يرون لندن
2011-02-14
لمشهد الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير في القاهرة
يميل كثيرون الى التفكير بأن 'الشعب' عطش للحرية، لشدة تفانيه وعناده، هو
الذي قرر مصير نظام حسني مبارك. هذا مفهوم رومانسي يثير الالهام ويؤكد
التفاؤل الذي ينقصنا جدا، ولكن يخيل لي ان الحقيقة مختلفة: مبارك هو الذي
حسم مصير نظامه. فقد فقدَ عالمه من اللحظة التي بدأت فيه فرائصه ترتعد. لو
أنه امر الجيش باطلاق النار، لكان يحتمل جدا أن ينتهي التمرد ويصمد النظام
لعدة سنوات اخرى.
في دولة يسود فيها جيش حديث وأجهزة استخبارات تتسلل
الى كل شيء، ليست للمواطنين قدرة حقيقية على النهوض ضد النظام واسقاطه.
أنظمة من هذا النوع تسقط فقط عندما ترتعد فرائص الزعماء، عندما يشعرون بأن
الجماهير فقدت الخوف من الموت وان الجنود لن يطلقوا النار لخوفهم من الا
يكون الغد يعود لهم.
النزال هو النزال الذي يدور في ساحة الوعي. الخاسر هو من يفقد ثقته بنفسه، وليس بالذات المحق ولا حتى القوي.
أعصاب
مبارك ومقربيه خانتهم. وهم لا يتميزون بمدى الوحشية اللازمة من الطغاة.
لدى الاسد الاب او لدى صدام حسين كانت القصة ستنتهي على نحو مغاير تماما.
استعراض
للثورات الشعبية التي وقعت في جيلنا يدل على أنها لا تنجح طالما كانت
قيادة النظام متراصة. اذا لم تجد الثورات اصداء في اوساط الحكام، اذا لم
تجد في داخلهم كتلة منسحبين ومتمردين، فان العصيان سيقمع وينتهي. الامثلة
معروفة: في 15 آب 2007، رفع سعر الوقود، وردا على ذلك تظاهر الآلاف من
معارضي الطغيان. الجيش اطلق النار عليهم. العشرات قتلوا والمئات اصيبوا.
وسائل الاعلام اغلقت والعصيان قمع. كان هذا في بورما، التي تسميها الطغمة
العسكرية ميانمار. الجيش يسيطر في هذه الدولة منذ نصف قرن. بداية فرض نظام
طوارئ، وبعد ذلك خلق حزبا تلاعبيا يعمل بتكليف منه. وعلى مدى هذه السنين
وقعت عدة انفجارات احتجاجية، وكلها قمعت بيد من حديد. عشرات الآلاف قتلوا،
وفي بورما لم يتغير شيء.
في ايار/مايو 1989، في ذروة الاحداث، تجمع نحو
مليون شخص في ميدان تياننمن في بيجين. كان بينهم طلاب كثيرون، من محبي
الديمقراطية، وعمال اساءت الاصلاحات الاقتصادية لأوضاعهم. الى أن قررت
السلطات قمع الحشود بثت المجريات في قنوات الاعلام الدولية، وهكذا، على مدى
عدة اسابيع، شاهد الميدان مليارات الناس. وفي النهاية تغلب رأي الزعماء
المتصلبين في قيادة النظام الشيوعي، وفي 4 حزيران/يونيو حطم الجيش المظاهرة
بثمن آلاف القتلى. ومنذ ذلك الحين بدأت فقط تغييرات طفيفة على طبيعة
النظام في الصين.
مقابل هذين النموذجين يمكن أن نعرض محاولة الانقلاب
التي وقعت في الاتحاد السوفييتي في آب 1991. بعض من قادة السلطة السوفييتية
حاولوا القيام بانقلاب على ميخائيل غورباتشوف، من انتاج ما سمي
'بروسترويكا' و 'غلاسنوست'. رئيس المتآمرين كان غينادي ينييف، نائب الرئيس.
وقد بعث بقوات الجيش لاحتلال 'البيت الابيض' منزل حاكم الاتحاد الروسي
ولكن العديد من المواطنين سبقوه واقاموا الحواجز حول المبنى.
في ضوء
سفك الدماء المتوقع انتقل ضباط وجنود الى جانب موريس يلتسين، والثورة قمعت
تقريبا دون ثمن دموي. وظاهرا كان هذا انتصارا للديمقراطية وبالفعل روسيا
ليست طغيانا كما كانت في العهود السابقة ولكنها ليست ديمقراطية أيضا.
هل
يمكن للمرء أن يتوقع في أي من الحالات سينتصر فيها 'الشعب' على الطغاة وفي
أي حالات ستحطم قبضات النظام حركة التمرد؟ بالطبع لا. ومع ذلك، يمكن القول
بأن مؤشرات الثورة يجب البحث عنها في صفوف النظام. مؤشرات الشروخ تدل على
فرصة معقولة لانهياره تحت الضغط.
يديعوت 14/2/2011