** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
عمارة يعقوبيان، مصر المهترئة تحتضر ... I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 عمارة يعقوبيان، مصر المهترئة تحتضر ...

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
روزا
" ثـــــــــــــــــــــــــائــــــــــر "
عمارة يعقوبيان، مصر المهترئة تحتضر ... Biere2
روزا


عدد الرسائل : 267

تاريخ التسجيل : 11/04/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

عمارة يعقوبيان، مصر المهترئة تحتضر ... Empty
14092010
مُساهمةعمارة يعقوبيان، مصر المهترئة تحتضر ...


عمارة يعقوبيان، مصر المهترئة تحتضر ... Yaqoubian-movهل من الممكن أن يتوقف دور السيناريست - حينما يحاول النقل من أصل روائي أدبي - عند حدود النقل فقط دون الإضافة أو الحذف؟ وهل حينما يتم النقل بهذا الشكل الأمين نستطيع القول أن السيناريست قد قام بدور يحمد عليه ولا بد أن نتوجه له بالتحية؟ وهل السيناريست له دور- إيجابي أو سلبي - حينما يقوم بالنقل من الأصل الروائي أم لا؟
علّ هذه الأسئلة الجوهرية - وغيرها الكثير - كانت هي محور تساؤلاتنا أثناء مشاهدتنا فيلم "عمارة يعقوبيان" للمخرج "مروان حامد"؛ ومن ثم لم نستطع الخلاص منها على الإطلاق، وبالتالي كانت تتوالد منها الكثير من الأسئلة الأخرى المؤرقة والتي أفسدت علينا متعة مشاهدتنا للفيلم.

بل إن هذه الأسئلة تستدعي بالضرورة تساؤلا آخر أكثر أهمية وهو، هل كتابة السيناريو تشكل بالأساس عملية إبداعية في المقام الأول أم لا؟ أو بمعنى آخر، هل يضيف السيناريست من خلال ما يكتبه من روحه وخبرته وتقنياته التي تتناسب مع السياق الفيلمي والصورة المرئية - المختلفة تماما مع السياق الروائي - إلى روح الأصل الروائي أم لا؟

كان لا بد من هذه التساؤلات الكثيرة التي فرضت نفسها علينا فرضا حينما شاهدنا فيلم "عمارة يعقوبيان" نظرا لأنه مأخوذ في الأساس من أصل أدبي قرأناه جميعا وما زال ماثلا في أذهاننا، وبالتالي كانت حالة المقارنة واستعادة الذاكرة في أوجها بين ما نراه أمام أعيننا وما قرأناه من قبل.
و بالرغم من معرفتنا المسبقة أن هذه الحالة – المقارنة - ليست عادلة؛ نظرا لأن ما يتم عرضه سينمائيا منفصل بالضرورة عما يتم تقديمه مكتوبا، إلا أن السؤال الوجيه الذي ظل يطرح نفسه علينا ومن ثم لم نستطع الخلاص منه حتى بعد نزول تيترات النهاية هو، ما الذي قدمه لنا السيناريست "وحيد حامد" من خلال هذا الفيلم؟ أو بمعنى آخر، ما هو دور "وحيد حامد" كسيناريست محترف له الكثير من الباع والخبرة والحرفية في مجال السيناريو - يستطيع استخدام تقنياته الخاصة وروحه ولمسته السحرية - في تحويل رواية "علاء الأسواني" إلى فيلم سينمائي؟
علّ النظرة المتأنية لتاريخ "وحيد حامد" الطويل، - والذي قدم من خلاله الكثير من الأفلام التي سيذكرها التاريخ السينمائي - ما يشهد له بأنه من أكثر كتّاب السيناريو في مصر حرفية وقدرة على الإمساك ومن ثم تطويع الحكاية التي يصوغها من خلال السيناريو، بل من أمانة القول أنه من أهم كتّاب السيناريو الذين يشعرون - من خلال ترمومتر خاص - بدرجة غليان المجتمع ومن ثم يبدأ في تنبيهنا إلى ما يدور حولنا من صخب غير مرئي للوهلة الأولى - ولكن إحساسه وعينه اللاقطة تنتبه إليه - وليس أدل على ذلك من أفلامه الهامة التي نذكر منها على سبيل المثال - لا الحصر - "التخشيبة" للراحل "عاطف الطيب" 1984، "البريء" أيضا "لعاطف الطيب" 1986، "الإرهاب والكباب" للبديع "شريف عرفة" 1992، وغيرها من الأفلام الهامة؛ ولذلك فإننا إذا ما نظرنا نظرة أخرى متمهلة لما رأيناه في فيلم "عمارة يعقوبيان" سيصيبنا الكثير من الإحباط والدهشة نظرا لأن "وحيد حامد" لم يكن له أي دور يذكر على الإطلاق سوى نقل النص الروائي من سرد مكتوب إلى سرد مرئي دون الإضافة أو الحذف، بمعنى أنه لم يضف إلينا الجديد في "عمارة يعقوبيان" بقدر ما التزم بأمانة - ليست مطلوبة - في نقل تفاصيل الرواية، بل والأفدح أنه التزم بالبناء السردي الذي قام به "علاء الأسواني" ونقله كما هو إلى الشاشة.

