أكشن سياسي: عندما استعاذ طاهر المصري بالله وشهد الأسد بأن العرس عند الجيران
بسام البدارين
2012-09-02
شاشة
التلفزيون تصلح بالعادة لتطبيق المثل الشعبي (كذب الكذبة وصدقها).. هذا
تماما ما حصل في برنامج الرأي الثالث الذي تبثه شاشة التلفزيون الأردني
برعاية الداعية الزميل جهاد المومني الذي حشر شخصية سياسية في قمة الإعتدال
من وزن طاهر المصري وطرح عليه السؤال التالي: هل صحيح أنك تمثل دعاة
الحقوق المنقوصة؟
طبعا الزميل المومني خلط الكلمات بذكاء ببعضها فربط
قصة الحقوق المنقوصة بملف من وصفهم بالمكون الفلسطيني .. هذه اللعبة كان
يسميها المرحوم جمعة حماد حسب شيخ الصحافة الراحل محمود الكايد ب(تمزيط
الحكي).
المومني مارس لعبة التمزيط إياها مع الشخص الخطأ فطاهر المصري
أوضح إنسان في الأردن على الإطلاق وقد يكون السياسي اليتيم في البلاد الذي
يبطن ما يظهره تماما وعليه جاء الرد بعبارة قصيرة إستنكارية بصيغة (أعوذ
بإلله) .
أحسست للحظة أن شيخنا المخضرم أراد أن يقول للممزط الأبرز
المومني: ويحك يا رجل ما الذي تقوله فالأخير ألقى للتو تهمة من الوزن
الثقيل تستخدم في بلادنا برسم (الإفتراء) ومن السهل جدا أن ترمي قنبلة هذه
التهمة بحضن أي أردني لكي يسارع لنفيها في لعبة يبدو أنه لا نهاية لها.
بلاط غير ديمقراطي
بطبيعة
الحال لست معترضا على مهارات الزميل المومني في التمزيط ولا على إستعاذة
المصري بإلله العظيم فمن يدخل إستديوهات تلفزيون الحكومة عليه أن يقرأ
المعوذات ودعاء القنوط والإستمطار في الكاريدور لإن البلاط في المكان عندما
يمشي عليه شخص بمواصفات المصري يصرخ ويقول: ما الذي أتى بك هنا.
بالنسبة
لي لا أذكر أني رأيت المصري الوجه الديمقراطي والإصلاحي الحقيقي الوحيد
بين نخب البلاد حاليا على شاشة الشعب الذي يترأس مجلس أعيانه ضيفا منذ زمن
بعيد وهواجسي تقول بأن الرجل حضر في المقابلة اليتيمة لكي يطرح عليه تحديدا
سؤال الحقوق المنقوصة قبل أي شيء آخر .
إعتراضي الأساسي على الخلط
الخبيث بين شكوى المكون الفلسطيني وبين تهمة الحقوق المنقوصة فالمكون يشتكي
من الإقصاء والتهميش والإبعاد وليس من حق منقوص وشخصيا لم أقابل أردنيا
واحدا بصرف النظر عن مكان ولادة أجداده يؤمن بعبارة الحقوق المنقوصة فهي
مفردة وردت في كتاب عدنان أبو عوده فقط ولا يتداولها القوم لأن بعض الحقوق
الدستورية قد تكون غائبة تماما وليس منقوصة وكل أردني شريف يعرف بأن الحق
المتكامل مكانه الأصلي في فلسطين وليس الأردن .
لكن القوم إخترعوا
الكذبة وصدقوها وأصبح كل أردني من أصل فلسطيني يملك الحد الأدنى من الفتاحة
والوعي والفصاحة والمكانة متهم تلقائيا بدعم حقوق منقوصة وهمية والتهمة
هنا تقدم بدون أدلة وفقط للإيحاء بأن الأردن مستهدف من جماعة وهمية .
ثمة من تضمن له هذه الكذبة موقعا دائما في عالم السياسة والصحافة والنفوذ..
صاحبنا المصري وقع للأسف في المطب لإنه مهذب وواضح وراقي ولو كنت مكانه
لمزطت الكلام قليلا على طريقة جمعة حماد وجهاد المومني ما دام المشهد برمته
تمزيط بتمزيط .
بشار الأسد وعرس الجيران
إكتشفت مؤخرا
وتحديدا بعد مراقبتي الدقيقة لمقابلة قناة الدنيا التي تبيع الفقوس أحيانا
بإعتباره أحد أنواع الباذنجان مع بشار الأسد أن موقفنا النفسي المسبق
وأحيانا السياسي قد يساهم، لا بل يساهم فعلا في تقييمنا لما نراه على أي
شاشة.
مثلا صديقي الدكتور ممدوح العبادي رجل يخاصم سياسيا وعلنا الأخوان
المسلمين ولا يناصر الثورة السورية لكنه ينتقد بقوة غياب الديمقراطية
والقمع في دمشق.. لذلك رأى في الرجل المتحدث في تلك المقابلة زعيما فصيحا
ملسنا لديه قدرة على الرد على أي إستفسارات ووجهة نظر واضحة وشمولية لما
يجري في بلاده.
ووصل العبادي إلى حالة رأي فيها المذيع بتاع دنيا متدفقا وحيويا وإعلاميا ماهرا يطرح على سيده صاحب الإبتسامة الحائرة أسئلة محرجة.
بصراحة
بحثت بإهتمام عن ما رآه الصديق المحترم في الرجل - أقصد بشار الأسد -
وإجتهدت في الموضوعية ولم أجده وعليه إكتشفت بأن موقفنا نفسي أساسا مما
نراه على الشاشة .
بالنسبة لي لاحظت مثلا بأن الرئيس بشار لم يتحدث
إطلاقا بلغة (طبيب) فمهنته غابت تماما عن المشهد والسؤال والجواب فالرجل لم
يعبر ولو لمرة واحدة عن شعوره بالألم لوقوع ضحايا أبرياء من شعبه وصفق
عشرات المرات لفظيا لتضحيات الجيش السوري الباسل لكنه لم يصفق ولو مرة
واحدة لأي شهيد سوري سقط رغم أنفه أو بواسطة طائراته وقذائفه أو حتى بيد
الإرهاب المزعوم.
تمنيت لو فعل حتى ألتقط حس طبيب العيون بالرجل فقد بدا
لي طبيبا سابقا يميل إلى الإنتعاش بالألم ويزرعه في بعض الأحيان وكل ما
يهمه هو (الإنتصار) في المعركة مع المؤامرة (العالمية) التي تحاك ضد سوريا.
لم
يقل بشار أبدا أنه مستعد لتعويض أي مواطن فقد منزله ولم يطالب اللاجئين
بالعودة إلى ديارهم بضمانته، ولم يعد المواطن السوري بالتدخل لحماية أسعار
إسطوانات الغاز التي زادت بنسبة تفوق ال 500 ' .
إبتسامات وجروح نازفة
ولم
يقل إطلاقا أن وجود (إرهابيين) أصلا سببه عدم قيام النظام بمسؤولياته ولم
يتحدث عن واجبه كرئيس لكل السوريين بحمايتهم ولم يستنكر المذابح المخزية
التي حصلت في بلاده ولم تبرز منه أي عبارة أفهم منها كمواطن عربي حزين
وحائر بأني أستمع لرجل رئيس يقول ولو بشكل عابر: نعم مسئوليتي حماية
المدنيين العزل سواء من شبيحتي أو من الإرهابيين المفترضين .
لم يقل لي
كمراقب بصورة محددة لماذا يرتمي مواطن سوري ما في حضن إرهابي ما أو لماذا
ينشق أو يتآمر على نظامه مع دول النفط الخليجية؟.. أين هي مسؤولية النظام
نفسه في ترك أي مواطن بسيط نهبا لخيار الإنشقاق أو الإرهاب أو الأعداء
المتربصين في دولة الممانعة والمقاومة؟.. لم يقل الرجل: أعد شعبي بأني
سأحاول فهم ما حصل ولماذا حصل؟
أطلق صاحبنا كلاما عموميا عن (أخطاء
إرتكبت) وبدا رجلا بريئا للغاية يقود نظاما أنعم من جلد الأفعى واثقا
بالمستقبل ومن حتمية الإنتصار في المعركة التي تدور في الواقع مع شعبه
المفترض.
ببساطة تحدث وكأن العرس عن الجيران وأمطرني بفلسفات وإبتسامات لا لزوم لها ولا تتناسب مع جرح الشعب السوري النازف.
أكشنها
..
سؤال أخير يقلقني : ما دام إنسحاب كل هؤلاء القوم وإنشقاقهم من النظام
عملية (تنظيف ذاتية) فهل يصبح من حقي طرح السؤال التالي: هل كان نظام الأسد
متسخا بهذا القدر حتى ينشق كل هؤلاء؟.. وما دور المستر (رابسو) في
العملية؟
يبدو ان من بقي بعد عملية التنظيف هم على طريقة صديقنا بتاع
برنامج الملاعب في إم بي سي: الأفضل والأروع والأشرف والأنظف ... إلخ ...
أنا شخصيا لا أصدق ذلك لأن النظام الذي تنظف للتو تاريخيا لم يبلغني بعد
بأنه ألقى القبض على الشبيح الذي اقتلع حنجرة فنان شعبي ولا رفيقه الذي كسر
أصابع رسام كاريكاتير في وضح النهار وفي وسط دمشق فمؤسسة تملك كل هذا
القدر من التبجح ضد مؤامرة كونية تستهدفها تستطيع بالتأكيد الإمساك بهؤلاء
ولو من باب ذر الرماد بالعيون.
وعلى ذكر إم بي سي لابد من تقديم الشكر
الجزيل للقائمين على حزمة فضائيات (أكشنها) فهم يقدمون لنا كأمة تواجه
تحديات مصيرية خدمة جديدة وحضارية تتمثل في الإعلان الممل عن إنشاء موقع
باللغة العربية حتى نتابع وأولادنا آخر مستجدات المصارعة الأمريكية الحديثة
التي تضم أشخاصا بوجوه قبيحة يتصارعون كالدببة مع كثير من الكلام البذيء.
إنها متعة ما بعدها متعة أن تمكنك سلسلة فضائيات ممولة بمال عربي من مراقبة أبشع ما في الإنسان وأوقح ما فيه