ضد حزب «الهْريفْ».. عبد الله الدامون -
damounus@yahoo.com مئات الآلاف من المغاربة خرجوا للتنديد بالحملة الدبلوماسية والصحافية الإسبانية ضد المغرب، وهذا شيء جميل، لأنه يكشف أنه لا يزال في هذه البلاد شعور بالتضامن والتفكير الجماعي، في أدنى صوره على الأقل.
المتظاهرون عبروا عن غضبهم من حملة يقودها الحزب الشعبي الإسباني، على الخصوص، ضد المغرب، وهو حزب لم يكن من الممكن أن يكون بهذه القوة لولا دماء عشرات الآلاف من المغاربة الذين قتلوا في الحرب الأهلية الإسبانية دفاعا عن حزب فرانكو، وحزب فرانكو هو نفسه الحزب الشعبي حاليا.
لكن الحزب الشعبي الإسباني، وكيفما كانت قوته، وكيفما كانت درجة عدائه للمغرب، لم يكن بإمكانه أن يكون بهذه القوة لولا أن المغاربة هم الذين سمحوا له بذلك.
كان من الممكن أن يكون المغرب أقوى بكثير أمام إسبانيا دبلوماسيا وإعلاميا وسياسيا، وأن يجعلها لا تنام بسبب الأسلحة الكيماوية التي استعملتها ضد شمال المغرب، والتي بسببها يتبوأ سكان هذه المنطقة المرتبة الأولى في الإصابة بمرض السرطان، حيث يشكلون نسبة 60 في المائة من مجمل ضحايا هذا المرض في بلادنا. كان على المغرب أن يجعل من هذه القضية قضية حية ومستمرة ودائمة، عوض جعلها قضية للمناسبات والمحاضرات فقط. وإسبانيا التي تقول إنها تهتم بالصحراء لأنها كانت مستعمرتها سابقا، تنسى بشكل غريب أنها كانت تستعمر أيضا شمال المغرب، ونهبت الكثير من موارده الطبيعية، وأمطرته بالأسلحة الكيماوية، ولم تبن فيه أي مستشفى أو مركز علاج، ولم تعتذر إلى سكانه مطلقا.
كان بإمكان المغرب أن يلوي عنق إسبانيا باستمرار لو أنه جعل من قضية أحفاد الأندلسيين المطرودين من شبه الجزيرة الإيبيرية، بعد سقوط الأندلس، قضية شعبية ويتم تدريسها في المقررات الدراسية لكي يعرف المغاربة تاريخهم أمام هذا الجار الإسباني الذي يلوي عنق التاريخ ويزور الحقائق. واليوم، يوجد قرابة 5 ملايين من أحفاد الأندلسيين في المغرب، ولا صوت لهم على الإطلاق.
كان بإمكان المغرب أن يتفوق بالضربة القاضية على دبلوماسية إسبانيا لو أنه ذكـّر باستمرار بعشرات الآلاف من الأطفال المغاربة الذين اختطفوا من أحضان أمهاتهم لكي يقاتلوا في الحرب الأهلية الإسبانية، وكثيرون قضوا هناك ولم يتذكرهم أحد، والذين عاشوا بعد الحرب ظلوا مثل نفايات بلا قيمة، وتصلهم حفنة من الدراهم كل بضعة أشهر.
كان بإمكان المغرب أن يكون أقوى لو أنه ربط علاقات قوية ودائمة مع الآلاف من الإسبان الذين ولدوا أيام الحماية وبعدها في المغرب، وظلوا أوفياء ومتعلقين بالمدن التي ولدوا فيها، ولا يزالون إلى اليوم يعبرون عن تعاطف كبير مع المغاربة، لكن للأسف لا أحد ينتبه إلى هؤلاء، مع أن الكثيرين منهم ينظمون كل عام زيارات سنوية للمدن المغربية التي ولدوا فيها.
كان بإمكان المغرب أن يعاند إسبانيا ويفعل كما فعلته خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي، وأن يمارس انتقالا ديمقراطيا حقيقيا، وأن يشمر الجميع عن ساعد الجد لجعل المغرب دولة قوية اقتصاديا ودبلوماسيا وثقافيا واجتماعيا، فإسبانيا، التي تصبح حمقاء كلما تعلق الأمر بتعاملها مع المغرب، يمكن أيضا أن تكون قدوة للمغرب في مسارها الاقتصادي والسياسي والتنموي. بإمكان المغرب أن يكون أكثر قوة بكثير من إسبانيا لو أنه جعل جبهته الداخلية قوية ومتماسكة، بأحزاب قوية وحقيقية، عوض هذه الدكاكين الحزبية التي تجلب العار أكثر مما تجلب المصلحة إلى الوطن.
كان بإمكان المغرب أن يكون بمثابة الند للند لإسبانيا لو أن لصوص المال العام خجلوا قليلا من أنفسهم وتوقفوا عن نهب أموال الشعب، واللعب بالصفقات الخيالية، والحصول على «الكوميسيونات» بالملايير. إن الحزب الشعبي الإسباني، وكيفما كانت درجة سوئه وعدائه للمغرب، لا يمكن أن يكون أكثر سوءا وإضرارا بمصلحة المغرب والمغاربة من حزب «الهْريف»، أي حزب لصوص المال العام ومستغلي النفوذ و»الحكـّارة» الذين يعتبرون أن المغرب لهم لا لغيرهم، والذين فعلوا بهذه البلاد ما شاؤوا وحولوها إلى ضيعة خاصة.
المغرب ضعيف أمام إسبانيا ليس لأن إسبانيا قوية، بل لأن المغرب لا يعرف كيف يكون قويا. فالمغاربة يمارسون حاليا حوارا داخليا مع أنفسهم وكأنهم يقنعون أنفسهم بأنهم على حق، بينما الآخرون يرشقونهم بالحجارة، وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث.