** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة  I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
شوقي
مرحبا بك
مرحبا بك
avatar


عدد الرسائل : 45

تاريخ التسجيل : 05/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6

القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة  Empty
12102011
مُساهمةالقوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة



القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة  Arton7155-18295
مما لا شك فيه أن علاقة الرواية
بالتراجيدي حميمة؛ فالرواية لا تستوطن إلا شقوق المأساة، ولا تستظل إلا
بالظلال الكئيبة للخرائب، ولا تستسيغ إلا الإقامة في الزوايا المظلمة للنفس
الفردية ولمخيال الجموع.


لا يمكن للرواية إلا أن تستكشف جغرافية الالتذاذ بالموت، وبصناعة الموت
وبأماكن انبثاق التهوس بالعوالم البديلة للعالم الحسي المشاهد. ليس الموت
إشكالية الإشكاليات أو حقيقة الحقائق المرة في عالم الانتحار الطقوسي، بل
معانقة احتفالية للحياة الأخرى وصناعة مشهدية متقنة للكينونة وهي تصنع
النجاة بالدم المراق وبالأجساد المحترقة وبالرعب المعمم. لا يأتي الموت من
المجهول، بل تبنيه الطوبى تدريجيا، ليحصد الجميع في طقسية مشهدية لا تخلو
من الاستعراضية الفرجوية. لم يعد الموت إشكالية أنطولوجية بل طوبى
ميتافزيقية. لا يأتي الموت من بعيد، بل ينبثق من كوى الذات والقلب المنهجي
للقيم ومن قيعان مخيلة قيامية جامحة.


فالإرهاب لا يعني سوى الذهاب الفرح إلى الموت… سوى تسريع الزمان
البيولوجي وتقريب الفناء من الذات ومن الجمع. إنه نوع من حصد الخيرات
بأدوات أخرى!


كيف يختار الحفيد(ياسين الفرسيوي) الانخراط في المتخيل القيامي، وينزاح
عن الذاكرة التاريخية الاستعادية للجد(محمد الفرسيوي) والذاكرة المفتتة
للأب (يوسف الفرسيوي؟ كيف اختار الحفيد أن يشيد أسطورته القيامية، بعيدا عن
الأسطورة المرممة للجد وعن الأسطورة المتشظية للأب؟ كيف ينحاز الحفيد إلى
سردية الموت الجاهز، بعيدا عن سردية التاريخ المستملك وسردية التاريخ
المتحرك بين مثالية يسارية هي برسم الاستعادة الحالمة وواقعية نثرية هي
برسم التفكيك؟


كيف انتقل الحفيد من التركيبية التثاقفية للجد والابن، إلى الأحادية
الثقافية للفكر السلفي الجهادي؟ كيف ينتقل الحفيد الغض من التثاقف الصعب
والمتراكب، إلى ثقافة تقديس الثنائيات الميتافيزيقية وعشق الموت؟


ليس الموت الميتافيزيقي من فصيلة الموت التراجيدي؛ فالموت الميتافيزيقي
خال من عناصر الدراما ومن تراكب الحوافز والغرائز والأزمة؛ إنه محو معلن
للتشابك والتراكب والتعارك، والتحاق فرح بعدم امتلائي. ليس الإرهاب والحال
هذه، إلا عملية محو منهجية للثقافة أي لحصيلة التفاعل بين الإنسان
والطبيعة، بين الإنسان والزمان، بين الذاتية والغيرية. الإرهاب إذن، هو قفز
على الحضارة لمعانقة لا الطبيعة المتحولة المتزمنة المؤنسة، بل الثقافة
المؤسطرة في بعدها القيامي. أنا أموت من أجل اللذة الأخروية، إذن أنا
موجود. ذلك هو كوجيطو الإرهابي. أو بالصيغة التداولية العربية – الإسلامية
: انقتل تلقَ الجنان!


الإرهاب تحويل لإحداثيات التلذذ، لأمداء التمتع، لزمانية الانتشاء. يريد
الإرهابي لذة لا تخترقها سهام الزمان، ولا تنالها ظلال التقطع. الإرهاب هو
إرجاء اللذة، نقل الالتذاذ من حداثة التحقق، إلى قيامية الافتراضي.


( اختلت حياتي لهذا الحد، عندما قرر ابني الوحيد الذي كان يتابع
تكوينا لا معا بإحدى أكبر المدارس الهندسية الفرنسية أن يذهب إلى
أفغانستان ويجاهد مع مجاهديها إلى أن يلقى الله. وقد لقيه فعلا، في
الأيام الأولى، وفي ظروف غامضة لم أستطع استجلاءها ولما يبلغ العشرين من
عمره. )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب - الطبعة الأولى 2010- ص . 15 )


تكمن المفارقة هنا في الانعطافة الحدية لياسين الفرسيوي، وتحوله من
الهندسة المدنية إلى هندسة الموت. كما أن فرنسا الديكارطية والأنوارية،
تحولت إلى مجرد محطة استقطاب ثيولوجي. وهكذا تحولت الفعالية العلمية إلى
معبر لاعتناق أشد الفكريات منافاة ومجافاة للمنهجية العلمية؛ كما تحول فضاء
الثورة الفكرية والسياسية، إلى محطة عبور إلى فضاءات القتل والانقتال باسم
اللذة المرجأة.


فالإرهاب هو حصيلة التقاء سيمولاكر الحداثة بأيقونة اللذة المرتقبة.


تكمن مرارة الإرهاب الكبرى في إثارته المزمنة لسؤال الانبثاق. من أين
انبثقت هذه الرغبة القاتلة في اللذة القيامية؟ كيف يبزغ هوى الامتلاء
الافتراضي، في سياق ثقافي، متخم بأسئلة المسار والصيرورة، بالولادات
المستعصية وبخرائب الروح؟ كيف يكبر التيتم بالانقتال في وسط يخلط الأسطورة
بالتاريخ ويبحث لاهثا عن الفعل الممتلئ وعن المعنى المؤسس؟


( كيف يمكن أن نفهم الإقدام على تفجير النفس في مطعم أو في مسجد أو أمام
مدرسة أو في موكب جنائزي.. كيف يمكن أن يكون ذبح الأطفال من الوريد إلى
الوريد في قرية جزائرية تعبيرا؟!كيف استطعنا أن نلد هذه الكائنات؟)


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –- ص . 140 )


يمثل الانبثاق الصاعق للقدامة الفائقة، مفاجأة في مشهد تاريخي، يصطرع
فيه الفرفاء تحت مظلة الزمان، وبآليات مصاغة بأنامل وضعية. لا يملك السارد،
أمام الانبثاق المفاجئ للقدامة الفائقة في المشهد الثقافي المغربي، سوى
استعادة المسار الأسطوري لمحمد الفرسيوي واستقصاء علل الخرائب في مغرب
هناءة الحداثة الفائقة والإيغال في قياس مساحات التحول الميتامورفوزي لدى
المهووسين، ذات زمان ثوري، بتثوير الفعل وتسريع التاريخ على إيقاع الزمان
الماركسي اللينيني!


