طه
حسين، الاعمى الذي انار طريق
المبصرين
يبدو
أنّ عميد الثقافة المصرية (طه
حسين) سيظل هدفًا لسهام خصومه
أصحاب الفكر الأحادى ، الرافضين
ل (علمنة الدولة) التى أولاها طه
حسين إهتمامه. بدأ الهجوم عليه
منذ العقد الأول من القرن
العشرين ، واستمر حتى كتابة هذه
السطور (أغسطس 2011) ومن بين أمثلة
السهام الجارحة التى تفتقر إلى
لغة العلم ، مقال كتبه أ. عمرو
على بركات (صحيفة القاهرة 7/11/ 2006)
الأسبوع التالى مباشرة لمقال أ.
صلاح عيسى (الأزهرى المتمرد بين
ثقافة العمامة والطربوش) والذى
ألحق به مقال طه حسين فى صحيفة
الجمهورية (28/10/1955) عن ضرورة فصل
التعليم الدينى عن التعليم
المدنى . وبدلا من مناقشة أفكار
الرجل ، وجدتُ هجومًا وتجريحًا
ليس لهما علاقة ب (الأفكار) التى
طرحها طه حسين فى مقاله ، وإنما
امتلأ مقال أ. عمرو بمسائل شخصية
عن حياة طه حسين . وهى مسائل (إنْ
صحتْ) ينطبق عليها ما ورد فى علم
النفس (( لايخلو إنسان من عيوب
شخصية)) ويتجاهلها علم النقد ،
الذى يهتم بما تركه أى مفكر من
كتابة ومن مواقف تمس الحياة
العامة .
وأعتقد أنه فى سُعار تغلغل
الأصولية الإسلامية التى تُقوّض
دعائم أى فكر علمانى أو حتى
ليبرالى ، فإنّ الذى يهم أى كاتب
حريص على نهضة وطنه والارتقاء
بشعبه ، هو ماذا ترك المفكر،
وليس البحث عن حياته الشخصية.
فماذا ترك طه حسين ؟
ذكر الأديب نجيب محفوظ أنه عندما
كان طالبًا فى كلية الآداب ،
فإنّ عميد الكلية (طه حسين) كان
يُنبّه على الأساتذة بعدم
السماح للطلبة بكتابة المحاضرات
، وإنما يكتبون أسماء المراجع ،
لأنه كان يرفض أنْ (يحفظ) الطالب
ما يقوله الأستاذ . وكان يقول
للطلبة (( أكتبوا المحاضرات مما
استوعبته عقولكم ، ولديكم
المراجع فى مكتبة الجامعة)) وأكد
هذا المعنى د. عبدالحميد العبادى
فى رسالة منه إلى طه حسين مؤرخة
25/8/1930 قال فيها ((عاوز أبث فى
الطلبة روح البحث والجدل و (الخناق
العلمى) كما يقول أستاذنا لطفى
السيد)) (نقلا عن أ. إبراهيم عبد
الحميد – رسائل طه حسين – هيئة
الكتاب المصرية- عام 2000ص 12، 109)
أليس أسلوب التلقين آفة وجرثومة
يجب التخلص منهما ؟ أليستْ هناك
علاقة وطيدة بين الأصولى
الأحادى المعادى للنقد
وللتعددية ولحرية الفكر، وبين
تمسكه بأسلوب التلقين الذى رفضه
طه حسين ؟
وكتبتْ د. سهير القلماوى ((عندما
تولى طه حسين وزارة المعارف عام
1950 كان أهم أعماله توحيد المرحلة
الأولى فى التعليم ، فلم يعد
هناك تعليم دينى مُتخلف وآخر
مدنى ، وإنما أصبح التعليم
واحدًا يضمن الوحدة الفكرية بين
مواطنى الوطن الواحد)) (مجلة
الكاتب – مارس 1975) وعن الفرق بين
التعليم الأزهرى والمدنى ، كتب د.
