نعم.. فخور بكونى مصرى، ولدت فى شبرا وتعلمت فى مدارس بلدى، وتخرجت فى كلية
الفنون الجميلة قبل 27عاما، كان الرئيس المخلوع حسنى مبارك قد جلس على عرش
مصر سنة 1981.
ولما خرجت مع المتظاهرين الذين احتجوا على موقف حسنى مبارك المخزى من إقدام
إسرائيل على احتلال بيروت سنة 1982 وما تلاها من مجزرة صبرا وشاتيلا،
تلقيت ما تلقيت من عنت الشرطة وبطشها، وحين جاءت انتخابات مجلس الشعب فى
مايو سنة 1984 هتفت مع الهاتفين احتجاجاً على ارتفاع الأسعار (حسنى مبارك
حسنى بيه.. كيلو اللحمة بسبعه جنيه).
اضطرنا نظام مبارك البائس إلى أن نغادر مصرنا العظيمة بحثاً عن الرزق فى
بلاد الله الواسعة، فى الوقت الذى اعتلى فيه عرش الصحافة فى مصر كتاب
خائبون محرومون من بريق الموهبة، لكنهم يتقنون صناعة النفاق الرخيص والتملق
الردىء لمبارك وزبانيته.
نعم.. فعلها الشباب المصرى الرائع، وقد كان من حسن طالعى أن أتواجد فى
القاهرة بدءاً من 26 يناير الفائت، كنت أحج إلى ميدان التحرير مع مئات
الآلاف من البسطاء، لنتطهر بأريج الثورة وشعاراتها النبيلة، رأيت ورود
الأمل تتألق فى عيون الشباب، ندمت لأنى لم أنتبه بما يكفى إلى أن مصرنا
العزيزة لم تتوقف عن إنجاب هؤلاء النبلاء.
تعجبت لأن الجماهير كانت تهتف فى ميدان التحرير (حسنى مبارك حسنى بيه..
كيلو اللحمة بميت جنيه)، وتساءلت بحزن: طوال 27 سنة.. تغيرت اللحمة وتغير
سعرها وتغير الثوار، ولم يتغير الديكتاتور.
لكن حزنى لم يطل كثيراً، إذ حافظ شعبنا البطل على قناديل الثورة مشتعلة،
ولم ييأس لحظة على الرغم من ألاعيب النظام البائد وعناده غير المسبوق،
وهاأنذا أكتب هذا المقال سريعاً فور خلع الرئيس مبارك مباشرة مساء جمعة
الزحف 11 فبراير 2011.
حقاً.. إن المصريين أهدوا البشرية نسائم الحضارة قبل سبعة آلاف سنة، وها هم يمنحونها مرة أخرى عطر الثورة.
كانت مصر قبل ثورة 25 يناير توصف بأنها أم الدنيا، والآن صارت كل الدنيا.