** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 الديمقراطية الليبرالية وإحياء موات الطبقة الوسطى(1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تابط شرا
فريق العمـــــل *****
تابط شرا


عدد الرسائل : 1314

الموقع : صعلوك يكره الاستبداد
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

الديمقراطية الليبرالية وإحياء موات الطبقة الوسطى(1) Empty
09062012
مُساهمةالديمقراطية الليبرالية وإحياء موات الطبقة الوسطى(1)




دراسات





الديمقراطية الليبرالية وإحياء موات الطبقة الوسطى(1) EmailButton


الديمقراطية الليبرالية وإحياء موات الطبقة الوسطى(1) PrintButton


الديمقراطية الليبرالية وإحياء موات الطبقة الوسطى(1) Pdf_button






الكاتب: فرانسيس فوكوياما

ترجمة: د. صالح سليمان عبدالعظيم

مقدمة المترجم:

يبدو فوكوياما في مقالته الأخيرة
في مجلة الفورين أفيرز باحثا عن معنى جديد للتاريخ ينتشله من المأزق
الكوني العميق الذي تلاحقت أزماته المالية منذ العام 2008 وحتى الآن.





فالثقة التي تناول بها فوكوياما
واقع الليبرالية الغربية في مقالته الأولى عن "نهاية التاريخ" في العام
1989، الذي شهد سقوط الشيوعية، قد تلاشت في مقالته الراهنة وهو يبحث عن
مخرج يواجه به التحديات الهائلة التي تواجهها المجتمعات الغربية. واللافت
للنظر في تناول فوكوياما أنه يحاول أن يطرح حلا من داخل هذه المجتمعات
يراه بالمنطق نفسه، القار في نهاية التاريخ، صالحا لكل المجتمعات بغض
النظر عن طبيعة السياقات الاجتماعية والخلفيات الأيديولوجية والثقافية.
لكن واحدية الرؤيا التي صاغت نهاية التاريخ لم تستطع أن تواصل مسارها في
مستقبل التاريخ، فما يواجهه الغرب على وجه الخصوص يحتاج من المرونة
الأيديولوجية والحصافة الفكرية القدر الكبير الذي يمكن من عمق التحليل
وبراعة التفسير ونجاعة الحلول. فلم تعد التحزبات الفكرية الصارمة مفيدة في
سياق الرغبة في مواجهة الأزمات المالية التي تجاوزت جغرافية الإنتماء
الغربي إلى ساحة الكون الإنساني. فالتحديات التي يواجهها العالم الآن أكبر
من أن يستوعبها إطار فكري بعينه وأعمق من أن تفسرها توجهات نظرية محددة؛
فنحن الآن نحتاج لقدر كبير من الموائمات الفكرية التي يمكن أن تجمع بين
أطر نرفضها وأطر أخرى نرتضيها. وربما جاءت مقالة فوكوياما لتعبر عن هذه
الصيغة التصالحية في التفكير رغم أنه مازال يدافع عن الليبرالية
ومتطلباتها المختلفة.




لا يحاول فوكوياما أن يعرض تصورا
فكريا جديدا ومغايرا تماما للرأسمالية؛ فالهدف الرئيسي الذي ينطلق منه
لصياغة مستقبل جديد للتاريخ يرتكز على وضع ضوابط جديدة للرأسمالية الهشة
التي ظهرت ضعيفة ومهترئة وآيلة للسقوط في أعقاب الأزمة المالية الحادة عام
2008. هذه الضوابط تنطلق من جوهر المجتمعات الرأسمالية وأعمدتها الرئيسية
النابعة من الديمقراطية الليبرالية التي يراها فوكوياما الأكثر إنتشارا
حول العالم الآن بسبب استجابتها للعديد من الأبنية السوسيواقتصادية
والسهولة التي تتمتع بها أثناء التطبيق. فحالة الإنتشار الهائلة
للديمقراطية الليبرالية جعلت فوكوياما يرى بأنها النموذج الأيديولوجي
الوحيد الذي اكتسب مساحات جغرافية هائلة طوال القرون الثلاثة الماضية
متجاوزا في الكثير من الأحيان قوة وزخم الأيديولوجيات الدينية التي لم
يهدأ لها بال ولم تخف وتيرتها في أي حقبة زمنية أخرى.


ومما يجعل من الديمقراطية
الليبرالية الأيديولوجية الأكثر انتشار في العقود الماضية الضعف الشديد
الذي انتاب الفكر الماركسي والذي وصل إلى أوجه إبان السقوط المزري
للشيوعية عام 1989. فالضعف الشديد الذي انتاب الفكر اليساري سواء في
أمريكا أو أوروبا أدى به إلى حالة مخيفة من الجمود الفكري والمؤسسي، وهي
مسائل ظهرت تجلياتها بشكل واضح في ضعف نموذج التنمية الخاص بدولة الرفاه
القائم على اتباع البرنامج الاجتماعي الديمقراطي الذي يركز على توفير
الدولة لمجموعة متنوعة من الخدمات مثل معاشات التقاعد والرعاية الصحية
والتعليم. وعند هذه النقطة تبرز مسألة على قدر كبير من الأهمية في تحليل
فوكوياما ترتبط بعدم قدرة المجتمعات الإشتراكية على خلق طبقات عمالية
حقيقية وفقا للنموذج الماركسي؛ فما حدث أن التحولات توجهت نحو خلق طبقات
وسطى أكثر استفادة وتحقيقا لمصالحها الخاصة. وهو أمر أدى بالتالي إلى تحول
شعبي كبير نحو اليمين بديلا عن التوجهات اليسارية. ولعل ذلك هو ما جعل
فوكوياما ينقل ما قاله إرنست جيلنر من أن "رسالة اليقظة كانت موجهة
للطبقات، ولكن بسبب بعض أخطاء التسليم الفادحة فقد تم توصيلها إلى الأمم"،
وهو أمر يكشف عن تحول كبير من الفكر الطبقي الماركسي إلى الفكر القومي
الذي اجتاح أوروبا، وكثير من مناطق العالم المختلفة.


ورغم نقد فوكوياما للفكر اليساري
فإنه ينطلق من ذلك إلى نقد الفكر الديمقراطي الليبرالي ذاته؛ ففوكوياما
المأزوم بفعل الكوارث المالية المتلاحقة يبحث عن مخرج، وهو ما وسم مقالته
بنوع جديد من المرونة التحليلية والإمكانيات النقدية غير المسبوقة بالنسبة
لإنتماءاته الأيديولوجية. فعلى الرغم من نقده للفكر اليساري، فإنه يستخدم
منطلقاته الفكرية ذاتها لينتقد الوضع في المجتمعات الغربية التي سطت فيه
النخب المستفيدة على حصيلة إنتاجية المجتمع وثرواته المختلفة. من هنا فإن
فوكوياما يرى بوجوب إنهاء سيطرة جماعات المصلحة في المجتمعات الغربية،
وإفساح المجالات التعليمية والتكنولوجية أما الطبقات الوسطى التي عانت
ركودا غير مسبوق في العقود الماضية، وهو أمر يرى من خلاله بإمكان إنقاذ
المجتمعات الغربية نفسها. ووفقا لتحليلاته فإن مواصلة حالة عدم المساواة
سوف تزيد الأمر تعقيدا وتفضي إلى المزيد من الكوارث المالية. فلكي ننقذ
هذه المجتمعات ومن ثم الأوضاع الكونية المتدهورة فنحن بحاجة لنمو اقتصادي
فعلي وحقيقي، وتغير اجتماعي واسع المدى، وهيمنة أيديولوجية ليبرالية
ديمقراطية. والسؤال هنا: هل تحقق السنوات القادمة تصورات فوكوياما الجديدة
نحو مستقبل مشرق للتاريخ على أكتاف الطبقات الوسطى أم لا؟ سؤال سوف تجيب
عنه السنوات القادمة في ظل التلاحق المستمر للأزمات الكونية التي إن
استمرت فسوف تكون نتائجها كارثية ومدمرة لتاريخنا البشري المأزوم.


*********





الترجمة:



ما يحدث في العالم اليوم من
أزمات مالية هو شيئ غريب؛ فالأزمة المالية الكونية التي بدأت عام 2008
وآثارها المستمرة على قيمة اليورو هما نتاجان لنموذج الرأسمالية المالية
ذات الضوابط الهشة التي ظهرت خلال العقود الثلاثة الماضية. فعلاوة على
الغضب المنتشر تجاه ما تم من إجراءات لإنقاذ وول ستريت، لم يكن هناك أي
تصعيد هائل من جانب التيارات اليسارية الشعبية الأمريكية ردا على ذلك.
وإنه لمن المتصور أن حركة احتلال وول ستريت سوف تكتسب زخما أكبر، لكن
الحركة الشعبية الأحدث والأكثر دينامية حتى الآن ظهرت من خلال حزب الشاي
اليميني، الذي يستهدف بشكل رئيس الدولة المنظمة التي تسعي لحماية الناس
العاديين من المضاربين الماليين. ويتشابه الوضع في أوروبا مع ما يحدث في
الولايات المتحدة بدرجة كبيرة، حيث يعاني اليسار من الضعف بينما تتأهب
أحزاب الجناح اليميني الشعبية للإنطلاق.


وهناك العديد من الأسباب
المرتبطة بضعف حراك الجناح اليساري، لكن السبب الرئيس فيما بينها يتعلق
بالفشل في إنتاج أفكار جديدة، فمعظم الآراء الأيديولوجية الراقية بخصوص
المسائل الإقتصادية المختلفة تم تأسيسها من قبل اليمين الليبرالي. فاليسار
لم يعد باستطاعته أن ينتج قضايا معقولة لبرامجه بخلاف العودة إلى الشكل
غير المعقول للديمقراطية الاجتماعية عتيقة الطراز. وهذا الغياب في تقديم
تصور تقدمي جديد ضد الإتجاهات الأخرى المناوئة مسألة غير مقبولة لأن
المنافسة مفيدة للجدل الفكري تماما مثل فائدتها للنشاط الاقتصادي. كما
أننا في أشد الحاجة للجدل الفكري الجاد طالما أن الشكل الحالي من
الرأسمالية الكونية يعمل على تآكل القاعدة الاجتماعية للطبقة الوسطى التي
ترتكز عليها الديمقراطية الليبرالية.




الموجة الديمقراطية:

كما قال كارل ماركس فإن القوى
الاجتماعية والظروف لا "تحدد" ببساطة الأيديولوجيات، لكن الأفكار لا تصبح
قوية بدون أن تُعبر عن اهتمامات عدد كبير من الناس العاديين. والديمقراطية
الليبرالية هي الأيديولوجية المنتشرة حول العالم اليوم من حيث أنها تستجيب
لأبنية سوسيواقتصادية معينة كما يسهل تطبيقها من خلال هذه الأبنية.
والتغيرات في هذه الأبنية ربما يكون لها بعض النتائج الأيديولوجية، كما أن
التغيرات الأيديولوجية ربما يكون لها بعض النتائج السوسيواقتصادية.
وتقريبا فإن كل الأفكار القوية التي شكلت المجتمعات البشرية خلال
الثلاثمائة سنة الماضية كانت دينية في طبيعتها، باستثناء هام
للكونفوشيوسية في الصين. والأيديولوجية غيرالدينية الأولى والأكثر أهمية
التي كان لها تأثير عالمي هي الليبرالية التي مثلت مجموعة المبادئ
المرتبطة بظهور الطبقة الوسطى التجارية، ومن ثم الطبقة الوسطى الصناعية في
أجزاء معينة من أوروبا في القرن السابع عشر. (وأعني بالطبقة الوسطى الناس
الذين هم ليسوا في مراتب الدخل الأعلى ولا الأدني في مجتمعاتهم، والذين
حصلوا على الأقل على تعليم ثانوي، والذين يحوزون إما على ملكية فعلية،
وسلع معمرة، أو على أعمال خاصة.)


وكما بين المفكرون الكلاسيكيون
أمثال لوك ومونتيسكيو وميل فإن الليبرالية تعني أن الشرعية الخاصة بسلطة
الدولة تنبع من قدرتها على حماية مواطنيها، كما أن قوة الدولة تحتاج لأن
يتم تقييدها من خلال الخضوع لسلطة القانون. وواحد من الحقوق الأساسية التي
يجب حمايتها يتمثل في الملكية الخاصة؛ ولقد كانت الثورة الإنجليزية
المجيدة لعام 1688-1689 حاسمة بالنسبة لتطور الليبرالية الحديثة لأنها
كانت الأولى من نوعها التي تؤسس لمبدأ دستوري يتعلق بكون الدولة لا تستطيع
أن تفرض ضرائب بشكل قانوني على مواطنيها بدون موافقتهم.


