الخرجة الربانية وتزييف الإصلاح
حفيظ المسكاوي
2011-07-04 19:50:00
الله الله هو هو، سيدي ربي. .نعم للدستور..
الصوفية الطرقيون لهم القدرة على تنزيل القلب من
الملكوت إلى جانب الجسد في الحانوت..لم لا يعتمدون ذكر " نعم للدستور"
ذكرا جديدا ؟ هذه المرة لا يقربهم من "حضرة الله" ولكن يقربهم هذا الذكر
من "حضرة الملك" ، لقد انقلبت الطريقة على أهم مبادئها : الزهد في السياسة
!
المصلحة العليا التي تعلو على الله وعلى الوطن وعلى الشعب...
هل يتلق الملك الأذكار من الشيخ حمزة ؟
هكذا أصبح التصويت بنعم على دستور يضرب بالشريعة الإسلامية عرض الحائط
ولا يأخذ من قوانينها ولو 1% ويضلل الناس بمفهوم فارغ : "الدولة
الإسلامية" الذي لايعني شيئا من الناحية القانونية والفعلية ، فريضة
إسلامية من منظور "العلماء" والجمعيات الدعوية كحركة التوحيد والإصلاح
والطريقة البودشيشية التي "ألهمها الله" خرجتها "الربانية" لتعبئة الناس
للتصويت بنعم..الحقيقة أن المغاربة باعوا كل شيء لقد باعوا الله نفسه ،
فلينظروا من إلاههم الحقيقي..
لقد كانت الطامة والمصيبة الكبرى في ذات ونتاج المنظومة التعليمية ،
شباب تعلم من المدراس وتخرج من الجامعات ولكن في ذات الوقت عاجز عن تفكيك
الخطابات ونقدها ، بل العجيب أنه يقتنع بخطابات فقيرة من الحجاج ومقومات
الإقناع لا تتوسل إلا بالعاطفة الدينية في استغلال ماكر للشعور الديني ،
وينكر الخطاب الواضح المعقلن،وهو الأمر الذي تعرفه الأحزاب المتأسلمة
والجماعات التي تستغل الدين لتمرير قناعات سياسية معينة ، ونفس الخطاب
تستغله أحزاب وجماعات غير دينية لكن في سياق غير السياق الديني بعد غسل
دماغ المنتمي وتحوير أفكاره وتغيير قناعاته ! ضعف التكوين الذي أفرزته
المنظومة التعليمية المعطوبة هو المنفذ الذي يتسلل إليه كل الماكرون سواء
كانوا أصحاب لحى يبسملون ويصلون على النبي قبل الخطاب أو كانوا غير
ذلك..لا تتوفر أية وسيلة لاكتساب المعرفة عند الكتلة العريضة من أميي
الثقافة قبل أميي الحروف والأرقام سوى الوسائل الشفهية والسمعية والبصرية
- وكلها خطابية وإعلامية ، أي أن الأحد من هؤلاء يكون "رأيه" عن طرائق غير
قرائية تمعنية ونقدية، بل إخبارية تداولية أو حشوية.
خرجت مسيرة نظمتها الطريقة البودشيشية بالدار البيضاء ، هذا التنظيم لا
يخلو من رسالة يريد الشيخ حمزة إرسالها للنظام أركبها وفق صياغة بيت ينشده
مريدوا البودشيشية عندهم في جلسات السماع وهو : "كن مع الله ترى الله معك
" ، لتكون الرسالة :" كن مع النظام ترى النظام معك " ، ولكن ليس على
مقاييس التصوف والوجدانيات هذه المرة ، ولكن على مقاييس المصالح
البراغماتية ، "هاك وارا"، مع اختلاف عن البيت الشعري الذي جاء في سياق
التعبد الذي لا يلزم على الله شيئا عكس سياق السياسة الذي يلزم الحاكم
ويوجب عليه ،ونحن نعلم أن الملك يحتضن الطريقة البودشيشية ويرسل لها هبات
، فالطريقة لها ثقل وتربي الشباب على الزهد في السياسة إلى أدبيات
"الأحوال" و"الأنوار" و"الأسرار" و"الحضرة" ، و حين مرضت زوجة الشيخ حمزة
كان الملك هو الذي رعاها ! الطريقة البودشيشية قادرة على تعبئة مريدها على
أي شيء أمر به الشيخ ، والذي يذهب إلى مداغ سيقف على مدى توغل الشيخ كسلطة
روحية في وجدان مريديه هكذا بخطاب يلعب على المشاعر والوعود الخرافية
ودغدغة أخيلة شباب مغمور لا يعرف يمينه من شماله في شريعة الله اللهم ما
حفظه صفوتهم من فقه بن عاشر ورسالة القشيري ، وهذين المرجعين كافيين على
رأي الشيخ حمزة ليصبح المريد فقيها !
