الروائي
والقاصّ.. وطبيب العيون، محمد الحاج صالح، أصدر روايته الثانية (صخرة
الخلقين).. – دار التكوين 2006- بعد روايته الأولى ( امرأة من صوان).
الدكتور محمد قال في صخرة الخلقين ما لم يقله في قصصه القصيرة، لعلّ
القصة القصيرة لا تتسع لذلك العالم الصغير الكبير، ربما فاضت الذاكرة..
الأحاسيس عن حوافها، فكانت صخرته التي ربما تستمد اسمها من كلمة الخلق،
وأحداثها من قصة الخلق، خلق يعيد تشكيله على طريقته كما يفعل الشعراء مع
ملاحم الميثولوجيا وقصص التكوين في الكتب المقدسة.
يلجأ الكاتب إلى بعل وعناة، فهو ليس موسى الكليم المشاهد، وكرسي الجبل
ليس جبل الطور، لا بأس هنا بالتواضع قليلاً.. فخالق كرسيه في رأس الجبل،
لا يرقى إلى مرتبة نور ونار وادي طوى، بل ربما كان على الأكثر نوعاً من (
زيوس) .. ساكن قمة الأوليمب، بحيث يستطيع هو- الكاتب - ولا ندري إذا كان
سواه، أن يشاهد الصانع وهو يصنع.. الخالق وهو يخلق، ولعله رأى بعينه (
نرجيس) الجميل وهو يتملّى صورته في الماء، لكنه هنا لم يهمّ بها، ويتفتح
بين الصخور زهرة صغيرة جميلة تفوح عطراً وسحراً، بل إن هذا الخالق صنع-
كما هو معروف - على مثاله مخلوقاً، استمدّ موادّ الخلق الأولية من مكانه
ذاته، تراب.. رمل.. كلس.. ماء البحر، ولم يهبطه الغبراء الشائكة، يسعى في
مناكبها، ويقتلع بيديه شوكها من قدمه الحافية، بل عمّده بماء البحر، في كل
الأحوال، يعود ليحايث قصة الخلق المعروفة، فينفخ في خلقه فيضاً من نوره،
وبعد أن يخلق حوّاءه بذات الطريقة ويكللها بالضياء، فيكتمل مهرجان السماء،
كل ذلك وبعل يراقب الممالك الفينيقية والأروادية، وفي غفلة من بعل، يأتي
رجل بعد آلاف السنين، يضع نجوماً براقة على كتفيه، يعجبه موقع صخرة
الخلقين التي لا تزال تحمل ملامح المخلوق الأول العملاق، يقتلع الصخرة،
وينصب مكانها مدفعاً مضاداً للطائرات، وبعدها لم يعد أحد سوى العجائز يذكر
موقع الكرسي، عندها لن يجد بعل بدّاً من إرسال برازه المقدس على المكان
المغتصب، فتفقد النجوم بريقها ويحلّ العتم في المكان، ولم يفصح الكاتب هل
فقدت نجوم كتفي مقتحم المكان، العابث به، بريقها أيضاً، أم أن بعل، صانع
قداسة الكرسي البحري، لا تطال سطوته سوى نجوم السماء البعيدة.
من قصة خلق مفترضة، إلى قصة خلق حقيقية، ( فسحة سماوية.. وطست يغسلون
فيه وليداً..).. الوليد يصرخ احتجاجاً على وجوده في عالم لم يختره، الغيمة
الزرقاء.. نفس الوليد.. روحه، قررت المكوث داخل الجسم الصغير الغض، عله
يتعلم الصمت من جديد، لكنها مع نمو الطفل، لا تني تستحضر الذاكرة في
الطفولة واليفاعة والشباب، وعندما تتصاعد الزفرات، تحفزه.. تقوي من
عزيمته، وتطلقه بعيداً في متاهة الحياة.
