هل أصوت بـ"لا" أم بـ"نعم"؟ أم أقاطع؟
الطاهر الطويل
2011-06-30 15:29:00
وقفت
أمام صندوق الاقتراع حائرا، أقلّب الورقتين اللتين بين يدي: نعم، لا.
أيهما أختار؟ أم أنسحب من مكتب التصويت، وأعلن أنني أقاطع العملية برمتها؟
حينها، خطرت ببالي أمور عدة:
* تذكرت خطيب الجمعة، وهو يتلو خطبة أرسلتها له وزارة الأوقاف والشؤون
الإسلامية ـ مثلما فعلت مع زملائه المنتشرين في "بلادنا السعيدة" كما كان
يقول "مسقط الطائرات" أيام زمان ـ. كان الخطيب يقرأ الأوراق التي بين
يديه، مثل تلميذ يتهجى درسا مستعصيا عليه، متحدثا عن "وجوب" التصويت
بـ"نعم" على مشروع الدستور؛ وتعجبتُ كيف حوّلت وزارة أحمد التوفيق مسألة
التصويت إلى أمر ديني، مستدلة على ذلك بآيات قرآنية وأحاديث نبوية. ولم
يكن بإمكاني، ولا بإمكان غيري من المصلين، أن نناقش الإمام في ما يقول، ما
دام كلامنا سيُقابل بالاستهجان، لكونه سيندرج إذّاك في باب اللغو. و"من
لغا فلا جمعة له"!
وتساءلت فيما بيني وبين نفسي: لماذا تتعامل وزارة الأوقاف مع موضوع
السياسة بمكيالين: فهي حيناً تمنع الأئمة من أن يتطرقوا إلى قضايا تهم
الناس في معيشهم اليومي، وخاصة تلك المتعلقة بالفساد السياسي أو الاقتصادي
أو الإداري أو الأخلاقي؛ وحينا آخر، تحثهم على ارتداء جبة السياسة لحشد
همم الناس، عندما يتعلق الأمر بمناسبات "وطنية" معينة، والوطنية هنا
بمفهومها المخزني تحديداً.
* وتذكرت أيضا الزميل رشيد نيني المعتقل حاليا بسبب أفكاره وآرائه
الجريئة والصريحة. وآلمني أن يكون مشروع الدستور يبشر بالمزيد من الحريات
بما فيها حرية التعبير والرأي، ويؤكد على الالتزام بالمواثيق الدولية في
هذا المجال، بينما يودع الزميل نيني السجن كضريبة لحرية التعبير هذه. وكم
هو مشهد صارخ أن تتعامل الدولة مع صحافي من حجم رشيد نيني، مثلما تتعامل
مع مجرمي الحق العام من اللصوص والقتلة ومشهري السكاكين والسيوف في وجه
المارة! فهل أقول "لا" أم "نعم" لمشروع الدستور، أم أقاطع، والحالة هذه؟
* وتذكرت كذلك مشهد ربّ منشأة اقتصادية، وهو يحشد بنفسه حرّاس مؤسسته
مفتولي العضلات في عربة نقل البضائع، بجانب مجموعة من الشباب الذين تدل
سحناتهم على كونهم من فصيلة "البلطجية"، ويمدّهم جميعاً بالأعلام الوطنية،
والهدف: اعتراض سبيل مجموعة من شباب "20 فبراير" ومضايقتهم والاحتكاك بهم،
لا لشيء، سوى لأن هؤلاء الشباب يطالبون بالإصلاح الحقيقي وبمحاسبة
المفسدين، وشعارهم في كل الوقفات والمسيرات: "سلمية، سلمية". فهل أصوت
بـ"لا" أم "بنعم" أم أقاطع، وأنا أرى ذلك الرأسماليّ الصغير يتحالف مع
السلطة، محاولا الظهور بمظهر المدافع عن الوطن وعن الدستور، وهو في الواقع
يحاول التستر على الفساد الموجود في مؤسسته نفسها؟
* كما تذكرت أن العديد من الوجوه السياسية المسؤولة عن الوضع القائم
والمستفيدة منه، تبشّـر الناس بـ"النعيم" الذي سيرفل فيه الجميع بسبب
الدستور المنتظر، بعدما نالت أحزابها دعما سخيا من الخزينة العامة للقيام
بهذه المهمة الجليلة.
صور أخرى خطرت ببالي، وأنا واقف أمام صندوق الاقتراع: ملايير مهرجان
"موازين" التي أغدقت على "شاكيرا" وعلى غيرها من المطربين الغربيين
والعرب، جموع خريجي الجامعات المعطلين أمام البرلمان وهم يتذوقون هراوات
السلطة، مشاهد الفقر والتهميش في أعالي الأطلس الكبير وفي مناطق أخرى من
البلاد...
وتوالت المشاهد في ذهني، حتى جعلتني أنسى نفسي، وأنسى نداءات المسؤولين
على مكتب الاقتراع الذين كانوا يطالبونني بالإسراع بالتصويت...
خرجتُ من المكتب، وأنا لا أدري أية ورقة وضعت في الصندوق!