حين جلس مريدوا الشيخ يوما يستمعون إليهم قال لهم : "سوف أجتاز بكم
الصراط يوم القيامة وسأحملكم على ظهري " ، ولطالما يقول لهم : "لقد رأيت
رسول الله يقظة وقال لي وقلت له" ، ولقد "جاءني الإذن من الحضرة الإلاهية
والحضرة المحمدية" في إلغاء تام لضوابط الإستدلال الشرعي ومايتعلق بالنصوص
وترك الخيال ونفث علم الأذواق : "حدثني قلبي عن ربي" في سلسلة ذهب حديثية
فريدة ! فيصدقه المريدون دون نقاش أو تحريك للعقل ، وأين العقل ؟ "كن بين
يدي شيخك كالميت بين يدي مغسله" ، كما يقول السادة الصوفية الذين يملؤون
كتبهم بما يعجز الوصف بل والخيال عن نقل توغله في الخرافة وبعض ذلك في
إحياء الغزالي وطبقات الشعراني حيث "الولي" الشيخ الذي يفعل في الحمارة في
نشوة زوفيلية تدرج عندهم في باب الكرامات وحين خجلوا منها قالوا إنها
مدسوسة وكم قالوا عنه إنه مدسوس حين لا يستسيغ العقل تخريفه ، فلتكن
البودشيشية شجاعة جريئة ولتحدث الناس " الغافلين" بتخريفاتهم التي يسرونها
في مجالسهم الخاصة !
هذه المرة لم نسمع رأي الشرع في هذه الطريقة من السادة "العلماء" أو من
المتزلفين من أساتذة الخرب المسماة بالجامعات ، على غرار ما سمعناه عن
العدل والإحسان وتأليف الكتب والأقراص حول خرافاتها ، نريد أن نسمع الشيوخ
ماذا يقول الله ورسوله حول هذه الطريقة ، الوحيد الذي ألف كتابا علميا حول
المنهج التربوي عند الطرق الصوفية هو الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله :
"التوحيد والوساطة في التربية الدعوية" ، وهو كتاب مستغلق على الرد ولم
يفعل أحد مريدي البودشيشية ، أستاذ جامعي في أصول الدين غير أن وصف
الأنصاري بالمتسلف لتنفير المريدين لما تثيره هذا الكلمة في نفوسهم وهو لا
يعرفون ماهي إلا ما ركب في أذهانهم .
فإذن خروج البودشيشية لم يكن خروجا بعد مدارسة المريدين للدستور فيما
بينهم فصلا فصلا ، بل كانت خرجة "ربانية" جاءت بتخطيط إلاهي ، كما يردد
الشيخ دائما في وجوه مريديه ، وهو الذي زكى لهم حكومة عباس الفاسي حتى قبل
أن تعرف تشكليتها ، فالشيخ له قدرة عجيبة على استشراف المستقبل لما وهبه
الله من "علم لدني" و"أسرار" و"أنوار" ! بل إنه حسب أدبيات الطرقية ، يكون
للشيخ الذي بلغ مقام "القطبية" قدرة على التصرف في الكون ، فهو يستطيع
تحرير فلسطين ومحو إسرائيل ، لكنه يتأدب مع الله ! يمكن أن نقف على هذا في
تعريف "القطب" في تعريفات الجرجاني مبدئيا وعلى أكثر من ذلك في ثنايا كتب
الصوفية بحيث يكون الشيخ القطب فريد زمانه ووحيد عصره إلاها !
طبعا ذلك كله شأن الطريقة ومريديها وهي حرة ، حسبنا هنا فقط أن نضع
خرجتهم في الإطار الصحيح ، فالخرجة ليست واعية بقدر ما هي انصياع لأوامر
الشيخ الذي يمتلك سلطة لا قبل للملك نفسه بها ، فالشيخ "عارف بالله"
والملك "أمير المؤمنين" ليست لديه أية أهلية للتربية الروحية، بل لقد ذهب
بعض المريدين إلى التساؤل ما إذا كان الملك نفسه يتلق الأذكار من الشيخ
حمزة ! فالطريقة البودشيشية دولة داخل الدولة تنظم علاقتها بين المريدين
بسلطة روحية بلا أية قوانين عقابية أو زجرية ! فالمريدون تربوا على
الإنصياع والخضوع أو بتعبيرهم : "الإمتثال" ، نعم ، ولم يتعلموا يوما أن
يقولوا : لا .
بعض المتأسلمين والمتسلفين توكلوا على الدستور ، لا على الله ، من أجل
أن يحفظ لهم شيئا يسمونه بالهوية الإسلامية، "قل الله خير حفظا" أم
الدستور؟ بالرغم من أن لاشيء في الأداب العامة للمغاربة يؤشر على هذه
الهوية ، فلاشيء غير زمرة من الملتحين والمحجبات المنقبات ، أكثرهم لايملك
من أبجديات الأداب الإسلامية إلا النزر اليسير ، توكلنا على الدستور ،
المغرب "دولة إسلامية" ، مساجد تفوح منها الروائح الكريهة في مراحيضها ،
وحانات وعلب ليليلة ترتمي بها قاصرات وسط الذئاب ، "نساء كاسيات عاريات
رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لايدخلن الجنة ولايجدن ريحها" كما أخبر النبي
في الصنفين المعذبين بنار جهنم الذين لم يرهما ، عرابيد ، زانيات لم يكن
ليوجدن بدون زناة ، شذوذ جنسي ، سحاق ، بيدوفيليا ، قمار ، القمار الذي
يدخل في استراتجية الشركة المغربية للألعاب والرياضة التي تمتلك الخزينة
العامة 90 بالمائة من رأسمالها ، وقد كتب المهندس المناضل أحمد بن الصديق
مقالا بهذا الصدد.. ثم جرائم يندى لها الجبين لم تكن إلا إفرازا لمنهج الدولة وسياستها
الإجتماعية ، سمعنا عن ابن يقتل أمه ، أب يغتصب ابنته أخ يغتصب اخته ،
جرائم متكررة في دولة الإسلام ، فتيات في عمر الزهور يدخلنا ضطرارا لتجارة
الرقيق ، أسر كاملة تحترف الزنا والشذوذ لأجل لقمة العيش ، أطفال يبيعون
أجسادهم في مراكش وغيرها ، مراكش مدينة المتسلفة ودور القرآن ، هؤلاء
الذين يحسنون تبديع وتشريك وتكفير وتفسيق الضعفاء والفقراء ولا يقومون
بشيء لسد هذه المصيبة ، متسلف يحمل في يده سلة ممتلئة بما لذ وطاب وفي
اليد الأخرى كتابا عن عذاب القبر يقدمه للفقير بدل أن يقدم له شيئا من تلك
السلة يسد به جوعه ، وهي صورة كاريكاتورية تختصر المنهج الدعوي عند
هؤلاء..وأمورا أخرى لا يكفي لها مقال.
شيء اسمه حركة التوحيد والإصلاح ، حركة تزييف الإصلاح، وتحقيق الزيف ،
الإصلاح والحق والزور لها مرجعية إسلامية تبين الرؤية التي يبنغي أن تؤطر
التيار الذي يزعم استناده لمرجعية إسلامية ، هل الدستور الحالي يعكس
الرؤية القرآنية للإصلاح حتى نسميه إصلاحا ، هل يعكس الحق أم الزور
وانطلاقا من أية مرجعية تصنيفية ؟ " نحن نحفظ بقاء المؤمينين ليكون لإمارة
المؤمنين معنى " هي قولة الريسوني على برنامج نفطة ساخنة تلخص وتعكس كل
شيء ، ليكون لإمارة المؤمنين معنى التدخل على مستوى الحقول الثلاث :
التحكيم : الذي تبرره الزوايا والجمعيات ، ومنها حركة التوحيد والإصلاح ،
الدولة الحديثة : الذي تبرر بالأحزاب والنقابات ، إمارة المؤمنين :
بالعلماء..فالمؤمنون هم من يبرر لإمارة المؤمنين التي تتدخل لا باسم
المنهج الديمقراطي الإنتخابي ولكن "باسم الكتاب والسنة" كما صرح الحسن
الثاني في إحدى خطبه .
ليس بوسع المتسلفة أن يقولوا لا للدستور لأنهم لا يملكون غير أدبيات
"طاعة ولي الأمر" في قاموسهم ، فهم في ذلك كالطرقيين الخرافيين ، باستثناء
البعض الذين وإن تسلفوا انفتحوا على الفكر السياسي المعاصر وعلى منهج
الديمقراطية ، ولهم قراءة شمولية للنصوص السياسية في الحديث النبوي وفضحوا
المنهج التجزيئي التضليلي لمتسلفة السلطان ، ومن أبرز هؤلاء الدكتور محمد
عمارة المفكر المصري في كتبه التي تتناول هذا الشأن وكان آخرها "ثورة 25
يناير وكسر حاجز الخوف"، أحد أصحاب اللحى صرح بأنه مع الدستور ، وهل
بإمكانه غير ذلك وهو الذي أفتى بزواج بنت تسع ثم أنكر بعد ذلك وقال بأني
أتراجع ، كيف ستكون صورته إن قال : لا ؟ ثم يقولون بأن المصلحة العليا
للوطن تقتصي ذلك كما قال أيضا أصحاب المصباح الظلماني ، بمعنى أن الرافضين
والمقاطعين للإستفتاء ضد المصلحة العليا للوطن وضد استقراره ، وهم وحدهم
يعرفون ما المصلحة العليا التي تعلو على الله وعلى الوطن وعلى الشعب لو
كانوا صادقين.