، وله انصار يمضون (طلاقه) بختمهم المقدس. لاحظ التبسيط لحد السذاجة في استصدار قرار تُهدم بموجبه بيوت وتقطع أواصل إنسانية كالتفريق بين الأم واطفالها وبين الزوجة وزوجها، وإحداث شرخ بين الأب والأبناء يفقدون فيه التمييز لمن يكون الولاء، لأبٍ يُفترض ان يُحترم أم لأمٍ حملت وانجبت وأرضعت وكابدت المشقات واخيراً تلفظ و تطرد من عش الزوجية بلعبة حظ ( بالقرعة) او لزلة لسان او هلوسة مخمور، إنه لزلزال مدمر له ارتدادات لا تحمد عقباها ربما يدفع ثمنها المجتمع الساكت او المروج لمثل هذه الكوارث، حيث وجِد وبالإحصاء المدروس أن نسبة كبيرة من عتاة المجرمين قد رشحو من بيوت تعاني من تمزق في العلاقات الأسرية وحالات انفصال بين الزوجين، وهذا خلاف اخلاقيات التشريع وروح التعاليم الدينية ( خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي ) -حديث نبوي - وقد ورد في القرآن المجيد، ذكر كلمة ( بالمعروف) بحدود (18) مرة كلها جاءت في سياق العلاقات الزوجية والأسرية، وجعل الله تعالى المودة والرحمة بين الزوجين، فان تقلصت المودة، فيبقى الإحتياطي الذي لا ينضب، هو (الرحمة). حتى الطلاق إن كان لابد منه يجب أن لا يخرج عن ظلال الرحمة والمعروف والإحسان (الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان) البقرة \ 229. ( فأمسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) البقرة \ 231 في هذا السياق نجد (الإمامية) اكثر تشدداً واحتياطاً بأمور الطلاق، فلا طلاق بدون شهادة شاهدين عدلين ولا يقع الطلاق ما لم يكن بقصد الفراق حقيقةً، فلا يصح الطلاق هزلاً او سهواً او نحو ذلك. الفسخ وأحكامه:
اما مايخص احكام الفسخ فلا تخلوا من مجافاة لبعض حقوق المرأة، فمساحة خيارات الفسخ للرجل اكبر من مساحة خيارات المرأة. والفسخ: (ليس بطلاق ولا يترتب عليه احكامه مطلقا ولا يعتبر فيه شروط الطلاق). فللزوجة فسخ عقد الزواج في احد العيوب الأربعة في الزوج: يجوز للزوجة فسخ العقد إذا كان الزوج 1- مجنوناً او 2- مجبوباً ( اي مقطوع الذكر) او 3- مصاباً بالعنن المانع عن الإيلاج،- اي عنين - ( لا يجوز للمرأة ان تفسخ العقد لعنن الرجل الّا بعد رفع أمرها الى الحاكم الشرعي فيؤجل الزوج بعد المرافعة (سنة) فان وطأها او وطأ غيرها فلا فسخ، وإلّا كان لها الفسخ. أما الزوج : اذا علم الزوج بعد العقد بوجود احد العيوب السبعة الآتية في الزوجة كان له الفسخ من دون طلاق : 1- الجنون. 2- الجذام. 3- البرص. 4- العمى. 5- الإقعاد، ومنه العرج البيّن. 6- الإفضاء وهو اتحاد مخرج البول او الغائط مع مخرج الحيض. 7- العفل وهو لحم ينبت في الرحم يمنع الوطء. وهذا عيله معظم الفقهاء. لو تاملنا في بعض خيارات الفسخ لوجدنا مثلا (خيار العنن) ظاهره لصالح المرأة ولكن النتيجة جُيرت لصالح الرجل، حيث منح فترة سنة لاختبار ( فحولته). فلو وطأ غيرها سقط خيارها في الفسخ ( يبدو أن المهم اثبات فحولة الرجل ولو على حساب الزوجة ) ويُسحب البساط من تحت المرأة بمهارة وخفة مذهلتين. هو خرج من عنق الزجاجة حيث وطأ غيرها وتبقى الزوجة تعاني الحرمان من الإستمتاع بزوجها وفارس احلامها في احلى فترات الزواج. اما اذا لم يقدر فيمنح اجازة (سنة). هذا إذا سلّمنا أن الزوج اعترف بانه (عنين) وهذا أمر نادر في مجتمعاتنا. كيف نتصور أن فارساً ذكراً فشل في إثبات فحولته أمام أنثى ضعيفة، فهل يستسلم بسهولة وهناك خلف الباب من ينتظر منه (العلامة)؟ سيفعل المستحيل، ولا أريد أن اوضح أكثر مما أشار اليه الروائي العملاق( وليم فوكنر) في روايته (الحرم) التي تصف شراسة الصراع بين الشماليين والجنوبيين، وفيها يغتصب رجلٌ من الشمال فتاة عذراء من أهل الجنوب، ولكنه كان (عنين) فيقضي وطره منها باستعمال (عرنوس الذرة). هذا لوحذفنا العيوب التي تمنع كلاً من الرجل او المرأة من ممارسة ( الجنس) لوجدنا ان هناك غبناً واضحاً أصاب المرأة في بعض خيارات الفسخ الأخرى، فالجذام في المرأة يكون سبباً في خيار الفسخ للرجل ولكن الجذام في الرجل لا يعطي المرأة حق الفسخ، والجذام كمرض هو جذام لا يميز بين ذكر وانثى، وقد ورد في الحديث : ( فر من المجذوم فرارك من الأسد)، أهي نصيحة للرجال فقط؟ !!! وكذلك الحال بالنسبة للبرص او اي مرض عضال معدٍ آخر. فللزوج ان ينقل الأمراض الى زوجته من دون حرج. والمرض ضرر بلا أدنى شك، وقاعدة ( لاضرر ولا ضرار) حاكمة في ميدانها. هذه القاعدة العظيمة، والتي قيل أنه لو بني العمل بعموم هذه القاعدة لحصل فقه جديد. ( فهم الدين والواقع- يحيى محمد ص110 \ فرائد الاصول ج 2 ص 537 - الشيخ الانصاري) وكذلك الحال بالنسبة للعمى والإقعاد لماذا تعتبر من العيوب التي للزوج فيها حق الفسخ في حين يحجب عن المرأة هذا الحق، والحق هو الحق، اليس اولى أن يتبع مع الذكر والأنثى ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) البقرة \228. ومعلوم ان للفقيه (مبانيه) التي يعتمدها في استنباط الأحكام واصدار الفتوى، وهذا جهد محترم، ولكن يبقى القرآن الكريم هو المعيار الأساس للمعارف الدينية وهو المُعَوّل عليه في عمل التنظير الفقهي، ولكن اصحاب الفقه التقليدي يصرون على الأخذ بالروايات على حساب القرآن، وهذا هو السبب فيما ينجم عن الفكر الديني التقليدي من إضطراب في المواقف وعدم إنسجام مع الواقع المتحرك. انظر: (المرأة المفاهيم والحقوق \ احمد القبانجي ص 111-112) وفي هذا الإتجاه أشار العلّامة المفسر صاحب تفسير (الميزان في تفسير القران) في سياق تفسيره لبعض الآيات الكريمة : (وربما استشعر عدم جواز التفرقة بين الأحكام الفقهية والأصول الأخلاقية، والإقتصار في العمل بمجرد الأحكام الفقهية والجمود على الظواهر والتقشف فيها، فإن في ذلك إبطالاً لمصالح التشريع وإماتة لغرض الدين وسعادة الحياة الإنسانية. \ الميزان ج2 ص 235 - العلامة محمد حسين الطباطبائي. ( ت 1982 هـ).
| |
|