رأينا جميعا أن "علاء الأسواني" التزم في روايته بتقنية القطع المتوازي Cross Cutting ؛ حيث كان يروي قصة كل فرد على حدة ثم ينتقل إلى قصة شخص آخر قبل إكمال الأولى، ثم ثالث وهكذا كي يعود مرة أخرى من حيث انتهى إلى قصة سابقة كي يكملها، وهذا ما رأيناه تماما عند "وحيد حامد" حتى أني تخيلته - وحيد حامد - قد وجد أمامه الكثير من الأحداث والشخصيات والقصص فلم يستطع أن يفعل حيالها إلا أن يكتب قصة كل واحد على حدة حتى إذا ما انتهى منها جعلها جميعا تسير في مسارات متوازية/ منفصلة - لا رابط بينها على الإطلاق سوى وجود عمارة لم تضفِ أي دور أو إيجابيات على الأحداث سوى تجاور أصحاب هذه القصص في هذا البناء - نقول أنه فعل ذلك طوال الفيلم إلى أن قام في النهاية بمحاولة جعل هذه الخطوط المتوازية تتقاطع كي يستطيع إنهاء الفيلم.
ولذلك سنتساءل تساؤل أخير قبل الدخول إلى أحداث الفيلم وهو، هل السيناريست الذي لا يلتزم بأمانة النقل من النص الروائي يكون خائنا لهذا النص الأدبي؟
من البديهي أن عدم التزام السيناريست بأمانة النقل من النص الروائي لا تجعله خائنا، لاسيما أن السرد الروائي يتخلق من عالم خاص به له قوانينه المختلفة تماما عن السرد السينمائي وقانونه الخاص؛ ولذلك نحن إذا ما تأملنا الكثير من الأعمال السينمائية المأخوذة من نصوص أدبية والتي منها على سبيل المثال أعمال "نجيب محفوظ" سنلاحظ أن الخيانة للنص الأدبي - لصالح السينما - في تفاصيله الدقيقة كانت هي السائدة، حتى أننا إذا ما قرأنا الأصل ثم شاهدنا الفيلم سنجد بونا شاسعا بين ما قرأناه وما نراه، ووجه الاتفاق الوحيد بينهما هو الخطوط الرئيسية/ العريضة في النصين.
على أي حال هناك ملاحظة أخرى نسوقها عرضا لأنها مرت سريعة عند بداية الفيلم، إلا أنها علقت بأذهاننا مشكّلة علامة استفهام كبيرة في حاجة إلى من يجيب عليها، فبعد نزول تيترات الفيلم وبداية استعراض الشكل المعماري لعمارة يعقوبيان مصحوبا بشريط الصوت الذي يحكي لنا تاريخ العمارة منذ بناءها مرورا بالملكية، وثورة يوليو، وحرب 1956، وصولا إلى الانفتاح والوقت الراهن، نلاحظ أثناء تجول كاميرا "سامح سليم" على جدران "عمارة يعقوبيان" ونقل نقوشها ورسومها المختلفة أنه قد علق بأذهاننا كون الكاميرا توقفت هنيهة في لقطة زووم Zoom على نجمة داوود المنقوشة على العمارة ثم سرعان ما انتقلت مع الشريط الصوتي إلى التأكيد على أن العمارة كان يقطنها جميع طوائف المجتمع - بمعنى أنها كانت تمثل المجتمع المصري بكل طوائفه - بما فيهم اليهود، وهنا تساءلنا ما الذي يرمي إليه صنّاع الفيلم من ذلك؟ هل يرغبون القول بأن مصر في تلك الفترة كانت من التسامح العقائدي بشكل لم نعد نراه الآن؟ أم أن ثورة يوليو حينما جاءت قامت بالقضاء على التواجد اليهودي ومن ثم هذا التسامح في مصر؟
علّ هذا السؤال سيبقى معلقا وبحاجة إلى إجابة عنه لاسيما وأن هذا الاستعراض انتهى بالقول (مش بس العمارة اللي اتغيرت، البلد كلها اتغيرت).

كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة نسبيا قبل الدخول في أحداث الفيلم نظرا لأنها تشكل علامات استفهام هامة تدخلنا إلى العالم الفيلمي "لعمارة يعقوبيان".

يقدم لنا الفيلم الكثير من الشخصيات المهترئة اجتماعيا ونفسيا والتي تمثل لنا مجتمعا كاملا في حالة تفسخ - مع الاهتمام من قريب أو بعيد بأسباب هذه التفسخات - حتى أني طرحت سؤالا على نفسي أثناء مشاهدتي الفيلم (ما الذي يحدث في بر مصر؟) هل بات المجتمع المصري بكل هذا التهرؤ الذي صار إليه؟ هل صرنا جميعا عبارة عن مجموعة من الجزر المنعزلة التي تضمر لبعضها سوء النية والتربص والكراهية إلى هذا الحد؟ هل دفعتنا الحاجة والقهر والعوز إلى كل هذا الانهيار؟ بل إن السؤال الأكثر إلحاحا هو، هل صارت مصر محتضرة إلى هذا الحد؟

في مشهد شديد التعبيرية وإثارة للدهشة والتأمل نرى "بثينة"( هند صبري) تخبر والدتها أنها قد تركت عملها وفي سبيلها للبحث عن عمل آخر، فتلومها أمها على ذلك، إلا أن (هند صبري) تخبرها أن صاحب العمل كان طويل اليد، لترد الأم بتغابي متعمد (هو فيه حد بيسرق نفسه؟) فتقول لها (يا أمه كان بيحسس، مش عارفة يعني إيه تحسيس؟) إلا أن عوز الأم وفقرها الشديد يجعلها تزين في عين ابنتها السقوط؛ فعلى الرغم من أنها تخبرها بأن (الراجل المفتري فتح سوستة بنطلونه) إلا أنها ترد (كل واحد حر في هدومه، المهم هدومك انتي!) وهنا كان لا بد للفتاة من السقوط، سواء كان هذا السقوط على المستوى النفسي بتكوين شخصية مهزومة أو كان على المستوى المادي بتحولها إلى مومس حينما تقبل العمل في أحد محلات بيع الملابس بالرغم من تردد شائعات حول صاحبه بأنه يتحرش جنسيا بمن يعملن عنده، فنراها حينما ترى زميلتها في العمل تدخل من باب المحل خلفه تسألها (انتي كنتي فين وبتعملي إيه؟) ترد عليها ببساطة (أهو بيقعد يتلمس ويتحك لحد ما يترعش وهو عامل كدا زي دكر البط، وأهو كله من فوق الهدوم).
ولذلك نرى مشهدا من أبرع المشاهد التي قدمها لنا المخرج "مروان حامد" داخل الفيلم؛ ساعده في ذلك الأداء البارع والصادق للفنانة (هند صبري) - التي تثبت لنا فيلما بعد آخر قدرتها التمثيلية المتميزة ومدى قدرتها على التشبع ومن ثم فهم سيكولوجية الشخصية التي تقوم بتقديمها - حينما تدخل مع صاحب العمل المخزن لأول مرة فنراها في حالة انتظار مرعبة بينما تشكلت جميع قسمات وجهها المتقلصة بأقصى درجات الرعب والهلع، ساعدها في ذلك اتساع حدقتيها وكأنها في انتظار كارثة ستودي بها، حتى لكأننا ظنناها في أحد أفلام الرعب الأمريكية وليست في انتظار علاقة جنسية عابرة، ثم يعلو مستوى المشهد كثيرا حينما يأمرها الرجل لاهثا (خليكي انتي لحد هدومك ما تنشف) فنراها تبكي في مشهد شديد الصدق والتأثير بينما تغسل ثيابها من المني العالق بها، وبذلك تثبت لنا (هند صبري) قدرتها على الاستمرار في توهجها الفني وأداء الكثير من الأدوار التي تقدم لها.
ولعل هذا السقوط والفاقة الشديدة للمال متضافرا مع ما تراه من هوان دائم نتيجة طبقتها الاجتماعية كان مبررا وجيها لها كي تفقد الوطنية وعدم الانتماء لهذا الوطن الذي تهان فيه آدميتها، وأن هذا الوطن قد بات كريها لا يحتمل، فنراها حينما يسألها "زكي الدسوقي" (عادل إمام) (انتي بتكرهي بلدك؟) ترد عليه بقسوة لاذعة وإقناع شديد (هو أنا شفت منها حاجة حلوة عشان أحبها؟)، بل ويتحول ردها إلى صفعة حينما يقول (اللي مالوش خير في بلده مالوش خير في حاجة تانية) فترد بصدق حقيقي نستشعره جميعا نتيجة ما يدور حولنا من هوان (يا باشا مصر بقت قاسية قوي على أهلها).
ولعل هذا الفقر والعوز الشديد هو ما دفع "طه الشاذلي" (محمد إمام) إلى التحول من طالب متفوق في دراسته يرغب الالتحاق بكلية الشرطة إلى أحد النشطين في إحدى الجماعات الدينية؛ نظرا لأنه حينما تم رفض طلبه في الالتحاق بكلية الشرطة - لأن والده بواب "حارس عقار" ومن ثم فهو غير أهل لهذه الكلية الطبقية التي ترفض أبناء البوابين الشرفاء في حين تقبل أبناء تجار المخدرات - يتحول للالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي يؤهله لها مجموعه ومكتب التنسيق، وهناك يرى الكثير من المستويات الأرستقراطية المرفهة ببذخ وقح ومن ثم يبدأ في فرض نوع من العزلة على ذاته خشية أن يسأله أحدهم عن عمل والده، وهنا نلاحظ أن أبناء الفقراء داخل الجامعة يحرصون على تكوين جيتو خاص بهم يعزلهم عن غيرهم، وبالتالي لا يكون أمامهم من سبيل آخر للتحقق الواهم سوى اللجوء إلى التدين الظاهري الذي لا معنى له في حقيقة الأمر سوى أنه نوع خاص من الانسحاب الاجتماعي ومن ثم الهروب والتغيب داخل دهاليز الدين المعتمة كبديل للمجتمع الذي يلفظهم نتيجة طبقتهم الاجتماعية المتدنية، ونتيجة لذلك يتم استقطابه من قبل إحدى الجماعات الإرهابية التي لا ترى في الدولة سوى الكفر نظرا لأنها تتكسب من صالات القمار والبارات ثم تعيد ضخ هذه الأموال مرة أخرى في صورة مرتبات للموظفين.
وهنا يتم تحقيق نوع ما من التحقق "لطه الشاذلي" (محمد إمام) من خلال زعامة دينية واهية، إلا أنه يتم اعتقاله في إحدى المظاهرات التي قامت داخل الحرم الجامعي ومن ثم يتم تعذيبه وإهانته بل والاعتداء عليه جنسيا داخل المعتقل مما يؤدي به إلى إضمار الكراهية الشديدة للحكم، بل ورغبة شديدة في الانتقام ممن فعلوا به ذلك، ولعل هذه الأحداث تسوق لنا بذكاء بعض المبررات التي تجعل الكثيرين من الأفراد راغبين في الانتقام من المجتمع المختل النظام - نظرا لانقلاب الهرم الاجتماعي - والسلطة نتيجة لهذا القهر الذي يتعرضون له.
إلا أننا لا بد أن نشيد بالدور الذي أداه الفنان (محمد إمام) والذي لا يمكن لنا أن نتصور فنانا آخر من الممكن أن يؤديه بنفس البراعة التي أظهرها لنا؛ حيث كان قادرا بعبقرية في إخراج ومن ثم إظهار المساحات السيكولوجية ومن ثم إقناعنا بمدى القهر والظلم الذي يتعرض له، ونأمل أن يظل على مثل هذا المستوى.
ولكن لأن مسلسل الفقر والإفقار الذي تتعرض له مصر لا ينتهي، ولكنه يتحول إلى أشكال أخرى من الفساد بتحولات المجتمع وسياسات الحكومة نرى الحاج "عزام" (نور الشريف) يصعد طبقيا بشكل سريع وغير معروف من مجرد ماسح أحذية في شارع سليمان باشا إلى أكثر أهل البلد غنى، بل ويمتلك نصف عدد محلات شارع سليمان باشا نتيجة سياسات الانفتاح والسرقات والفساد التي مازالت تحدث في بر مصر، ولذلك نراه يؤمن بأن كل شيء قابل للبيع والشراء، فنراه حينما يرى "سعاد" (سمية الخشاب) يشتهيها جنسيا ومن ثم يستغل عوزها الشديد بالزواج منها من أجل المتعة فقط، وحينما تصير حاملا منه يرغمها على الإجهاض نظرا لأنها لا تمثل له سوى وعاء للمتعة فقط، إلا أننا لاحظنا أن الفنان (نور الشريف) كان في أسوأ حالاته الفنية، بل إنه مازال حبيسا داخل نطاق الأدوار التليفزيونية التي قدمها في الآونة الأخيرة مثل "الحاج متولي"، و "العطار وبناته السبعة" وما إلى ذلك من تلك الأدوار الضعيفة فنيا والتي أنقصت كثيرا من رصيده الفني لدى الجمهور، بل وأنقصت أيضا من رصيده السينمائي، إلا أن كل ما نرجوه من الفنان (نور الشريف) هو مجرد وقفة متمهلة مع ذاته والعمل على مراجعة أوراقه مرة أخرى ومن ثم التدقيق في الأعمال التي يقدمها والسيناريوهات التي يتم تقديمها له، فإذا ما راجع هو تجربته في الآونة الأخيرة فلن يكون في حاجة إلى مثل حديثنا هذا.
إلا أن مسلسل الفقر والتهرؤ المستمر كان هو أيضا السبب الأساس في انصياع المجند "عبد ربه" (باسم سمرة) لرغبات رئيس تحرير جريدة "الأهرام ابدو" "حاتم" (خالد الصاوي) الشاذة جنسيا، ومن ثم رضوخه لذلك في مقابل توفير "حاتم" له غرفة فوق سطح العمارة وعملا مضمونا، وعلى الرغم من الضمير النابع عن فطرة سليمة وشيء من التدين لدى "عبد ربه" (باسم سمرة) - الذي يجعله دائم الرفض والتفكير في هذه العلاقة المثلية - إلا أن "حاتم" (خالد الصاوي) يحاول دائما إقناعه بأن علاقتهما شرعية وعادية جدا ومن ثم يبرر له ذلك - مستغلا جهله – قائلا (فيها إيه لما اتنين يحبوا بعض؟ تعرف إيه هو الحرام فعلا؟ الزنا هو الحرام بلا جدال لأنه يؤدي لاختلاط الأنساب نتيجة الحمل، إنما الرجالة ما بتحبلش يا عبده) وكأنه بذلك يسوغ باقتناع لعلاقتهما المثلية القائمة بينهما، إلا أننا نرى "عبد ربه" (باسم سمرة) غير مقتنع بذلك ولذا نراه في مشهد آخر برع فيه كثيرا المخرج (مروان حامد) والفنان (باسم سمرة) يجلس في غرفة مكتب "حاتم" (خالد الصاوي) - ليلا - بينما يبكي بكاء مريرا ندما على ما يقترفه من فعل شاذ مع عشيقه في مشهد شديد التعبيرية والتأثير نجح "باسم سمرة" في أدائه ومن ثم إقناعنا به، إلا أن أكثر مشاهد الفيلم تعبيرية وصدقا بحق كان مشهد بكاء "حاتم" (خالد الصاوي) حينما هجره عشيقه (باسم سمرة) وفر إلى بلدته؛ حيث رأينا قسمات وجهه كاملة تتشكل بملامح الفقد والهجر الصادقة ومن ثم البكاء الهستيري الشديد نتيجة فقد العشيق، بل وانعدام التوازن نتيجة لذلك الهجر، وهنا لا بد من الإشادة بالدور الجميل الذي قدمه لنا الفنان (خالد الصاوي)، والذي كان كقنبلة مفاجئة - لم نكن ننتظرها - تنفجر في وجوهنا مدللة على قدرة (خالد الصاوي) التعبيرية والتمثيلية الذي قدم لنا دورا - على الرغم من عدم ألفتنا أو حتى قبولنا له - شديد الإنسانية ومن ثم جعلنا نتورط معه بالتعاطف في مشهد بكائه.

بعيدا عن الفقر الشديد والعوز المادي يقدم لنا الفيلم شخصية شديدة الثراء والتأزم ومن ثم الشعور الدائم بالوحدة والاغتراب، وهي شخصية "زكي الدسوقي" (عادل إمام) أقدم سكان العمارة الذي تلقى تعليمه في فرنسا، وربما كان السبب الرئيس في شعور الاغتراب الدائم وعدم التحقق عنده نابعا من رؤيته العميقة لما انتاب البلد من تغيرات كبيرة، ولذا نراه دائما في محاولة لتعويض أزمته إما بالهروب إلى التغيب في احتساء الخمور ليل نهار أو بالجري حثيثا خلف الفتيات الصغيرات - حتى ولو كانت نادلة البار - لممارسة الجنس كنوع آخر من التغيب ومن ثم التحقق في ذات الوقت، لاسيما وأن شقيقته الوحيدة "دولت" (إسعاد يونس) غير مهتمة به على الإطلاق، بل تسعى للحصول على الشقة التي ورثاها عن والديهما ومن ثم طرده منها، ولذا نراها دائما في حالة شجار معه ومن ثم اتهامه بالعهر نتيجة (جريه الدائم وراء النسوان)، وبالرغم من محاولة حبيبته السابقة الفرنسية الأصل "كريستين" (يسرا) الإصلاح الدائم بينهما إلا أن ذلك لا يتم نتيجة حقد وطمع شقيقته فيه.

الحسنة الحقيقية التي لاحظناها في فيلم "عمارة يعقوبيان" أنه قد أعاد لنا الفنان (عادل إمام) في حالة أوج فني وحيوية - افتقدناها كثيرا منذ فترة ليست بالقصيرة - وقدرة تمثيلية تليق بنجم في حجم (عادل إمام) له تاريخ فني طويل ومشرف، ولقد لاحظنا في الآونة الأخيرة خفوت المقدرة والحيوية التمثيلية لدى الفنان (عادل إمام) من خلال ما يقدمه لنا من أفلام متهافتة يستهلك فيها نجوميته لمجرد إثبات تواجده الدائم في مواسم العرض السينمائي، وبالتالي كانت تلك سقطة حزنـّا عليها كثيرا، إلا أنه من خلال "عمارة يعقوبيان" يتحدانا ويعطينا درسا هاما مفاده أنه سيظل نجما قديرا؛ فلقد كان أداؤه شديد التوهج يدل على موهبة عبقرية تستطيع أداء أصعب الأدوار شريطة أن يكون الدور الذي يتم تقديمه له ثريا بالقدر الذي يستطيع تفجير تلك الموهبة الخلاقة ومن ثم يستفز (عادل إمام) ذاته، وهو بهذا يبدو وكأنه يقول لنا أنه يستطيع أن يكون في أفضل حالاته التمثيلية تقمصا وأداء إذا ما وجد الدور المناسب، أما حينما يتم تفصيل الدور على مقاسه فقط دون النظر لأية اعتبارات أخرى فنحن لن نرى فنانا عظيما بقدر ما سنرى مؤديا لا يشعر بما يفعله، بل سيفتعل بلا روح وبالتالي لن يقدم لنا سينما حقيقية، ولعل أفلامه السابقة مع المخرج "شريف عرفة" تدل على صدق حديثنا حيث كان في أفضل حالاته.

ومن خلال هذه الحكايات التي تسير في شكل متواز طوال الفيلم قدم لنا السيناريست "وحيد حامد" والمخرج "مروان حامد" فيلمهما "عمارة يعقوبيان" الذي كان بالرغم من ثرائه وتقديمه الصورة الحية والصادقة للمجتمع المصري، إلا أننا لاحظنا أن إيقاع الفيلم كان (ساقطا) وتلك كانت أهم سوءات الفيلم نظرا لرتابة الإيقاع؛ ومن ثم رغبنا في النصف الثاني من الفيلم برغبة جامحة في انتهائه بالرغم من عدم اكتمال أحداثه بعد، ومشكلة الإيقاع تلك هي مشكلة مونتاج في الأساس وبالتالي تعود إلى المونتير "خالد مرعي" ومعه المخرج "مروان حامد" - بما أن المخرج هو المسئول الأول والأخير عن الفيلم السينمائي - فأحداث الفيلم لم تكن متلاحقة أو لاهثة بالشكل الذي يجعلنا نتمسك بمقاعدنا حتى النهاية وبالتالي ساد الفيلم بعض الترهل والإملال.
كذلك لاحظنا أن الفيلم كان من الأجدى له الانتهاء عند المشهد الجميل والمؤثر جدا لاغتيال "طه الشاذلي" (محمد إمام) لضابط الشرطة الذي سبق وأمر بالاعتداء عليه جنسيا، ولقد برع كثيرا "مروان حامد" في هذا المشهد الذي استخدم فيه تقنية القطع المتوازي Cross Cutting حيث كان يبادل بين مشاهد التعذيب السابقة التي تعرض لها "طه" وبين عيني "طه" في اللحظة الآنية أثناء مراقبته للضابط الماثل أمامه والذي هو على وشك اغتياله في لقطات زووم Zoom ، ثم الانتقال إلى الولاعة التي في يد الضابط، نقول أن هذا المشهد كان من أجمل المشاهد التي من الممكن إنهاء الفيلم بها حيث قام "طه" باغتيال الضابط ومن ثم قام حرسه الخاص باغتيال "طه" ليرتمي الاثنان متجاورين غارقين في دمائهما، إلا أن صنّاع الفيلم أصروا على الاستمرار في أحداثه بالمط والإطالة التي لا طائل من ورائها، وبالتالي لم يستطيعوا تقديم أية إضافة تذكر لإثراء أحداث السيناريو سوى زواج "زكي الدسوقي" (عادل إمام) من "بثينة" (هند صبري) وهذا لم يخدم السيناريو في شيء.
وقد نلتمس لهم العذر في عدم إنهاء الفيلم عند هذا المشهد لأنه يذكرنا مباشرة بفيلم "البريء" للراحل "عاطف الطيب" 1986 والمجزرة الرقابية التي تعرض لها حينما قام "أحمد سبع الليل" (أحمد زكي) بإفراغ طلقات رشاشه في مرؤوسيه من الضباط كي ينتهي الفيلم عند ذلك؛ وبالتالي رفضته الرقابة ولم توافق على عرض الفيلم إلا بعد حذف هذا المشهد نظرا لأنه يحمل في طياته رسالة ثورية على السلطة وما تمارسه من قمع وإرهاب وفساد على المواطنين، وربما لو كان فيلم "عمارة يعقوبيان" انتهى بمثل هذه النهاية لكان قد تعرض لذات الأمر لأن المشهد يحمل في طياته ذات الرسالة الثورية الانتقامية من السلطة.

ملاحظتنا الأخيرة أن السيناريست "وحيد حامد" بالرغم من حرصه طوال الفيلم على تقديم مجموعة من الخطوط التي تسير بشكل متوازي، وبالرغم من حرصه في نهاية الأمر على جعل هذه الخطوط/ الحكايات تتقاطع؛ بل ووضع نهاية لكل منها، إلا أنه حرص أيضا على ترك إحداها - بذكاء فني - مفتوحة ولم يغلقها بشكل عمدي، ألا وهي حكاية "الحاج عزام" (نور الشريف) مع السلطة الممثلة في "كمال الفولي" (خالد صالح) في إسقاط مباشر منه إلى أن الفساد السياسي في مصر والذي تفشى في الآونة الأخيرة بشكل منقطع النظير سيظل كما هو ولن ينتهي وكأنه القدر المسلط على رقابنا إلى الأبد.

أخيرا نتوجه بتحية خاصة للموسيقى الجميلة التي أبدعها "خالد حماد" والتي كانت بالرغم من صخبها الشديد أكثر تناسبا وإيحاءً مع أحداث الفيلم، حيث كانت توحي لنا دائما بكارثة على وشك الحدوث.

يقول الفنان (عادل إمام) أو "زكي الدسوقي" في نهاية الفيلم موجها حديثه "لبثينة" (هند صبري) "لازم ننسى الإهانات اللي إحنا شفناها وإلا هنطق من الحسرة" ولكن هل من الممكن بالفعل أن يتناسى المصريون كل ما تعرضوا له - وما زالوا - من إهانات؟ أم أنهم بالفعل سينفجرون؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

عمارة يعقوبيان، مصر المهترئة تحتضر ... :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

عمارة يعقوبيان، مصر المهترئة تحتضر ...

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: