سد يقطف الأزهار على البحر الأسود؟.. ونصائح لرجال المخابرات العرب
بسام البدارين
2012-06-17
آخر
48 ساعة قبل إنتخابات الرئاسة المصرية كانت جميع الفضائيات تشتعل وهي
تتحدث عن سيناريوهات ما سيحصل في مصر بإستثناء الجزيرة التي فردت تغطية
إخبارية عادية للحدث المصري وركزت كثيرا على الملف السوري حتى أنها خصصت
بعض برامجها الحوارية حول بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة بعد ما قالت
خديجة بن قنة أنها تحولات ترصد في الموقف الروسي تجاه النظام السوري
وبعدما أشاعه الفرنسيون ثم نفاه الروس عن سيناريوهات تفكر بها موسكو
لترحيل الأسد.
صديق لي متحمس جدا أهلكنا وهو يؤكد بان قصرا صغيرا على
واجهة البحر الأسود يخضع حاليا لعمليات صيانة خاصة وتنسيق زهور وحديقة
تمهيدا لإستقبال الرئيس الشاب بشار وعائلته الصغيرة قريبا .
شخصيا لا
أصدق هذه الروايات وتقديري أن من يحبون رؤية الأسد الشاب خارج السلطة وأنا
منهم بكل تأكيد- يتخيلون إنشغاله بالأزهار التي زرعها الروس في حديقة
منزله الجديد على البحر الأسود فالرجل كما أرى منشغل تماما في معركة
القضاء على كل زهرة أو وردة يمكن أن تتفتح في بلاده وفي الطريق يبدو
مستعدا لحصد الرؤوس أيضا مقابل التشبث بكرسي الرئاسة فقد أبلغتنا محطة
العربية في أحد تقاريرها بأن القوات العسكرية التابعة للأسد (تجرف)
الغابات والأشجار والأزهار حول بعض القرى المتمردة أو تلك التي يحتمي فيها
الجيش السوري الحر.
شجرة صدام حسين وأزهار بشار الأسد
قطع
الأشجار يذكرني بإسرائيل فقط للأسف وها هي زعاماتنا العربية تنافسها في
قلع الشجر والثمر والرؤوس وهو الأمر الذي يحشرني كمواطن عربي في زاوية
الخجل الشديد والعورة التي كشفها الربيع العربي.
قيل لنا على هامش
محاكمة الرئيس الشهيد صدام حسين بأن قواته جرفت مئات الأشجار في منطقة
تعرض فيها موكبه يوما لمحاولة هجوم وقالت لنا إم بي سي أيام إعتقال صدام
بأن جل وقته يقضيه في سقاية نبتة صغيرة وضعها الأمريكيون قرب زنزانته.
والجنرال
الأردني سميح البطيخي بعد القضية المشهورة التي أدخلته في عالم النسيان
والصمت أبلغني مع زميل آخر بأنه يقضي أغلب وقته في رعاية سلة النباتات
المنزلية في فناء منزله بعد 40 عاما قضاها في المخابرات وحكم خلالها
الأردن والأردنيين.
ترى هل تلتقط عيناي يوما صورة للرئيس بشار الأسد
وهو يتجول بين أشجار وأزهار حديقته المنزلية المطلة على صخور البحر
الأسود؟... والدتي عليها رحمة ألله كانت تطلق تعبيرا شعبيا في مثل هذه
الحالات تقول فيه (يا من درى) وهي عبارة فلاحية تقصد التمني والأمل
والرغبة في حصول شيء فبشار بعد الدم الذي سال أو أساله هو في شعبه وبعدما
قصر في حماية الناس يستحق لقطة تظهره وهو يروي نبتة صغيرة قبالة البحر
الأسود فالزعامة لا تعني فقط إظهار القدرة على قمع التمرد بل حماية
الأبرياء الذين يعلقون دوما بين الثورة والأنظمة كما حصل تماما في الحالة
السورية .
دولة مدنية بمنظور إسلامي
طلب مني الزملاء في
فضائية رؤيا المحلية التقدم بمداخله على الهواء مباشرة خلال إستضافة
المحطة لقائدين بارزين من قادة الحركة الإسلامية هما الصديق زكي بني إرشيد
والشيخ جميل أبو بكر.
ضمنيا فهمت بأن المطلوب طرح سؤال على الضيفين
يفترض الزملاء أنه سيكون محترفا وصعبا ومهما فإخترت بعد الإشادة بالأخوان
المسلمين كمؤسسة راعية اليوم للوحدة الوطنية التي تتلاعب بها بقية
المؤسسات توجيه سؤال طالما حيرني عن الأسباب الحيوية التي تمنع الحركات
الإسلامية من دفع نشطاء الربيع العربي للإسترخاء وهي تصر على الإمتناع عن
تأييد (الدولة المدنية)؟
كالعادة وبذكاء متوقع إستخدم بني إرشيد
مهاراته في الإفلات من المطبات في الإجابة فأطرى علي قليلا ووصفني بالصديق
مبديا إستغرابه على أساس أن الحركات الإسلامية أعلنت موقفها عدة مرات من
موضوع الدولة المدنية وبسبب الحيز المتاح لي على الهواء لم أتمكن من
التعليق على الإجابة.
عمليا ألمح الرجل الى ان الأخوان المسلمين مع
الدولة المدنية وبوضوح لكن وضع مع الموقف العبارة التالية ( .. لكن بمنظور
إسلامي طبعا) .. هنا حصريا تكمن المشكلة فالأخوة في التيارات الإسلامية
يمتنعون عن تعريف مثل هذه العبارات ويحتاطون جيدا لطرح التفسير المناسب في
الوقت الأنسب.
الأهم أن أحدهم عاتبني لإستخدام عبارة (مؤسسة الأخوان
المسلمين راعية للوحدة الوطنية) والحقيقة تشير الى ان إستعراض الواقع
المحلي بإنصاف يقود المراقب المنصف لهذا الإستنتاج فعلا فمؤسسة الأخوان
وحدها في البلاد اليوم تتجاوز في الخطاب والأداء كل الحسابات الإقليمية او
الجغرافية أو الديموغرافية التي تغرق بها النخب الأردنية حتى عندما تعد
مائدة على طبق المنسف أو عندما تتشكل حكومة أو لجنة .
شئنا أم أبينا
وحدهم الإسلاميون لا تستطيع التمييز بين الأردنيين أو الفلسطينيين بينهم
ووحدهم لا ينتخبون على أساس الجغرافيا ويتجاهلون كل آليات المحاصصة
والمناطق والعشائر والأصول والمنابت .. هذا بعجيني كمواطن أردني وأتمنى
تعميمه على بقية المؤسسات خصوصا البيروقراطية والرسمية.
نصائح لرجال المخابرات
لكن
التجربة مع الزملاء في محطة (نورمينا) تبدو مختلفة قليلا فقد إستضافني
مقدم برامج متحمس وفعال وذكي للتحدث حصريا عن تأسيس المبادرة الأردنية
لمواطنة متساوية وفوجئت بأن الرجل كان يحرص عندما أحاول إستعمال مهارات
المناورة واللف والدوران في الكلام على تشجيعي على الهواء مباشرة وتحريضي
بحيث أسمي الأشياء كما هي ..لذلك أشار الزميل عدة مرات لإني أقصد جهاز
المخابرات العامة قائلا: لماذا لا نقولها بصراحة أخ بسام ؟.. إنهم
المخابرات .
في الواقع لم أكن أقصد المخابرات في المواطن التي ذكرها
الزميل لكني أعترف بصراحة بأني لا أستطيع مقاومة العبارات الصريحة
والمباشرة وعلى الأقل اترك لها المجال لتنطلق .
خلافا لذلك تطربني أي
عبارات على شاشات الفضائيات العربية عموما تؤكد لأي مشاهد أو مواطن بأننا
نستطيع فتح الفم بالمليان والتحدث عن أجهزة كان التحدث عنها قبل سنوات فقط
مستحيلا ..هذه بالتأكيد بركات الربيع العربي فأنا أرجح أن ممارسات الأجهزة
الأمنية العربية سببا مفصليا في سقوط العديد من الأنظمة والزعماء وموقفي
المهني أن المؤسسات الأمنية ينبغي ان تخضع للنقد والتحليل والمتابعة .
لا
زلت عند قناعتي بأن الشرطي أو رجل المخابرات او رجل أمن الدولة في اي بلد
عربي وعندما يتصرف بأي طريقة مع مواطن معارض او مجتهد أو مخطيء يتشكل فورا
عند هذا المواطن الإنطباع بأن من يتصرف في الواقع هو النظام نفسه ورأسه
بصورة محددة وحصرية .
ولذلك شاهدنا على الجزيرة والعربية أحذية تندفع
كالصواريخ في وجه الزعماء وصورهم العملاقة في ليبيا والعراق واليمن ومصر
وتونس ..نصيحتي لرجال الأمن العرب : لا تسيئوا التصرف مع المواطنين إذا
كنتم مخلصين فعلا لزعمائكم فأي خروج عن قواعد اللياقة أثناء ممارسة
واجباتكم قد ينتهي بحذاء أو طلقة أو سحل بالشوارع أو سقوط الزعماء الذين
يفترض أنكم تخدمونهم