وفي البداية، لم تكن الليبرالية
تتضمن بالضرورة الديمقراطية؛ ففي البداية فإن الهويجيينThe Whigs ،
المؤيدين للإصلاح، الذين دعموا الترتيبات الدستورية لعام 1689 كانوا من
أكثر الملاك ثراء في إنجلترا، كما أن البرلمان الذي تشكل في هذه الفترة
كان يعبر عن أقل من 10% من إجمالي السكان في ذلك الوقت. ولقد كان العديد
من الليبراليين الكلاسيكيين، بما في ذلك مل Mill، على درجة عالية من الشك
في فضائل الديمقراطية، حيث كانوا يؤمنون بأن المشاركة السياسية المسئولة
تتطلب التعليم وحصة في المجتمع وهو ما يعني ملكية لشيئ ما. وحتى نهاية
القرن التاسع عشر فإن حق الإنتخاب كان مكفولا فقط للمتعلمين ومن لديهم
ملكية بشكل فعلي في كافة أنحاء أوروبا. ولقد مثلت عملية إنتخاب أندرو
جاكسون رئيسا للولايات المتحدة عام 1828، وما تلاها من إلغاء لمسألة
الملكية كشرط هام للتصويت، على الأقل بالنسبة للذكور البيض، انتصارا مبكرا
هاما بالنسبة لزيادة المبادئ الديمقراطية الفاعلة.


وفي أوروبا، فإن استبعاد أغلبية
السكان من القوة السياسية وظهور الطبقة العاملة الصناعية قد مهدا الطريق
لظهور الماركسية. فقد طُبع البيان الشيوعي عام 1848، وهي السنة نفسها التي
شهدت إندلاع الثورات في كافة الدول الأوروبية الكبرى فيما عدا المملكة
المتحدة. ولهذا السبب فقد بدأنا قرنا من التنافس على قيادة الحركة
الديمقراطية بين الشيوعيين الذين كانوا راغبين في التخلص من الإجراءات
الديمقراطية مثل (الانتخابات المتعددة الأحزاب) لصالح ما يعتقدون أنه
الديمقراطية الحقيقية والمتمثلة في (إعادة التوزيع الاقتصادي)، وبين
الديمقراطيين الليبراليين الذين يؤمنون بتوسيع الممارسة السياسية بينما
يتم الحفاظ على القاعدة القانونية الخاصة بحماية الحقوق الفردية بما في
ذلك حقوق الملكية.


وكان ولاء الطبقة العاملة
الصناعية على المحك؛ فالماركسيون الأوائل كانوا يعتقدون بأنهم سوف ينجحون
من خلال القوة المطلقة للأرقام: مثل التوسع في حق الإنتخاب في نهاية القرن
التاسع عشر، ونمو الأحزاب، مثل حزب العمل الإنجليزي والديمقراطيين
الاجتماعيين الألماني على قدم وساق، وتهديدهم للهيمنة التي يمثلها كل من
المحافظين والليبراليين التقليديين. ولقد تمت مقاومة نمو الطبقة العاملة
بشكل عنيف، وغالبا من خلال وسائل غير ديمقراطية؛ كما أن الشيوعيين والعديد
من الإشتراكيين تجاهلوا، في المقابل، الديمقراطية الرسمية لصالح الاستيلاء
المباشر على السلطة.


ومن خلال النصف الأول من القرن
التاسع عشر كان هناك إجماع قوي على اليسار التقدمي مؤداه أن وجود شكل ما
من أشكال السيطرة الحكومية الإشتراكية على القرارات الاقتصادية العليا
يؤدي إلى ضمان التوزيع العادل للثروة أمر لا مفر منه بالنسبة لكافة الدول
المتقدمة. وحتى بين الاقتصاديين المحافظين مثل جوزيف شومبيتر الذي ذكر في
كتابه "الرأسمالية، الإشتراكية، الديمقراطية" عام 1942 بأن الاشتراكية سوف
تظهر نجاحات بسبب كون المجتمع الرأسمالي مقوض للذات ثقافيا. فقد كان من
المعتقد أن الإشتراكية تمثل إرادة ومصالح الغالبية العظمي من الناس في
المجتمعات الحديثة.


وعلاوة على ذلك فإنه بينما حدثت
الصراعات الأيديولوجية العظيمة الخاصة بالقرن العشرين على أسس سياسية
وعسكرية، فإن التغيرات الحاسمة قد تمت على أسس اجتماعية قوضت السيناريو
الماركسي. فأولا فإن مستويات المعيشة الفعلية للطبقة العاملة الصناعية قد
ارتفعت، إلى الحد الذي أصبح فيه باستطاعة العديد من العمال أو أبنائهم
الالتحاق بالطبقة الوسطى. وثانيا، فإن الحجم النسبي للطبقة العاملة قد
توقف عن النمو، وفي الواقع فإنه قد بدأ في التراجع، وبشكل خاص في النصف
الثاني من القرن العشرين، عندما بدأ قطاع الخدمات يحل محل القطاع الصناعي
فيما أصبح يعرف باسم اقتصاديات "مابعد التصنيع". وأخيرا، فإن الجماعة
الجديدة من الفقراء أو المعوزين قد ظهرت في وضعية أقل من الطبقة العاملة،
وقد اشتملت هذه الجماعة على خليط غير متجانس من الأقليات العرقية
والإثنية، والمهاجرين الجدد، والجماعات المستبعدة اجتماعيا، مثل النساء
والمثليين والمعاقين. ونتيجة لكل هذه التغيرات التي حدثت في معظم
المجتمعات الصناعية، فإن الطبقة العاملة القديمة قد أصبحت مجرد جماعة
مصلحة محلية أخرى، مستخدمة في ذلك السلطة السياسية الخاصة بنقابات العمال
لحماية المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في حقبة سابقة.


وعلاوة على ذلك، فلم تعد الطبقة
الاقتصادية هي الشعار العظيم القادر على تعبئة السكان تحت رايته في الدول
الصناعية المتقدمة من أجل الفعل السياسي. ولقد حصلت الدولية الثانية
Second International على دعوة غير لبقة لليقظة عام 1914 وذلك عندما
تجاهلت الطبقات العاملة في أوروبا الدعوات إلى رفاه الطبقات، واصطفت خلف
القادة المحافظين المدافعين عن الشعارات القومية، وهو النمط الذي مازال
مستمرا حتى اليوم. ولقد حاول العديد من الماركسيين أن يفسروا ذلك، فوفقا
للمفكر إرنست جيلنر Ernest Gellner، من خلال ما أسماه "نظرية العنوان
الخاطئ" فإنه:


كما يقول المسلمون الشيعة
المتطرفون بأن جبريل قد أخطأ النزول على محمد بديلا عن على فإن الماركسيين
يميلون إلى أن يفكروا بشكل أساسي بأن روح التاريخ أو الوعي الإنساني قد
ارتكب خطئا فادحا. فرسالة اليقظة كانت موجهة للطبقات، ولكن بسبب بعض أخطاء
التسليم الفادحة فقد تم توصيلها إلى الأمم


ولقد بين جيلنر أن الدين قد قام
بوظيفة مشابهة للقومية في الشرق الأوسط المعاصر: فقد قام بتحريك الناس
بسبب محتواه الروحي المثير للعواطف غير الموجود في الوعي الطبقي. وكما
كانت القومية الأوروبية مدفوعة بتحول الأوروبيين من الريف إلى المدن في
أواخر القرن التاسع عشر، فإن النزعة الإسلامية كانت كذلك رد فعل نحو
التحضر والنزوح الحادث في مجتمعات الشرق الأوسط المعاصرة. ولم يتم تسليم
رسالة ماركس أبدا إلى العنوان الواضح "طبقة".


ويؤمن ماركس بأن الطبقة الوسطى،
أو على الأقل تلك التي تحوز نصيبا من رأس المال ويدعوها بالبرجوازية، سوف
تظل دائما أقلية محدودة ومتميزة في المجتمعات الحديثة. والذي حدث بديلا عن
ذلك أن البرجوازية والطبقة الوسطى قد إنتهيا إلى أن يشكلا الأغلبية الأكبر
من السكان في معظم المجتمعات المتقدمة، طارحة العديد من المشكلات في وجه
الإشتراكية. فمنذ أيام أرسطو، اعتقد المفكرون بأن الديمقراطية المستقرة
ترتكز على طبقة وسطى عريضة وأن هذه المجتمعات من خلال التفاوتات الحادة
بين الغني والفقر تكون عرضة إما إلى الهيمنة الأوليجاركية أو الثورة
الشعبوية. وعندما نجح أغلب العالم المتقدم في خلق مجتمعات طبقة وسطى، فإن
جاذبية الماركسية قد تلاشت. والأماكن الوحيدة التي استمرت بها الراديكالية
اليسارية كقوة مؤثرة كانت هي المناطق التي تعاني من أكثر أشكال التفاوتات
بين البشر في العالم، مثل بعض الأجزاء من أمريكا اللاتينية، ونيبال،
والمناطق الفقيرة من الهند الشرقية.


وقد أطلق صموييل هنتنجتون Samuel
Huntington عالم الاجتماع السياسي مصطلح "الموجة الثالثة" على الديمقراطية
الكونية، التي بدأت في جنوب أوروبا في السبعينيات، وبلغت ذروتها مع سقوط
الشيوعية في شرق أوروبا في عام 1989، وهو ما أدى إلى زيادة عدد
الديمقراطيات المنتخبة حول العالم من حوالي 45 في عام 1970 إلى أكثر من
120 بنهاية التسعينيات. ولقد أدى النمو الاقتصادي إلى ظهور طبقات وسطى
جديدة في دول مثل البرازيل، الهند، إندونسيا، جنوب أفريقيا، وتركيا. وكما
أشار الاقتصادي مويسيس نعيم Moisés Naím فإن هذه الطبقات الوسطى تعتبر
نسبيا متعلمة بشكل جيد، ولها ملكيتها الخاصة بها، ومرتبطة تكنولوجيا
بالعالم الخارجي. وليس من المستغرب أن المحرضين الرئيسيين لثورات الربيع
العربي كانوا من التونسيين والمصريين المتعلمين جيدا الذين أحبطت تطلعاتهم
من أجل الحصول على فرص عمل جديدة ومشاركتهم السياسية بواسطة الديكتاتوريات
التي عاشوا في ظلها.


وليس من الضروري أن يدعم
المنتمون للطبقة الوسطى الديمقراطية من حيث المبدأ، فهم مثل أي شخص آخر
يعبرون عن مصالهم الذاتية من أجل حماية ممتلكاتهم الخاصة وأوضاعهم
المجتمعية. ففي بلاد مثل الصين وتايلاند فإن الكثير من المنتمين إلى
الطبقات الوسطى يشعرون بالتهديد من طلبات إعادة توزيع الدخل الخاصة
بالفقراء، ومن ثم فقد اصطفوا دفاعا عن الحكومات السلطوية التي تحمي
مصالحهم الطبقية. كما أنه ليس من الضروري أيضا أن أن تلتقي الديمقراطيات
مع توقعات المنتمين للطبقات الوسطى، وعندما يحدث ذلك فإن الطبقات الوسطى
يصيبها الإنزعاج والقلق.


ما هو الاختيار الأقل سوءا؟

يوجد الآن إجماع كوني عريض على
شرعية الديمقراطية الليبرالية على الأقل من حيث المبدأ. وبكلمات الاقتصادي
أمارتيا سين Amartya Sen " فإنه بينما لم تتم ممارسة الديمقراطية عالميا
بعد، كما لم يتم قبولها بشكل كامل فعليا، فإنه يمكن القول في ضوء السياق
العام للرأي العالمي، أن الحكم الديمقراطي قد أنجز وضعية يمكن من خلالها
القبول بصحته." وهو أكثر قبولا بشكل واسع في الدول التي وصلت لمستوى كاف
من الإزدهار المادي يسمح لأغلبية السكان باعتبار أنفسهم طبقة وسطى، وهو ما
يفسر أسباب وجود علاقة بين مستويات التنمية العالية وبين الديمقراطية
المستقرة.