لعل الكاتب أراد أن يبني عمارته الروائية تأسيساً على قداسة مكان رافق
وعلّم.. وساجل.. وواسى.. أجيالاً لا تني تتوالد، تعيد إنتاج ذاتها في
المكان، تتعمد بمائه وترابه، وربما استحضر أي واحد منها، وفي أي زمن، حياة
ماضية أخرى.. في ذات المكان، تسربت إلى الذاكرة المتوالدة.. النسالية،
فذكّرت وذاكرت، تعرفت على ذات الوجوه والملامح والمكان، والتاريخ .. فصاغ
قدسيتها تعاقب الأزمان، والتاريخ المعرّش ألقاً.. وغرس أصالتها في الرمل
والماء، وفي نتوءات صخرية عارية تخز.. وتجرح من يقترب عابثاً أو لاهياً،
أو يحمل ذاكرة مستولدة لا متوالدة.
بعد كل ذلك!!.. ماذا يمكن أن يقول وهو يشاهد رئيس بلدية عتيدا، يتجرّأ
على المكان المقدّس، فيفتح في حائطه الغربي ثغرة، بحجة أن وصول سيارة
الإطفاء إلى الساحة أهمّ من تاريخ الساحة نفسها، هذا هو الكلام المعلن،
أما في داخله فيردد أن أوامر عليا كانت وراء الفتحة التي ترمز للانفتاح
على العالم، وليس فقط سيارة الإطفاء، وحين يشعر أن حجته لا تبرر فعلته،
يتردد على مفتي المدينة، ويطيل المكوث في المسجد، ولكن هيهات!!.. فنثار
براز بعل قد طرشه.. فمرض واستعصى داؤه، ولاقى جزاء تجرؤه على التاريخ.
يرى كل ذلك عائد بعد ثلاثين سنة، يحمل المكان في عينيه وقلبه، تنفلش
الذاكرة، تتقافز، تعيش صراع المقدس من التاريخ، مع زمن الصديد والحروف
الميتة والدمار، ( بأي الحروف ينطق ومن حوله الطواويس تعتلي عروش
الخراب؟..) ( يحمد الله أن القلعة ما تزال في مكانها، والبرج والخندق
والدنجون.. مدينة شيدت بحجارة كبيرة).. لكأن الكاتب يردد مع الكبير
أدونيس.. / أعط ذاكرتك للحجر ونم بين شفتيه/.. لكن بطله العائد.. المصدوم
بمشهد التغيير، لا يقول ذلك.. يقول عكسه..( الأمكنة لا تحتفظ بالذاكرة،
رغم توهمنا بذاكرة المكان،… البشر أتوا وعاشوا، صنعوا تاريخهم، حملوا
ذاكرتهم ورحلوا..).
يلج الكاتب ببراعة بعد مرثية المكان هذه، إلى المكان، يوصّفه، من خلال
ذاكرة المسافر العائد.. في محاولة ربما للتبرئة والتحلل من المسؤولية،
فالأمر تم في غيابه، يحتفي بالتفاصيل.. يتابع الدواخل، الأحاسيس، ما وراء
الكلمات، الروائح. دخان النراجيل.. شطف الزقاق.. حمرة الخدود الفاقعة
والبودرة، التزين بالزنبق والمضعف والفل والياسمين، دروس الفتيات المقبلة
على الزواج، ألعاب العيد، مسدسات الفلين، عروض الكريكيزة، زيارات
واستقبال، وحمام سوق، وحكايات سمر.. رجال.. عمال وصيادو أسماك.. ودراويش..
رجال دين مستهابون .. مبروكون ومجاذيب.. مغنّو شوارع.. كل ذلك لا يمنع من
عودة الذاكرة كل حين لتسأل وتتساءل..( وآدم الذي خلق هنا على الصخرة..
آدمنا.. ماذا فعلوا به؟..) ..(هنا بادت مدينتي، وهنا كان وطني،..) ( لماذا
توروزا؟.. ولماذا المدينة؟.. ولماذا تملك كل تلك الحميمية في نفسه؟..) .
