إطار جهودي لشراء سكن لائق، عرفت أن موظفا صغيرا يبيع شقة قرب جامعة ابن زهر بمدينة آغادير، موظف أصغر مني في السلم والرتبة ولديه عقار جديد يبيعه،' واو'، تعرفت على الرجل وزرت الشقة، أعجبتني رغم أن مساحتها 72متر، الثمن المطلوب خمسين مليون سنيتم، عرضت أربعين، هذا أقصى ما أستطيع الحصول عليه من البنك، وسأدفع المبلغ في 25سنة، والبنك الحذر الذي سيسلفني لن يفلس مثل البنوك الأمريكية الغبية، سيقتطع من أجرتي وسيحتفظ بملكية البيت... إلى أن أختم الدفع إن شاء الله.
الموظف الصغير يطلب 50مليون ثمنا للشقة، غبت عنه مدة، عله يتراجع، جمعت عنه بعض المعلومات، سأستخدمها في التفاوض معه، بعد حوالي شهر رجعت إليه، كنت متعجلا الشراء، أخشى أن تباع الشقة وأدوخ، تحدثت إلى الموظف بأدب، أجاب: 50.
حدد المبلغ وقطع مسلك التفاوض أمامي، الثمن نهائي ولا مجال للشطارة.
قلت له:
أنت اشتريتها بـ32.
السوق تغير.
أنت لم تشترها من السوق، اشتريتها من المؤسسة التي تعمل بها، مؤسسة العمران (ليراك سابقا).
كنت سأسكن فيها.
اشتريتها لتحقق ربحا عاليا، 55' في سنتين.
غضب الموظف وقال أن الشقة ليست للبيع. انتهى الموضوع وغيرت رأيي، لن أشتري شقة.
مرت أيام وأنا منزعج، أشعر أن هناك خدعة، لقد اشترى الموظف الشقة لأنه عرف المعلومة قبلي، هذا تضارب مصالح، لكن كم من موظف يشتري بهذه الطريقة ليصبح مضاربا؟ المضارب هو أول من يعلم. غالبا ما لا يعلم الناس بمشاريع العقارات العمومية إلا بعد بيعها تماما. أين العمومية إذن؟
لقد استخدم الموظف امتياز عمله بالعمران ليتربح.
بعد ذلك قررت البحث عن بقعة أبنيها، قلت لنفسي أنا بدوي ولن اعرف كيف أسكن في شقة، قصدت الأحياء الجديدة، عرفت أن تجزئة تليلا بيعت خلسة، سمعت عن تجزئة قرب ميترو، تجزئة أدرار، التقيت ثلاثة رجال يجلسون في سيارة مرسديس بالحي المحمدي، سألتهم عن ثمن البقع، ردوا علي بسيل من الأسئلة حول المساحة التي أريدها والثمن الذي أستطيع دفعه ووو... بعدها تفضلوا بالأجوبة العملية، أحدهم لديه بقعة والآخر لديه شقة، سنهم في حدود 45 سنة ولديهم عقارات؟ أين كنت أنا؟ أشتري الكتب؟
يتحدث الرجال بحماس، فوقت الجني قريب، نصحوني أن أشتري لأن الأسعار سترتفع وهذا المكان مناسب وهذه فرصة العمر... سألت عن السعر، سمعت ما لم يرضني فابتعدت، التفت إلى المرسديس السوداء فرأيت حرف 'ج' أحمر على لوحتها (سيارة حكومية في ملك الجماعة التي وزعت البقع الأرضية).
أثناء الجري في المتاهة التي أدخلني فيها تصنيفي لنفسي كفرد من الطبقة الوسطى، زرت الكثير من مكاتب السمسرة العقارية الجديدة، مكاتب فيها حواسيب وشابات مصقولات وصور عقارات وأسعار باليورو وملايين الدراهم...
في إحدى هذه المكاتب، جلست قبالة الشابة التي تشرح بالفرنسية للزبون على الهاتف خصائص شقة على البحر مفتوحة بواجهتين على الجنوب الغربي مطبخها مجهز لها 'باركينغ'... الشابة لا تذكر الثمن، فقط تطلب من الزبون أن يرى أولا وسيسحره العيش في مكان 'أكَريابل'.
أثناء درس 'الماركتينغ 'الذي أتلقاه عمليا، فتشت في المجلات الموضوعة فوق الطاولة الزجاجية، هذه أسبوعية 'الحياة' وقد نشرت خبر شراء الشاب خالد عليوة شقة مساحتها 500 متر بالدار البيضاء بـ180 مليون.