( قلت، لست كذلك، ولكنني أتفهم أن أكون كما تدعي، لأن هذه الطمأنينة
العامة تزعجني. هذا الشعور بأن الجميع قد وصل إلى بر الأمان، وأن لا شيء
يهدد غفلتنا هو شعور بليد ولا مكان فيه لأي شيء إنساني.)


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –ص . 290 )


يأتي انبثاق الإرهاب ليرج الأمان الخادع، وليرمي بمن يستظل بالمصالحة
السياسية وبالموافقة الفكرية، في لجة جديدة، لجة استكشاف اللهب الجديد
الأتي بعد انطفاء الاعتراك الفكراني. لقد خمدت نيران الايدولوجيا، لتتأجج،
حمم القيامة .لا ينسحب أفق التاريخ من المشهد، إلا لتشحذ القدامة الفائقة
أسلحتها الانتحارية. لا يغيب الفعل التاريخي، إلا ليطالب الجذمور
الإبراهيمي باجتثاث المفعول التحديثي والتنويري للحداثة، وقلب مسار التاريخ
الحديث جذريا!


فالأمان الناتج عن المصالحة، ينطوي على انتفاء العنف العمودي ظاهريا على
الأقل؛ إلا أن الإرهاب يكشف عن عنف أفقي أشد ضراوة، لأنه منغرس في قيعان
الميثولوجيا وموجه إلى الالتذاذ القيامي .فالعنف القيامي المنفصل عن العنف
السياسي للدولة، يعلن عن انبثاق عنف متأجج، شغوف باللذة الفردوسية وبتضاريس
الإمتاع القيامي.


فحين ينفصل العنف عن الفكر والسياسة، وينصرف إلى رسم خرائط الرغبة
المرجأة، ينبجس الفعل الإرهابي، ويخلخل بنية المصالحة من الأساس ويرج العقل
الذرائعي.


ليست رواية " القوس والفراشة "، على الحقيقة، إلا تأملا في صدور
اللامحتمل واللامتوقع في سياق تحكمه الموافقة، فكرا وفكرانية، والتناهب،
سياسة واجتماعا واقتصادا .كما ليست إلا تأملا في مكر القدامة الفائقة،
القادرة على الاستعانة الماكرة بخدمات الحداثة الخلاسية والحداثة الفائقة
معا. لا تتفوق القدامة الفائقة في صناعة المشهديات القيامية، فقط، بل في
استملاك الايطيقا والقانون والتقانة، وكل ما بلورته الحداثة من إبدالات
ومتصورات، لتنفيذ مخططاتها الكابوسية.


فقد تمكنت القدامة الفائقة من استقطاب موارد بشرية، تؤهلها نشأتها
الاجتماعية وتكوينها الثقافي الأصليان، لتبوأ مقاعد وثيرة في فضاء
الموافقة. تتجلى فداحة القدامة الفائقة، في قدرتها على إصابة الحداثة
الفائقة، في مواردها البشرية وبآلياتها وتقانتها وقوانينها وعلومها نفسها.
فهي لا تسلل من الهوامش ومن الحواشي، بل تنفذ من البؤرة، ومن العمق البشري
والعلمي. فالإرهاب القيامي، لا يتغيا الحجاج أو الاحتجاج، أو التناظر. إنه
مسكون بالثأر من الصوت السالب في الميثولوجيا المؤسسة ومن الهندسة الكيدية
ضد التجليات العصرية للرافض الأول لخطاب التعالي. أليست مطالبة الإرهابي
المسجون بالخلوة الشرعية، مكرا وكيدا، وثأرا من العمق النظري للحداثة
القانونية والحداثة الأخلاقية؟ ألا يضيف الإرهابي إلى سفسطته المرجعية،
كلبية سلوكية بها تكتمل كيديته المؤصلة؟ أليس الانقتال، الخاتمة المنطقية
لثورة العبيد في الأخلاق؟


( …وقال كأنه يكمل حديثا سابقا :


القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة  Puce_rtl كل
هذا العمر الذي ضاع منا، يستحيل تعويضه ولو بكل ثروات الدنيا. لا توجد
سنوات تباع في أسواق صغيرة أو كبيرة، يا له من غبن !عندما أفكر في ما
اغتصب منا من أعوام لمجرد أن أحدنا نسي كتابا سخيفا للينين في أمتعته،
والحال أن إرهابيي الخلايا النائمة اليوم بأحزمتهم ومتفجراتهم لا يقضون
في السجن سوى بضعة أشهر يتمتعون خلالها عشرات المرات " بالخلوة الشرعية ".
إنه شيء يفجر المخ!


قلت مواسيا.


القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة  Puce_rtl وكل ذلك من أجل "المراكشية اللينينية". لا يمكن حتى أن نقول. في سبيل الله!)


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –-ص . 128 )


يتسلل الإرهاب من خلال شقوق الحداثة الخلاسية، ليهز الطمأنينة الوجودية
وليعيد صياغة العنف المؤسس بآليات الحداثة الفائقة. فالإرهابي مرمق حاذق،
يستطيع عبور فجوات الحداثة الخلاسية اللانقدية وأن يدير آليات الحداثة
الفائقة بحذق ماكر وانتقامي. فهو بارع في إبراز العتمات والفجوات
والأخاديد المرسومة على تضاريس حداثة المؤالفة، البعيدة عن مساءلة
الإبستيمية العقدية في نواتها الصلبة وفي جسدها النظري. لا يعني ظهور
الإرهابي، إلا عجز فكرية التساكن والمجاورة الإبستيميين، وصعوبة إقرار
الحداثة في سياق يرجئ استشكال النصوص المؤسسة والبنيات الأنثروبولوجية
للمتخيل الإبراهيمي.


( هنا تستفيق الدودة، وتوسوس لصاحبنا، هل تريد أن تفني صحتك على هذا
الجنس، هل تريد أن يكبر ولدك نصرانيا و أجداده كلهم إلى سيدنا إبراهيم
يحملون القرآن في صدورهم هل تريد أن تترك " الشرفاء" يذلون من تبقى من
أبناء قبيلتك، هل تريد أن تتحول مدينة تضم رفات بضعة نبوية إلى وكر
للواطيين والحشاشين والمتسولين؟ )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة - ص . 70 )


لا تخلو المثاقفة المركبة لدى محمد الفرسيوي من نزعة وطانية ومن تهوس
بالأصول الميثية؛ إنه يواجه الحداثة الظافرة، بوطان الجذمور، والعلمانية
شبه النفاتية باستعادة التمثلات القروسطية للخصم العقدي. ثمة جرثومة
قروسطية في المتصور النظري لحداثة المجاورة والتساكن المستحيل بين قدامة
مرجعية متحصنة بأساطيرها وحداثة قارضة لسماكة السرديات المتعالية. فالجد
يرفض تربية النصارى، أما الحفيد فسيرفض تربية الحداثة المجاورة والإقامة
المزدوجة في صوان الأسطورة الإبراهيمية وفي عمارة الثقافة الألمانية .فلئن
احتفظ الجد بشذرات من الأسطورة المؤسسة وبأوتاد مأخوذة من خيمة القبيلة
وبتحليقات الشعرية الألمانية، فإن الحفيد سيعلن بالدم المراق على إيقاع
الكلمات المسجوعة، انتهاء كل مثاقفة وكل مجاورة ثقافية. كما سيعلن انتهاء
التناقض الوجداني، و زوال توتر الذات الانقتالية الناتج عن الفجوة الرهيبة
الموجودة بين الجبروت والرحموت في البنية التأسيسة للرؤية الإيمانية نفسها.


يقول علي حرب :


( كان الدين فيما مضى، شأنه بذلك شأن أي مشروع بشري، عبارة عن صيغة
مركبة ومزدوجة تؤمن نوعا من التوازن بين الايجابيات والسلبيات : بين التقى
والانتهاك، بين الحرام والحلال، بين الوعد والوعيد، بين الخديعة والحقيقة،
بين العصبية والسلطة، بين الحقوق والواجبات، بين الوازع الخلقي والسلوك
الهمجي، باختصار : بين الرحمن الرحيم من جهة وبين الجبار المنتقم من جهة
أخرى. )


(- علي حرب – الإنسان الأدنى –أمراض الدين وأعطال الحداثة – المؤسسة
العربية للدراسات والنشر – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى : 2005- ص. 51)


ولئن ذهب ياسين الفرسيوي بالنفي إلى أقصى تخومه، فإن المتخيل الجماعي،
ما يزال يداور رهابه القروسطي من الغيرية، ومن الغيرية الغربية الحداثية
تعيينا، ويصر على وسمها بصفات تاريخية منقضية الصلاحية . فقد اختارت الجدة
ديوتيما، الانتحار، تتويجا لغربتها المزمنة في فضاء يدمن أساطيره الألفية
ولا يقبل المثاقفة حتى ولو أتت في رحاب التنمية المستديمة أو العمل
الاجتماعي الغيري.


(لا أحد سواء وصله بعض من خيرها أم لم يصل، حمل لها في قلبه شرارة
محبة أو امتنان أو عرفان أو تقدير . كانت تجدف في نهر مضاد من التقزز
والكراهية، يعبر عنه الناس بتعبيرات مختلفة، من الإشاحة بالوجه، إلى
الاستعادة بالله.)


( محمد الأشعري – القوس والفراشة - ص. 71)


لا تعلم ديوتيما الفرسيوي لا الحكمة مثل ديوتيما سقراط ولا الشعر مثل
ديوتيما هولدرلين، بل تعلم الموت المفكر فيه، في رحاب المساكنة المستحيلة
بين الضريح وأطلال الرومان، بين الحداثة الجمالية والقدامة الثيولوجية.


( وعندما استدار والدي ليصرخ فيها تعبيرا عن مشاعره الفياضة، لم يجدها
حيث توقع، وسمع الطلقة النارية كأنها تحت هيكل السيارة، فاندفع مذعورا
ليرى والدتي ممدة بلا جمجمة تقريبا قبالة ضريح المولى إدريس الأول، وغير
بعدي عن الأطلال الرومانية التي غربت الشمس قبل قليل في وحشتها. )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –- ص .65-66)


فقد اختارت ديوتيما الباحثة عن تجميع خيوط أسطورة جدها، الباحث عن
الدلالة في الشعر وفي استخراج علامات المثاقفة الرومانية – الأمازيغية في
شمال إفريقيا، تتويج التراجيديا والغربة القصوى بالموت الاختياري. وكأن
الغربة، لا تنتهي إلا بالانتحار، والمثاقفة إلا بالانسداد، مادام الكل
مكتفيا بصقل أساطيره الخاصة.


وليس الانحباس محصورا في حداثة المجاورة، فإن النسخة المغربية للحداثة
المعولمة، لا تجد أمام امتحان حداثة المجاورة (محاكمة المجموعات الغنائية
المحسوبة على "عبادة الشيطان") إلا العودة الظافرة إلى أطياف الميثولوجيا
المؤسسة.


( وفي هذه الفترة ظهرت على يد عصام فكرة استبدال اسم المجموعة "
أرتروز "" بالمشكاة "، إلا أن مهدي وباقي أعضاء المجموعة رفضوا ذلك رفضا
باتا مما ساهم في توتر إضافي في العلاقات بينهم. )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة - ص . 244- )


لا تملك السردية الفنية المستعارة من معارض الحداثة الفائقة، في مواجهة
الحداثة المخاتلة إلا الاعتصام بالترميق الروحاني وبالتلفيق العقائدي
والعودة إلى القدامة التصورية في أشد تجلياتها مخالفة لمنطق الحداثة.


( لا يعرف أحد ما إذا كان الأمر له صلة بهذه المرحلة، لكن اعتكاف عصام
لفترة طويلة ونزوعه إلى نوع من الدروشة المضطربة، التي تمزج بين طقوس صوفية
سنية وطقوس شعبية، و أخرى من ديانات وحركات روحية مختلفة، يرجع على
الوجه الأرجح لتداعيات تلك المحاكمة.)


