حُمَّى الجدل الإسرائيلي
حول ضرب النووي الإيراني
ياسر الزعاترةليست هذه المرة الأولى التي يندلع فيها الجدل في الداخل
الإسرائيلي حول الضربة العسكرية للمشروع النووي الإيراني. حدث ذلك مرارا خلال
السنوات الأخيرة، لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أنه ما من مرة كانت الضربة أكثر
إثارة للجدل من هذه المرة، ويشير سيل التحليلات والمقالات اليومية في الصحافة
الإسرائيلية إلى أن القرار قد اتخذ بالفعل، وأنه إذا لم يتم التحرك سريعا من قبل
رافضي الضربة للضغط على السياسيين المعنيين، فإنها ستنفذ بعد أسابيع، أو بعد شهور
قليلة في أبعد تقدير.
من الصعب الحديث عن تمثيلية أو مسرحية، فمن يعرف الكيان
الصهيوني وحركة الاجتماع السياسي فيه يدرك أن الأمر جدي إلى حد كبير، أعني قناعة
كثيرين باقتراب الضربة، بصرف النظر عما إذا كان قرارها قد اتخذ بالفعل، أو أنها
ستنفذ أم لا. وحين يتظاهر إسرائيليون ضد الضربة فليس ذلك محض مسرحية أيضا، بل هي
القناعة من قبلهم باحتمال أن تنفذ بالفعل في خلال وقت قريب.
ما ينبغي التأكيد عليه، وبعيدا عن النزاع الدائر بين غالبية
الأمة وبين إيران بسبب الموقف من ثورة سوريا على وجه التحديد، فإن المجتمع السياسي
والأمني الإسرائيلي يُجمع بلا تردد على خطورة المشروع النووي الإيراني وضرورة
التخلص منه بأية وسيلة ممكنة. لكن الخلاف القائم إنما يتركز على الطريقة التي ينبغي
اتباعها في سياق التخلص من ذلك المشروع، لاسيما أن أحدا (بما في ذلك الغرب والعرب)
لا يبدو مقتنعا بأنه سلمي بالفعل رغم تأكيدات طهران وفتاواها المتواصلة على هذا
الصعيد.
المسألة إذن لا تعدو أن تكون منحصرة في الوسيلة الأجدى للتخلص
من ذلك المشروع دون تداعيات كبيرة؛ أولا على العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، وثانيا
وهو الأهم على الدولة العبرية بسبب ردود الفعل الإيرانية المتوقعة على الضربة،
اكانت ردودا مباشرة تستهدف الدولة العبرية ومواطنيها في الداخل، أم خارجية عبر
استهداف مصالح صهيونية في العالم.
اليوم يصرخ قطاع كبير من المجتمع الإسرائيلي وفي المقدمة
سياسيون وأمنيون حاليون وسابقون من العيار الثقيل ضد الضربة، معتبرين أن قرارها قد
اتخذ من قبل الثنائي (نتنياهو- باراك)، محذرين في الآن نفسه من تداعياتها المشار
إليها على إسرائيل ومواطنيها وعلى العلاقة الأمريكية الإسرائيلية.
هل يمكن القول تبعا لذلك إن الثنائي المذكور قد اتخذ القرار
بالفعل؟ سؤال تصعب الإجابة عليه بنعم، أعني لجهة اتخاذ القرار معطوفا على توقيت
التنفيذ المحسوم، لكن الرجلين على ما يبدو يقيسان ردود الفعل، وسيقرران بعد ذلك ما
يقتنعان بجدواه، من دون استبعاد صحة بعض التحليلات حول وجود هدف كامن من وراء إثارة
الضجة يتمثل في الضغط على واشنطن من أجل اتخاذ خطوات أكثر تأثيرا لمعاقبة إيران
ودفعها نحو وقف التخصيب.
والحال أن نتنياهو (كذلك حال باراك) ليس خائفا على العلاقة
الأمريكية الإسرائيلية، إذ يعتقد أن أي رئيس للولايات المتحدة، أكان أوباما أم سواه
لن يجرؤ على التنديد بالموقف الإسرائيلي حتى لو لم يكن مقتنعا به، فالحضور الصهيوني
في الكونغرس أكبر من أن يتمرد عليه أي رئيس مهما بلغت قوته.
من زاوية أخرى، يرى الثنائي إياه أن كل تأخير في الضربة سيعني
اقتراب إيران أكثر فأكثر من تصنيع السلاح النووي، كما أن “إسرائيل” لن تحصل على
توقيت أفضل من التوقيت الحالي تبعا لعزلة إيران غير المسبوقة في المنطقة، وهي
العزلة التي قد لا نبالغ إذا قلنا إنها ستعني فرح الكثيرين بالضربة بسبب موقف طهران
من سوريا وحالة الحشد المذهبي التي تجتاح المنطقة، الأمر الذي تتحمل إيران مسؤوليته
أكثر بكثير من سواها. أما ردة الفعل الإيرانية، فيرى الثنائي إياه أنها ستكون
محتملة، ولن تتجاوز مدتها الشهر، وعدد “ضحاياها” 200 شخص، فيما ستحسب إيران ألف
حساب قبل التفكير في استهداف مصالح خارجية أمريكية أو إسرائيلية.
في المقابل يرى الآخرون أنه من دون غطاء أمريكي للضربة، فإن
قرارها سيكون بالغ الرعونة، فيما يعلم الجميع أن واشنطن ترفضها بشكل حاسم، وتفضل أن
تأخذ العقوبات مداها كسبيل لوقف إيران لعمليات التخصيب. ويرى الأمريكان كما أعلن
وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان أن الضربة لن تزيد على تأخير المشروع النووي
الإيراني وليس شطبه كليا تبعا لتعدد منشآت التخصيب وصعوبة تدميرها بالكامل.
الأهم بالنسبة لواشنطن بالطبع هو الخوف من ردود الفعل الإيرانية
التي قد تطال أسطولها ومصالحها في المنطقة، وربما في العالم أجمع، هي التي لم تلملم
بعد تداعيات معركتها في العراق وأفغانستان، فيما يحضر جنودها في البلدين (هناك
بقايا لهم في العراق) كأهداف للإيرانيين في حال تعرضهم للضربة.
في ضوء ذلك كله سيكون من العسير الجزم بنهاية هذه الجولة من
الجدل الداخلي الإسرائيلي، وبالضرورة الجدل الأمريكي الإسرائيلي حول قرار الضربة،
وهل سيؤدي إلى وقفها، أم سيفاجئ نتنياهو الجميع بتوجيهها لطهران متحملا التداعيات
على مختلف الأصعدة؟ لا أحد يملك الإجابة، وليس بوسعنا غير الانتظار