وترفض بعض الدول مثل إيران
والعربية السعودية الديمقراطية الليبرالية لصالح شكل من أشكال الثيوقراطية
الإسلامية. وعلاوة على ذلك فإن هذه النظم محكوم عليها بعدم استمرار
التطور، فهي مستمرة فقط بسبب بحيرات النفط الهائلة التي تتحكم فيها. ورغم
وجود استثناء كبير للعرب من الموجة الثالثة في وقت من الأوقات فإن الربيع
العربي قد كشف عن إمكانية حدوث حراك للجماهير العربية ضد الديكتاتوريات
مثل تلك التي حدثت في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية. وهذا لا يعني
بالتأكيد أن الطريق إلى الديمقراطية التي تعمل بشكل جيد سوف يكون سهلا
وبسيطا في كل من تونس ومصر أو ليبيا، لكنه يعني أن الرغبة في تحقيق الحرية
والمشاركة السياسيتين ليست خصيصة ثقافية خاصة بالأوروبيين أو بالأمريكيين.


والتحدي الأكثر جدية للديمقراطية
الليبرالية في العالم يأتي اليوم من الصين التي تجمع بين نظام حكم سلطوي
مع اقتصاد موجه للسوق بشكل جزئي. والصين سليلة تقاليد طويلة وعريقة من نمط
الحكم البيروقراطي العتيق الذي يعود لأكثر من ألفي سنة إلى الوراء. ولقد
قام قادتها بجهد هائل في سبيل التحول من المركزية، التي تشبه النموذج
السوفييتي في الإقتصاد المخطط، إلى اقتصاد مفتوح ودينامي. وقد قاموا بذلك
بشكل بالغ الكفاءة، وبصراحة، أكثر كفاءة مقارنة بما قام به قادة الولايات
المتحدة في إدارة سياسات الإقتصاد الكلي حديثا. ويعجب الكثير من الناس
حاليا بالنظام الذي تتبناه الصين ليس فقط لسجلها الاقتصادي الممتاز فحسب
بل أيضا بسبب أنها يمكن أن تتخذ القرارات الكبيرة والمعقدة بسرعة مقارنة
بالسياسات الضعيفة والعاجزة التي أصابت كل من الولايات المتحدة وأوروبا في
السنوات القليلة الماضية. وبشكل خاص فإن الصينيين أنفسهم قد بدءوا منذ
الأزمة المالية الحديثة الترويج "للنموذج الصيني" كبديل للديمقراطية
الليبرالية.


ورغم ذلك، فإنه من غير المرجح أن
يصبح هذا النموذج بديلا جديا أبدا في أية أقاليم أخرى خارج آسيا الشرقية.
ففي المقام الأول، فإن النموذج محدد ثقافيا؛ فالحكومة الصينية مشيدة حول
تقاليد طويلة من التجنيد القائم على الجدارة، وامتحانات الخدمة العامة،
والتأكيد الكبير على التعليم، والتقدير للسلطة التكنوقراطية. والقليل من
الدول النامية التي تأمل في محاكاة هذا النموذج، كانت ضمن الإقليم الثقافي
الصيني، على الأقل في مرحلة مبكرة، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية.
فالصينيون أنفسهم كانوا يشكون فيما إذا كان من الممكن تصدير نموذجهم؛ فما
كان يُطلق عليه الإجماع الصيني ما هو إلا اختراعا غربيا وليس صينيا.


كما أنه من غير الواضح ما إذا
كان من الممكن الإبقاء على هذا النموذج؛ فلا النموذج القائم على التصدير
الذي يقود النمو، ولا المدخل القائم على صناعة القرارات من أعلى لأسفل سوف
يستمران في إعطاء نتائج ممتازة إلى الأبد. إن الحقيقة الخاصة بأن الحكومة
الصينية لم تسمح بنقاش مفتوح حول الحادثة الكارثية للقطار فائق السرعة
الصيف الماضي، ولم تستطع أن تحاسب وزير السكك الحديدية عن هذه الحادثة
يوحي بأن هناك قنابل أخرى موقوتة وراء واجهة فعالة لصنع القرار.


وأخيرا، فإن الصين تواجه مشكلة
ضعف أخلاقي هائل على الطريق، فالحكومة الصينية لم تفرض على مسئوليها
احترام الكرامة الأساسية لمواطنيها. ويوجد، كل أسبوع، احتجاجات جديدة حول
مصادرة الأراضي، والإعتداءات البيئية، أو الفساد الضخم من جانب بعض
المسئولين. وبينما تنمو الصين بشكل متسارع، فإن هذه الإنتهاكات يمكن
التغاضي عنها. لكن هذا النمو المتسارع لن يستمر إلى الأبد، وعلى الحكومة
أن تدفع ثمن الغضب المكبوت. فالنظام لم يعد لديه أي نموذج مُوجه يمكن
الإنتظام حوله؛ فهو يُدار بواسطة الحزب الشيوعي- المفترض أن يكون مسئولا
عن تحقيق المساواة- الذي يقود مجتمعا يتسم بتفاوتات درامية ومتنامية.


ولذلك فإن استقرار النظام الصيني
ليس أمرا مفروغا منه؛ فالحكومة الصينية تؤكد على أن مواطنيها مختلفون
ثقافيا، وسوف يفضلون دائما الديكتاتورية الهادفة والداعمة للنمو على
الديمقراطية الفوضوية التي تهدد الإستقرار الاجتماعي. لكن من غير المرجح
أن الطبقة الوسطى المنتشرة سوف تتصرف بشكل مختلف تماما في الصين عن
الطريقة التي تصرفت بها في أجزاء أخرى من العالم. وربما تحاول الأنظمة
السلطوية الأخرى محاكاة النجاح الصيني، لكن هناك فرصة ضئيلة جدا بأن يشبه
جزءا كبيرا من العالم حال الصين اليوم بعد نصف قرن من الآن.




مستقبل الديموقراطية:

هناك ارتباط واسع بين النمو
الاقتصادي، والتغير الاجتماعي، وهيمنة الأيديولوجية الديمقراطية
الليبرالية في العالم اليوم. وفي الوقت الراهن، فإنه لا يوجد منافس
أيديولوجي آخر يلوح في الأفق. ولكن إذا استمرت بعض الاتجاهات الاقتصادية
والاجتماعية المثيرة للإضطرابات فإنها سوف تهدد استقرار الديمقراطيات
الليبرالية المعاصرة وتسقط الأيديولوجية الديمقراطية كما يتم استيعابها
اليوم.


