من الحكومات العربية الشهيرة
حكومة أم جندب ، زوج امرئ القيس التي حكمت بين امرئ القيس ، وعلقمة الفحل ،
فانتصرت لعلقمة على امرئ القيس ، مقيمةً حكمها على مقاييس معينة ، إذ قال
امرئ القيس في وصف الفرس:
فللسوط ألهوبٌ ، وللسّاق درّة وللزّجر منه وقع أهوجَ متعبِ
وقال علقمة:
فأدركتهنَّ ثانياً من عنانه يمرُّ كمرِّ الرائح المتحلِّبِ
وتُذكَر تلك الحكومة في سياق أولية النقد عند العرب، ويُذكر معها النابغة
الذبياني وخيمته النقدية المضروبة في سوق عكاظ ، وذاك سياق نقدي معلوم
محدود بسياق زمكاني معلوم.
ولعل الصورة المعاصرة لخيمة النابغة وحكومة أم حندب تتمثل في برامج
الفضائيات العربية التي يزدحم لها شعراء عاميون وغير عاميين ، ونقاد
أكاديميون وغير أكاديميين. ومن أصدائها ( صدى القوافي ) البرنامج التنافسي
في الشعر العامي ، الذي ظلت تقدمه ( الفضائية ) اليمنية حتى توجت طلال
بلخير العولقي فائزاً أولَ بلقب نجم القوافي لعام 2008م ، في حفل عرضته
مساء الخميس: 2/10/2008م ، وألقى فيه طلال قصيدة الحروف الستة. فكان له أن
يبتهج بفوزه وينتظر تكريم المحافظة الرسمي (!!)، وللجنة التحكيم - مع
تقديري العالي لذواتها - أن تغفو إغفاءة وطنية عليا بعد أن أبلت بلاءً
حسناً ، ولعزالدين أن يلهج (بنجاح) برنامجٍ قدّمه بحماسة عالية ،و للآخرين
في منصة التكريم ، وللحاضرين أن يصفقوا كما يشاؤون.
لكنّ للمشاهد أن يرى على البرنامج وخاتمته ما يرى ، على الأقل من حيث
دلالة البرنامج وسلطة تأثيره وإشاعته ثقافةً ما ، يُراد لها - في ما يلوح -
أن تكون هي المهيمنة.
هل يعيد البرنامج إنتاج نسقية شعرية أكلَ الدهرُ عليها وغسلَ يديه؟. لعله
يفعل ذلك باختياره الشعر العامي تحديداً للمنافسة ، في صورة من صور توظيف
الشعر لغايات غير أدبية. وتبدو تسمية البرنامج نمطية حد الاستنساخ !! ( وصح
لسانك )!! لعلها تومئ من طرف ما إلى عقدةٍ اسمها ( مجلس التعاون )!
ولكن هل تجاوز الصدى منطقة النمطية الشعرية ، والتصور الإعلامي للتمثيل
الجغرافي المحاكي لسطحية النظر إلى الحروف الستة التي توّجت طلال العولقي
نجماً لقوافي 2008؟. إن يكن الأمر كذلك ، فلِمَ لا يقدم البرنامج الأصوات
وينصّ على صداها صراحةً ؟. ثم هل كان صدى حقيقياً للقوافي، على أية حال!.
وهل كان يخلق بالقناة أن تبذل تلك الملايين على صدى مستنسخ ؟. تساءل شاعر
جاء يسعى من أقاصي المجتمع واللغة والاحتراق بمائهما المقدس ، ولم يبالِ
بسؤاله أحد في زحام صاخب.
لكن ثمة من لا يزال يرى في الشعر رديفاً صوتياً ( إن لم يكن صدى ) للإذاعة
والتليفزيون ، كأنه لم يغادر مضارب بني (...) في الجاهلية الأولى ، حيث
الشعر ارتجال ، ليمتد ظل الارتجال إلى مضارب معاصرة تحاكي القديمة في
ارتجاليتها الشعرية وغير الشعرية معنى ومبنى!.
لقد كان لحكومة أم جندب مسوغاتها التاريخية والأدبية ، وليس بالضرورة
موضوعياً أن يُعاد إنتاج حكومتها النقدية ، أو محاكاة (حكومات) مجاورة ،
لها اعتمادات استراتيجية داعمة للثقافة ، وليس تنظيمها مثل هذه المنافسات
الشعرية سوى رأس جبل الجليد الثقافي!..( مشروع محمد بن راشد الثقافي مثلاً
).
سيقول رجلٌ يخرج من مبنى الإعلام أو الثقافة أو ما شابههما متأبطاً وهماً:
(( لقد كانت تجربة رائدة ، في إطار البرنامج ، وقد حققت نتائج باهرة جداً
.وهي بلا شك خطوة رائعة سوف تتلوها خطوات أروع))!.
وسنبتسم ، عندئذٍ ، نصف ابتسامة... لكنما في الأمثال الشعبية مثل يُروى في
حضرموت بصيغتين: الأولى ( فقر وتنخّاس ) ، والأخرى ( فقر وتنخّاذ ) - وهي
المرجَّحة عند الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف - ولعل الصيغتين تنطبقان على
ما نرى ونسمع في سياقات شتى!. فهل نردد مع شاعر جاء يسعى من أقاصي الإحساس
بالشعر ، قولَ الشاعر الراحل حسين محمد البار:
إني أجدُّ ولكنْ أنتِ ساخرةٌ فيا لسخرية الدنيا بولهانِ