سعيد إسماعيل على ((كان طه حسين
أبعد نظرًا من كثيرين وأوسع أفقا
، ذلك أنه نظر إلى المسألة فى
كليتها ، بحيث تشمل هذا التعدد
المؤسف فى مختلف أنواع التعليم
بين مدنى ودينى)) ثم نقل ما ذكره
طه حسين فى كتابه (مستقبل
الثقافة فى مصر) والذى اقترح فيه
ضرورة إلغاء هذا النظام الثنائى
الغريب ، كى تتحقق الوحدة
العقلية فى مصر)) (مجلة
الديموقراطية- يوليو2006) وإذا كان
الأصوليون يُهاجمون طه حسين
بسبب دعوته لفصل التعليم الدينى
عن المدنى ، فلماذا لم يُهاجموا
د. إبراهيم بيومى مدكور الذى
تبنى نفس الفكرة فى كلمته أمام
مؤتمر سياسة التعليم فى نوفمبر1945
؟
وإذا كان الأصولى جمال الدين
الإيرانى الشهير بالأفغانى كتب
يُروّج لمقولة (الرابطة الدينية)
مُستبعدًا الانتماء لأى وطن ،
مثل قوله ((إنّ المسلمين لا
يعرفون لهم جنسية إلاّ فى دينهم
واعتقادهم)) (العروة الوثقى – 26/7،
14/8/1884) فإنّ طه حسين امتلك شجاعة
الرد على هذا الزعم ، الذى ينفى
ويُدمّر انتماء أى إنسان لوطنه ،
فكتب ((من المحقق أنّ تطور الحياة
الإنسانية قضى منذ عهد بعيد بأنّ
وحدة الدين ووحدة اللغة لا
تصلحان للوحدة السياسية ولا
قوامًا لتكوين الدولة)) (صحيفة
السياسة 31/12/1923)
وفى مقدمة الطبعة الأولى لكتابه
(من بعيد) الصادر عام 1935كتب طه
حسين أنّ فصول هذا الكتاب كتبها
بين عام 1923وعام 1930. فى هذا الكتاب
فصل بعنوان (بين العلم والدين)
ناقش فيه العلاقة بينهما . وهل
هناك خصومة بينهما أم لا ؟ فكتب ((الحق
أنّ هذه الخصومة بين العلم
والدين ستظل قوية متصلة ، ما قام
العلم وما قام الدين ، لأنّ
الخلاف بينهما جوهرى لا سبيل إلى
إزالته ولا إلى تخفيفه ، إلاّ
إذا استطاع كل واحد منهما أنْ
ينسى صاحبه نسيانًا تامًا ويعرض
عنه إعراضًا مُطلقا)) وفى شرحه
لأسباب هذه الخصومة كتب أنّ ((الدين
يرى لنفسه الثبات والاستقرار،
بينما العلم يرى لنفسه التغير
والتجدد ، فلا يُمكن أنْ يتفقا
إلاّ أنْ ينزل أحدهما عن شخصيته..
والمسألة فى حقيقة الأمر ليست فى
أنّ الخصومة واقعة أو غير واقعة
، وإنما هى فى أنّ الخصومة ضارة
أو نافعة . أو بعبارة أدق :
المسألة هى أنْ نعرف هل كُتب على
الإنسانية أنْ تشقى بالعلم
والدين ، أم تسعد بهما ؟ ... وسبيل
ذلك عندنا : أنْ تُرغم السياسة
على أنْ تقف موقف الحيدة بين
هذيْن الخصميْن)) واختتم دراسته
قائلا (( نحن متصلون - رضينا أم
أبينا - بأمم الغرب المتحضرة .
ونحن حريصون على أنْ نظفر، لا
أقول بعطف هذه الأمم ، بل أقول
بإكبارها لنا واحترامها
لمنزلتنا السياسية والاجتماعية.
وإذن فنحن مضطرون أنْ نُساير هذه
الأمم ونعيش كما تعيش . نحن نريد
أنْ نظفر من الاستقلال بما يقفنا
من إنجلترا وفرنسا موقف الند من
الند . نحن مضطرون إلى أنْ نعيش ،
ولن نستطيع أنْ نعيش إلاّ إذا
اتخذنا أسباب الحياة الحديثة..
والعلم وحده سبيلنا إلى ذلك ،
على أنْ ندرسه كما يدرسه
الأوروبيون ، لا كما يدرسه
آباؤنا منذ قرون . وويل لنا يوم
أنْ نعدل عن طب باستور وكلود
برنال إلى طب ابن سينا وداود
الأنطاكى . وهذا العلم الحديث
الذى لا نستطيع أنْ نستغنى عنه ،
لا يُمكنه أنْ يعيش ولا أنْ
يُثمر إلاّ فى جو كله حرية
وتسامح . فنحن بين اثنين : إما أنْ
نؤثر الحياة ، وإذن فلا مندوحة
عن الحرية ، وإما أنْ نؤثر الموت
، وإذن فلنا أنْ نختار الجمود)) (الشركة
العربية للطباعة والنشر- ط 2نوفمبر
1958)
وبعد السهام التى نالته إثر
معركة كتابه (فى الشعر الجاهلى)
عام 1926، فإنه فى العام التالى
مباشرة ، امتلك شجاعة نقد اللجنة
التى وضعتْ دستورسنة 1923بسبب
المادة رقم 149 التى نصّتْ على أنّ
((الإسلام دين الدولة)) فكتب
مقالا فى مجلة الحديث (أمشير/
فبراير1927) ذهب فيه إلى أنّ النص
فى الدستور على أنّ الإسلام دين
الدولة ((مصدر فرقة ، لا نقول بين
المسلمين وغير المسلمين فقط ، من
أهل مصر، وإنما نقول إنه مصدر
فرقة بين المسلمين أنفسهــم ،
فهم لم يفهموه على وجه واحد ،
وأنّ النص على دين الدولة يتناقض
مع حرية الاعتقــاد ، لأنّ معنى
ذلك أنّ الدولة مكلفة أنْ تمحو
حرية الرأى محوًا فى كل ما من
شأنه أنْ يمس الإسلام من قريب أو
من بعيد .. إلخ))
ولعلّ من بين كراهية الإسلاميين
لطه حسين دفاعه عن الحضارة
المصرية ، حيث كتب إنّ
اليونانيين ((كانوا فى عصورهم
الأولى الراقية يرون أنهم
تلاميذ المصريين فى الحضارة ،
وفى فنونها الرفيعة بنوع خاص))
وأنّ العقل المصرى ((منذ عصوره
الأولى إنْ تأثر بشىء فإنما
بالبحر الأبيض المتوسط)) (مستقبل
الثقافة فى مصر- دار الكاتب
اللبنانى عام 1973ص 21، 22) وفى عام
1933 كتب مقالا فى صحيفة كوكب
الشرق ذكر فيه أنّ ((المصريين
خضعوا لضروب من البُغض وألوان من
العدوان جاءتهم من شعوب شتى من
بينهم العرب)) وفى حديث صحفى عن
القومية العربية قال ((مصر اليوم
هى مصر الأمس ، أى مصر الفراعنة .
المصرى فرعونى قبل أنْ يكون
عربيًا . ولا تطلبوا من مصر أنْ
تُغير فرعونيتها.. إلخ) ( المجلة
الجديدة – ديسمبر1938) .
إنّ طه حسين المتهم برفض قبول
طالب بتوصية من محمد شفيق غربال
، هو الذى رفض (عندما كان عميدًا
لكلية الآداب) الطلب الذى تقدّم
به القصر الملكى لمنح الدكتوراه
الفخرية لعدد من رؤساء الوزراء
السابقين ممن شاركوا فى
الانقلابات الدستورية ، ولعدد
من الملوك العرب ، فامتلك شجاعة
أنْ يُملى على سكرتيره أنْ يكتب
على خطاب القصر ((ما علاقة هؤلاء
بالأدب حتى أمنحهم الدكتوراه
الفخرية)) ودفع ثمن موقفه
المبدئى بنقله من الجامعة إلى
وزارة الأوقاف بعد أنْ تضامن شيخ
الأزهر مع القصر. كما أنّ إيمان
طه حسين بالعقل الحر جعله يتحدى
الملك فؤاد عندما عرض عليه أنْ
يتولى رئاسة تحرير صحيفة (الشعب)
لتكون تعبيرًا وصوتًا (أى مجرد
بوق) للقصر، وضد الشعب . وطه حسين
هو الذى شجّع دخول البنات
الجامعة ، وشجّع الكثيرين من
الشباب للكتابة فى مجلة (الكاتب
المصرى) ،مثل د. سهير القلماوى
التى نشرتْ عدة مقالات ، كان من
بينها مقال بعنوان (حول خلق آدم)
أشارتْ فيه إلى العالِم جيمس
فريزر فى موسوعته (الغصن الذهبى)
الذى أفاض فيه فى شرح القصص
الشعبية عن خلق الإنسان من طيـن
، لدى شعوب عديدة ومن عصور موغلة
فى القِدم وفق أساطيرها الخاصة ،
وذلك قبل الديانة العبرية بآلاف
السنين (عدد أكتوبر 1945) .