ولقد أكد عالم الاجتماع
بارينجتون موور Barrington Moore مرة بشكل صريح أنه" بدون بورجوازية، لا
توجد ديمقراطية." ولم يحصل الماركسيون على مدينتهم الفاضلة الشيوعية لأن
الرأسمالية الناضجة أنتجت مجتمعات الطبقة الوسطى ولم تنتج مجتمعات الطبقة
العمالية. ولكن ماذا لو قوض النمو المتزايد لكل من التكنولوجيا والعولمة
الطبقة الوسطى، وجعل من المستحيل التوسع إلا لأقلية محدودة من المواطنين
في المجتمعات المتقدمة أن تحقق وضعية الطبقة الوسطي؟


وهناك بالفعل علامات كثيرة على
أن هذه المرحلة من التطور قد بدأت، فمتوسط الدخل في الولايات المتحدة قد
اتسم بالركود بالقيمة الفعلية منذ سبعينيات القرن الماضي. وما خفف من
تأثير الركود الاقتصادي إلى حد ما أن معظم الأسر في الولايات المتحدة قد
تحولت إلى العمل في وظيفتين في الجيل الجديد. وعلاوة على ذلك، وكما بين
الإقتصادي راجورام راجان Raghuram Rajan بشكل مقنع، أنه بديلا عن قيام
الأمريكيين بإعادة توزيع مباشر وواضح للدخل فإن الولايات المتحدة قد حاولت
بديلا عن ذلك القيام بنمط بالغ الخطورة وغير فعال في الجيل الماضي من خلال
دعم القروض العقارية للأسر ذات الدخل المنخفض. وهذا التوجه، مدعوما بتدفق
السيولة من الصين وغيرها من الدول الأخرى، قد أشاع بين الأمريكيين
العاديين الوهم بأن مستويات معيشتهم قد ارتفعت بشكل ثابت خلال العقد
الماضي. وفي هذا الصدد، فقد كان إنفجار فقاعة الإسكان في عامي 2008-2009
ليس أكثر من تراجع حاد عن المتوسط العام. فالأمريكيون قد ينتفعون اليوم
بتليفونات المحمول الرخيصة، والملابس غير الغالية، والفيس بوك، لكنهم لا
يستطيعون أن يتحملوا قروض منازلهم أو التأمين الصحي أو معاشات مريحة عندما
يتقاعدون.


والظاهرة الأكثر قلقا التي حددها
كل من المضارب الرأسمالي بيتر ثايل Peter Thiel والاقتصادي تايلر
كوينCowen Tyler تتعلق بأن المنافع الناجمة عن أغلب موجات الاختراعات
التكنولوجية الحديثة قد تراكمت بشكل غير متكافئ للأعضاء الأكثر موهبة
وتعليما في المجتمع. وهذه الظاهرة قد ساعدت على النمو الضخم للتفاوتات في
الولايات المتحدة خلال الجيل الماضي. ففي عام 1974، حصل أعلى واحد في
المائة من العائلات على تسعة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبحلول
عام 2007 فإن نصيبهم قد ارتفع إلى 23.5%.


ولقد فاقمت التجارة والسياسات
الضريبية من هذا الاتجاه، ولكن السبب الحقيقي هنا هو التكنولوجيا. ففي
المراحل المبكرة من التصنيع والتي تمثلت في صناعة النسيج، والفحم، والصلب،
ومحركات الاحتراق الداخي، فإن الفوائد الناجمة عن التغيرات التكنولوجية قد
تدفقت تقريبا وبشكل دائم إلى باقي أفراد المجتمع بوسائل مؤثرة وبشكل خاص
في مجال التشغيل. ولكن ذلك ليس قانونا طبيعيا، فنحن اليوم نعيش فيما تطلق
عليه المفكرة شوشانا زوبوف Shoshana Zuboff "عصر الماكينة الذكية" The age
of the smart machine، من حيث أن التكنولوجيا سوف تستطيع بشكل متزايد أن
تحل محل وظائف بشرية أكثر وأعلى. إن كل تقدم عظيم بالنسبة للسيليكون فالي
من المرجح أن يعني فقدانا للوظائف الأقل مهارة في مكان آخر في الاقتصاد،
وهو اتجاه من المرجح ألا ينتهي قريبا. فالتفاوتات دائما موجودة كنتيجة
للاختلافات الطبيعية في الموهبة والشخصية، لكن العالم التكنولوجي يعظم من
هذه الفروق بشكل كبير اليوم. ففي المجتمع الزراعي، في القرن التاسع عشر،
فإن الناس الذين كانت لديهم مهارات حسابية كبيرة لم يمتلكوا هذه الفرص من
أجل الاستفادة من مواهبهم. أما اليوم، فإنهم يمكن أن يصبحوا بارعين في
النواحي المالية أو مهندسي برامج ويحصلوا على أعلى النسب من الثروات
الوطنية التي يمكن الحصول عليها.


والعامل الآخر الذي قوض دخل
الطبقة الوسطى في الدول المتقدمة هو العولمة. فمن خلال تقليل تكلفة
الانتقالات والاتصالات ودخول مئات الملايين من العمال الجدد في الدول
النامية إلى قوة العمل الكونية، فإن نوعية العمل التي كانت تقوم بها
الطبقة الوسطى القديمة في الدول المتقدمة يمكن إنجازها الآن بشكل أكثر
رخصا في أماكن أخرى من العالم. فوفقا للنموذج الاقتصادي الذي يفضل تعظيم
الدخل الكلي فإنه من المتعذر اجتناب الاعتماد على العمالة الخارجية.


ويمكن للأفكار والسياسات الأكثر
براعة أن تحتوي الخسائر الناجمة عن ذلك، فألمانيا قد نجحت في حماية جزء
كبير من قاعدتها الصناعية، والقوى العاملة الصناعية الخاصة بها، في الوقت
الذي ظلت فيه شركاتها قادرة على المنافسة الكونية. ومن جانب آخر، فإن
الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد تقبلتا بصدر رحب التحول إلى
الاقتصاد الخدمي ما بعدالصناعي. فقد أصبحت التجارة الحرة أقل من كونها
نظرية منها كأيديولوجية: فعندما حاول أعضاء الكونجرس الأمريكي أن ينتقموا
بالعقوبات التجارية من الصين بسبب خفض قيمة عملتها من أجل تعزيز صادراتها،
فإنهم قد أتهموا بالحمائية بشكل ساخط، كما لو أن الجميع قد حصل على فرص
متساوية وعادلة. ولقد كان هناك الكثير من الكلام المعسول عن عجائب اقتصاد
المعرفة، وعن مدى الوظائف الصناعية القذرة والخطيرة التي لا مناص من
استبدالها بواسطة العمال ذوي التعليم العالي الذين يقومون بعمل الأشياء
المبدعة والمثيرة. لقد كانت هناك غلالة رقيقة تغلف الحقائق الصارمة عن
مرحلة ما بعد التصنيع، حيث أغفلت الحقيقة القائلة بأن فوائد النظام الجديد
تتراكم على نحو غير مناسب بين عدد صغير جدا من الناس العاملين في مجال
التمويل والتكنولوجيا المتقدمة، والمصالح التي هيمنت على وسائل الإعلام
والحوار السياسي العام.




اليسار الغائب:

إن واحدا من أكثر السمات المثيرة
للحيرة في أعقاب الأزمة المالية تتمثل في أنه حتى الآن فإن التيارات
الشعبية قد أخذت بشكل أساسي هيئة الجناح اليميني وليس اليساري. ففي
الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فإنه على الرغم من أن حزب الشاي ضد
النخبوية في أحاديثه للعامة، فإن أعضاءه قد صوتوا لصالح السياسيين
المحافظين الذين يخدمون بالتحديد مصالح هؤلاء الماليين ونخب رجال الأعمال
الذين يزعمون أنهم يبغضونهم. وتوجد العديد من التفسيرات لهذه الظاهرة
والتي تشتمل على وجود اعتقادات متأصلة بخصوص المساواة في الفرص أكثر من
المساواة في الناتج، كما تشمل الحقيقة القائلة بأن المسائل الثقافية، مثل
حق الإجهاض وحق امتلاك السلاح تتقاطع مع الحقوق الاقتصادية.


لكن السبب العميق في فشل القاعدة
اليسارية العريضة في التحقق هو سبب ثقافي بالأساس. لقد مرت عدة عقود منذ
أن استطاع أي أحد ينتمي إلى اليسار في أن يربط أولا بين تحليل متماسك لما
يحدث في بنية المجتمعات المتقدمة في ظل التغيرات الاقتصادية وثانيا بين
أجندة واقعية تشتمل على أي أمل في حماية مجتمع الطبقة الوسطى.


والاتجاه الرئيس في فكر الجناح
اليساري في الجيلين الأخيرين بصراحة كان كارثيا سواء من ناحية أطره
المفاهيمية أو من ناحية أدوات التعبئة. لقد انتهت الماركسية منذ عدة
سنوات، والقليل من المؤمنين القدامي بها على أبواب الذهاب لدور الرعاية
الطبية والتمريض. ولقد استبدل اليسار الأكاديمي الماركسية بما بعد
الحداثة، والتعددية الثقافية، والنسوية، والنظرية النقدية، ومجموعة من
الاتجاهات الفكرية المتشظية الأخرى التي هي ثقافية أكثر منها اقتصادية في
بؤرة التركيز. وتبدأ ما بعد الحداثة بإنكار احتمالية وجود أي سرد حاكم
للتاريخ أو المجتمع، وتقويض سلطته كصوت بالنسبة لأغلبية المواطنين الذين
يشعرون بالخيانة من قبل النخب الخاصة بهم. وتؤيد التعددية الثقافية كل ما
هو خارج الجماعات افتراضيا. وإنه لمن المستحيل إنتاج حركة جماهيرية تقدمية
على قاعدة هذا التحالف المتنافر: فإن معظم المواطنين الذين ينتمون للطبقة
الوسطى العاملة والدنيا من ضحايا النظام هم محافظون ثقافيا وسوف يجدون أنه
من المحرج أن يتم تشخيصهم الآن بوصفهم حلفاء من هذا القبيل.


ومهما كانت المبررات النظرية
الأساسية في أجندة اليسار، فإن مشكلته الأساسية تكمن في فقدان مصداقيته؛
فعلى مدى الجيلين الماضيين، اتبع التيار اليساري السائد البرنامج
الاجتماعي الديمقراطي الذي يركز على توفير الدولة لمجموعة متنوعة من
الخدمات مثل معاشات التقاعد والرعاية الصحية والتعليم. وهذا النموذج قد
أصابه الإرهاق الآن: فدول الرفاه قد تضخمت بشكل كبير، كما أنها أصبحت
بيروقراطية، وغير مرنة؛ كما أنه غالبا ما يتم السيطرة عليهم من قبل
المؤسسات نفسها التي تديرها عبر نقابات القطاع العام، والأهم من ذلك كله
أنها غير قابلة للإستمرار من الناحية المالية نظرا لشيخوخة السكان تقريبا
في كل مكان في العالم المتقدم. وهكذا فعندما جاءت الأحزاب الاجتماعية
الديمقراطية إلى السلطة فإنها لم تعد تطمح في أن تكون أكثر من القائمين
على دولة الرفاه التي تم إنشاؤها منذ عقود ماضية، ولم يكن لأي أحد برنامج
عمل جديد ومثير يمكن من خلاله أن يحشد الجماهير.




أيديولوجية المستقبل:

تخيل، للحظة، شخصا ما في مكان ما
يحاول أن يضع تصورا لأيديولوجية المستقبل التي تستطيع أن تمدنا بمسار
واقعي نحو عالم يشتمل على مجتمعات طبقة وسطى صحية وديمقراطيات قوية؛ فما
الذي سوف تبدو عليه هذه الأيديولوجية؟ إنها يجب أن تشتمل على الأقل على
مكونين: سياسي واقتصادي.


سياسيا، فإن الأيديولوجية
الجديدة تحتاج لأن تعيد التأكيد على سيادة السياسات الديمقراطية على
الاقتصاد والحكومة الشرعية الجديدة كتعبير عن المصلحة العامة. لكن الأجندة
التي تقترحها من أجل حماية حياة الطبقة الوسطى لا يمكن أن تستند ببساطة
على الآليات الموجودة الخاصة بدولة الرفاه. فالأيديولوجية سوف تحتاج
بطريقة ما إلى إعادة تصميم القطاع العام وتخليصه من اعتماده على أصحاب
المصلحة الحاليين، واستخدام تكنولوجيا جديدة تمكن من تقديم الخدمات. كما
يجب أن تؤكد بشكل مباشر على إعادة توزيع أكثر عدالة للدخل وإيجاد مسار
واقعي لإنهاء هيمنة جماعات المصلحة على السياسة.