بعد اكتمال مساحة اللوحة وألوانها، يبدأ إغناؤها بالخطوط الدقيقة، نوع
من استحضار سيرة ذاتية يجب أن تقول شيئاً مهماً.. وهل هناك أغنى من سيرة
الذات لملء مساحة لوحة الرواية الحياة؟.. توروزا هي طرطوس، مدينة الكاتب،
جرأة التفاصيل، صدامها.. تناغمها، اللغة المقتصدة التي تصدر عن ثقافة
الحياة، وتحيل إلى الحياة ذاتها، في رواح ومجيء.. اشتباك وانفصام تناغم
وتنازع، الأول يحيل إلى الثاني، والثاني يأخذ من الأول ويعطيه، تدور
المتقابلات في دائرة الحدث مربوطة بخيط ذاكرة، وبدوران الخيط المربوط في
المحور تكبر مساحة الدائرة إلى مثلي طول المحور الذي يشكل نصف الوتر، ويا
لها من دائرة!!.. فعلى مستوى المكان ( نهر الغمقة من الشمال، ونهر العجمي
من الجنوب؟؟؟؟؟؟؟!!!!../ الجغرافيا الروائية هنا لا تتطابق مع الواقع /..
وبحر يصلها بأمها أرواد… أهي خدعة بصرية أم رؤيا؟.. حجارة المدينة يعاد
تشكيلها امرأة من عظام ودم ورمل وطين، أتراها مدينة أم أنثى تدب فيها
الحياة؟.. أمه تتحول إلى حجارة، إلى مدينة، والمدينة تتبادل المكان مع
الأم..).. ( تغادر جدته وهي تبتسم للجارة الفاتنة مخلية لها المكان كي
تؤنس الشيخ الخرف الذي أخذ ينطق الشعر..).. ( تنازل عن كل ما يملك
لأولاده، وعندما تيقنت العروس أنها لن تنال منه سوى روائح الشيخوخة، اختفت
وأهلوها كومضة برق، ضحك كرش المختار، وارتبك الشرطيان، وعبس الحارس وتفرق
الشهود..).
محمد الحاج صالح، وإن قدّم مرثية لمدينته، المدينة القديمة.. المغلقة..
المسورة من الغرب بالسور الأثري، ومن الشرق بالخندق، ونعى على مسؤول
البلدية فتح السور من الغرب بداعي الانفتاح..( أنت رجل تستحق قطع
اليدين..) ..( كيف تتجرأ على التاريخ؟..).. إلا أنه يعرف ما يفعل.. يقيم
بناءه الروائي في مكان يعرف أنه مغلق، ويعرف أثر ذلك على المكان والناس
والحياة، يضع عنواناً ( الخروج من سجن الرحم إلى سجن الخوجاية..).. فيلقي
ببراعة الفنان، بالمسؤولية عن التغيير، الذي يقارب الجريمة، على الآخر..(
رئيس البلدية).. ونستطيع أن نظن بأن الكاتب وفق مشروعه الذي لا يتردد في
إعلانه، كان يمكن أن يقدم على ذات الفعلة لو لم يقم صاحب الحظ التعس (رئيس
البلدية) بما قام به، فهو في مشروعه الروائي يريد أن يصل إلى ذات النتيجة
التي سبقه إليها غيره، وربما أكثر من فتح السور، فالمسألة رمزية في
النهاية، وفتح الثغرة، والإطلالة على البحر.. الغرب، هي البداية، وعلى
الكاتب أن يكمل رؤيته، وهذا ما يتبين من تتبع الأنساق المتصلة بمسألة
التغيير المحتوم في الرواية.. وضرورته، الأنساق المتعلقة بتوصيف المقدس
الساذج.. المبهم.. وربما الخطر.
بجرأة يلج الكاتب إلى داخل الأقبية، يقتحم أمكنة النساء المحجبات..(
حمام النساء).. دارة الخوجاية نصرية، لا بغرض فتحها للضوء والهواء، فهو
عاجز عن ذلك، على الأقل في تلبسه بسن (وضاح) اليافع الذي تجتاحه كوابيس
المكان، وصور غربان الأمكنة المغلقة.. بل لتوصيف العطانة ربما، يقتحمها
صبياً، إنما يتمتع بوعي الكبار، يضيق بالزرابة، وبمعلمة القرآن (الغراب)..
(لم يدر أن والدته أسلمته لسجن سيطول لمدة ثلاث سنوات، يمتد أثره عليه
ليشمل مساحة عمره..).. ( ولا وضاح مين معك؟.. مع مين عم تحكي؟..) .. (
العصا من الجنة).. ( أتراها حقاً من الجنة؟ إذن ما هذه الجنة؟..).. ( ما
علاقة الخوجاية الشمطاء بالجنة؟.. وهل أسلم الله مفاتيح جنته لهذا
الغراب؟..).. ( وضاح لم يقتنع يوماً أنها من حراس الله..) ( لكن فتحية
بنت، هل تلعب مع الفتيات؟..).. ( بعد أربعين عاماً عندما قابل فتحية، رآها
ترتدي كيساً أسود.. مد يده ليصافحها، دفعت بجزء من الكيس الأسود ليلامس
يده..).. (لماذا حل علي غضب السماء منذ طفولتي الأولى؟..سجن مع التعذيب..)
دور البطل (الصبي).. في الرواية يبدو مدروساً، وإن كان معروفاً في
روايات أخرى كثيرة، كرمز للمستقبل، الصغار هم المستقبل، وهم يقومون بدورهم
السردي في العمل الروائي بشفافية وعفوية يفتقدها الكبار، حتى نموذج البطل
الملحمي، وهو شكل تالٍ لشخصية البطل الطفل في الرواية العربية، كان إما
لأن الصغار لا بد وأن يكبروا (هاني الراهب).. وإما لأن الشخصية الدرامية
تستلزم رجولة من نوع ما، في مرحلة قوربت فيها مسائل العسف الاجتماعي
والاقتصادي والسياسي، (الروايات التي تتحدث عن السجون والاعتقال مثلاً)..
واختيار الكاتب لشخصية (وضاح) الطفل في روايته يبدو استكمالاً لمشروعه
الذي يتقصد تحقيقه على يد غيره، أو على الأقل حدث ذلك عندما كنت طفلاً..
هو لا يتنصل، ولا يهرب، إنما لإضفاء المزيد من المصداقية الداخلية للمشروع
عامة، إنهم الأطفال!! .. الأطفال بعفويتهم وصدقهم، فماذا يمكن أن نقول نحن
الكبار؟.. إضافة للرمز العام المتعلق بالمستقبل، فهناك المزيد مما يمكن أن
يفعله الصغار غداً أو بعد غد، فانتظروهم!!.
يطيل الكاتب فصول الطفولة، ليمعن ربما في توصيف المكان التاريخي
المغلق على ناسه الكبار والصغار، وإذا اضطر السارد لإيراد ما يجب أن يكون
معلناً على لسان شخص من الكبار، فيجب بالضرورة أن يكون مسافراً عائداً،
السفر والعودة هما شرط الوعي بالعالم الخارجي ..الحياة، الساحة المسقوفة،
والقاعات الأثرية( عمرها ألف عام).. ليس من شأنها أن تضيف جديداً إلى
المخيلة، الذاكرة تنبني وتنسقف هنا، تكتوي بنار الحدادين وصانعي السكاكين،
ورائحة شواء قرون الخراف والماعز، والنسوة العوانس، وحكايات الجدة ،
وتقرير خلق آدم هنا!!.. على هذه الصخرة..( لم يكن يعلم أن هناك شيئاً ما
اسمه دين آخر مختلف، له صلاة مختلفة، فلم يعلمه ذلك أحد، ولم تتحدث
الخوجاية نصرية عن ذلك الاختلاف..).
المتنفس الوحيد في الصيف هو (الأندروسة).. (عندما يحل فصل الصيف تعم
الفرحة الجميع، ففي الأندروسة سيتخلص من قمع الخوجاية، وقيود المدرسة
والمدينة ، ويصبح كعصفور طليق..).. في الأندروسة ( المصيف).. يبدأ عالم
جديد بالتشكل، بشر مختلفون، فيهم بساطة الحياة الريفية وعفويتها، جديدها
الذي ينضاف مباشرة إلى الذاكرة، المخيلة العطشى، المتفتحة، سرعان ما يحب
وضاح المكان الجديد، يأتلف مع ناسه، يتعلم منهم، يندمج معهم..( لأول مرة
يسمع وضاح بالتأمل، ومحاولة اكتشاف ذلك العالم، يلتقي برجل يتحدث عن
معرفته بالسماء.. يتحدث لغة غريبة عن المواقيت والساعات والحوادث، كلمات
لم يسمع بها من قبل..).. ثم..(ينتهي الصيف مسرعاً، ويحمل وضاح في جعبته
ذكريات الدبكة التي ترافق أعراس الريف، وزوار الأندروسة.. يحمل في ذاكرته
عدنان والفكة وخيام الغجر.. تمرة وزهرة.. المرأة الندية الطيبة، واكتشاف
الجسد الأنثوي،.. كلها تمضي مسرعة، ، وتحين العودة إلى توروزا، ومعها
ستنتهي أيام الحرية..)..
ينتقل وضاح إلى مدرسة الراهبات.. ثم الابتدائية، ثم بدايات التعرف على
مساجلات الكبار في الدين والسياسة خاصة، التعرف على الآخر المختلف، ولم
يكن ذلك ليحصل في الساحة المسقوفة، بل فقط حين انطلق خارج أسوارها وبيوتها
المتداعية، في المدرسة المختلطة تعرف على العالم الجديد، أصبح شخصاً آخر،
وبدأ زمن الحب، وأزمنة أخرى لها علاقة بالنضج، وآخر الأزمنة هو أول العشق،
وبه تنهي الرواية.
الذاكرة الخصبة للكاتب كانت الرافعة الأساس في نجاح السرد، وبالتالي
الرواية، ليس من عمل ناجح..كتابة، كتلك التي تتحدث عما نعرفه جيداً.. إنه
حياتنا الواعية، النافذة عبر غربال الثقافة، الثقافة المؤسسة للفكر
والموقف والموقع، التفاصيل الحميمة لا تبنيها المخيلة فقط، إنها نوع من
السيرة الذاتية، طعّمها الكاتب بثقافته، واختار الشخصيات التي تناسب مقام
السرد، لتقوم بمهمتها الروائية، وربما كانت حقيقة من الحياة، حياة الكاتب،
إلا أنه بالتأكيد أضاف إليها الكثير، وخسّرها القليل، أو الكثير، لتناسب
أمكنتها في دراما السرد.
هناك ما يمكن أن يقال في المقاطع الشعرية، أو التي تشبه الشعر، في معظم
فصول الرواية، حتى عندما كان (وضاح) طفلاً صغيراً، هذه المقاطع لا يمكن
إلا أن تعزى للسارد، وهو هنا الكاتب تحديداً، فالرواية يقوم السرد فيها
على ضمير الهو الغائب، وفي مثل هذه الحالة يكون الكاتب متماهياً مع
السارد، والحد الفاصل بينهما هو فقط في أخذ الموقف أو الحالة بعين
الاعتبار فيما يتعلق بنسبة الخطاب إلى الشخصية من عدمه، في الحوار الذي
تقدمه مستويات اللغة تحديداً، ثم المحمول الثقافي والفكري الوارد في سياق
السرد على سبيل التداعي، ولا بأس فنياً من السير مع تداعيات السارد /الهو/
.. إلا أن الشعر يقوله الكبار.. المتميزون، لا الصغار الذين لم يتعرفوا
على الحياة بعد، وحتى لو كان السرد قائماً على ضمير الأنا المتكلم لما
اختلف الأمر، لأن السرد بتفاصيله ومستوياته على مسؤولية المتكلم، ومحدداً
ومحصوراً بحواسه وإدراكه.. وإمكاناته إطلاقاً، وفي كل الأحوال، فإن
المقاطع الشعرية إذا لم تقلها الشخوص الروائية في معرض السرد تحديداً، فهي
تزيّد سردي من الكاتب الذي لا يأبه لسيرورة السرد كثيراً من الناحية
البنائية، ويقحم ذاتاً شاعرة في غير مكانها المناسب فنياً، كاسراً مقولة /
غياب المؤلف عن النص/.
رواية صخرة الخلقين، هي حكاية الذاكرة الحميمة جداً.. والغنية جداً، والطامحة لقول الكثير