وإذا كان طه حسين قد ذكر
للفرنسيين أنه ((أعمى وغريب)) (وهى
حقيقة لا تدعو للمعايرة بها بهدف
تشويه صورته ، كما ذكر أ. عمرو)
فإنّ طه حسين وصل تواضعه لدرجة
أنْ يُلخص مقالا ( لا كتابًا) إذْ
أعجبه مقال للكاتب (عبداللطيف
شرارة) بعنوان (كيف نُحارب
الطائفية ؟) نشره فى مجلة (الأديب)
قال فيه ((إنّ التوفيق بين الدين
والفلسفة محاولة عقيمة ، وقد قام
بها ابن سينا منذ قرون ، فانتهى
به الأمر إلى اعتباره زنديقا من
قِبلْ رجال الدين ، قصير النظر
من قِبلْ الفلاسفة. وهذا كل ما
ربحه من تجربته . كما أنّ التوفيق
بين دين ودين ، انتهى على يد
الكثيرين فى أوروبا وفى الشرق
إلى مآس ردّد التاريخ صداها)) (مجلة
الكاتب المصرى – فبراير1946)
ووصل الهجوم على طه حسين من
الإسلاميين لدرجة إتهامه
بالعمالة للصهيونية. وعن هذا
الموضوع كتب د. على شلش ((قبل أنْ
يصدر العدد الأول من مجلة الكاتب
المصرى ، كانت الشائعات قد سبقته
، حول صلة المجلة بالصهيونية))
ولكن المواد التى نشرتها المجلة
ألجمتْ الأعداء ، ففى عدد أكتوبر1946نشرتْ
المجلة عرضًا لكتاب (قضية فلسطين)
تأليف نجيب صدقة. وقال كاتب
العرض أ. محمد سعيد العريان ((ليت
كل صهيونى فى إنجلترا وفى أمريكا
يُتاح له أنْ يقرأ هذا الكتاب
ليعرف أى باطل يستمسك ، وليت كل
عربى فى المشرق والمغرب يقرؤه
ليعرف عن أى حق يُدافع)) ونشرت
المجلة فى بابها الشهرى الثابت (شهرية
السياسة الدولية) أنباء تطور
القضية الفلسطينية. وكان يكتب
هذا الباب د. محمود عزمى . وخلص د.
على شلش من هذه النماذج إلى ((أنّ
رئيس تحرير مجلة الكاتب المصرى (طه
حسين) وكتابها لم يتجاهلوا
القضية الفلسطينية ، ولم يسكتوا
عن الإشارة إلى خطر الصهيونية))
وهو الأمر الذى شجّع مجلات أخرى
مثل (الفجر الجديد) التى موّلها
المصريون اليهود ، ودرجتْ على
مساندة القضية الفلسطينية ،
ونشرتْ بيانات استنكار
للصهيونية من يهود العراق على
سبيل المثال)) (من مُقدّمة المجلد
الأول – هيئة الكتاب المصرية –
عام 98من ص 25- 30) .
وإذا قفزنا من عام 1945إلى عام 1980
ودخلنا حرم جامعة المنيا ، نجد
أنّ الإسلاميين مصرون على
التربص بطه حسين ، حتى فى مسقط
رأسه ومكان ولادته ونشأته. كانت
الأبحاث التى (أجهد) الأساتذة
الدكاترة أنفسهم فى كتابتها
تدور حول أنّ طه حسين ((ليس أكثر
من مؤامرة صهيونية)) أما أدلة
الإتهام فهى أنه صاحب كتاب (فى
الشعر الجاهلى) والكفر فيه ثابت
مادام مؤلفه يُشكك فى القصص
القرآنى . وهو صاحب كتاب (مستقبل
الثقافة فى مصر) حيث يُزكى
الثقافة الأوروبية ، فينسلخ بنا
عن الإسلام . وهو الذى تحمّس
للأقسام (الوثنية) فى كلية
الآداب ، فأسّس وشجّع اليونانية
واللاتينية ، وترجم ولخص
أفكارهم فى كتابه (قادة الفكر)
ونقل أساطيرهم فى المسرحيات
التى ترجمها .
كانت المفاجأة (الفضيحة) أنّ
المفكرين الذين حضروا من أرجاء
المعمورة للاحتفال بذكرى طه
حسين ، فإذا بهم يُشاهدون محاكمة
للرجل ، محاكمة تعتمد على
التجريح والإتهام بالعمالة
للصهيونية ، بخطاب إنشائى مستمد
من الباب الأول فى الثقافة
العربية (باب الهجاء) وأنّ أعداء
طه حسن لم يُقدّموا دليلا واحدًا
أو وثيقة واحدة تؤيد مزاعمهم
الباطلة. وبالتالى لم تكن
المحاكمة فى جامعة المنيا فى
إطار البحث العلمى الذى ينطلق من
قاعدة النقد الموضوعى لمناقشة
أفكار الرجل بأسلوب الرد على
الحجة بالحجة. ولم يُنقذ الموقف
إلاّ عدد قليل من الكتاب أمثال (أ.
محمود أمين العالم) الذين غامروا
((وسط جمهور مشحون بالانفعالات
الدينية ، بالدفاع عن صاحب (الفتنة
الكبرى) ، (الوعد الحق) ، (تجديد
ذكرى أبى العلاء) ، (المعذبون فى
الأرض) (لمزيد من التفاصيل أنظر:
د. غالى شكرى – أقنعة الإرهاب –
دار فكر للدراسات عام 1990 أكثرمن
صفحة)
وفى عام 2006 نجد نفس أسلوب الهجوم
لم يتغير، فيرى أ. عمرو على بركات
أنّ كتاب طه حسين (مرآة الإسلام)
الهدف منه (تمييع فكرة الدين
الإسلامى وأنه ليس إلاّ التطور
الطبيعى الحضارى للفكر الجاهلى))
أى أنّ الفكرة التى يريد أ. عمرو
نقلها للقارىء هى أنّ طه حسين
عدوٌ للإسلام ، وهى الفكرة التى
ردّدها الأصوليون ، مثل أ. أنور
الجندى الذى قال فى كتابه عن طه
حسين أنّ ((هذا الرجل قد زُرع فى
أرضنا لمحاربة الإسلام)) ولأنّ أ.
عمرو يُعادى المنهج العلمى كتب
أنّ طه حسين ((ترك ثراءً فى
الانتاج ، ولكنه ترك خواءً فى
المشروع الفكرى النهضوى ، فكانت
النتيجة أنْ أصبح مساهمًا أصيلا
فى أسباب غياب المشروع النهضوى))
وأعتقد أنّ هذا الكلام قد يُثير
الألم عند البعض ، وقد يُير
الضحك عند آخرين ، فإذا كان عميد
الثقافة المصرية (طه حسين) تسبّب
فى غياب المشروع النهضوى ، فمن
هم الذين ساهموا فى هذا المشروع
؟ أليسوا هم (بأسلوب المخالفة)
أعداء طه حسين من الأصوليين ؟
الذين يرفضون (علمنة الدولة)
والتعليم العصرى ، ويُسبّحون
ليل نهار كى تعود الخلافة
الإسلامية ، وأنْ تتراجع عقارب
الزمن 14قرنًا إلى الوراء ، ليعيش
شعبنا (المصرى) ومعه شعوب
المنطقة (فى نعيم ورفاهية كهوف
الماضى) .
الهجوم على طه حسين ذكرنى
بالعظماء فى تاريخ الفكر
الإنسانى : فالأحرار فى كل مكان
فى كوكبنا الأرضى ، لايزالون
يتذكرون سقراط ، ولا أحد يتذكر
أسماء من حكموا عليه بالإعدام ،
ويتذكرون جاليليو ولا يتذكرون
أسماء من حاكموه أعداء البحث
العلمى ، ويتذكرون العالم
والمفكر الكبير جوردانو برونو ،
ولا يتذكرون أسماء القساوسة
الأتقياء الذين أحرقوه حيًا فى
ميدان روما فى مطلع عام 1600،
لمجرد أنه أيّد نظرية كوبر نيكوس
وجاليلو ، ودافع عن الحضارة
المصرية ، وأنّ الدين المصرى
القديم مؤسس على الحب والتسامح
ويجب على البشرية أنْ تعتنقه كى
يسود السلام بين كافة الشعوب.
وبعد آلاف السنين سيُردّد البشر
(الأحرار) اسم طه حسين ، ولن
يتذكر أحدٌ اسمًا واحدًا من
الذين أساؤوا إليه. سيظل هدفًا
لسهام خصومه ، ولكنه سيظل أيضًا
رائدًا كبيرًا فى تثوير الفكر
المصرى . وسيحظى بالاحترام من
كثيرين أمثال المفكر الفلسطينى
فيصل درّاج الذى كتب عنه دراسة
مهمة ، أشاد فيها بدوره التنويرى
. وإذا كان طه حسين سيظل دومًا
رهن الاستدعاء والهجوم عليه ((حيًا
وميتًا)) على حد قول د. على شلش ،
فإنّ الليبراليين المدافعين عن
الدولة العصرية ، الرافضين
للدولة (الكهفوية) المؤمنين بأنّ
الشعوب المتحضرة تتقدم للأمام
وليس إلى الخلف ، إنّ هؤلاء
الليبراليين والعلمانيين وكل
الأحرار، سوف يُردّدون صياغة
الشاعر نزار القبانى العبقرية ،
إذْ صدق فى قوله الحكيم عندما
قال (( إرم نظارتيك ما أنت بأعمى ..
إنما نحن جوقة العميان)) .
*****