اقتصاديا، فإن الأيديولوجية لا
يمكن أن تبدأ بإدانة الرأسمالية بالمثل، كما لوكانت الإشتراكية القديمة
الطراز بديلا قابلا للتطبيق. لكنها أكثر من مجموعة متنوعة من الرأسمالية
المهددة، وإلى أي مدى ينبغي على الحكومات أن تساعد المجتمعات على التكيف
مع التغيير. كما أنه من الضروري النظر للعولمة لا باعتبارها حقيقة لامناص
منها للحياة بل باعتبارها تحديا وفرصة يجب السيطرة عليها سياسيا بعناية.
والأيديولوجية الجديدة لن ترى الأسواق كغاية في حد ذاتها، وبديلا عن ذلك،
فإنها سوف تقدر التجارة الكونية والاستثمار لدرجة مساهمتهما في ازدهار
الطبقة الوسطى، وليس فقط في زيادة الثروة الوطنية الإجمالية.


ومن غير الممكن أن نصل إلى تلك
النقطة دون تقديم نقد جاد ومستمر لجزء كبير من بناء الاقتصاد النيو
الكلاسيكي الجديد، بداية بالافتراضات الأساسية مثل سيادة التفضيلات
الفردية وكون الدخل الإجمالي هو المقياس الدقيق عن الرفاه الوطني. وهذا
النقد يجب أن يلاحظ أن دخل الناس لا يعبر بالضرورة عن مساهمتهم الحقيقية
في المجتمع. ويجب عليه أن يذهب أبعد من ذلك ويدرك أنه حتى ولو كان سوق
العمل كافيا، فإن التوزيع الطبيعي للمواهب ليس من الضروري أن يكون عادلا
وأن الأفراد ليسوا كيانات ذات سيادة لكن يتم تشكيلهم بقوة من خلال
المجتمعات التي تحيط بهم.




وكانت معظم هذه الأفكارموجودة
بشكل متناثر ومبعثر لبعض الوقت، والمهم الآن وجود مؤلف يستطيع بالضرورة
وضعهم في حزمة متماسكة. فهو أو هي يجب عليهما تجنب مشكلة "العنوان
الخاطئ". كما أن نقد العولمة يجب أن يكون هو أيضا مقيدا للقومية بوصفها
إستراتيجية للحراك بطريقة تحدد المصلحة الوطنية وبطريقة أكثر تعقيدا مما
كان، مثلما الحال على سبيل المثال في حملات "اشتر المنتجات الأمريكية"
التي قامت بها النقابات الأمريكية. وسوف تكون النتيجة عبارة عن تركيبة من
الأفكار من كل من اليسار واليمين، منفصلة عن أجندة الجماعات الهامشية التي
تشكل الحركة التقدمية الموجودة. وسوف تكون الأيديولوجية ذات طابع شعبي؛
فالرسالة سوف تبدأ بنقد موجه للنخب التي سمحت بالتضحية بالمنافع التي يحصل
عليها الكثيرون من أجل القلة ونقد السياسات النقدية، وبشكل خاص في واشنطن،
التي أفادت بشكل هائل الأثرياء.


والمخاطر الكامنة في مثل هذه
الحركة واضحة: إنسحاب من جانب الولايات المتحدة، ولا سيما الإنسحاب من
مجال الدعوة إلى نظام كوني أكثر إنفتاحا بما يمكن أن يفجر ردود فعل حمائية
في أماكن أخرى من العالم. وفي كثير من الجوانب، فقد نجحت ثورة ريجان-
تاتشر تماما كما أمل أنصارها، حيث جلبت عالما متنافسا بشكل متزايد،
ومعولم، وخالي من الاحتكاك. وعلى طول الطريق، فإنها ولدت ثروة هائلة وخلقت
طبقات وسطى صاعدة في جميع أنحاء العالم النامي، ونشرت الديمقراطية في
أعقابها. ومن الممكن أن يكون العالم المتقدم على حافة سلسلة من الإنطلاقات
التكنولوجية التي من شأنها ليس فقط زيادة الإنتاجية، ولكن أيضا توفير فرص
عمل مجدية لأعداد كبيرة من الناس من الطبقة الوسطى.


ولكن هذا هو أكثر مسألة إيمان
منها إنعكاس للواقع الإمبيريقي خلال الثلاثين عاما الماضية، الأمر الذي
يشيرإلى الاتجاه المعاكس. وفي الواقع، فإنه توجد العديد من الأسباب
للاعتقاد بأن عدم المساواة سوف يزيد من التدهور. فلقد أصبح التركيز الحالي
للثروة في الولايات المتحدة تقريبا ذاتي التعزيز: وكما بين الاقتصادي
سيمون جونسون Simon Johnson فإن القطاع المالي قد استخدم نفوذه المؤثر من
أجل تجنب أشكال أكثر تشددا من التنظيم. والمدارس بالنسبة للأثرياء كانت
أفضل عما قبل، بينما المدارس لكل الناس واصلت التدهور. وتستخدم النخب في
كل المجتمعات إمكانياتها المتفوقة في النظام السياسي من أجل حماية مصالحها
الخاصة في ظل غياب للتعبئة الديمقراطية المعادلة التي يمكن أن تصحح من
الوضع، والنخب الأمريكية ليست استثناء لهذه القاعدة.


وهذا النوع من التعبئة لن يحدث
طالما ظلت الطبقات الوسطى الخاصة بالدول المتقدمة محكومة بسرد الجيل
الماضي: والذي يقول بأن مصالحهم سوف يتم تحقيقها على نحو أفضل بواسطة
الأسواق الأكثر تحررا والدول الأصغر. والسرد البديل يبدو ملوحا في الأفق،
في إنتظار أن يولد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الديمقراطية الليبرالية وإحياء موات الطبقة الوسطى(1) :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الديمقراطية الليبرالية وإحياء موات الطبقة الوسطى(1)

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» لديمقراطية الليبرالية.. هل تنجو من انهيار الطبقة الوسطى؟
» أمريكا: غضب الطبقة الوسطى
» يسحقون الطبقة الوسطى ويشتكون من التطرف؟
» -تمرد الطبقة الوسطى--تقييم ونقد
» الديمقراطية الجديدة تطوير لعلم الثورة البروليتارية العالمية أم تحريف له مقتطف من مقال "الديمقراطية القديمة البرجوازية أم الديمقراطية الجديدة الماوية" لناظم الماوي. رغم محاولات الحركة الشيوعية العالمية و الأممية الشيوعية بقيادة البلاشفة الذين كانوا على رأ

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: استـــراجيــات متحـــــــــــــــولة يشاهده 478زائر-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: