آمال نوّار
أنا الأسودُ اللانهايةُ تَعْقُبُ النيران، الجمالُ المَنفَيُّ في العُيونِ الباردةِ تسبحُ في عَسَلِ البراءةِ فيما قلبُ العاهَةِ المُرُّ لا يُخْتَرَقُ. أنا الإثمُ المَلعونُ في انقطاعِ حِيلةِ الفَريسةِ حيث الأبيضُ سيّدٌ يخلطُ دَمَ الألوانِ كلّها ليخرجَ نبيّاً والمِحْنَةُ دامية. أنا القَدَرُ العنيدُ في مَسارِه وكثافةِ أعاجيبِه وفضولِه الذي يقفزُ عن الغَدِ كالإنتحارِ.
سماكَةُ لوني كَوْنِيّةُ الخَيراتِ وَحْشِيةُ الشهواتِ فولاذيةُ العُزْلة. كلُّ يومٍ أتجدّدُ في بئرٍ أعمَقَ، ويَحْلَكُ لوني كلما نُسِيْتُ أكثر أو أُهْمِلْتُ في تفسيرٍ جامدٍ للجَماد.
أُتألقُ في رأسِ الصُوفيّ والعَبقريّ والشَقيّ والوَرْدِ المَريض، أنفشُ شَعْرِي في الدَهَاءِ بلا تَبَصُّر، وأتَرَنَّحُ في الأَمَلِ كقديسٍ.
روحي باهظةٌ في اليأسِ كأنّها سؤالُ الأَبَدِ.
أنا المُتَسَوَّلُ النافِذُ في الحُلْم، الصاعدُ فِكرةَ الجبلِ،
أنا الصَّدْعُ في الخَلْقِ، الوجعُ المُسْتَعصي على الأرضِ الطائشة،
أنا الصمتُ لُغةُ الوادي في عَيْنِ القِمم،
أنا المُطْفَأُ في الخَجَلِ والدَمْعِ واللفظِ الرنّان،
أنا خيبةُ الدنيا، العمياءُ المَبذولةُ تتعرّى في مرايا الضمير لتتصاعدَ دخاناً من غليونِ الجانّ.
الأسودُ أنا، زاخرٌ بالهذيانِ تماماً كالشمسِ، وأسراري قاسيةُ النوى.
أُذْبَحُ بِغَدْرٍ وتشربني طيورُ الرمال. جُرحي نازفٌ في كائناتِ البَرِّ والبَحرِ ولا يشفيه طموحٌ من أَلْمَاس.
جَوْهَري النَحْسُ والسعادةُ معاً لأنّ لَحْمي يتغذّى على صفاءِ فكرتِه. إحساسي كليٌّ وعارمٌ يعبرُ حدودَ الحَنَقِ إلى جحيمِ العَسْف.
يَحْسَبُونَني في القواميس خطيئةً، أنا صحراءٌ بلا قمر لأنها على القمر، إلهُها الرُعبُ، تنامُ على صُلبانٍ من غيمٍ، تُجْلَدُ مثلما الموجُ يَجْلِدُ القلبَ المُنْتَظِر.
كنتُ ولا أزالُ المَذْبَحُ، في حِجْري يسقطُ بهاءُ مُلُوكِ الريش. بدمي توهجّتْ حقولُ الذرة، وبصرختي سُفُنٌ مَدَّتْ حِبالَها من مُحيطٍ إلى مُحيط.
أنا الأسودُ، إسمي إنسانيٌّ وعظيمٌ، أبدأُ صراعي وحيداً وجميلاً كالضّدِّ، أتفَجَّعُ بالمعرفة ومأساتي تطولُ بالإنتصار.
لستُ مُتجَمّداً كما يُظَّنُّ، أنا فقط لا أُمَيِّزُ بين الألوانِ وفقَ لونها، أنا أسلكُ طريقَ الحُطامِ إلى الأشياءِ ومن شقوقِها أتسرّبُ.
أنا كفُّ الإبادةِ تمتدُّ جُوعاً سماوياً وتمزّقُ العَدَم.
أنا المريرُ الصَبْرُ أُؤاخي النَكِرة وسط الأشياء.
أنا المُطْلَقُ، لم تُخالطْني أبداً أقنعةٌ ولا مُثُلٌ عُليا ولا أخلاقٌ، بقيتُ على صفائي مُذ كَفَّنَني سَوادي، كَحُبٍ إلهي لا يُقاسُ، كَفِطْرَةٍ في نواتِها الأَصل.
أنا الأسودُ الفَتّاكُ في بُؤبُؤِ العِشْق، السِحْرُ المُكدّسُ كالسُّم. أنا انفجارُ الشمسِ وفي خرابي الأعظم تابوتُ العهد للأبيض الحقيقي.