حضور بارز، ووعي تام بالمتغيرات الحاضرة والمستقبلية، واستعداد فاعل ومؤثر لادامة الثورة المصرية الجديدة ودعمها والانتماء اليها.. هكذا كان دور الثقافة والمثقفين والاكاديميين والقضاة المصريين في ثورة الشعب المصري ضد قوى التخلف والرجعية والظلامية التي اوقف المصريون تماديها في الاساءة الى تاريخ مصر الحضاري المتقدم، ولم يمكنوا هذه القوى على الاستمرار في تدمير مصر والمصريين.. فعام من تجربة مرة للحكم، كانت كافية لاعطاء مؤشرات واضحة وكاملة على ان حكم (اخوان مرسي)  لم يعد صالحاً للحكم.. واي تقاعس عن ايقاف امتداد هذا الحكم، معناه أن عقارب الساعة المصرية تمضي باتجاه معاكس لحركة التاريخ ولأرادة الشعب الذي عمل على ازدهار مصر وجعلها (ام الدنيا) بحق.. وليس من المنطق ان تعود مصر الى العقلية الجاهلية والمسار الغفل .. من هنا برز دور المثقفين المصريين في توعية الشعب بواقعه اليومي الذي دمره حكم اتخذ من الدين الاسلامي الحنيف مظهراً مخادعاً وستاراً لكل اساليب حكم الجهل والخديعة.. وكشف الواقع ان النتيجة التي عمل عليها (الاخوان) منذ عام 1928 كانت نتائجها هذا العداء لكل ما هو حياتي وانساني مشروع..!! من هنا توضحت الصورة جيداً.. ومع تأييد قروي ساذج يعمل خطاب (الاخوان) على نشره في القرى والأرياف، وخطاب حضاري مدني يتقدم لأنقاذ مصر من تردي اقتصادها وحياة ابنائها في كل الميادين.. ووجدنا المواقف بارزة، حية، شجاعة يعلنها مثقفو مصر من خلال: محمد حسنين هيكل، د. جابر عصفور، الشاعر احمد عبد المعطي حجازي، الروائيون: يوسف القعيد، بهاء طاهر ، جمال الغيطاني ،الفنانة الهام شاهين، الشاعر الشعبي احمد فؤاد نجم، والشاعر عبد الرحمن الابنودي.. ومئات غيرهم، جندوا انفسهم للثورة ..وكانوا في قلب الاحداث.. فيما وقفت القوات المسلحة موقفاً مشرفاً في حماية امن البلاد.. وهو الدور الاساسي المناط بها ويقع ضمن مسؤولياتها، بوصفها حامية للشعب، لا لحكم فقد شرعيته.. ذلك ان الشرعية التي ينادي بها عدد من المغفلين باتت مفقودة بسبب الاخلال المتعمد الذي اتخذه حكم الاخوان، الذي تخلى عن العهد والعقد والاتفاق الذي قطعه اثناء الانتخابات في تقديم الخدمات التي يحتاج اليها شعب مصر، وما دام هذا الحكم قد تخلى عن تحقيق الوعود التي قطعها للمصريين ولم يتمكن من انجاز اي منها؛ فأن النتيجة المنطقية أن يزال مثل هذا الحكم وأن يعمل الشعب على تقويضه عاجلاً.. هذه صورة مصر اليقظة اليوم.. اما صورة العراق.. ففيها من المآسي والدمار، اضعاف ما واجهه المصريون خلال عام واحد، فكيف هو حال العراقيين منذ عام 2003 وما قبله من حكم الطغاة حتى الآن وهو يواجه اعمال العنف والارهاب والفساد وتدمير البنى التحتية بشكل عام..
 
ولا نجد أي دور للثقافة والمثقفين في العراق.. فاتحاد الادباء والكتاب مازال منشغلاً انشغالاً تاماً بالحفاظ على (قيادته) لئلا تضيع منه، ومازالت جلساته تناقش السردية بوصفها حمامة سلام العراقيين وخبزهم اليومي، وكأن ما يجري من احداث تدميرية جسيمة لا علاقة للثقافة والمثقفين بها.. ومازالت نقابة الصحفيين العراقيين تعد بتحقيق حياة من عسل لكل عضو من اعضائها الذين يستجيبون لسياسة قيادتها المعصومة من الغفلة  عن كل ما يدور حول الصحفيين من تنكيل وتدمير وفاقة. وبقيت نقابة الفنانين.. لا  قدرة لها على التنقيب عن سبل للخروج من الأزمات الحادة التي يعيشها فنانو العراق بوصفهم بشراً..! ولا علينا من قضاة واطباء ومهندسين وصحفيين رحلوا واساتذة جامعة احيلوا الى التقاعد قسراً، وخبرات في كل الميادين اغلقت دونها الابواب ..!!
 
ولا يهم ان كانت الحرائق والموت الساخن والسكن في العراء او النفايات والماء المعتق عفناً والكهرباء  التي تسرق امواله علناً.. لا يهم كل هذا ما دامت الفئة التي تحكم ضامنة لوجودها، محمية بزيفها وطغيانها ولصوصيتها.. فيما نجد مثقفي العراق يغضون الطرف عن كل شيء إلا مشاغلهم الذاتية ومنافعهم الشخصية.. وهذا هو الفرق الواضح بين ثقافة مصرية منتجة وفاعلة ومؤثرة وثقافة عراقية منعزلة فاقعة مهمشة من قبل السلطة الحاكمة، ومهمشة من قبل نفسها كذلك.. وهي تتجه للتخلي عن كل مواقفها  الوطنية السابقة التي عرفت بها على مدى اعوام طويلة من النضال الباسل  والمتين الذي خاضه في الازمنة الصعبة.. وقد آن الآوان الآن لاستعادة دور الثقافة والمثقفين اليوم، واتخاذ زمام المبادرة في الدفاع عن حقوق المستضعفين في الارض بعد ان تحول عدد كبير من السياسيين الى مجرد شخصيات لا حول لها ولا قوة الا حصاد الغنائم وتأمين حياة الدنيا والآخرة!
 
إن العام الواحد الذي احتمله المصريون من (حكم الاخوان)؛ مازلنا نحتمل في العراق اضعافه منذ عام 2003 حتى  الآن، من دون ان نجد اي موقف واضح ولا توجه مسؤول للثقافة والمثقفين في العراق في الكشف عن كل السلبيات والازمات الحادة التي نواجهها في كل مرفق من مرافق الحياة اليوم.. واذا ما بقي مثقفو العراق على وفق هذا الغياب الاعمى والتجاهل المقصود والصمت البليد، فأن الامور ستتردى يوماً بعد آخر، ومن ثم يصبح من الصعب معالجتها وتصويبها واصلاحها وحتى تغييرها..
 
لقد آن الآوان لمثقفي العراق من ادباء وكتاب وصحفيين وفنانين واكاديميين ان يقرأوا  صور الواقع الاجتماعي الذي يعيشونه راهناً.. ويعملوا على توضيح حقائقه للناس وللمسؤولين على حد سواء ومثل هذا التوجه يقع في صلب عملهم وعمق مسؤولياتهم.. ذلك أن السياسة وعي وموقف .. وتثقيف الشارع العراقي بمآسيه.. هي السياسة الثقافية المنشودة اليوم.. فهل نجد آذاناً صاغية وعيوناً بصيرة؟ هذا ما ننشده وندعو اليه .. متخذين من بصيرة المثقفين في مصر طريقاً نضالياً.. وان كان محفوفاً بالمخاطر شأنه شأن اي موقف انساني نبيل.