تدّعي هذه المقالة أن الرؤية الإسرائيلية
لأحداث العالم العربي في أعقاب الثورات العربية تختلف تماما عن الرؤية
الغربية عموما، والأميركية خصوصا. هذا التمايز في الرؤى الإسرائيلية
مقارنة بالرؤى الغربية والأميركية ظهر أيضا في التعاطي مع الثورات العربية
منذ اندلاع الثورة المصرية، أكان ذلك في فهم هذه الثورات وتحليلها،
مستقبلها ومكانة إسرائيل في المنطقة في أعقابها. تنظر إسرائيل الرسمية إلى
صعود الحركات الإسلامية مؤشراً لواقع ومستقبل العالم العربي في أعقاب هذه
الثورات. لهذا السبب لا بد من البدء بمدخل مقتضب عن الرؤية الإسرائيلية
للثورات العربية ومستقبلها.
بدأ الاهتمام الإسرائيلي بالثورات العربية
في مصر. لم ينتبه الإسرائيليون إلى أهمية الحدث في تونس، وتم التعامل معه
كحدث منفرد في السياق العربي لن ينعكس على المحيط الجغرافي في المنطقة.
وذلك نابع من كون تونس بعيدة جغرافيا عن إسرائيل وغير فاعلة في النظام
السياسي العربي وليس لها تأثير مباشر على إسرائيل، كما أن اليهود المتبقين
في تونس لا يتجاوزن المئات، ولم تشكل تونس يوما رقما يذكر في معادلة
الصراع العربي الإسرائيلي.
شكلت الثورة المصرية نقطة تحول في الاهتمام
الإسرائيلي لما يحدث في العالم العربي، ففي بداية الأحداث اتجهت التحليلات
والتقديرات الإسرائيلية إلى أن النظام المصري قادر على مواجهة الاحتجاجات،
وكان هذا التقدير نابعاً من اعتماد هذه التقديرات على أحداث سابقة استطاع
النظام المصري التغلب فيها على الاحتجاجات الشعبية والنقابية أو السياسية،
إلا أنني اعتقد أن السبب الأهم هو أن إسرائيل (أكاديمياً، إعلامياً،
استخباراتياً) لم تفهم جيدا الحدث التونسي واعتبرته حدثا منفردا وليس
صيرورة سياسية تؤثر على دول الجوار. إن توقع صعود التيار الإسلامي (حتى
قبل الانتخابات) في أعقاب الثورة المصرية أصبح الشغل الشاغل في إسرائيل
بعيد تنحي مبارك. وفور سقوط مبارك وبخلاف النقاش والجدل العالمي الذي ساد
بعد هذا السقوط، انصب الاهتمام الإسرائيلي مباشرة على التيار الإسلامي في
مصر، وشكل ذلك ادّعاء عند باحثين وسياسيين إسرائيليين بأن الغرب لا يفهم
جيدا العرب، وأن إسرائيل هي الوحيدة القادرة على فهم انعكاسات الثورات
العربية، وأن مستقبل هذه الربيع العربي لن يكون سوى خريفاً إسلامياً؛
مصطلح يكثر الإسرائيليون من استعماله. أحد الباحثين، المعروف بتوجهه
الاستشراقي العنصري ويدعى «دان شفطان»، ولكنه يشغل منصب مدير مركز دراسات
الأمن القومي في جامعة حيفا، يدّعي أن التعاطي الأكاديمي والسياسي
والإعلامي الغربي مع المنطقة العربية بعد الثورات هو نوع من الجنون، لأنهم
لا يفهمون العرب كما يفهمهم الإسرائيليون.
أمام قبر هيرتسل (١٩٤٩)تعاملت
إسرائيل مع الأحداث في العالم العربي بكفة، وما يحدث في مصر بالكفة
الأخرى، إذ أن التخوف الإسرائيلي ينحصر تحديداً حول مصر، فمصر هي «الكنز
الإستراتيجي» حسب التعبير الإسرائيلي، وفقدان مصر سيعيد رسم الخارطة
الإقليمية من جديد على المستوى الإستراتيجي والسياسي. بالنسبة لإسرائيل،
فإن السلام مع مصر كان بارداً، إلا أن برودة السلام مع مصر أهون من حر
الحرب معها، أو حالة العداء معها. تخشى إسرائيل من أن فقدان مصر سوف ينضم
إلى قائمة الدول التي فقدتها إسرائيل خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
فقدت
إسرائيل دولتين إقليميتين مركزيتين بسبب صعود الإسلام السياسي فيهما. ظلت
إيران حليفاً إستراتيجياً هاماً لإسرائيل حتى الثورة الإسلامية في نهاية
السبعينيات، إذ حوّل الصعود السياسي الإسلامي إيران من دولة حليفة
إستراتيجياً لإسرائيل إلى دولة تعتبر اليوم التهديد الإستراتيجي المركزي
لها. وعلى لسان بعض السياسيين الإسرائيليين، وأهمهم رئيس الحكومة بنيامين
نتنياهو، تشكل إيران خطرا وجوديا على إسرائيل. كما شكلت تركيا حتى صعود
حزب العدالة والتنمية الإسلامي عام 2001، حليفا إستراتيجيا تبلور على مدار
عقود وتوج بالاتفاق الإستراتيجي عام 1995، إلا أن صعود الإسلام السياسي
أدى إلى تآكل هذا التحالف والعلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوى منه،
وإلغاء أي تعاون عسكري وأمني وسياسي بين البلدين. ولا يخفي الإسرائيليون
أن ذلك لا ينبع فقط من خلافات سياسية طرأت على علاقات البلدين في السنوات
الأخيرة، بل بسبب أيديولوجية حزب العدالة والتنمية وتوجهه الإسلامي.
إسرائيل والتيار الإسلامي
تنظر
إسرائيل بخوف إلى صعود التيار الإسلامي في مصر، التي كانت الحليف الإقليمي
القوي المتبقي لها في المنطقة، وتخشى أن يتكرر السيناريو الإيراني ولو
بصورته التركية الأكثر اعتدالا. ورغم الأهمية التي كانت لإيران وتركيا في
المنظومة الإستراتيجية التاريخية التي أسسها ديفيد بن غوريون، إلا أن مصر
أكثر أهمية إستراتيجيا لإسرائيل، حيث أن مصر تعتبر دولة حدودية، وخاضت
حروبا سابقة مع إسرائيل وتربطها مع إسرائيل قضايا مشتركة مثل القضية
الفلسطينية ومسألة قطاع غزة، وقناة السويس، وهي الدولة المحورية في العالم
العربي وقائدة الدبلوماسية العربية، مما يجعل مصر في الفكر الإستراتيجي
الإسرائيلي أكثر أهمية، والتخوف من فقدانها بسبب صعود التيار الإسلامي
أكثر حدة من تركيا وحتى من إيران الشاه.
ينصب الاهتمام الإسرائيلي
بالدرجة الأولى على مصر، وتحاول إسرائيل الحفاظ على اتفاق السلام الذي
تعتبره «كنزا إستراتيجيا»، حتى في ظل الحكم الإسلامي لمصر، وقد اتبعت
إسرائيل خلال هذه المرحلة منذ سقوط مبارك وحتى الآن سياسة ضبط النفس في
التعامل مع مصر، والمقصود بضبط النفس عدم الانجرار وراء التصعيد أو
التصعيد المتبادل. فعندما قطعت الشركة المصرية إمداد الغاز لإسرائيل وألغت
اتفاق الغاز، تعاملت إسرائيل مع الأمر وكأنه خلاف اقتصادي وتجاري بين
الشركة الحكومية المصرية وبين شركة EMG التي تشتري الغاز من مصر وتصدره
لإسرائيل. وقد أصدرت إسرائيل بيانا رسميا وأكدت أن إلغاء اتفاقية الغاز هو
خلاف تجاري وليست له أي أبعاد سياسية، وخرج نتنياهو شخصيا وأكد على هذا
التوجه، وذلك على الرغم أن بنيامين بن اليعزر، الذي بلور هذا الاتفاق
عندما شغل منصب وزير الطاقة وكان صديقا حميما لمبارك، اعتبر أن إلغاء
اتفاقية الغاز تفرغ اتفاق السلام من مضمونه لأن اتفاق الغاز كان النتاج
العملي والرمزي الوحيد لاتفاق السلام. وقد مارست إسرائيل نفس سياسة الضبط
في أحداث السفارة الإسرائيلية، وفيها اتهمت المتظاهرين بأنهم كانوا نشطاء
إسلاميين، إلا أن رد فعلها كان شكر المجلس العسكري على إنقاذ عمال السفارة
وليس التنديد بهذا العمل. هذه السياسة تهدف إلى الحفاظ على السلام بين
البلدين بحده الأدنى.
ارتبكت إسرائيل في مرحلة الثورة الأولى، وإذا
اعتبرنا أن الثورتين التونسية والمصرية كانتا المرحلة الأولى للتحولات في
العالم العربي، وفيهما كان رد الفعل الإسرائيلي مرتبكا ومتفاجئا، وظهر ذلك
في طلب ايهود براك، وزير الدفاع الإسرائيلي، برفع ميزانية الجيش، ويدل
الاستعداد والتفكير الأمني والعسكري مع الأحداث في العالم العربي على غياب
رؤية سياسية وإستراتيجية للتعاطي مع هذه الأحداث، بينما شكلت الأحداث في
المناطق الأخرى المرحلة الثانية (اليمن، ليبيا، البحرين وسوريا). إلا أنها
بدت واثقة من نفسها أكثر في المرحلة الثانية، وواثقة من رؤيتها للأحداث
رغم الفشل الذي اعترى المؤسسات الأكاديمية والاستخباراتية المختلفة في
إسرائيل في توقع الأحداث أو ما هو قريب منها. وقد نشرت الصحف الإسرائيلية
أن شعبة الاستخبارات العسكرية (آمان) قامت بعملية محاسبة ومراجعة لعملها
في أعقاب الأحداث في العالم العربي.
وتشير قراءة الموقف الإسرائيلي إلى
أن لدى إسرائيل مهمتين مركزيتين، المهمة الأولى والأكثر أهمية إستراتيجيا
هي الحفاظ على اتفاق كامب ديفيد مع مصر بعد الثورة، حتى في حالة صعود
التيار الإسلامي إلى الحكم، وتحاول إسرائيل بشتى الطرق الحفاظ على الاتفاق
في حده الأدنى. أما المهمة الثانية، فهي الاستفادة من انشغال العالم
العربي بنفسه وتعزيز مواقعها الإقليمية على المدى القصير لتفادي انعكاسات
الربيع العربي على المدى البعيد، فالرؤية الإسرائيلية ترى بوضوح أن
انعكاسات الربيع العربي عليها على المدى البعيد ستكون كبيرة باتجاه السلب،
وبالتالي تعمل على تفادى انعكاسات المستقبل من خلال استغلال الحاضر،
والحفاظ على مصالحها الإستراتيجية المتمثلة في الدفع بضرب إيران عسكريا،
فرض الأمر الواقع في الضفة الغربية باتجاه ضم نصف مناطق الضفة الغربية إلى
السيادة الإسرائيلية، تأجيل أي بت في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي،
وبخاصة القضية الفلسطينية والجولان، تعميق تحالفاتها مع القوى الصاعدة مثل
الهند، الصين والبرازيل وغيرها. لا ندّعي أن هذه الرؤية ستنجح في نهاية
المطاف، ولكن هذا هو التصور الإسرائيلي الذي يتبلور حاليا للأحداث في
العالم العربي.