من باع الشقة للشاب المحظوظ؟ البنك العقاري والسياحي الذي هو مدير له. لقد كان الشاب في الموقع المناسب ليشتري. الدليل؟ ثمن شراء المتر المربع في الشقة بالدار البيضاء هو 3600 درهم. على أساس هذا الثمن أستطيع أنا شراء شقة فيها 120 مترا بـ 44 مليونا. لماذا 120 مترا؟ لأوفر غرفة خاصة لابنتي ومكتبا لي لأحكي لكم منه عجائب نهب المغرب لتستغربوا.
الرفيق عليوة، غضب لنشر هذه الأخبار، وقال أنه يحق لبنكه القرض العقاري والسياحي، بما أنه شركة، أن يبيع بما يريد. وقانون السوق؟ السوق لا يعني الرفيق لأنه اشتراكي، بل واشتراكي (كلمنجي) من الدرجة الأولى، سمعته مرة يخطب في سينما بالاص بالقنيطرة في بداية التسعينات، كان يحث الشعب على دعم المبادئ...
في تلك الأثناء كان عبد الرحمن اليوسفي يسكن شقة مساحتها 60 مترا مربعا في جنوب فرنسا. الشركات العقارية تطالب الحكومة بتخفيض مساحة شقق السكن الاجتماعي من 60 متر إلى 45 لتبيع الشقق بعشرين مليون سنيتم، 500 متر للرفيق الكلمنجي و45 مترا للسكن الاجتماعي، أي نحن. الرفيق خالد يسكن في مساحة تكفي 11 أسرة، مع فارق، مع أن ثمن المتر في شقق 45 سيكون هو 4444 درهما، على هذا الأساس السكن الفاخر أرخص من السكن الاجتماعي. ألا يليق بالأخ الوزير توفيق احجيرة تبني هذا البرنامج الشبابي للقضاء على السكن غير اللائق بالانتقال مباشرة للسكن الفاخر جدا؟ مع تسليم الملف لولد عباس الفاسي الوزير الاول؟
سؤال آخر: ألن تتجاوز مساحة مراحيض وحمامات شقة 500متر 45 مترا؟ أكيد تتجاوز. إنهم يتقاسمون لحم أبناء الشعب...
هذه هي نتيجة الفساد، الوضع مقلوب، مساحة فيلات الدار البيضاء تحتل المرتبة الأولى عالميا. هذا إنجاز مغربي، لكن هذا الوجه فقط، لنر القفا، في الدار البيضاء 7000منزل آيل للسقوط و230000 نسمة يعيشون في دور الصفيح.
هذا هو الوضع، وإذا أضفنا تفويت 7000 هكتار من طرف حكومة جطو، نعم 7000 لم أخطئ، فوتت لخواص العقار بسعر البلاستيك، بينما فوتت حكومة الفاسي 3835 هكتارا... واوووو 10835 هكتارا في أقل من عشر سنوات... 1083 هكتارا للعام.
وحينها أفهم لماذا شعرت بالغصة لأني لن أتوفر أبدا على مكتب خاص أكتب فيه، سأتابع الكتابة في الصالون... أكيد ستشمون رائحة الحريق في هذا المقال، لأني عندما أطبخ أكتب أيضا فأنسى ولا تذكرني إلا رائحة الحريق.
كانت شركة الضحى هي المستفيد الأكبر من تفويتات الأراضي، وقد كافأ مديرها نفسه بعـــــرس أحيته نانسي عجرم، أما الرفيق خالد فقد استفاد بفضل اليوسفي الذي صبر ثلث قرن في شقة صغيرة لكي لا يصبح فاسدا، وعندما رجع إلى المغرب وأصبح وزيرا أولا قفز قادة الصف الثاني في حزب الاتحاد الاشتراكي إلى المناصب الوزارية، فصاروا يسكنون في شقق 500 متر، جاك شيراك لا يسكن في هذه المساحة في باريس.
دفع الرفيق الشاب خالد 180 مليونا في الشقة، كيف جمع المبلغ في سنتين؟ لن أجيب لكن سأحكي لكم، فهذه حرفتي، سأحكي قصة رواها جون واتربوري في كتابه 'أمير المومنين' بطل القصة التي جرت في 1970، وزير معروف من جيل التكنوقراط، أقام مأدبة ملكية احتفالا بعد انتهاء بناء داره الجديدة الرائعة في حي السويسي، وكان الملك من بين المدعوين.
'وبعد أن قام الملك بجولة في السكن التفت إلى الوزير قائلا:
شيء رائع، كم كلفتك؟
وكان الجواب محرجا، كيف يمكن موازنة ثمن الدار مع راتب وزير؟
وبحذر قدم المضيف رقما أقل من نصف القيمة الحقيقية، فأجابه الملك:
إنها صفقة رائعة يا عزيزي، سأعطيك حالا شيكا بالقدر المذكور'ص439'
هكذا اشترى الحسن الثاني الفيلا من الوزير المذهول،.
بقي الوزير في منصبه، لكن سيسكت قلبه لاحقا، الرفيق خالد فقد موقعه وعين من جديد في موقع اقرب من أرض البنك، خرج من الباب ودخل من النافذة، سيؤمن مستقبل أحفاد أحفاده، فلا يتعرضون لإهانة البحث المضني عن شقة 60 مترا، موظف العمران باق في منصبه، سيدفع لرؤسائه قليلا من الربح الذي سيحصل عليه، وسيتصدقون عليه بشقة أخرى، الصدقة في المقربين أولى، لكن المتصدق يتصرف في ماله، هؤلاء يتصدقون على أنفسهم من مال الشعب. وحين ينفذ الوعاء ستقدم الدولة 4000 هكتار...
هل يوجد نقص في الوعاء العقاري في المغرب؟ لا.
في جل الأحياء، ما زالت البقع المتواجدة في نقط استراتيجية دون بناء، بقع حصل عليها أصحاب النفوذ، عقار حصل عليه أثرياء دون ديون، لن يبيعوه لأن السعر سينزل، يتركونه ضمانة لمستقبل ذريتهم الملعونة، هم لن يتضرروا، سيتضرر المستثمر الحقيقي، الذي اشترى الأرض بسعر السوق، وعليه أن يبيع ليسدد ديونه للبنك وليشتغل، أما الذي فوتت له أراض بسعر البلاستيك الأسود فلن يبيع الآن... يستطيع أن يصمد، لأنه تملك الأرض خارج قانون السوق، فما يقع في السوق لا يعنيه، فاقتصاد الريع مربح لذويه سواء جاءت الأزمة أو لا...
رغم كل الأرض المجمدة في انتظار ان يتجاوز ثمنها ثروة قارون، تقدم الدولة 3835 هكتارا... لماذا؟ لإقامة مشاريع سكنية خاصة بالطبقة الوسطى والفئات محدودة الدخل. عبر تعبئة العقار العمومي لتخفيض كلفة إنجاز المشاريع السكنية...
شكرا على هذا الكرم.
لكن لحظة، تابعوا هذا الخبر في أخبار اليوم 28-09-2009، وهو رسمي، مأخوذ عن وكالة الأنباء الرسمية : وزارة الداخلية توقف الكاتب العام لوزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية ومدير الممتلكات بوزارة الداخلية رفقة موظفين، والسبب تسريب معلومات عن احتياطي العقار البالغ 3852 هكتارا الذي وضعته الدولة رهن إشارة المنعشين العقاريين وإفشاء معلومات تتعلق بملفات استثمار توجد قيد الدرس لدى الوزارتين وتسليم معلومات بشكل غير قانوني لأطراف معينة خلافا للقانون والأخلاق...
أخلاق؟
أخطر تهديد للدولة هو أن يستخدم موظفوها الكبار سلطاتهم بشكل سيىء... ومع ذلك يشخص هؤلاء الموظفون السامون مخاطر المغرب في التطرف؟ ويبررون لجرائد الغرب بطء الإصلاح بالتشدد... إنهم يتجاهلون أن غصة الظلم والاستغلال تدفع الفرد إلى أي شيء، وليس فقط الرحيل للانتحار في العراق... خاصة حين يظهر أن التحقيقات تفتح لتغلق، لأن كاتب عام وزارة السكنى، قال للمحققين إن 'الملف الذي يخضع للبحث بسببه، عولج في غيابه، وأن سلطة عليا أكبر منه قد تكون هي من أشرف عليه' المساء 2-10-2009.
واضح أن الفساد يمتد عموديا وأفقيا، وقد أكد تقرير جمعية ترانسباريتي أن الرشوة تنخر قطـــــاع العقار وتتسبب للدولة في خسائر مهولة، هذا تقرير يبين سبب بدء الإصلاحات، الفساد هو العدو رقم واحد لمغرب اليوم، فساد يفقر البسطاء، فساد يتسبب في لا مساواة رهيبة، فساد يشارك فيه موظفون سامّون مصابون بلهفة غائرة للتمتع بالملك العمومي، يسربون معلومات لذويهم الذين يجمعون السياسة بالتجارة، ليزداد ثراءهم...
ليستمر تحقق قول نجيب محفوظ 'الذين فوق يتعهرون والذين تحت يشحذون'. يشحذون ويتطرفون.