( محمد الأشعري – القوس والفراشة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب -2010- ص. 245- )


لا يختلف الاعتكاف عن الإرهاب إلا في الوسائل؛ فهما مشدودان إلى النفي
المنهجي للحدثية وللزمانية وللعينية وللجسدية .فلئن استوطنت كائنات الحداثة
الفائقة هناك، إبدال الاكتئاب كرد على البيو- سلطة وعلى بربرية
البيو-سياسة ، فإن الكائن الطرفي، سيركن إلى الدروشة لاتقاء شرور الثيو-
سلطة الملقحة ببعض عناصر البيو-سلطة.


يبدأ الإرهاب بإرهاب المخيلة والجسد والشهوة، وبإفراغ الجسد الإنساني من
أنساغه الحيوية ومن طاقاته الليبيدية، ليشحنه بليبيدو افتراضية. وهكذا
تشرع القدامة الفائقة، في تفتيت شهوانية الجسد وفي تجفيف منابع الخيال
الفني في الكائن، لينخرط في طقوسية كابوسية لا يتوجها إلا التفجير
الانتحاري في أحضان الحداثة النغولية أو في مراتع الحداثة الفائقة.


( ابتسم إبراهيم وقال :


القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة  Puce_rtl إننا
بلد متزمت بشكل لا مثيل له. انظر إلى الطريقة التي تتعامل بها مع الموسيقى
والرقص والغناء. لم يوجد في بلادنا صنف من هذه الفنون لم يتعرض للاحتقار
والاضطهاد منذ العيطة إلى الهيب هوب!


قلت : إنك تبالغ، كل التعبيرات الفنية كانت طبيعية وتلقائية حتى حل
الطاعون الظلامي فحرم ما حرم وحلل ما حلل! ومع ذلك لم ينتصر على الرقص
والغناء، بل استطاع فقط أن يفرض الحجاب والعمرة على الشيخات!)


( محمد الأشعري – القوس والفراشة ص. 211- )


ليس الإرهاب الانقتالي إلا السقف الأعلى للإرهاب المخيلة والجسد
والإمكان الراقد في ليل ثقافة لا تتقن تفكيك أسطورتها المرجعية واستشكال
إبدالها المركزي، وتتفنن في المماطلة الهيرمينوطيقية باسم التجديد من
الداخل!


وفي هذا الصدد، كتب عبد الله العروي عن التقليد باعتباره إستراتيجية سياسية، في مغرب السبعينات.


(ما يلفت النظر – ربما لأول مرة – ليس أن المجتمع المغربي تقليدي وأنه
راض على حاله، بل ما يتطلبه تركيز التقليد من مجهود. لم تعد تكفي المدرسة
ولا الأسرة ولا حتى الزوايا – ما يقي منها - لترسيخ الذهنية التقليدية، بل
لم يعد من شغل للدولة بكل دواليبها سوى دعم التقليد وتبريره. لو كان
قويا، لو كان فطريا، لو كان جزءا من التركيبة المغربية، كما يقال في
الدوائر الرسمية وغيرها، هل كان يحتاج إلى هذا النشاط الشاق المتواصل؟


لنترك، مؤقتا، التقاليد الأنثروبولوجية ولنحاول رصد التقليد كبرنامج سياسي.)


( - عبد الله العروي – خواطر الصباح – يوميات ( 1967-1973) – المركز
الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى – 2001- ص. 93).


لا يعمل الإرهاب إلا على زعزعة أركان بنية المؤالفة، ونسف سكونية
التجاور بين المتخالفات. لقد برعت الخطابات شبه الحداثية للنخب، في إخفاء
اللامحتمل النظري الثاوي في قاع المنظومة التراثية، وفي طمر الإشكاليات
الثيولوجية بدعوى تكفل الزمان بتذويبها. إن للفعالية الإرهابية موجبات، لا
يستقصيها إلا النظر المتروي في تشابكات البنيات الأنثروبولوجية للمتخيل
الإبراهيمي.


فالواقع أن الإرهاب الأقصى، لا ينفصل عن الإرهاب الثقافي، وهما ينبعان
من الديناميات الايجابية للفاعل العقدي، المتحرك كونيا دفاعا عن كوننة
الميثولوجيا الجهادية، ومن الديناميات السلبية لحداثة نفعية، تخلت عن
الفعالية الأنوارية بدعوى نقد الوضعانية وتجاوز الحداثة الكلاسيكية
والميتاسرديات.


يعكس انبثاق الإرهاب من رحم حداثة المجاورة، استحالة إنجاح حداثة الفعل
في فضاء تؤثثه خيمياء الأساطير الألفية. لا تفيد لا صياغة الأسطورة القبلية
والتغني بمثاقفة أمازيغية ألمانية بمحضر بقايا الثقافة الرومانية وبمعزل
عن ابدلات فكرية الحركة الوطنية المغربية كما يفعل محمد الفرسيوي، ولا
الانخراط في فلسفات الفعل والثورة بدءا وفكرانيات الإصلاحية الوطنية تاليا
كما يفعل يوسف الفرسيوي في تفكيك الجذور الثقافية للإرهاب، نظرا وفعلا.


فمن السمات الفارقة لحداثة المجاورة، الشيزوفرينيا الثقافية وتغليب
إبدال التصالح على إبدال الاستشكال. والمجاورة اللانقدية، لا تقوم سوى بحجب
الأعماق حيث تينع براعم المتخيل القيامي.


لا تجيب الرواية عن علة الإرهاب، باصطناع تفسيرات طبقية أو اجتماعية مثل
رواية ( نجوم سيدي مومن ) لماحي بنبين مثلا، بل تتوغل بعيدا في استكشاف
خرائب الذات وحرائق الواقع وشظايات التاريخ. لا تأتي شهوة الإرهاب من
العدم، بل من تمزقات ثقافة لم تعرف نار النقد ولا مطرقة الاستشكال، ومن
اهتزازات تاريخ لا يعلو إلا لينحدر إلى سفوح الذرائعية المفخخة.


لا تتوخى رواية ( القوس والفراشة ) تقديم أطروحة فكرانية عن منشأ
الإرهاب، بقدر ما تسعى إلى استقصاء ممكنات هذا الفعل الحدي كما تتجلى في
أعطاب الذوات والتواريخ والانتماءات.


تنهض المقاربة الفكرانية للإرهاب عادة، في استعادة الاستعارات الطبقية،
والكنايات التظلمية لوجدان طالما استمرأ تبوأ موقع الضحية المثالية. يقول
ناقد العقل العربي، في قراءة لا نقدية لظاهرة الإرهاب الإسلامي ما يلي :


( هذا شيء واضح، ومنه يتضح أن الحل لمشكلتي " الحريك " و" الإرهاب "
يجب أن يبدأ بمعالجة أسبابهما الأولى، الفقر والظلم. إن أي أصلاح لا
يستهدف، أولا وقبل كل شيء، القضاء على الفقر والظلم اللذين يقفان بصورة
أو بأخرى وراء " الحريك " و"الإرهاب" هو إصلاح كاذب، حتى ولو نتج منه
تحسين " أو تزويق" على مستوى " الحريات العامة " " وحقوق الإنسان " . ذلك
لأن أولى الحريات هي أن يتحرر الإنسان من الفقر الذي يستعبد فكره
وإحساسه وإرادته، ومن الظلم الذي يشوش على البصر والبصيرة، ويجمد ويطلق
عقال اللاعقل. )


( - محمد عابد الجابري – في نقد الحاجة إلى الإصلاح – مركز دراسات
الوحدة العربية – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2005- ص. 238-239)


لا تتناول الرواية الحالات النموذجية للمقاربة الطبقية أو
الفينومينولوجية، ولا تختار سلوك سبل التعليل الطبقي أو الاجتماعي أو
السياسي أو الجيو- سياسي، بل تستقصي مكامن الاختلال في السياق
السوسيو-ثقافي وتستعرض مختلف أشكال الفصام النفسي والثقافي في عالم مغربي
ضائع بين ابدلات متضاربة وعاجز عن توليد ميثولوجياه الخاصة.


لا يبقى، للمتأمل في تتابع السيمولاكرات والمسوخات، سوى رثاء تاريخ لا يحبل إلا ( بأبطال بلا مجد ).


( السلالة !يا له من اسم ضخم !كأننا سنلد من جديد محمد بن عبد الكريم
الخطابي ومن معه. نضبت ينابيع المحاربين، كل ما نلده اليوم تجار ومهربون
وسماسرة وباعة شقق، وبعض البهلوانات الذين يجيدون باروديا الحرب،
ويركبون فرحين حميرا بالمقلوب.


المحارب الوحيد الذي أنجبته السلالة هو ياسين. ولكنه ضاع بدون أسطورة ولا أمجاد.)


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –- ص . 183- )


فحين تعجز الأسطورة عن أداء وظائف التماهي والتنظيم والإسناد، يتضخم
المتخيل القيامي، ويصطنع البطل المجرد من البطولة، عالما بمقاييس فردوسية.


فالإرهاب تتويج لمشهدية تنتصر فيها النسخة على الأصل، والسيمولاكر على
الايقون، وياروديا التجذر على الانتماء، والموت على التحقق. كما أنه نتاج
وضع مثاقفة ترصيفية لا نقدية، لا تكاد تفكر في حتمية إجراء استشكال
جينيالوجي لمنظومة القيم ونقد ابستمولوجي لنظام المعارف، ونقد اركيولوجي
لسجل الميثولوجيات المقدسة وتفكيك الميثاق النرجسي.


فالواقع أن بطولة العار، تتولد عن تاريخ الانقطاعات والخيانات، وعن غياب المهمة الاسنادية للميثولوجيا السياسية.


( هنا كان يمكن لدولة الأمازيغ أن تكبر وتملأ الدنيا، فلا يكون هناك
إدريس أول ولا ثاني ولا ثالث، ولكن الأمازيغ لا حظ لهم، ما أن اعتلى بطلومي
العرش بعد وفاة والده جوبا الثاني حتى أشعل الرومان الفتنة في وليلي،
وأمر كاليغولا باغتيال بطلومي، ثم بعد ذلك بالقضاء التام على تمرد أيدمون
بواسطة الجيش الروماني معززا بالتحالفات والخيانات المحلية. لم يقض علينا
نحن الأمازيغ شيء سوى الخيانات، من بطلومي حتى بن عبد الكريم الخطابي!)


( محمد الأشعري – القوس والفراشة - ص. 168)


حين تغيب الهندسة يبرز الترميق وتستفحل الذرائعية الماكرة؛ لا تغيب
الطوبى، إلا لينفرد الاستئثار بمقدمة المشهد، وتنفرد كناية الحطام ببؤرة
اللامعنى .واللامعنى ثمرة السياحة النفسية بين النماذج والحساسيات الفكرية،
والافتقار إلى ملكة التدليل والاستدلال، بعيدا عن الرطانة الفكرانية –
السياسية. اللامعنى، هو أن تتحسس الأفكار المتناقضة، دون أن تستشعر فداحة
التضارب ومستتبعات التناقض.


( كان أحمد ينتقل بسهولة بالغة بين وضعية " الموبيليت " التي تسلل
بين نقط المطر، وبين وضعية الرجل الصالح المرتاح في جلسته الأبدية، كان
ينتقل بسلاسة كاملة من الصلاة في ضريح سيدي بلعباس، إلى السهرة في ملهى
الباشا دون أن يشكل ذلك أي انفصام في شخصيته المتماسكة دوما والهشة على
الدوام. )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –- ص . 142 )


مثل أحمد مجد النموذج المثالي، للارتحال الهادئ بين النقائض، والانتقال
الفكراني الأنيق من الماركسية اللينينية إلى الليبرالية المتوحشة،
والنوسان العملي بين أنماط كينونية متضادة. لا يمكن العبور من تجربة
الاعتقال السياسي إلى اعتقال المخيلة والطوبى في عمارة " الفراشة "، إلا أن
يفصح عن سيولة غير عادية في مجرى الكينونة .كما الانصهار في رذاذ العولمة
الاقتصادية، يعبر عن غياب كلي للمنظورية الثقافية، في زمانية مرتكزة على
سردية التكيف لا على سردية التغيير .تجتمع التقليدانية الرثة مع "التعولم "
الرث للأطراف، لخلق كائنات هشة وجوديا ومتذبذبة معرفيا ومتذررة ايطيقيا
وكلبية سلوكيا.


( وبينما استمر العقار في احتلال بؤرة المال والأعمال في المدينة، استقر
في الأذهان أن النجاح السياحي لمراكش هو مبتدأ الثروة ومنتهاها، أما
أحمد مجد فقد طور نظرية مفادها أن الشمال(= شمال المغرب) يبيض أموال
المخدرات في العقار، والجنوب يبيض أموال الرشوة في العقار، والعقار يبيض
نفسه في الزمن!)


( محمد الأشعري – القوس والفراشة - ص . 152)


ويصاحب هذا التبييض، تسويد ثقافي، يتأسس على مرتكزات تقليدانية ؛ ففيما
يبني الاقتصاد الجديد، فعاليته على المضاربة عموما وعلى المضاربة العقارية
خصوصا، فإن الخصوصانية الثقافية، تبني خطابها على تثبيت السنة في عالم
تحكمه فوضى تأويلية طاحنة وأعطاب الأنظمة المعرفية والايطيقية. يقول فتحي
المسكيني ما يلي :


( إن الحداثة إذن هي اللباس الذي اختفى وراءه المسلم الأخير لإكراه
حيوانات الديجتال على إخراج كل " الهائل " التقني الذي تختزنه في رفاهيتها
الوثيرة، نعني على إخراج " القيامة " التي تختبئ في " الهائل " التقني دون
أن يراها. إن القيامة هي الخروج من الجسد / الموضوع إلى الجسد / الآية
خروجا عدميا وطقوسيا واستطيقيا في آن. )


( - فتحي المسكيني – الفيلسوف والإمبراطورية – في تنوير الإنسان الأخير –
المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى –
2005-ص.184).


تستعرض الرواية فصولا درامية عن اللاعقلانية الاقتصادية، المتضخمة في
سياق التعولم الرث للأطراف ؛وتتجلى هذه اللاعقلانية في نزع الملكية وتضخم
دور مافيا العقار ولوبيات الإنعاش العقاري والاعتماد الحصري على المضاربة
اللاقانونية والاهتيام بالفنطازيا المعمارية كما في عمارة "الفراشة".


وكما ينشغل الزمان المغربي بالربح والحذاقة المالية، فإنه يعبر عن تهوس
تقليداني بطهرانية تعويضية واستيهامية هي المؤشر الدلالي المعبر عن
اللاعقلانية الثقافية.


لا تكتفي حداثة المجاورة في تعالقها مع الحداثة الفائقة، بفصل الاقتصاد
عن الايطيقا وبإعلاء منطق المضاربة، بل تلوح بطهرانية هجاسية، معبرة عن
الشيزوفرينيا الثقافة الحادة للفاعل التاريخي المفتقر إلى التاريخية. وليست
حادثة محاكمة عبدة الشيطان وزواج المثليين و ما سماه أحمد مجد بالنضال
البيولوجي، إلا نماذج معبرة عن افتقاد حداثة المجاورة للتناسق المنهجي
والفكري.


ومن علامات هذا اللاتناسق، اللهج بالحداثة قولا، والذب عن التقليدانية
عملا، ومواجهة كل خطاب احتجاجي ونقدي بالامتياح من معين المنظومة القيمية
التراثية. وتكمن خطورة هذا الامتياح، في اصطناعه صورة لا تاريخية عن تاريخ
اجتماعي وثقافي،متداخل المشارب وفي سعيه إلى تقديم الصراطية الأخلاقية
باعتبارها الإمكان الوحيد،فيما يحبل التاريخ الحي ببدائل متعددة وبنمذجات
سلوكية مختلفة.


(هناك كمياء غامضة تجعل أشياء متناقضة تخرج من نفس النبع. هذا موسم
يقام احتفاء بالمولد النبوي، حول ضريح سيدي على أحد أحفاد الهادي بنعيسى، و
أحد كبار متصوفة المغرب، يصبح وجهة وملاذا لطقوس المثليين والعرافين. في
نفس الأمكنة وانطلاقا من نفس المشاعر الروحية، تلتقي ابتهالات المتعبدين،
بصخب الأجساد المضطربة.. كل ذلك يتم تحت هيمنة الطقس الشعبي المنوط
بعائشة مولات الواد، تلك المرأة التي استقدمها سيدي أحمد الدغوغي تلميذ
ومريد سيدي على من الشرق ليعقد لشيخه عليها ويضع حدا لعزوبته المزمنة..
فلم يكن له ذلك، لماذا لم يتزوج سيدي علي أبدا ؟ ولماذا يتزوج المثليون
حول ضريحه؟ لا أحد يعرف؟ )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –ص . 207-208 )


لا يطلب الخطاب الامتثالي من الطقس الشعبي، المسوغات النظرية والتاريخية
لجمعه بين المقدس والمدنس، بين الخطاب العاشق للذات المتعالية وعشق المثيل
الجنسي، بين الإيمان والعرافة .يكتفي برصد المفارقة، ناسيا أنه ينهض على
نفس البنية، ويقيم عالمه الدلالي على عناصر متنافرة في الصميم . ومما لا
شك، أن خطابا تصنيفيا من هذا الصنف، ينطوي على كلانية ثيولوجية ظاهرة، رغم
المتصورات شبه الحداثية المعلنة. فلئن اختار الخطاب العرفاني العبور من
الجبروت إلى الرحموت على أجنحة الولاية، فإن الخطاب الانقتالي، انحاز إلى
الانتحار سبيلا إلى إنهاء المفارقة، والانتقال الفوري من الشريعة إلى
الجنة.


ولا ينحصر دور خطاب الحداثة المجاورة هنا، على بلورة تصور توهمي
واستيهامي عن الخطاب الأرثوذكسي، بل يفرض سلطته القانونية والمعرفية على
المشاريع البديلة .ألم يحول خطاب الثيو- سلطة، عصام إلى متدروش رافض لنسغ
الحداثة؟ أليست المعاقبة، بداية تحويل المسار، والانعطاف من الفن إلى
التدروش؟ أليس التدروش امتدادا لخطاب المعاقبة بأساليب أخرى ؟أليس التدروش
امتدادا للبنيات الأنثروبولوجية للمتخيل العرفاني المغربي أولا،
ولإستراتيجية التقليد والتتريث المعلنة منذ الاستقلال؟


( فقد أصر عصام على الانخراط العلني في تدين صارم الطقوس في الوقت الذي
استمرت فيه مجموعة أرتروز وهو أساسا كاتب كلماتها في تحقيق نجاحات متوالية
. وتسبب هذا التدين المعلن في جر إبراهيم إلى نوع من الامتثال جعله يوقف
بكثير من الاكتئاب المضمر نمط حياته الخاص، القائم على السهر والعشاءات
الجذلانة، والخروج إلى ليل الدار البيضاء .. ثم بدا له أن يتوج هذا "
البيات القسري " بعمرة سريعة، . وأتذكر أنني سألته عند عودته منها، عما
إذا كان قد شعر بشيء استثنائي وهو يؤدي مناسكه فاعترف لي أن الأمر لم
يمسه من قريب ولا من بعيد. )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –- ص . 246 )


وهكذا يقود الفعل العقابي لحداثة المجاورة، إلى قلب الفني إلى الطقوسي
في شكله الانتقائي تركيبا، والصارم ممارسة. يجتاف الفنان الواعد، الخطاب
المعياري ويفرض معياريته المستعارة على مستهلكي متع بدون شرف ابستيمي.


فكما يذعن مداور خطاب الاحتجاج الفني، لخطاب المعاقبة والتطويع الثيو-
فكراني، فإن العائش على أطراف الجنسانية المعيارية والفكرانية الأرثوذكسية،
سرعان ما يرضخ لاملاءات الخطاب النقيض بدون مقاومة ظاهرة وينخرط في محاكاة
طقوسية بدون اقتناع عقلي أو وجداني.


ثمة قابلية للامتثال للخطاب اللاهوتي، لا يفلح حتى الواقفون بعيدا عن
بؤره في مقاومته. تكمن خطورة الإرهاب، النظري والعملي، في انبثاقه من مركز
ومن أطراف حداثة المجاورة، من تاريخها الملغوم بالأساطير المؤسسة ومن
حاضرها المتشظي الباحث، عن التبئير الدلالي بدون جدوى. تتعدد سبل السالكين
في أحوال حداثة المجاورة، إلا أنهم يتماثلون في محاكاتهم للإبدال المؤسس،
ويسعون إلى استعادة بهاء الأسطورة المرجعية بلمسات مختلفة .فخطاب المعاقبة
يحارب خطاب الإرهاب العملي، ميدانيا، فيما يزود الإرهاب النظري بدماء جديدة
. فما يفاجئ المتدبر، هو امتلاك الكثيرين" للإرهابية" بوصفها القابلية
لتقبل الإرهاب النظري أو العملي، أو الاستسلام على مضض لإجراءاته في أحسن
الأحوال، كما نجد في حالة إبراهيم الخياطي مثلا.


( قرأت الأسماء بتأن كأنني أحاول التعرف على ملامح أصحابها. كان يعالجني
شعور مبهم أنني سأعرف أحدهم. دائما هناك شعور مبهم بالتعرف على واحد
منا يوجد في اللائحة.. أقصد واحدا من هذا الكم الملتبس الذي لا نتوقع
إطلاقا أن يكون في تنظيم إرهابي. ذلك الشخص الذي يأكل معنا ويشرب ويضحك
ويرانا أشلاء متطايرة وهو يحدق في وجوهنا. )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –ص . 229)


لقد اندغم الإرهاب بالحياة اليومية،وصار يكيف اليومي بقتامته القيامية ؛
لقد وسع الإرهاب التقاني من حقل إمكانه، وصار قادرا على استثمار الطاقة
الترهيبية الكامنة في منظومة القيم التراثية، بكفاءة تقانية كبيرة وبحقد
متفجر يذكرنا بحقد الكهنة عند نيتشه.


( لقد تركوا على كل معبر اجتازته أرجلهم آثار الدماء، إذ كانوا يستلهمون
جفونهم ليعلموا الناس أن الدماء تقوم شاهدة للحق. وقد جهلوا أن أفسد
شهادة تقوم للحق إنما هي شهادة الدم، لأن الدم يقطر سما على أنقى
التعاليم فيحولها إلى جنون وإلى أحقاد. )


(-فريدريك نيتشه – هكذا تكلم زرادشت – ترجمة : فليكس فارس-دار القلم – بيروت – لبنان - ص. 119).


لا يعمد الإرهاب الأرض بالأحمر فقط ويحول الأجساد إلى شظايا وذرات في
مهب الموت فقط، بل يخلق فوبيا أو رهابا، يتحول تحت وقعهما كل شخص ذي علامات
سيميائية خاصة إلى مشروع انتحاري. لم يعد الفضاء العمومي يوفر المتعة
الجمالية، والاغتناء المعرفي والاجتماعي، بل استحال إلى فضاء للخواف
والتشكك في نوايا الغير .كما لم يعد مجالا لانتعاش الطاقات الإيروسية، بل
أضحى ساحة لعشق الدم والغرائز التناتوسية. ويكفي الشعث السيميائي، لإيقاظ
المصدوم من خدر اليومي ومن صعوبة استعادة الفرح في ( جنوب الروح )ومن
زئبقية اليقين في العلاقات العاطفية المنسوجة بكثير من التجاذب والتنافر مع
بهية وليلى وفاطمة.


( كان واقفا قبالة الحافلتين بقميصه الباكستاني و" طاقية الحج " المتسخة، والجاكيت النايك المزور، والحذاء الرياضي من نفس الصنف. )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة –ص . 326-327).


إن للإرهابي الفعلي أو المحتمل، علامات وإمارات، هي خليط من الرمزانية
التقليدية ومن المستنسخات المزورة للحداثة التقانية .لا يكتفي الإرهابي
بالأداء الحي والفرجوي للموت فقط، بل يخلخل منطق الاستعارة الحضارية والنسق
الجمالي المتواضع عليه في بنى حداثة المجاورة والعوازل السيميائية بين
فكرية التسلف وفكرية التدروش العرفاني. فالإرهابي الحركي، إذ يعلن المفاصلة
الفكرانية مع الفكرانيات الأخرى، فإنه يشوش العلامات والأيقونات، ويضيع
الحدود الدلالية بين الأنظمة الفكرية والحساسيات الفكرانية لدى ضحية
الصدمة الإرهابية( يوسف الفرسيوي ).


مما لا شك فيه إذن، أن رواية ( القوس والفراشة ) تبحث في القابلية
للإرهاب، وفي المحاضن الشعورية واللاشعورية، الثقافية والاجتماعية
والسيكولوجية لهجاس الموت الاحتفالي. تتناول هذه الرواية، اعتناق الإرهاب،
في محيط سوسيو- ثقافي،يداور مصائر ميثولوجيا السلالة كما في حالة محمد
الفرسيوي وميثولوجيا الثورة والاشتراكية كما في حالة يوسف الفرسيوي. ففيما
يحاول الجد التشبث ببهاء السلالة وبألق الحفريات والحفاظ على أمثولة باخوس
والأساطير اليونانية والشعر الألماني الرفيع، والأب صقل الذات وإجلاءها
في راووق الميثولوجياالأدبية ( رسائل إلى حبيبتي)، فإن الحفيد سيختار
المكان النموذجي لمسرحة الموت، وإنهاء الرصيد السلالي والميثولوجي على نحو
كلي.


ولئن اختار يوسف الفرسيوي النضال اليساري – الماركسي بفضاء متزمن ( مغرب
السبعينات ) أولا والانشغال بالجماليات والكتابة الصحافة ثانيا والحفر
الاركيولوجي في الأسطورة العائلية ورسم سيناريوهات تمثال باخوس ثالثا، فإن
الحفيد سيختار فضاء جهاديا مثاليا، لتحقيق أعلى درجات التماهي مع الأمثولة
الجهادية. والتماهي يقتضي محو الخصائص والإحداثيات الأنثروبولوجية
والسوسيولوجية، مما يفسر انفتاح القبيلة على عولمة الجهاد وانقطاع سندها
الجمالي والتاريخي. وحين تتخلى القبيلة عن فرادتها الأنثروبولوجية وعن
توطنها المجالي، فإنها تكشف عن تصدع كبير في جدار الانتماء لا تملأه إلا
عولمة الانتحار الثيولوجي.


ثمة مسارب عميقة في بنية الكائن والثقافة، هي المسؤولة عن احتضان
ميثولوجيا الموت الخلاصي ضدا على الآلام التاريخ الحي. ولا مناص من التقاط
سلاسة ذلك الانتقال اللااشكالي، من مؤالفات حداثة المجاورة إلى بداهة
القدامة الفائقة المصاغة بلون الفجيعة .


(بهذه السهولة يولد الوحش، بهذه البساطة يعبر إلى ضفاف الجحيم . )


( محمد الأشعري – القوس والفراشة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب -2010- ص . 249- )


ولا مفر، لا من عودة المكبوت فقط، بل من عودة بربرية العنف المقدس؛
فغياب اليقظة النقدية والإستراتيجية، والانشغال بعقد الموافقات الفكرية،
لا يمكن أن يساعدا على تحجيم الكاووس العنفي ولا شهوة القتل / الانقتال
المتجذرة في التراث الروحي السامي. إلا يجدر بمن فاتته الوصية الفولتيرية،
أن ينصت إلى التحذير النيتشوي؟ !


( وهل من تنين أشد خطرا على أبناء الحياة من تنين الوصايا والكلمات
الوهمية وقد كمن فيها المقدور طويلا حتى حان وقت انتباه التنين ؟ وها هو
يهب مفترسا جميع من بنوا مساكنهم على ظهره. )


(-فريدريك نيتشه – هكذا تكلم زرادشت – ترجمة : فليكس فارس-دار القلم – بيروت – لبنان - ص. 118).


ليست رواية (القوس والفراشة)، إلا استقصاءا جماليا وفكريا، لحيوات كل من
ارتضوا ذات زمان مغربي، بناء مساكنهم الروحية والثقافية على ظهر تنين
التقليد والإرهابية الرهابية الثقافية .ومن المؤكد أن تفكيك تلك المساكن
غير المطمئنة يمر، عبر تفكيك كل ضروب التماهي مع بؤرة دلالية عقدية –
تراثية مهووسة بـ"الهناك"، وتفكيك الجذمور الإبراهيمي وتدشين سياسة حقيقة
وسياسة حقيقية، تتجاوزان أفق اللاهوت والآنسة المخاتلة جذريا. يقول فتحي
المسكيني ما يلي :


( إن سياسة الجليل مثل سياسة الهائل لا تهبنا إلا تدميرا عدميا
واستطيقيا لجدار المستقبل، ومن ثم هما صيغتان عنيفتان وعاميتان لتأجيل
التهيؤ الأصيل لسياسة المستقبل التي لن تبدأ إلا متى أفلحت العقول القادمة
في حل المسألة اللاهوتية على نحو جذري، أي متى استطعت الإنسانية القادمة
الخروج من أفق عصر الأديان وارتسام " بدء آخر " لتاريخ الحقيقة الآدمية
على الأرض لا علاقة له بتصوراتنا الحالية عن الزمان . )


( - فتحي المسكيني – الفيلسوف والإمبراطورية – في تنوير الإنسان الأخير –
المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى –
2005-ص.197-198).


ذلك ما يتوجب فعله، إن شئنا ألا تتغلب الفنطازيا على الواقع، وأن لا تعود الأجساد إلى لعبة الموت تحت ظلال العوالم الافتراضية!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة :: تعاليق

الكرخ
رد: القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة
مُساهمة الجمعة أكتوبر 28, 2011 1:23 pm من طرف الكرخ
ية الفرجوية. لم يعد الموت إشكالية أنطولوجية بل طوبى
ميتافزيقية. لا يأتي الموت من بعيد، بل ينبثق من كوى الذات والقلب المنهجي
للقيم ومن قيعان مخيلة قيامية جامحة.


فالإرهاب لا يعني سوى الذهاب الفرح إلى الموت… سوى تسريع الزمان
البيولوجي وتقريب الفناء من الذات ومن الجمع. إنه نوع من حصد الخيرات
بأدوات أخرى!


كيف يختار الحفيد(ياسين الفرسيوي) الانخراط في المتخيل القيامي، وينزاح
عن الذاكرة التاريخية الاستعادية للجد(محمد الفرسيوي) والذاكرة المفتتة
للأب (يوسف الفرسيوي؟ كيف اختار الحفيد أن يشيد أسطورته القيامية، بعيدا عن
الأسطورة المرممة للجد وعن الأسطورة المتشظية للأب؟ كيف ينحاز الحفيد إلى
سردية الموت الجاهز، بعيدا عن سردية التاريخ المستملك وسردية التاريخ
المتحرك بين مثالي
 

القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» السوبر حداثة في مواجهة السوبر تخلف
» الأزمة السورية: قراءة في مواقف الدول العربية المجاورة
» عن أي حداثة خاصة يتحدث بول ريكور؟
» حداثة حرية شذوذ جنسي دعارة ابداع !!!
» لدين والتنوير: تحرير الدين من التيولوجيا السياسية، أو نحو حداثة بدون عوائق

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: