لست أدري لمَ يحب المغاربة كل الأشياء
الكبيرة، لمَ هذا الميل إلى الحصول على أكبر الامتيازات، بناء أكبر الفلل،
تشييد أكبر الإدارات والاستديوهات والمباني والمساجد.. لمَ نحب أن نتباهى
فقط بالكبر في المساحات وليس في الإنجازات.. فاليوم، سيرفرف بمدينة الداخلة
«أكبر علم في العالم» والذي سيحطم به شبابنا الرقم القياسي العالمي الذي
في حوزة الصهاينة. أكيد أن للفكرة دوافع أخرى، سياسية ووحدوية، مادامت
ستتحقق على أرض الصحراء في هذه الظروف الخاصة التي تمر منها قضية وحدتنا
الترابية.. لا بأس، إذن، إن احتل علمنا موقعا في كتاب غينيس للأرقام
القياسية العالمية، لكننا نطمع في أن نحتل مراتب متقدمة أخرى في العلوم
والآداب والإعلام والصحة والتعليم والتنمية، فلماذا ننجز أكبر كسكس وأكبر
جلباب وأكبر طاجين ولا نبني أكبر جامعة أو أكبر مستشفى أو أكبر مصنع أو
أكبر حي جامعي أو أكبر حديقة أو أكبر مسرح.. لماذا لا نحقق «أكبر» قفزة في
الميادين الحقوقية والقانونية والاجتماعية والأسرية ويكون المواطن هو
«أكبر» مستفيد من الامتيازات الكبرى التي ستمنح
له.
لا أفهم هوس الكبر عند المغاربة والمرتبط أساسا بالشكل أو الظاهر وليس
بالقيمة أو النتيجة أو الإنجاز.. مبان ضخمة لوزارات بميزانيات فقيرة،
مؤسسات كبرى بخدمات صغيرة، بيوت كبرى بدفء أقل وحب منعدم، سيارات فارهة
تعبر طرقات ضيقة مخيفة.. تناقض لافت وارتباط مرضي غريب بين النجاح وإثبات
الذات والكبر.
في دبي، مثلا، للبذخ والغنى مظاهر شتى أبرزها الاستعلاء والتباهي والكبر،
فالمدينة تكشف غناها دون خوف من الحسد، أكبر الأبراج في العالم، أكبر
المحلات التجارية، أكبر الفنادق وأكبر الحدائق والمنتجعات وأكبر المكتبات
والقصور وأكبر السيارات والطرقات.. وأكبر الرواتب.
نحن بلد المتناقضات بامتياز، لدينا ما يكفي من الكبر والصغر لتشكيل صورة
غرائبية قلما تجدها في باقي المجتمعات، حتى بلغت فوبيا «الكبر» كل الطبقات
والفئات والأعمار، وأصبح صغارنا يقيسون قيمة الأشياء بحجمها وليس بضرورتها
وفاعليتها، حتى حجم آبائهم ورمزيتهم أصبحوا يقيسونهما برؤية مادية محضة
ستظهر نتائجها في السنين القادمة حين سنحصد ما زرعناه بداخل أبنائنا من
«قيم».
الكرم يقاس بعدد الأطباق وكبرها، الحب يقاس بعدد الهدايا وكبر قيمتها،
الذكاء والفطنة والدهاء تقاس بأرقام الحسابات البنكية وأكبرها، حتى حب
الوطن يخضع لما يعطيه الوطن وليس لما يقدمه المواطن.
فوبيا غريبة لا تخضع لمنطق ولا لعقل أو إحساس، قد تتبدد مع مرور العمر
حينما يكتشف المرء أنه وحده كبر العمر لا أحد يسعى إليه أو يتباهى به.
الأربعاء مايو 19, 2010 3:52 am من طرف بن عبد الله