ارفعوا أيديكم عن إعلامنا
مصطفى مشتري
الاثنين 23 أبريل 2012 - 17:54
يبدو أن المعركة التي اندلعت هذه الأيام في المغرب حول دفاتر
تحملات متعهدي الاتصال السمعي البصري العمومي للفترة 2012 – 2014، و التي
صادقت عليها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ليست إلا الشجرة التي
تخفي الغابة. فخطوط التماس في بلادنا بين قوى الإصلاح من جهة، والقوى
المناهضة لكل تغيير من جهة ثانية، لم تكن تتجاوز خط المناورات الإعلامية
والسياسية، لتخرج هذه الأخيرة بعد ذلك عن صمتها وبطريقة فجة، وعبر مسؤولين
يفترض فيهم واجب التحفظ ، كانوا قد التزموا الصمت يوم كان الشارع المغربي
يعرف غليانا في العديد من المدن المغربية، للتنديد برداءة الإعلام العمومي،
وبالخصوص القناة الثانية.
وقد تابع الجميع كيف رفعت صور هؤلاء المسؤولين منذ مسيرات 20 مارس 2011،
وشعارات تطالب برحيلهم، باعتبارهم مسؤولين مباشرين عما آلت إليه الحالة
المزرية للإعلام العمومي ببلادنا.
إن المتتبع لواقع الثورات العربية سيلاحظ أن أولى المعارك
في كل من مصر وتونس بعد الثورة دارت رحاها حول الإعلام. ففي مصر مايزال
الثوار يشكون من تحكم بعض الفلول المحسوبين على النظام
البائد في الإعلام، وحنينهم إلى المرحلة التي سادت فيها مقولة " أعطني
إعلاما مطيعا أعطيك شعبا خانعا ". كما أن كثيرا من الإعلاميين والمثقفين
المصريين يعتقدون أن الثورة لم تصل إلى الإعلام بعد. ولذلك يرون أن هذا
القطاع ما زال جزءا من الماضي، الذي يسعى الى السيطرة على الثورة وامتصاص زخمها و إجهاضها. بالإضافة إلى استمرار التعتيم الإعلامي على الثوار،
مما يوحي بأن هناك جهات تتعمد طمس ثورة الخامس والعشرين من يناير، بتمزيق
ملفاتها وتشتيت قضاياها وتوزيعها في كل الاتجاهات، حتى يمل الناس من
المتابعة ومواصلة الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قصد تحقيق ما تبقى من مطالب الثورة .
أما في تونس، فمازالت المعارك مستمرة، من أجل تحرير قلاع الإعلام من
سيطرة إعلاميي الاستبداد، وإخضاعها لإرادة الشعب، استجابة لمقولة "الشعب
يريد "، التي كانت شعار الثورة التونسية، و الذي انطلق منها إلى دول أخرى.
مما جعل أحد الكتاب التونسيين يصف معركة تحرير الإعلام من الاستبداد بأم
المعارك.
إن لكل ثورة ناجحة ثورة مضادة تسعى لإيقافها والإجهاز على مكتسباتها،
وكذلك لكل قوى إصلاحية حقيقية قوى مضادة تحاول جاهدة إجهاض مبادراتها،
وحفر و الكمائن و الخنادق في طريقها، سعيا لإيقاف مسيرتها. و لذلك ليست هذه
المعركة إلا بداية حرب طويلة بين دعاة الإصلاح و التغيير من جهة،
والمستفيدين من حالة الفوضى والفساد والاستبداد، من جهة ثانية، الذين نصبوا
أنفسهم أوصياء على الشعب، ويقررون في مصيره ويحددون اختياراته، وقد طالبهم مرارا بالرحيل.
يبدو أن هناك من يعتبر الهبات والثورات العربية مجرد سحابة صيف سرعان
ما تمر، ليعودوا إلى سابق عهدهم، لكنهم لا يعلمون أن التاريخ لا يرجع
للوراء، وأن الشعوب التي استيقظت وذاقت طعم الحرية، لن ترضى عنها بديلا،
وستسعى إلى تحقيقها والاستماتة من أجل الحفاظ عليها.
فليس غريبا أن يكون الإعلام أولى محطات النزال بعد الثورات،
وذلك لكونه من المداخل الأساسية للتأثير في المجتمع، وهذا ما جعل الألم
قاسيا عندما تم اتخاذ القرار بتنظيمه وتأطيره بمرجعيات واضحة وأهداف محددة
في إطار دفاتر تحملات واضحة و علنية.
لقد ظل الحراك الشعبي المغربي ينادي منذ 20 فبراير2011 بإصلاح
الإعلام العمومي، ورحيل كل المسؤولين عن فساده، و أطلق عليهم لقب " البوليس
الإعلامي " لتحكمهم في هذا القطاع بعقلية أمنية مخزنية مبنيبة على الولاء و المحسوبية و الزبونية، مما يتنافي وطبيعة الإعلام التي تقتضي الحرية و النزاهة ومعيار الكفاءة و المهنية في المسؤولية،
و بإلقاء نظرة بسيطة و سريعة على دفاتر التحملات، سيتضح و يتأكد أن ما جاءت به على مستوى المرجعيات أو الأهداف أو المبادئ، لا يختلف عما يطالب به الحراك الشعبي في الشارع، سواء على مستوى ربط المسؤولية بالمحاسبة، أو على صعيد تكريس قيم الحرية و الاستقلالية و الشفافية والمهنية و النزاهة وسيادة القانون، وغيرها من المطالب.
وعليه، فإن الانحياز إلى صف دفاتر التحملات، والمطالبة برحيل كل جيوب
مقاومة الإصلاح، يجب أن يكون من أولويات الحراك الشعبي و الشبابي، ومجالا
حيويا من مجالات اشتغاله، وذلك بتطوير آليات وأشكال الفعل النضالي، ليرتقي
إلى مستوى اللحظة التي نعيشها اليوم، والتي تحتاج منا كثيرا من الجهد
والإبداع والتلاحم، بموازاة مع تحديد واضح للأولويات و تدقيق
للاستراتيجيات.