سوريا وحزب الله
وترى
إسرائيل في الأحداث في سوريا حلقة مكملة لرؤيتها للاستفادة على المدى
القصير من الأحداث، فأنظارها غير موجهة إلى سوريا وإنما إلى حزب الله، فهي
تريد إسقاط نظام بشار الأسد لإضعاف حزب الله. في بداية الأزمة السورية كان
هناك ضباب في الرؤية الإسرائيلية، وكان هذا الضباب نابعا من ادّعاء بعض
الإستراتيجيين الإسرائيليين أن النظام السوري هو أسهل لإسرائيل حتى لو كان
هذا النظام معاديا لها. فإسرائيل تعرفه منذ عقود، وهو نظام تم ردعه
إسرائيليا، لهذا يتوجه النظام لتحريك لاعبين سياسيين ضد إسرائيل مثل دعمه
لحزب الله واحتضانه لحركة حماس، وحلفه مع إيران. إلا أن هذا الضباب انقشع
عندما رجحت هذه الرؤية مصلحة إضعاف حزب الله على فقدان نظام تعرف التعامل
معه مقابل حضور نظام لا تعرف شكله وتوجهه مستقبلا، حيث يتم النظر إلى
إضعاف حزب الله بسقوط النظام السوري ضمن الإطار الأوسع في مواجهة المشروع
النووي الإيراني.
رؤساء الحكومات الإسرائيلية
(1949 ـ 2012)
توالى على منصب رئيس الحكومة في إســرائيل، وهو الموقع الأول في هيكل
الدولة الإسرائيلية، اثنا عشــر رئيساً هم التالية أسماؤهم: دافيد بن
غوريون، موشــي شاريت، ليفي أشكول، غولدا مئير، يتسحاق رابين، مناحـــيم
بيغن، يتسحاق شمـــير، شمــعون بيرس، بنيامين نتنياهو، إيهود بارك، أريئيل
شارون، إيهود أولمرت. وقد تولى بن غوريون رئاسة الحكومة ثماني مرات،
وموشــى شاريت مرتين، وليفي أشكول ثلاث مرات، وغولدا مـــئير ثلاث
مـــرات، ويتسحاق رابين مرتين، ومناحيم بيغن مرتين، ويتســحاق شمير أربع
مرات، وشمعون بيرس مرتين، ونتنياهــو مرتين، وايهــود باراك وشارون
وأولمرت مرة واحدة.
أود ان اختم المقال باقتباس من مقال اري شبيط في مقالة له في
صحيفة «هآرتس» النخبوية في كانون الأول 2011، وهو كاتب شعبوي إلا أن له
حظوة وتحظى مقالاته باهتمام كبير في الشارع الإسرائيلي، وهو كاتب يعتبر
أنه يعبر عن البراغماتية الصهيونية العلمانية، إذ يقول في مقاله، وفي
اعتقادي يعبر كثيراً عن التوجه الإسرائيلي للثورات العربية وصعود الإسلام
السياسي، «بعد عشرة أشهر على بدء الثورات العربية الكبيرة، الصورة أصبحت
واضحة، لقد انتصر الله، اختفى شباب الغوغل، اختفى المثقفون الليبراليون،
اختفى أولئك الذين وعدونا بالمساواة، الأخوة والحرية». ويضيف شبيط «لم
نحصل على الثورة الأميركية عام 1776، ولا الثورة الفرنسية عام 1789، ولا
حتى الثورة في شرق أوروبا عام 1989، الثورة العربية عام 2011 هي ثورة
دينية، القوة التي تغير الديكتاتوريات العلمانية للضباط العرب الفاسدين هي
الإسلام، لا يوجد في الأفق مارتين لوثر كينغ، ولا المهاتما غاندي. إن
النتيجة التي حصلنا عليه بسبب طعنة السكين التي غرسها اوباما بظهر حسني
مبارك كانت واحدة ووحيدة، إخراج العفريت الديني من الزجاجة الشرق أوسطية،
وتم ذلك تحت رعاية الغرب المنهار، رجع الله، الله يسيطر، الله يستر».
* محاضر وباحث فلسطيني من أراضي 1948.