الخبر من قلب الحدث (الصورة لأحمد حمود من فليكر)
المواطن في العالم العربي، مجملا، يتحدث بالسياسة اكثر من غيره. عند
ركوب سيارة أجرة في شوارع القاهرة، يجد الراكب نفسه منغمسا في الأحاديث
السياسية مع سائق المركبة. كذلك في لبنان، فإنك لا تكاد تلتقي مواطنا الا
وتحدث بحماس وشغف عن جماعة عون وجماعة الحريري.
عند ظهور وسائل الاعلام الجديد، فإن العرب إجمالا قاموا باستخدامه اولا،
وقبل كل شيء، كأداة للطرح السياسي، وذلك لعدم وجود اعلام محايد او مؤسسات
للمجتمع المدني او نشاط سياسي في الشارع العربي.
أعطى المجتمع الافتراضي بكل تأكيد المواطن العربي حرية التحدث، وكان ذلك
أولا تحت أسماء مستعارة ومؤسسات افتراضية تعنى بالتغيير السياسي. تدريجيا،
أصبح الإعلام الجديد منبرا سياسيا هاما.
ولكن ما هو الأثر الفعلي لهذا المنبر في التغيير السياسي؟ وكيف سيتغير مستقبلا؟
ذكرت الكاتبة كاريل ميرفي عددا من النقاط المهمة حول دور الاعلام الجديد
في الربيع العربي وصياغة مستقبل الشباب في مقال لها في مجلة “المجلة”.
وعلى الرغم من الاتفاق على عدد من المبادئ العامة لطرحها، الا ان هناك
مبالغة في الدور الفعلي للإعلام الجديد في تغيير واقع السياسة العربية.
أولا، هناك مبالغة كبيرة في دور الاعلام الجديد في التأثير على العملية السياسية في العالم العربي.
إن دور اعضاء مجموعات فايسبوك او المشاركين في “هاشتاغات تويتر” هو في غالب
الاحيان رمزي، ولا يتعدى حدود الشكليات. لذلك، فإن النشاط السياسي في
الانترنت لا يترجم بالضرورة الى تغيير او نشاط سياسي فعلي في الشارع
العربي.
الثورة المصرية.. لتويتر فيها نصيب
وعلى الرغم من النشاط الكبير على الانترنت في مصر، الا ان التغيير
السياسي الحقيقي لم يولد في الانترنت، بل تولد في الشارع، وجاء الاعلام
الجديد مكملا له.
مجموعة خالد سعيد، على سبيل المثال، لم تحصل على الزخم والاهتمام الا
بعد خروج المواطن المصري الى الشارع. القفزة الكبيرة في أعداد المساندين
للمجموعة جاء تابعا للمظاهرات الفعلية في الشارع.
دور الاعلام الجديد في الربيع العربي لم يكن يمهد الطريق للشارع، بل كان
استكمالا للدور الاساسي الذي لعبه المواطن في الشارع العربي.
ثانيا، قام الإعلام الجديد بدور ملموس في حشد وتوجيه المتظاهرين، لكنه لم يكن مفصليا في تسيير الاحداث.
في مصر، استمرت المظاهرات بشكل كبير بعد قطع خدمات الانترنت. بل كما يذكر
الدكتور محمد النواوي، المحاضر في ثقافة التدوين في جامعة كوينز، تعطيل
الانترنت كان جوهريا في زيادة اعداد المتظاهرين في الشارع، معللا ذلك بخروج
اعداد كبيرة من المساندين للثورة الذين اختزلوا نشاطهم وراء الشاشة الى
الشارع. كانت تلك نقطة تحوّل في الثورة المصرية.
كذلك، في اليمن، يقتصر عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على 300 ألف
مستخدم، العدد الذي لا يواكب حجم الاحداث في الشارع اليمني. لذلك، فإن حشد
المتظاهرين وتوجيههم لم يتم بشكل اساسي عن طريق الاعلام الجديد، بل تم بشكل
اساسي عن طريق الوسائل التقليدية.
نقطة الاتفاق الرئيسة هي ما ذكرته ميرفي عن دور الإعلام الجديد في إيصال صوت الشارع العربي الى جميع أنحاء العالم.
من دون شك، كان لأفلام يوتيوب والنشاط التويتري دور كبير في حشد الاهتمام
الدولي لقضايا الاستبداد في بعض دول العالم العربي. تذكر كورتني رادتش من
فريدم هاوس بأن الوصولية التي أوجدها فايسبوك للثوار في مصر من خلال مجموعة
“كلنا خالد سعيد” مكنها من جذب انتباه اكثر من مليون شخص من جميع أنحاء
العالم.
كذلك، كان لقاء هيلاري كلينتون مع موقع مصراوي تأكيدا على دور الاعلام
الجديد في التدخل الامريكي في مصر، حيث لأول مرة قامت وزيرة الخارجية
الامريكية بتلقي اكثر من 6500 سؤال من تويتر وفايسبوك بعيدا عن تضليل
لقاءات الاعلام التقليدي.
لكن الأهم في هذا النقاش، ما هو دور الإعلام الجديد مستقبلا؟ وما هو دور
الشباب في ذلك؟ تتمحور الاجابة عن هذا السؤال في عدد من النقاط.
الربيع العربي.. جاء بتويتر وربما يعلن نهايته
أولا، يظل الاعلام الجديد اليوم متأثرا بشكل كبير من قبل رجالات الاعلام
التقليدي. ان جل المستخدمين المؤثرين في تويتر هم كتاب الصحف التقليدية
والعاملين في القنوات الإخبارية، مع بعض الاستثناءات.
يتحرك الراي العام في تويتر بناءا على ما يكتبه المستخدمون اصحاب العواميد
في الصحف ومقدمو البرامج الحوارية، وما زالوا هم المتربعين على عرش الاعلام
الجديد.
الاعلام التقليدي نجح بشكل واضح في توظيف وسائل الاتصال الجديدة في خدمة
مؤسساته. لذلك، فإن شكل الاعلام الجديد مستقبلا سيتغير جذريا مع قدرة
مستخدميه على قلب الموازنة والتعدي على قامات الاعلام التقليدي، الذي ما
زال يمتلك القدرة والشهرة والخبرة.
ثانيا، لا يزال دور الحكومات العربية في الاعلام الجديد غامضا. قد يؤدي
الوجود الحكومي في مواقع التواصل الاجتماعي الى تغيير شكل المداولات
السياسية. ففي المستقبل القريب، اذا كان هناك توظيف مثالي لوسائل الاعلام
الجديد من قبل الحكومات العربية فسيكون هناك وجه آخر مختلف تماماً للاعلام
الجديد عما نعيشه اليوم.
ثالثا، تأسيس المجتمع المدني في العالم العربي سيجر الانتباه من الاعلام
الجديد الى الشارع السياسي الحقيقي. اليوم، نرى تخبطا كبيرا وانسيابا
ملحوظا وارتجالا في الطرح في مواقع التواصل الاجتماعي.
في حال انخراط الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني، فإن الطرح السياسي على
تويتر وغيره سيصل الى مرحلة اكبر من النضج الفكري. سيؤسس المجتمع المدني
الى خطاب سياسي جديد وسيكون له بطبيعة الحال أثر في المداولات القائمة
اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي.
الاعلام الجديد هو باختصار مرحلة انتقالية من الركود الى الوعي السياسي،
من الانسيابية الى القيادة، وبالتأكيد مرحلة انتقالية في تغيير شكل
الحكومات العربية والمجتمع المدني. لذلك، فإننا قد نرى في المستقبل القريب
ركودا سياسيا في مواقع التواصل الاجتماعي، يعوض عنه بنشاط حقيقي في منظمات
المجتمع المدني والعملية السياسية.
مصطلح “جيل تويتر” هو مصطلح محدود لا يصل الى مستوى طموحات الشباب
العربي. جيل التغيير هو المصطلح الذي يصبو إليه الشاب العربي، والذي سيقوم
تدريجيا بالانتقال من الكتابة الشكلية على الانترنت الى التأثير الحقيقي في
العملية السياسية.
عند حدوث ذلك، فإننا سنشهد تحولا من كون الاعلام الجديد منبرا سياسيا الى
أداة اجتماعية، وسيجد الخطاب السياسي مساحة اكبر وتأثيرا أوضح.
عبدالعزيز طرابزونيطالب
سعودي يدرس العلاقات الدولية والاقتصاد في الجامعة الامريكية في واشنطن.
اول سفير للشباب السعودي في الأمم المتحدة. عمل سابقا كباحث للشؤون
الخارجية في مكتب الرئيس الأسبق بيل كلينتون والكونغرس الأمريكي. يعمل
حاليا كمستشار لشؤون الشرق الأوسط في مكلارتي اسوسياستس في واشنطن.