في حوار معها:
ماريسا سيلفر: يهمني الإنسان!
حوار : محمد شعير
عشر سنوات منذ زيارتها الأولي للقاهرة. بين الزيارتين اختلافات كثيرة في المكان والزمان والأفكار. الروائية الأمريكية ماريسا سيلفر(1960) جاءت هذه المرة كمشاركة في الدورة الثالثة لمهرجان القاهرة الأدبي، تحدثت عن تجربتها الأدبية، والكتابة النسائية المعاصرة. منذ عشر سنوات جاءت كسائحة، بصحبة عائلتها، زارت الأقصر واسوان، لم تحتك كثيرا بالمصريين..
لكن في رحلتها الآن، زارت القاهرة، بحثت عن أماكن نجيب محفوظ التي قرأت عنها في ثلاثيته الشهيرة، كما زارت عدة جامعات مصرية التقت طلبة وطالبات: ” كان لدي فرصة للتفاعل مع طلبة الجامعات، قالت: »أدهشني تفاعلهم، وفضولهم للمعرفة، وكانت مناقشتنا معا مثيرة للغاية، ولقد اندهشت بسبب جديتهم ورغبتهم في طرح أفكارهم والتعامل مع الأفكار المختلفة».
سألتها: بالتأكيد كانت معظم أسئلتهم سياسية؟
ضحكت: “لم نتحدث في السياسية، دار الحديث أغلب الوقت عن أعمالي وكتبي، وتشاركوا معي أفكارهم عن الكتابة. أسئلتهم انصبت في الرغبة في معرفة أماكن، وثقافة أخري في العالم، وأعتقد أن هذا ملهم، لأنه كلما كنا نفهم ثقافات أخري، سنكون منفتحين أكثر علي بعضنا البعض ونلاحظ بعضنا البعض ونتعرف علي الطرق المشتركة للتفكير”.
تهرب ماريسا سيلفرصاحبة الرواية الشهيرة “ماري كوين” التي اعتبرت احدة من أفضل الروايات الأمريكية، وكانت ضمن قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا. السياسة، تبدو غير جذابة لها..أو هي من القضايا المثيرة للجدل والاختلاف دائما..
سألتها: لكن هل أمريكا التي اعتبرها الكثيرون أرضا للأحلام هي الآن كذلك؟
أجابت: ” أعتقد أن العكس يحدث الآن، فأمريكا تقوم علي كل هذه الجنسيات المختلفة. والآن يتعرف الأمريكيون بهذا، وهذا صنع تغييرا كبيرا، وأن التنوع في الثقافة الأمريكية فرصة. وأري الوضع الآن فرصة لمواصلة الكفاح لإنهاء العنصرية والجنسانية والخوف من الآخر. وأعتقد أنها فرصة أيضا ليقول الناس ما يؤمنون به”.
نتخفف من حديث السياسة لنهبط إلي أرض الأدب..
سألتها: من خلال القصص القصيرة التي قرأتها لك، أشعر أنك تولين اهتماما خاصا بقضايا المرأة؟
تجيب: أكتب عن المرأة لكنني أكتب عن الرجل أيضا، وأعتقد أنني مهتمة بكل البشر، أنا مهتمة أكثر بالشخصيات والناس الذين يمكنهم مواجهة التحديات سواء كانت هذه التحديات شخصية أو سياسية، وكيف تتغير مشاعر هؤلاء الناس بسبب هذه التحديات. أعتقد أنني مهتمة بالمرأة والكتابة عن قضايا لكنها ليست الشيء الوحيد الذي أكتب عنه.
أسألها: بدايتك كانت مع السينما كمخرجة، ثم كاتبة سيناريو..وحدثت النقلة بترك السينما الي الأدب..كيف حدث هذا الانتقال؟
- بدأت الكتابة في الثلاثينيات مع عمري، وفي العشرينيات كنت قد عملت في مجال السينما في الكتابة والإخراج. كتبت وأخرجت قصة واحدة للسينما، كانت بعنوان (قديم بما فيه الكفاية) وهي مبنية علي قصة طفولتي الساحرة مع فتاة كانت تقيم في المجمع الذي أقيم فيه في الجانب الشرقي لمانهاتن. ورغم أن الفيلم حصل علي جائزة، إلا أنني توقفت عن الاخراج او الكتابة للسينمالأنني لم أكن قادرة علي رواية القصص التي أريد الكتابة عنها من أجل السينما، لأنني كنت أريد أن أكتب عن الشخصيات ومشاعرها وأفكارها. السينما تريد توليفة من الشخصيات والدراما والأكشن والتصرفات، ولا تسمح أن تأخذ وقتك في تحليل عقلية شخص ما. وأنا أريد أن استغرق وقتي في تحليل وعي الأشخاص لكتابته.
