خوان مصر.. خسروا الدنيا والآخرة! أضيف في 30 نونبر 2010 الساعة 04 : 20
'على نفسها جَنَتْ بَراقِش'.. لعلَّ هذا هو المثل العربي الأكثر ملاءمة لحالة إخواننا المسلمين في مصر بعد انقشاع وهم انتخابات مجلس الشعب وتأكدهم أنهم خرجوا من العرس بلا حمص ولا فول في انتظار فضيحة جولة الإعادة إذا بقيت الجماعة على غيها السياسي.
لا شيء يمكن أن يبرر الخسارة المدوية لمرشحي الإخوان المسلمين في الاقتراع الأخير بعد أن ركبوا رؤوسهم وقرروا اللعب مع (الشيطان) في لعبة لا يحسنون منها إلا بمقدار ما يفعل الأطفال في سباق الكارتينغ البدائي، ثم يتوهمون أنهم قادرون على دخول منافسات (الفورميولا وان) وأن بإمكانهم مقارعة اللاعب الكبير ومنافسته في لعبة يحفظ تفاصيلها ومتاهاتها، بل بلغ استهتار قادة الجماعة بقواعدهم وبشعب مصر عامة درجة جعلتهم يقررون دخول الانتخابات على أساس مبدأ (المشاركة لا المغالبة) والاكتفاء بنسبة ثلاثين في المائة من المقاعد المتنافس عليها. واليوم وبعد ظهور النتائج التي لم تفاجئ أحدا، يخرج من يندد بالتزوير وأعمال (البلطجة) والترهيب والاعتداء التي تفنن فيها أزلام النظام والحزب الحاكمين.
عندما أعلنت قيادة الإخوان المسلمين قبل أقل من شهر قرارها القاضي بدخول معترك الانتخابات البرلمانية شددت على أنها تفعل ذلك بغرض (التصدي للفاسدين والمفسدين، وعدم ترك الساحة السياسية مجالا خصبا لهم بدون حسيب ولا رقيب، وتعظيما للإرادة الشعبية للأمة). فماذا تحقق من كل هذا الميثاق الذي قطعه الإخوان على أنفسهم؟ هل تصدوا للفاسدين والمفسدين؟ وهل عظموا الإرادة الشعبية للأمة؟ أم أنهم شجعوا المفسدين على التمادي في الفساد تحت غطاء شعبي مريح فرشه لهم السادة في تنظيم الإخوان المسلمين؟ اختار الإخوان المسلمون التحالف مع النظام لإعطاء الشرعية اللازمة للانتخابات وتخلّوا عن حلفائهم السابقين في المعارضة التي رأت أن أحسن وسيلة لتعرية الفساد والمفسدين هي مقاطعة الانتخابات وترك النظام ينافس نفسه ويتحدث مع نفسه ويكرس فوزه الذي انتزعه بقوة القمع وخطيئة التزوير.
لا أعتقد أن قيادة الإخوان التي اتخذت قرار المشاركة، رغم دعوات داخلية وخارجية بضرورة عدم المغامرة بسمعة التنظيم ومد طوق النجاة لنظام مترنح ومتجه نحو حالة غيبوبة، ستعلن أمام الملأ ندمها أو على الأقل أسفها على غلطتها الكبرى، بل لا أرى أنها قادرة على ذلك ولا حتى على تقديم اعتذار صريح لأنصارها الذين ورطتهم في مغامرة دموية طمعا في نيل حظوة لدى السلطة والظهور بمظهر التلميذ النجيب الذي يفضل دائما التحالف مع أستاذه ضد زملائه في الصف. أما الذي يحدث منذ إعلان الهزيمة النكراء فهو إمعان في تحدي الواقع والبحث عن مشجب تعلَّق عليه أوزار النتيجة السلبية للمشاركة، وإلا فماذا يفيد الآن أن ترتفع أصوات التنديد بالتزوير والتهديد و(البلطجة) بعد الخوض في عملية أساسها التزوير والتهديد و(البلطجة)؟
المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع عقد أمس الثلاثاء مؤتمرا صحافيا سمي (المؤتمر الصحافي الخاص بتزوير انتخابات مجلس الشعب 2010) تحدث فيه عن ممارسات النظام المصري التي دأب عليها في تزييف إرادة الأمة وتزوير اختياراتها وفي الكذب والتضليل على الجميع (حتى أصبح التزوير سمة ملازمة لعصره). ثم يواصل الدكتور بديع لعبة التهوين على (الكبيرة) التي ارتكبتها الجماعة عندما قررت مشاركة نظام سمته التزوير بإطلاق تهديدات إلى نفس النظام بأن الإخوان سيلاحقون (كل من شارك في تزوير إرادة الأمة بالوسائل القانونية والإعلامية والشعبية كافة)، والجميع يعلم أن مثل هذه التهديدات لن تتجاوز حدودها اللفظية وأنها لن تؤدي إلى أية نتيجة وإنما إلى مزيد من إضفاء الشرعية على هذا النظام.
المرشد العام يصف انتخابات يوم الأحد بأنها باطلة في معظمها (أي أن هناك بعضا من الشرعية فيها!) ثم يستنتج أن مجلس الشعب القادم سيكون مجلسا مطعونا في شرعيته، وكأن في هذا اكتشافا كبيرا أو كلاما جديدا.
ولم تخل كلمة الدكتور عند افتتاح المؤتمر الصحفي من إشارات دينية تذكر الجميع أن الجماعة تصرفت وفق أحكام إسلامية وأنها تفعل ما تفعل في السياسة ابتغاء وجه الله تعالى. نرى ذلك في قوله (لقد آثرنا اعتراك الصعاب وأداء الواجب، نعم.. إنه الواجب. فالواجب علينا كإخوان مسلمين أن نفضح الظلم والظالمين والزور والمزورين، وأن نواجهه مهما كانت التضحيات والعقبات، عبادةً لله، وحبًّا لمصر، ولشعبها الكريم). وبعد أن وقع ما كان متوقعا أن يقع ولأن الإخوان لم يجبلوا ولم يتربوا على (المغالبة) فإنهم يفضلون أن يتصرفوا بالحكمة وأن يعتمدوا نهج الموعظة الحسنة مع نظام لا يسمع ولا يبصر ولا يهتم بأمر الشعب شيئا. وفي هذا يقول الأستاذ المرشد (وعلى الرغم من كل ذلك فإننا مستمرون على نهجنا السلمي، ولن يستطيع أحد استدراجنا إلى ردِّ فعل مخالف للقانون أو الدستور يؤثر على أمن واستقرار الوطن، فطريقنا واضحة، ومرسومة خطواتها، ولن نحيد عنها، فنحن مصرون على نضالنا الدستوري، لتحقيق الحرية والتنمية لمصر وأبنائها).
ثم يتوجه الدكتور بديع إلى الشعب المصري الكريم بالشكر العميق على ما تحمَّل من العَنَتِ والظلم، وفي لفتة كريمة وواثقة من فضيلته يتقدم بطمأنة الشعب (بأن الله قد اطلع عليه من فوق سبع سماوات، ووقع أجره على الله، وأن حقه المسلوب وإرادته المنهوبة لن يضيعا بإذن الله). خطاب يذكرنا بما قرأناه عن صكوك الغفران.
وما دام الأستاذ المرشد وقادة الإخوان عامة يسمحون لأنفسهم بالخوض في أمور الدين وإلباس تصرفاتهم الدنيوية ثوبا دينيا، فليسمحوا لنا نحن أيضا أن نلج هذا الباب ونثبت لهم أنهم بفعلتهم المتمثلة في خوض انتخابات يعلمون سلفا أنها مزورة لأن نظاما سمته التزوير يشرف عليها ويسيرها منذ عقود، إنما هم يضيفون خطيئة إلى خطئهم. ولن أستعرض لهذا الغرض إلا آية واحدة من كتاب الله العزيز الحكيم، وهي الآية 72 من سورة 'الفرقان' التي تقول (وَالذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، وهي للتذكير تتضمن واحدا من أوصاف عباد الرحمن الذين يبشرهم الله أنهم سيُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً. فهل فضح الزور والمزوِّرين يكون بمشاركة المزوِّرين في زورهم؟
كل الخشية أن يكون إخواننا المسلمون في مصر قد خسروا آخرتهم أيضا لأنهم خالفوا أمر الله في مسألة شهادة الزور، بعد أن خسروا رهانهم الدنيوي ولم تنفعهم سياسة المشاركة لا في التغلب على الفساد ولا في الحصول على حد أدنى من المقاعد في البرلمان يضمنون بها بقاءهم قريبين من دفء السلطة.