- ولكن السينما جمهورها عريض علي عكس الكتاب؟
- لقد تحركت في الاتجاه المعاكس، فالسينما لها جمهورها كما أنها تعطي الكاتب المال، إلا أنني كاتبة قصة ويجب أن أجد الطريق الوسط الذي أعبر فيه عن أفكاري، وبالنسبة لي فإن الأفلام ليست هذا الطريق. يمكنني أن أكتب عوالم علي الورق وقادرة علي كتابة اتجاهات البشر وعواطفهم وانفعالاتهم. الأدب يمكننا من سماع أفكار الشخصيات وفهم ما يمرون به حتي لو لم يتكلموا لذا فإنها تمنحني فرصة أكبر لاستكشاف النفس البشرية وهذا ما يهمني.
- هل يشغلك أن يكون لديك رسالة عندما تكتبين؟
- ليس لدي رسالة، ولا أكتب تحت مسمي وجود رسالة ولا أهتم بذلك. أعتقد أن الأدب يجب أن يثير أسئلة ويدفع القاريء للتفكير في الكائنات البشرية، ويجب أن يدفعني باتجاه أننا لا نملك إجابات، وأن نواصل البحث، فكلما بحثت كان تأثيرك في الحياة أوسع. ولهذا فإن الأدب هو طرح الأسئلة لا تقديم الإجابات.
- ما السؤال الذي لم تجدي له إجابة؟
- حتي الآن لم أجد إجابة علي أي شيء. أسئلتي كثيرة: لماذا نعامل بعضنا البعض بشكل سييء؟ ولماذا علينا أن نبحث عن جماعات حتي نهدأ ونستكين؟ ولماذا ننجب أطفالا ونصنع خيارات سيئة لهم؟ لماذا نقع في غرام شخص آخر؟ وكلها أسئلة ليس لها إجابة.
- هذه الأسئلة اجتماعية؟ هل لديك أسئلة كونية؟
- فكرت في هذه الأسئلة لكن لم أكتبها بشكل أدبي. أعتقد أن الأسئلة الصغري تقود إلي الأسئلة الكبري. ولكن أعتقد أن أي رواية، تدور تتناول- حتي ولو بشكل غير مباشر- الأسئلة الكبري، الموت مثلا: ماذا نفعل قبل الموت، ونحن نعرف أنها النهاية،هل هو الشيء الوحيد المؤكد، وكيف نعيش في زمن نعلم أنه يقلص ما تبقي لنا من عمر؟. رواية مثل “موبي ديك”.. وبعض الأدباء الكبار طرحوا أسئلة كبري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
- من الكاتب الذي أثر عليك؟
- كاتب القصص القصيرة الأيرلندي ويليام تريفور الذي توفي مؤخرا. أعتقد أنني عندما أقرأ قصصه أنني أفهم الطبيعة البشرية بشكل مختلف عما أعرفه من قبل.وعندما بدأت الكتابة، كان همنجواي بالتأكيد من أكثر الكتاب الكلاسيكيين الذين أثروا فيّ، مع غيره بالطبع.
عندما فاز بوب ديلان بجائزة نوبل في الأدب، أعتقد الكثير من النقاد أن الأدب بمفهومه التقليدي انتهي، ما هو رأيك حيال هذه القضية؟
علي المستوي الشخصي، كانت أفضل أن يحصل “كاتب” علي جائزة نوبل لأن هناك الكثير من الجوائز للموسيقيين، ومن الجيد أن تذهب جوائز الأدب للكتاب، لأن هناك عدد كبير من الكتاب العظماء غير المعروفين، لكن أعتقد أن ديلان شاعر مهم في الولايات المتحدة يكتب أشعاره ويغنيها. وأعتقد أنه من العدل أن يحصل علي الجائزة عن شعره. والشيء الجيد في حصول ديلان علي الجائزة هو أنه جعلنا نري أن الاختلافات بين أنواع الأدب غير واضحة، وأن هناك مزيج بين أشكال الأدب. بدلا من يقتصر علي فئة واحدة، لأنني أري أن ما يدفع الأدب نحو التطور والنمو هو أن يضم أساليب مختلفة من السرد القصصي. حصول ديلان علي الجائزة لا يعني نهاية الأدب، هي مجرد جائزة، وأننا سنواصل كتابة الكتب.
هل اطلعت هل الأدب العربي؟
قرأت ثلاثية نجيب محفوظ، وفي رحلتي هذه كنت أبحث عن الأماكن التي كتب عنها، كما قرأت في طفولتي ” ألف ليلة وليلة”..وأخيرا قرأت ” عمارة يعقوبيان” لعلاء الاسواني، ومهتمة جدا بأن اقرأ الكتاب المعاصرين، وسأبحث عن ترجماتهم إلي الإنجليزية.
أخيرا: عندما تعودين ماذا ستكتبين عن زيارتك للقاهرة؟
بعد فترة صمت قالت:
رأيت الناس هنا تواقين للمعرفة ويريدون فهم ما هو الأدب وعلاقة الأدب بالحياة، بالفعل لقدعشت أسبوعا مع أناس يفكرون بشكل مختلف، وتواقين إلي المعرفة الجادة.